أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، عنصر "الوردة الشامية"، وما يرتبط بها من ممارسات وصناعات حرفية، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي.

وتتجاوز الوردة الشامية كونها جزءاً من الهوية الثقافية لمناطقها، لتصبح مورداً اقتصادياً للعائلات التي تعمل بها وتتوارثها جيلاً بعد جيل، مستفيدين من خواصها العطرية والغذائية والتجميلية والطبية.

بفارغ الصبر، تنتظر زهراء السيد أحمد (37 عاماً) موسم قطاف الوردة الشامية في قريتها قصرنبا في شرق لبنان، لتشتري كميات ضخمة منها وتحوّلها إلى ماء الورد أو المربى أو شراب الورد. 

تُغرِق يداها بالورد وتقول ضاحكة لوكالة فرانس برس "حين نقول صباح الورد، هذا هو صباح الورد الحقيقي"، بينما تفوح رائحة زكية في الأرجاء.

اقرأ أيضاً: "أغلى من الذهب.. وأبقى من النفط".. جمالُ الوردة الشامية يهزم قبح الحرب

وتضيف "ليس هناك ما هو أجمل من الورد، موسم قطافه هو أجمل موسم في قريتنا. قصرنبا هي قرية الورد".

ضيعة الورد قصرنبا #البقاع pic.twitter.com/PJt58knFMu

— zakia dirani (@ZakiaDirani) May 16, 2023

وتعد سوريا المجاورة المصدر الأساسي لهذه الوردة التي تعود زراعتها إلى آلاف السنين، وقد أغرت كلّ من مرّ على الأراضي السورية، فنقلها الى أوروبا بشكلٍ كبير الصليبيون منذ مئات السنين وسار على خطاهم الفرنسيون خلال فترة الانتداب في النصف الأول من القرن الماضي.

مميّزات الوردة الشامية

تتميّز الوردة الشامية برائحة نفّاذة زكية. وإضافة الى استخدامها في تركيب العطور، يُستخدم ماء الورد في الشرق في صناعة الحلويات كما في تعطير المساجد.

وتعدّ في بعض الدول جالبة للحظ وخصوصاً في الأفراح. وتُستخدم أيضاً في المستحضرات الطبية الطبيعية ومستحضرات التجميل وفي صناعة الصابون.

على شرفة منزلها في قصرنبا، تضع زهراء أوراق الورد في قدر ضخم، وتضيف إليه المياه لتبدأ عملية التقطير التي تستخدم فيها آلة تقطير قديمة ورثتها عن جدها. 

#سوريا | المراح قرية في القلمون السوري تنهض بزراعة الوردة الشامية pic.twitter.com/gqzdzNYMob

— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) June 4, 2020

وتكاد تجزم أن هناك آلة لتقطير الورد في كل بيت في قريتها الصغيرة، "كبيرة كانت أم صغيرة". 

اقرأ أيضاً: مشروع سوري للاستفادة من الوردة الشامية في المستحضرات الطبية

وتقول "صناعة ماء الورد جزء من تراثنا".

كيف يقطّر الورد الشامي؟

وتضيف "نصنع من الورد المياه المقطّرة ونجفّف أوراقه لاستخدامها في الزهورات، ونصنع منه أيضاً مربّى الورد" الذي يستخدم في تزيين الحلويات العربية على نطاق واسع.

ويُنتج كل كيلو من الورد نصف ليتر فقط من ماء الورد الذي تحفظه زهراء في عبوات زجاجية تعرضها للبيع.- "الورد يعطي الأمل" -

وفي حقل عائلتها في قصرنبا، لا تفارق الابتسامة وجه ليلى الديراني (64 عاماً) أثناء انهماكها بتنقية الورد بعناية.

وبعد القطاف الذي يستمرّ بضع ساعات في الصباح الباكر، تنقل ليلى وعائلتها أكياس الورد إلى مستودع في القرية حيث يبيعون حصادهم من الموسم الذي يدوم بضعة أسابيع فقط.

ورغم أن الموسم قصير، لكن تلك الأسابيع القليلة كفيلة بأن تجعل القرية أشبه بخلية نحل. 

الورد يعطي الأمل

وتقول ليلى لوكالة فرانس برس "يعطي الورد الأمل، المشهد يجعل كلّ شيء أجمل، يريح النفس ويمنح القوة".

وتضيف "من الجميل أن تصنع ماء الورد وتعمل في الوقت الباكر، لكن الأسعار لم تعد جيدة في هذه الأيام الصعبة".

ويروي حسن (25  عاماً) بينما يساعد والدته ليلى في قطاف الورد، "إنها المرّة الأولى التي لا نستعين فيها بعمال لمساعدتنا، لأن الإنتاج قليل ولا يمكننا تحمّل التكاليف.. لذا نعمل بأيدينا".

وعلى وقع الانهيار الاقتصادي الذي يعصف بلبنان منذ العام 2019، لم تتمكّن العائلة حتى من توفير الأسمدة اللازمة لضمان موسم وفير. 

ويقول مختار القرية ضاهر الديراني "خسر موسم الورد وكل المواسم 80% من قيمتها من جرّاء الأزمة" بعدما ارتفعت أسعار الأسمدة ومواد الرش وحتى اليد العاملة، فيما بقيت الورود متدنية الثمن.

لكن رغم الظروف الصعبة، ما زال موسم قطف الورد الذي ينتج 200 طن في قصرنبا وقرية تمنين الفوقا المجاورة، يريح عائلات القرية بعد فصل شتاءٍ قاسٍ. 

ويضيف "في الظروف الصعبة، ساعد الورد الناس على وضع الطعام على طاولاتهم".