بدائل تدفئة تحافظ على البيئة
أزمة الوقود تتحول إلى أزمة بيئيّة كارثيّة لما تعرّضت له غابات لبنان من قطع، وحرائق، وبات أمام كثيرين همّ تأمين طريقة تجمع بين الاعتماد على الطبيعة كمصدر للوقود والطاقة، دون إلحاق الضرر بالغابات، وتأمين التدفئة للمواطنين.
فرضت الأزمة الاقتصادية في لبنان، وفي العالم، البحث في حلول لمشكلة الطاقة بالترافق مع تفاقم أزمة المحروقات عالمياً، وتأزّمها لبنانياً بعد رفع الدّعم الرسمي عنها.
تفاقم أزمة الوقود، وصولاً لتعذر تأمينه خصوصاً للتدفئة في المناطق التي ترتفع ابتداء من 200 متر عن سطح البحر، دفع غالبية المواطنين للجوء إلى الشجرة، فكانت كوارث الحرائق التي طالت أكبر غابات البلاد، والهدف كما تبين دون إعلان، الحصول على الوقود بديلاً من المازوت.
مع العلم أن المازوت هو المادة التي تتيح الحياة في الجرود شتاءً، والتي من دونها تتعطّل المدارس عن العمل فيتوقف الطلاب عن الدراسة، وثمّة معضلة في تأمين الأموال لتغطية نفقات المازوت في المدارس تحول دون سير العمل بصورة طبيعية في المدارس.
من هنا، بدأت أزمة الوقود تتحول أزمة بيئيّة كارثيّة لما تعرّضت له غابات لبنان من قطع، وحرائق، وبات أمام كثيرين همّ تأمين طريقة تجمع بين الاعتماد على الطبيعة كمصدر للوقود والطاقة، دون إلحاق الضرر بالغابات، وتأمين التدفئة للمواطنين.
الطاقة البديلة
برزت في هذا المضمار بوادر مشجعة بدايةً، وهي الاعتماد على الطاقة الشمسية، ثم مراوح الهواء، لكن ما يحول دون هذا الخيار مشكلتان، الأولى، الثمن المرتفع للتجهيزات، والثاني، ضعف الطاقة التي تؤمّنها الطاقة الشمسية، أو الرياح، بهدف التدفئة التي تحتاج لمستوىً عالٍٍ من الكهرباء.
اضطر واقع الحال بعض المبادرين إلى تصميم، وتصنيع أنواع من المواقد التي يمكن أن تعمل على وقود الطبيعة من خلال نظرة بيئية، تراعي البيئة، وأهمية الحفاظ على الشجرة من جهة، وتؤمن وقوداً بخس الثمن، متوافراً في كل الأمكنة، مثل أغصان الشجر، وأوراقها، وفضلاتها المهترئة، وما شابه.
أحد العاملين في تأمين الطاقة الشمسية فايز الشاعر، عرض ما وصله من بوادر تكمّل عمل ألواحه، وهي موقدة مطوّرة في منطقة الشوف (جبل لبنان)، مكوّنة من قسمين منفصلين، كل قسم على شكل اسطوانة مربعة ترتفع زهاء الثمانين سنتمتراً، واحدة لاستيعاب الوقود، ونقله إلى الثاني الذي يحتوي على بيت النار، المكان الذي يجري فيه الاحتراق.
يفيد الشاعر أن أهمية هذا الاختراع، إذا جاز التعبير، إنه "يعتمد على الفضلات الطبيعية للشجر، من أوراق وأغصان متيبسة، يجري جمعها من الطبيعة، وعلى تشحيل مبرمج للأشجار بالاقتصار على تقطيع بعض من الأغصان المنخفضة الارتفاع على الشجرة، فتصبح الشجرة متباسقة، وأغصانها الباقية عالية، حتى إذا وصل حريق لسبب ما إلى الغابة، لا يطال الحرائق الأغصان العالية، بل ينظّف الأرض من الهشير اليابس".
من جهة أخرى، يوضح الشاعر أن "الموقدة الجديدة يمكن أن تعمل على أي وقود نباتي، خصوصاً مادة الجفت التي تعتبر من فضلات الزيتون بعد عصره، وهي مادة متوافرة في معظم المناطق اللبنانية نظراً لأهمية الزيتون، واعتماد اللبنانيين عليها على نطاق واسع".
تطوير أنواع من الوقود
بعض المعتمدين في عملهم على هذا الصنف من المصنوعات، طوّروا أنواعاً من الوقود مصدرها حرجي نباتي، حيث يجري جمعها، وطحنها في معدات خاصة، وضغطها بقوة فينتج عنها عيدان كالأصابع، تزوّد بها الموقدة، فتطحنها، ويتم اشتعالها في بيت النار، بحسب الشاعر.
ويؤكّد الشاعر ان "الفارق بين تكاليف وقود فضلات الغابات، والمازوت، كبير جداً، بحيث لا تزيد الكلفة عن ربع كلفة المازوت، ويمكن أن يعتمد الناس على انفسهم بجمع المواد من الطبيعة دون اللجوء إلى تقطيع الأشجار".
الشوفاج
تعتبر التدفئة بما يعرف "التدفئة المركزيّة" (الشّوفاج) من أرقى أساليب التدفئة، لكن أكثرها كلفة لما تحتاجه من كمية وقود نفطية، وتحديداً المازوت، بحيث تتراوح بين ضعفي و 3 أضعاف الحاجة المنزلية للتدفئة بالوقود عن طريق المدافيء المعدنية، ما يجعل الاستمرار بها مقتصراً على أعداد قليلة من الميسورين جداً.
إزاء تفاقم أزمة المازوت، بادر بعض التقنيين، والمهندسين لتطوير مدفأة المنزل المعدنية العادية، ويشرح الشاعر المهتمّ بالفكرة بقوله أنه "يتم تزويدها بخزان للمياه يجري تسخينها من الوقود المستخدم في المدفأة، إن كان مازوتاً، أو شجريّ المصدر، ومنه الجفت، ويزوّد خزان المياه بمضخّة للمياه الساخنة بعد وصلها بشبكة الشوفاج، فتضخ المياه الساخنة إلى كل أقسام المنزل، وتتم عملية التدفئة بما يستهلك من وقود في غرفة واحدة".
في التدفئة السابقة، يحصل المواطن على تدفئة عالية من المدفأة من حيث هي مثبتة، بحسب الشاعر، لكن "بقية الغرف تعاني من برودة عالية، وتشكل فارقاً كبيراً بين غرفة التدفئة، وبقية أقسام المنزل، لكن مع التطوير الجديد للمدفأة، بات بالإمكان الحصول على تدفئة أقسام المنزل التي لا يجري فيها أي اشتعال، تماماً كما يفعل الشوفاج".
يخلص الشاعر إلى أنه "بوسع الانسان الاعتماد على نفسه بتأمين وقود جيّد للتدفئة، مع الحرص على الحفاظ على البيئة، وعلاوة على ذلك، تبقى الغابات والأحراج نظيفة من الأوساخ، والهشير، والجموم المتيبسة، وماشابه".