حكايات الدم والألم والبطولة في مُعتقلات الاحتلال الصهيوني
إن فلسطين تدقّ على جُدران الصمت والعار العربي، وتُعلن حاجتها المُلحّة والعاجلة جداً إلى أزمة ضمير وأخلاق عربية وعالمية، وإلى مواقف وطنية وقومية عروبية وإسلامية حقيقية وجادّة، وليس إلى بيانات واستعراضات، وتُعلن حاجتها إلى مَن يتطلّع إلى الحقول الخضراء في إنسان يحصد قمح حريته منذ أن حلّ الاحتلال ولم يتعب "..؟!!
في محطات المسيرة الاعتقالية الفلسطينية الأكبر في التاريخ الحديث، وفي قلب معسكرات الاعتقال الصهيونية وخلال عقود اعتقالهم في الزنازين والغُرف الانفرادية ، خاض الأسرى الفلسطينيون سلسلة إضرابات مفتوحة عن الطعام في مواجهة المُخطّطات الرامية إلى دفنهم أحياء في باستيلات الاحتلال..!، كان أحدثها وأقربها ومن أهمها، الإضراب الذي أعلنه في منتصف نيسان/أبريل2017، نحو ألف وخمسمائة أسير فلسطيني، وارتفع عددهم إلى نحو ألفي أسير، واستمر واحد وأربعين يوماً إلى أن عُلِّق فجر السبت/2017/5/27.
بعد التوصّل إلى اتفاق مع لجنة الإضراب بقيادة الأسير مروان البرغوثي وإدارة السجون في سجن عسقلان.
وأكّد عيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الأسرى وقدورة فارس رئيس نادي الأسير "أن الأسرى الفلسطينيين انتصروا في معركتهم على السجّان، وعلّقوا إضرابهم بعد التوصّل إلى اتفاق مع لجنة الإضراب بقيادة الأسير مروان البرغوثي حول مطالبهم الإنسانية".
وبهذا الإضراب يكون الأسرى الفلسطينيون قد خاضوا وفق الإحصاءات الفلسطينية نحو أربعة وعشرين إضراباً رئيسياً عن الطعام في مواجهة إجراءات القمْع والتنكيل والإلغاء التي تُمارسها ضدّهم مصلحة السجون الاحتلالية.
أربعة وعشرون إضراباً مفتوحاً عن الطعام حتى الموت خاضها آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون ومُعتقلات الاحتلال، منذ أن وقعت الضفة الغربية وقطاع غزّة في أسْر الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، تُضاف إليها مئات الإضرابات الامتناعية والعصيانية وأشكال الاحتجاجات الإنسانية المختلفة الأخرى، التي قدّم الأسرى الفلسطينيون خلالها مئات الشهداء، فذكر أن ( 202 ) أسيراً قد استشهدوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967 ، من بينهم 47 أسيراً تمت تصفيتهم وقتلهم بدم بارد في اللحظات الأولى لاعتقالهم.
يُطلقون على الإضرابات هناك في فلسطين تارة " رحلة الموت والجوع "، ويُطلقون عليها طوراً "رحلة المِلح والجوع"، بينما يُطلقون عليها تارة ثالثة "معارك الأمعاء الخاوية"، ويطلقون عليها أحياناً "انتفاضات الحركة الأسيرة الفلسطينية" .
ويُجمِعون كلهم على امتداد سجون ومُعسكرات الاعتقال الاحتلالية على :
" نعم للجوع ... ولا .. ألف لا للركوع "
وكأن لسان حالهم يقول دائماً :
" سنصبر حتى يعجز كل الصبر عن صبرنا " ..
ويُنشدون كلهم أيضاُ مع معين بسيسو:
"نعم لن نموت، نعم سوف نحيا
ولو أكل القيْد من عظمنا
ولو مزَّقتنا سياط الطُغاة
ولو أشعلوا النار في جسمنا
نعم لن نموت، ولكننا
سنقتلع الموت من أرضنا"
وكانوا يُحضّرون دائماً الجسد والروح لخوْض رحلة الجوع الطويلة ....!
