وقود ومواقد صديقة للبيئة
نجحت تجربة رائدة في مجال التدفئة جمعت بين وقود نباتي، ومدافئ خاصة به، بأسعار تناسب مختلف الفئات الاجتماعية، وأهمّ ما حقّقته التجربة هو صداقتها للبيئة من زوايا مختلفة، ويمكن أن توصف التجربة بـ"ثورة" في عالم التدفئة.
لا يُخفى أن التدفئة الرائجة، إن باعتماد المواقد، أم المداخن (الشاميناه)، أم التدفئة المركزية، تشكّل مصدر إرهاق لمتوسطي الدخل وما دون، علاوة على ما تشكّله من عبء بيئي كبير، إن باعتماد الوقود النفطي- المازوت والغاز أساساً، وما يسبّبه من تلوّث بيئي كبير، أو ما يخلّفه من انبعاثات في المنزل تضرّ بالصحة، أو الحطب وما يشكّله من ضرب للثروة الحرجية.
تكاليف باهظة
وعلى صعيد التكاليف، فقد بلغ سعر برميل المازوت نحو 220 دولاراً، أي ما يوازي المدخول الشهري لموظف عادي بعد تقديم الدولة لما أسمته مساعدات اجتماعية ضاعفت به الرواتب بـ 7 أضعاف تقريباً.
بينما يحتاج المنزل في الأرياف متوسطة الارتفاع ما بين 5 و 6 براميل، أي نصف المدخول السنوي للعائلة تقريباً في حال الاقتصار على التدفئة بالموقدة. أما التدفئة المركزية، فتحتاج، على الأقل، ضعفي استهلاك الموقدة العادية.
البيئة
وعلى الصعيد البيئي، فالوقود الأحفوري (نفط وفحم حجري) هو سبب الاحتباس الحراري المسبّب للاختلال في المناخ، وارتفاع حرارة الأرض، وحدوث اضطرابات من حرارة عالية، وممتدة صيفاً، إلى رياح عاتية، وأنواء مدمّرة، وعواصف ثلجية شتاء، علاوة على ما يتركه استخدام الوقود الأحفوري من فضلات غازية مؤذية لدى اشتعاله في المنازل.
ويأتي الاعتماد على التدفئة على الحطب ليضيف مشكلة بيئية تفاقم نتائج التلوّث، وهي قطع الأشجار، وحرق الغابات للحصول على الحطب، علاوة على أهداف أخرى، ما بات يهدّد أمكنة كثيرة بالتصحّر، ويُفقد الغابات دورها في التوازن الطبيعي، وبذلك، يضاف عنصر هام آخر إلى الممارسات المضرّة بالبيئة، والمسبّبة للخلل المناخي.
انقلاب في وسائل التدفئة
المبادرة الجديدة تقلب مفاعيل التدفئة الرائجة رأساً على عقب، باعتماد وقود من فضلات الأشجار، إن عبر "التشحيل" الضروري للشجرة، أم ما تخلّفه الأشجار وراءها من متساقطات كالأغصان والأوراق اليابسة، إضافة إلى مختلف أنواع النباتات التي يفترض إزالتها بعد تلفها، وتيبّسها.
بالتقنية الجديدة، يجري تجميع فضلات الأشجار، والنباتات، فتنظّف الطبيعة منها، من جهة، وتحمي الغابات من احتمالات الحريق بسببها، من جهة ثانية، وتخضع الفضلات المتجمعة لضغط بواسطة معدّات مخصّصة لها، طوّرها الصينيون بأسعار رمزية مقارنة مع المعدات التي اخترعها الأميركيون للغاية ذاتها، لكن بأسعار عالية.
حبوب كبس النشارة
الوقود الذي بات مستخدماً في كثير من دول العالم يعرف "بحبوب كبس النشارة" أو ال (pellets)، وأوّل من استخدمه الأميركيون، وانتشر نحو دول الغرب المحتاجة للوقود، وبِيع بأسعار عالية قريبة من أسعار الوقود الأحفوري، أو الحطب.
بواسطة "حبوب كبس النشارة"، بات بإمكان العائلة أن تتكلّف ما لا يزيد عن 300 دولار أميركي، مقابل اشتعال نظيف، واقتصاديّ.
