لبنان: افتتاح محمية جزر النخل وسط انعكاسات الأزمة الاقتصادية
أتاحت الحماية البيئية على جزيرة النخل الفرصة للسلاحف للتكاثر، وبعد تهدّدها بالانقراض نظراً لعدم توافر بيئات حاضنة لتبييضها، وتفقيس البيوض.
فتحت "محمية جزر النخل" قبالة مدينة طرابلس شمال لبنان ذراعيها ترحيباً بالزوار في موعدها السنوي ، فحضر وزير البيئة ناصر ياسين، ولجنة المحميّة ممثلة برئيسها المهندس عامر حداد، وحشد من المهتمين، وعشّاق المحمية، وحياة البحر، وقاموا بزيارتها لإعلان افتتاح موسمها أمام العامّة، كما في كل عام.
شقّ المركب البحر في رحلة ممتعة بحد ذاتها قبل بلوغ الهدف. الأفق صافٍ، غرباً، والجبال تطلّ شرقاً، والمركب يتهادى على وقع أمواج خفيفة، وقد مرّ قرب جزر متناثرة، منها (عبد الوهاب، والبلان)، وصولا إلى المحميّة البحرية الأهم في المتوسط، حيث لم يمضِ وقت طويل على حصولها على شهادة عالمية في التنوّع البيئي، والدور الذي تقوم به.
المحميّة تتكوّن من 3 جزر هي "النخل"، وعرفت في فترة من الفترات بجزيرة "الأرانب"، وجزيرة "رمكين" التي حملت لقب "الفنار" لوجود منارة لهداية السفن عليها، وجزيرة "سَنَنِي" المكتسبة تسميتها من شكل صخورها المسنّنة التي تمنع ارتيادها إلا للطيور.
تبعد المحمية مسافة 5,5 كلم غرب مدينة الميناء في طرابلس، وتبلغ مساحتها حوالي 417 هكتاراً، وتستغرق المسافة إليها زهاء نصف ساعة بالمراكب المنتشرة على شاطيء الميناء، والتي تحوّلت منذ إعلان الجزر محميّةً، إلى “تاكسيّات” بحرية مخصّصة لنقل الزوّار، ومحبي المحميّة.
خلال زيارة الافتتاح، تناول الوزير ياسين المحميّة في كلمة له، لافتاً إلى أهميتها، وغناها، والدور الذي لعبته منذ نشأتها في الحفاظ على الطيور، والحيوانات البحريّة، وأنواع نباتات وزهور نادرة.
ياسين: المحمية ذات أهميّة متوسطيّة
ولفت الوزير ياسين الى ان “هذه المحمية تُشكّل أحد المواطن القليلة المتبقية لتوالد السلحفاة الضخمة الرأس (كاريتا كاريتا)، والسلحفاة الخضراء، وهما صنفان من السلاحف النادرة المهددتان عالمياً".
أتاحت الحماية البيئية على جزيرة النخل الفرصة للسلاحف للتكاثر، وبعد تهدّدها بالانقراض نظراً لعدم توافر بيئات حاضنة لتبييضها، وتفقيس البيوض، إلا أن فريق الحماية للجزر أمّن لها ظروف تبييض وتفقيس، منها حمايتها من الغربان التي تقتات على البيوض، أو من الأفاعي التي تصطادها، إلا أن المحميّة تحولت مكاناً آمنا تستطيع فيه السلحفاة التبييض والتفقيس، معتمدة وسائل إخفاء بيوضها في الرمال حتى حلول موعد التفقيس الذي غالبا ما يكون منتصف شهر أيار /مايو.
وأشار إلى أنها مكان استراحة "لعدد كبير من الطيور المهاجرة، بالإضافة الى أنها غنيّة بالحياة النباتية الساحلية”، لافتاً إلى أنه “على الصعيد الإقليمي والعالمي، تمّ إعلان المحميّة منطقةً رطبةً وفق اتفاقية "رامسار"، كما أعلنت محميّة خاصة ذات أهميّة متوسطيّة، وتم تصنيفها من قبل المجلس العالمي للطيور كمنطقة هامّة للطيور”.
حدّاد: سعينا إلى وضع رقابة مشدّدة
وفي تصريح لحداد قال لـ"الميادين نت" إنّ "المحميّة اليوم تُفتح أمام العامّة وفق ضوابط تحافظ على شروط حماية الحياة البيئية فيها، لكن في ظروف بالغة الصعوبة، حيث بات المشاركون في تنفيذ قوانين حمايتها قلة من المتطوعين بعد تراجع الأوضاع الاقتصاديّة في البلاد، وشحّ الأموال التي تحتاجها ظروف حمايتها".
وقال حدّاد: "من البديهي أن لا يفلت قطاع من الأزمة التي نعيش، وهكذا بالنسبة للمحميّة، ولروّادها الذين بات كثيرون منهم عاجزين عن ارتيادها بسبب ارتفاع أثمان الوقود، وتكاليف النقل البحري”.
ولفت إلى الدور البيئي الهام الذي لعبته المحميّة منذ نشأتها أوائل التسعينات، إن على صعيد الطيور، المهاجر منها الذي بات يعتبرها موئلا له في هجرته بين الشمال والجنوب، أم الطيور التي يستقر فيها لموسم كاملٍ للتكاثر، ومنها ما هو معرّض للانقراض عالميا، فبات في مأمن بوجود الحماية على الجزيرة، ومن هذه الطيور النورس الأدويني”.
كما تحدّث حداد عن أهمية المحمية على مستوى الحفاظ على أنواع من الحيوانات البحرية التي هجرت المنطقة بسبب الاعتداءات السابقة، وشوهدت في العديد من المرات بعض حيوانات الفقمة، والسلاحف النادرة المهددة، كما يظهر في مياهها أحياناً أصناف من سمك القرش.
عن فتح المحمية أمام الزوار واحتمال الاعتداء عليها، وخرق القوانين، ذكر حدّاد أنه في البداية، سعينا إلى وضع رقابة مشدّدة على المحميّة عبر فريق عيّنته لجنة المحميّة، ما جعلها في مأمن بفضل وعي الجمهور، وتفهمه لأهمية الحماية بعد أن لمس بالمعاينة المباشرة كيف يمكن الاستفادة من الحماية، وكيف يعود ذلك بالراحة له.
لا يخفي حداد قلقه من تطورات الوضع الراهن واحتمالات انعكاس ذلك على المحميّة بسبب شحّ التمويل، لكنه يؤكد أن بين المتطوعين المهتمين بها، من "يحبها كأنها ملكاً له، ويصونها لعل المحنة تنتهي ونعود لتطويرها، وتحسينها وفق رؤىً لدينا نأمل أن نتمكن من تطبيقها في وقت قريب”.
تشكل المحميّة موئلاً للطيور والحيوانات البحرية ونباتات وزهور نادرة، لكنها أيضاً تشكّل متنفساً مجانياً للجمهور للتمتع والاستجمام في ربوعها، خصوصا على شاطئها الرمليّ الذي زودناه بمقاعد استراحة، ومظلات وقاية من الشمس، واتحنا المجال لقاصديها للتمتع بحرية قضاء يوم كامل، حيث