فتحوّلوا إلى "رجال مِلح وصبر خجلت الأسطورة من صمودهم التاريخي " كما وثّق عيسى قراقع رئيس نادي الأسير في خلاصة قراءته لكمٍ هائلٍ من التقارير والنشرات والدوريات التي تتحدّث عن مُعاناة الحركة الأسيرة الفلسطينية، مُضيفاً:" لقد أدرك قادة إسرائيل الإنجازات التي حقّقها الأسرى الفلسطينيون بتضحياتهم ومُعاناتهم خلال سنوات طويلة، ولذلك فالحرب من وجهة نظرهم هي حرب على الوطنية الفلسطينية، وعلى الوعي الوطني الفلسطيني".
ولذلك نؤكّد: عندما يتعرّض الأسرى لحرب إبادة سياسية ومعنوية على يد السجّان الصهيوني، فإنه يصبح من الطبيعي أن تتحوّل سيرة الحركة الأسيرة الفلسطينية في مُعتقلات الاحتلال، إلى سيرة مُدجّجة بحكايات الدم والألم والمُعاناة والبطولة، وللأسرى الفلسطينيين في ذلك:"قصص وحكايات طويلة، وإن خُطّت على ورق ستملأ عشرات المجلّدات، فلكل أسير منهم أمّ لها دموع ذُرِفَت لتكتب بها عشرات القصص، وأشقاء فرّقتهم الأسلاك الشائكة ومزّقت أوصالهم جُدران السجون، وللأسرى أصدقاء وجيران اشتاقوا لرؤيتهم وعانوا من فراقهم، وللأسرى أطفال تُرِكوا من دون أن يستمتعوا بحنان آبائهم ودفء أحضانهم، وكبروا واعتُقلوا ليلتقي الآباء الأسرى بأبنائهم خلف القضبان، كما هي حال الأسير أحمد أبو السعود الذي ترك ابنه طفلاً ليلتقيه بعد عشرين عاماً في الأسْر-كما يوثّق عبدالناصر فروانه الباحث في شؤون الأسرى".
ورغم كل ذلك، يُجمع الفلسطينيون هناك على "إن سنوات الأسر الطويلة لم ولن تكسر إرادة الأسرى ولن تفتّ من عزائمهم، فبعد كل هذه السنوات الطوال يظلّ الأسرى عنواناً للصمود والتحدّي وتنتصر إرادتهم على سجّانيهم".
لذلك، من دون حل هذا الملف ستبقى كل الملفات الأخرى بلا حل، وبالتالي فإن قضية الأسرى تحتل قمّة الأجندة الوطنية الفلسطينية، ويُفترض أن تحتل أيضاّ قمّة البرنامج الوطني الكفاحي الفلسطيني، وقمّة أجندة المفاوضات الفلسطينية مع الاحتلال(إن حصل واستؤنفت في يوم من الأيام على نحو جدّي).
ومن جهة اخرى، يُجمِع الفلسطينيون هناك في معسكرات الاعتقالات الجماعية وخارجها، وعلى مستوى كافة جمعيات ولجان الأسرى وحقوق الإنسان، على ضرورة وإلحاحية تدويل قضية آلاف الأسرى الفلسطينيين، ما يحتاج إلى جهود فلسطينية وعربية جبّارة مُعزّزة بدعم وإسناد كافة جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان على المستوى الأممي.
ولعلّنا نُثبت في الخاتمة العاجلة في ضوء هذه المُعطيات حول الحركة الأسيرة الفلسطينية ومسيرة النضال والدم والألم والمُعاناة والبطولة للأسرى الفلسطينيين، وفي ضوء مُعطيات المشهد الفلسطيني كله على امتداد خريطة الوطن المحتل التي حوّلها الاحتلال إلى أضخم معسكر اعتقال على وجه الكرة الأرضية:
إن فلسطين تدقّ على جُدران الصمت والعار العربي، وتُعلن حاجتها المُلحّة والعاجلة جداً إلى أزمة ضمير وأخلاق عربية وعالمية، وإلى مواقف وطنية وقومية عروبية وإسلامية حقيقية وجادّة، وليس إلى بيانات واستعراضات، وتُعلن حاجتها إلى مَن يتطلّع إلى الحقول الخضراء في إنسان يحصد قمح حريته منذ أن حلّ الاحتلال ولم يتعب "..؟!!
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]