لكن المواقد الرائجة لدى مختلف مواطني الشرق، على الأقل، لا تعمل إلا بالنفط، أو الغاز، أو الحطب. فما كان من الصينيين، ودول أخرى، إلا أن طوّروا مدافئ تعمل فقط على الوقود الداخل حديثاً إلى الشرق، وهو "حبوب كبس النشارة".
يفترض اعتماد مدافئ تعمل على هذه الحبوب، وتكون بمتناول المؤسسات الصغيرة، كالبلديات والجمعيات، أو مستثمرين برساميل محمولة، وذلك عبر تجهيز مشاغل لإنتاج الحبوب يمكن تَحَمُّلُ تكاليفها.
ومن التطورات الحديثة في هذا المجال هو تطوير مواقد تؤمّن تدفئة منزلية مباشرة بتشعيل الحبوب، وفي الوقت عينه، تسخّن كميات مياه، يجري ضخها عبر شبكة التدفئة المركزية، فيتحوّل الموقد إلى تدفئة المنزل كله بواسطة هذه الموقدة المتطورة التي حلّت محل كل معدات تشغيل التدفئة المركزية باهظة الثمن، وليست إلا بمتناول الميسورين.
تجربة توليف "حبوب كبس النشارة" ومواقد التدفئة، والتدفئة المركزية، أجراها الرئيس السابق لبلدية بينو، أقاصي الشمال اللبناني، فايز الشاعر، وهو مستثمر في قطاع التجارة عبر تواصله مع الصين، وزياراته المتكررة إليها، إضافة إلى نزعته البيئية.
الشاعر والصين
يقول الشاعر في حديث مع "الميادين نت" إن قطع الأشجار طالما أزعجه، وكان يفكّر دائماً ببديل من قطع الأشجار، وفي الوقت عينه، الاعتماد على وقود غير نفطي، وقد لفت نظره، كما قال، عندما كان يستخدم بعض فضلات الخشب المضغوط للتدفئة، فلاحظ اشتعالاً جيداً لها، من دون أن تترك أيّ آثار جانبية، ما كان دافعه للبحث عن وقود شبيه بالخشب المضغوط المصنوع من الفضلات الخشبية.
ومن خلال اتصالاته مع تجار صينيين، علم بوجود مصانع لوقود "حبوب كبس النشارة"، فاستورد مصنعاً منها منذ 10 سنوات، لم تسعفه الظروف بتشغيله، خلافاً للظروف الحالية التي تضغط باتجاه تأمين وقود بديل، يخفّف عن كاهل المواطن، من جهة، ويحمي البئية، من جهة ثانية".
تحت ضغط الأزمة، بات تجريب المشغل ضرورياً، فوضعه بالتجربة، ونجح فيها، ويفيد بأنه "بات ينتج كميات تتزايد يوماً بعد يوم مع تعمّق التجربة"، متمنياً أن يتمكّن من تأمين الكميات اللازمة لمن يحتاجها بحلول موسم البرد المقبل".
على صعيد المواقد العاملة بـ"حبوب كبس النشارة"، أوضح أن "هناك نوعين منها، نوع للتدفئة المباشرة التي تعطي الدفء للقاعة التي تُجَهّز بها، ونوع للتدفئة المركزية غبر شبكة توزيع المياه على الغرف، وتعطي تدفئة لكل المنزل".
يخلص الشاعر إلى أن نجاح التجربة يعني تأمين الوقود بأسعار مقبولة من الجميع، وحماية البيئة من الوقود الملوّث للبيئة، ووقف تقطيع الأشجار والحرائق، وتنظيف البيئة من المخلّفات الطبيعية.
كما يجري الشاعر اختبارات على تطوير معدات لتحويل المواقد المتوافرة في المنازل لكي تعمل على "حبوب كبس النشارة"، ما يوفّر على العائلات تغيير المواقد، لكن بطريقة تبقي المواقد العتيقة تعمل بالطريقة التقليدية في حال توافر وقود لها.
ويتمنّى الشاعر أن تعتمد المؤسسات العامة والخاصة طريقته السهلة، والممكنة بأسعار مقبولة، ويضع خبرته بتصرّفها خدمة للمجتمع والبيئة.