"أسير" الوطنية
يا أيها الذين ينادون بالوطنية ولا يعرفون لها سبيلاً، انظروا إلى ماهر الأخرس، واستدلّوا حتى إذا ما صدقت النوايا ستصلون حتماً إلى التحرير والعودة.
"كَسْري هو كَسْر للأسرى ولشعبي ولهذا ماض في إضرابي"، هذا ما قاله الأسير ماهر الأخرس في يوم إضرابه الواحد والثمانين، لم أتمكَّن من تجاوزه او أنساه، ففيه تفانٍ خالص، ليس من أجل نفسه حتى ينال الحرية إنما أيضاً للأسرى والشعب الفلسطيني، فماهر المُناضِل الذي أصرَّ على انتزاع حقوقه من العدو ولم يفكّ إضرابه عن الطعام إلا بعدما خَنَعَ هذا العدو أمام إرادته، بقي يُجابه عذابات طوال مائة وأربعة أيام متواصِلة بسلاحٍ لا يُجيد استعماله إلا صاحبه!
بقي ماهر يرفض تناول الطعام وأية مدعَّمات حتى بات لا يقوى على الكلام، ورغم ذلك أرسل رسائل القوَّة والصمود من الأسْر من على سرير المستشفى أنه يريد الحرية والكرامة، وأنه لن يتناول طعاماً وأنه مستعد للموت، وقد تراجعت حاله الصحية تماماً، وحذَّر الأطباء من ذلك، حتى مستشفى (كابلان)"الإسرائيلي" الذي وضعوه فيه، نفض يده وطلب نقله إلى مكانٍ آخر حتى لا يتحمَّل ما أسماه "تداعيات" استشهاده، بهذه الصلابة تحدَّى ماهر "إسرائيل"، وبهذه الوطنية أبى أن يترك باباً موارباً ليتسلَّل ضعفاً حتى لو كان قليلاً إلى قلوب الأسرى والشعب الفلسطيني.
أقول بهذه الوطنية ولم يُرِد ماهر من خلال الإضراب إنقاذ نفسه! عجباً، لقد هزَّ أدمغة لم تستوعب بقاءه مائة وأربعة أيام بلا طعام، بلا مدعَّمات!إنما في سبيل اشتداد عود الأسرى وإيصال رسالة إليهم أنكم دائماً وأبداً المُحقِّون الأقوياء المناضلون الذين لا يكسرهم طغيان السجَّان، وكذا لإيصال رسالةٍ إلى الشعب الفلسطيني أن الأسرى يأبون الظلم والهوان والاستسلام لا وبل يفضّلون الموت على ذلك، فكونوا واثقين أنكم أنتم أصحاب الحق والأرض وتقرير المصير، وبإيمانكم بمقاومة الكيان الغاصِب ستحقِّقون الحرية والكرامة اللتين لم يطالب بهما الأسير لنفسه فقط إنما لشعبه وللأسرى، أيضا ًفي إضراب الأسير رسالة إلى العدو أنك مهما عتيت ونكّلت وقتلت وسرقت لن يُغيِّر من الحقيقة شيئاً ولن يعطيك حقاً على هذه الأرض، وأن الانتصار سيتحقَّق بخيارين لا ثالث لهما! إما بتحرير ماهر أو باستشهاده فيكون بذلك قد أبقى على جَذْوَة المقاومة والإرادة للشعب والأسرى.
نعم لقد جسَّد ماهر والأسرى هذه الوطنية، وجعلنا نُدرِك فعلاً مفهومها بمعناه، فهي ليست نثراً ولا شعراً نتغنَّى بهما، إنما وقعاً يلامس آثاره الفعل الحقيقي، فيا أيها الذين ينادون بالوطنية ولا يعرفون لها سبيلاً، انظروا إلى ماهر الأخرس، واستدلّوا حتى إذا ما صدقت النوايا ستصلون حتماً إلى التحرير والعودة.