هذه هي درجة الحرارة التي يمكننا تحمّلها
بمعدّل عالمي، تضاعف تعرّض البشر للحرارة الشديدة 3 مرات من العام 1983 إلى العام 2016، ولا سيما في جنوب آسيا. ويمكن أن تسبّب درجات الحرارة المرتفعة أعراضاً قاتلة، كالإرهاق الشديد والجفاف وأمراض الكلى والقلب، كما أنها تؤثر في سلوكنا، كزيادة العدوانية.
تقدّر بعض الدراسات أنَّ احتمال نجاح البشرية في الحفاظ على ارتفاع حرارة الأرض سنوياً عند درجة ونصف درجة فقط لا يتجاوز 1%. بمعنى آخر، إنَّ موجات الحرارة التي تشهدها العديد من دول العالم ستصبح ظاهرة معتادة من الآن وصاعداً.
وبعيداً من الحرائق التي تسبّبها، فإن عدد ضحايا ارتفاع درجات الحرارة بشكل مباشر في تصاعد أيضاً، الأمر الَّذي دفع العلماء إلى إعادة دراسة حدود قدرة البشر على الصمود أمام الحرارة العالية، بعد أن سقط آلاف الضحايا في الأسابيع القليلة الماضية جراء ما يُعرف باسم "الإجهاد الحراري".
وفي هذا السياق، يقول فيفيك شانداس، باحث التخطيط البيئي والتكيف مع المناخ في جامعة ولاية بورتلاند في ولاية أوريغون، إن "الأجسام قادرة على التأقلم على مدى فترة من الزمن" مع التغيرات في درجات الحرارة، علماً أن "هناك العديد من التحولات المناخية التي نجا منها البشر، لكننا في وقت تحدث هذه التحولات بسرعة أكبر".
في منتصف العام الحالي، سجّلت الحرارة أرقاماً قياسية في وقت مبكر من السنة، كما حصل في شهر نيسان/أبريل في الهند (45 درجة مئوية) وفي بعض نواحي باكستان (49.5 درجة مئوية)، قبل أن تنطلق إنذارات الحرارة الشديدة في جميع أنحاء أوروبا بدءاً من شهر حزيران/يونيو وتستمرّ حتى تموز/يوليو، ما أدى إلى تفاقم الجفاف وإشعال حرائق الغابات.
وحطّمت المملكة المتحدة أعلى رقم قياسي لها على الإطلاق في 19 حزيران/يوليو، عندما وصلت درجات الحرارة إلى 40.3 درجة مئوية في قرية "كونينغسبي".
تضاعف تعرّض البشر للحرارة الشديدة
بدورها، شهدت اليابان أسوأ موجة حرّ في حزيران/ يونيو الماضي منذ بدء حفظ الأرقام القياسية عام 1875، فسجلت 40.2 درجة مئوية. وكذلك الحال في المدن الساحلية في الصين التي لم تشهد في العصر الحديث ارتفاع درجات الحرارة إلى ما يزيد على 40 درجة.
وبمعدل عالمي، تضاعف تعرّض البشر للحرارة الشديدة 3 مرات من العام 1983 إلى العام 2016، ولا سيما في جنوب آسيا. ويمكن أن تسبّب درجات الحرارة المرتفعة أعراضاً قاتلة، كالإرهاق الشديد والجفاف وأمراض الكلى والقلب، كما أنها تؤثر في سلوكنا، كزيادة العدوانية وتقليل القدرة على التركيز.
في العادة، يمتلك جسم الإنسان طرقاً مختلفة للتخلص من الحرارة الزائدة والحفاظ على كفاءة الأعضاء عند درجة حرارة مثالية تبلغ نحو 37 درجة
مئوية (98.6 درجة فهرنهايت)، لكنَّ هناك حدّاً لدرجة الحرارة التي يمكن للبشر تحمّلها.
عند التفكير في "الإجهاد الحراري"، يستخدم العلماء درجات حرارة "المصباح الرطب"، لأنها مقياس لمدى إمكانية التبريد من خلال التبخّر في مناخ معين، كما يقول عالم المناخ في ولاية بنسلفانيا دانيال فيسيليو.
عندما يتبخّر الماء من الجلد أو سطح آخر، فإنّه ينتج طاقة على شكل حرارة، ويبرد هذا السطح لفترة وجيزة. هذا يعني أن درجة حرارة المصباح الرطب تكون في المناطق الأكثر جفافاً - حيث يحدث تأثير التبريد السريع الزوال بسهولة - أقل من درجة حرارة الهواء الفعلية. ومع ذلك، في المناطق الرطبة، تتشابه درجات حرارة المصابيح الرطبة والجافة، لأن الهواء رطب جداً، ما يُصعب على العرق التبخر بسرعة.
في العام 2010، قدّر العلماء أن حد "الإجهاد الحراري" النظري يكون عند درجة حرارة مصباح رطب تبلغ 35 درجة مئوية. ونظراً إلى تعقيد نظام تبريد الجسم والتنوع في أجسام البشر، لا توجد عتبة واحدة لدرجة حرارة الإجهاد الحراري تكون مناسبة للجميع، فللعمر ونسبة التعرق وحجم الجسم أدوار في تحديد درجة الحرارة القصوى التي يمكن تحمّلها.
حتى الأمس القريب، كان يُعتقد أن حرارة 35 درجة مئوية على مقياس مصباح رطب هي النقطة التي لا يعود بإمكان البشر بعدها تنظيم درجات حرارة أجسامهم، لكن الأبحاث المخبرية الأخيرة التي أجراها فيسيليو
وزملاؤه تشير إلى أنَّ عتبة العالم الحقيقي العامة لـ"الإجهاد الحراري" البشري أقل بكثير، حتى بالنسبة إلى الشباب والبالغين الأصحاء.
"الإجهاد الحراري"
تتبّع الباحثون الإجهاد الحراري لدى 20 شخصاً تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، في ظل مجموعة متنوعة من المناخات الخاضعة للرقابة. في سلسلة التّجارب، قام الفريق بتنويع ظروف الرطوبة ودرجة الحرارة داخل غرفة بيئية، وأحياناً حافظ على درجة الحرارة ثابتة مع تغيير الرطوبة، وأحياناً العكس.
بذل الأشخاص داخل الغرفة ما يكفي لمحاكاة الحد الأدنى من النشاط الخارج، أو المشي على جهاز المشي أو الدواسة ببطء. خلال هذه التجارب التي استمرت لمدة ساعة ونصف ساعة إلى ساعتين، قام الباحثون بقياس درجات حرارة جلد الأشخاص باستخدام المجسات اللاسلكية، وقيّموا درجات الحرارة الأساسية باستخدام حبوب قياس عن بعد صغيرة ابتلعها المشاركون في الدراسة.
في الظروف الدافئة والرطبة، لم يتمكَّن الأشخاص من تحمّل "الإجهاد الحراري" عند درجات حرارة مصباح رطب تناهز 30 درجة مئوية.
ولفهم هذه الأرقام بشكل دقيق، فإنّ درجة حرارة المصباح الرطب البالغة 25 درجة، وبنسبة رطوبة 10%، توازي 50 درجة مئوية في حساباتنا اليومية. وتكمن أهمية هذه التجربة في أن ملايين الأشخاص سيكونون معرضين لخطر الحرارة الأكثر فتكاً في وقت أقرب مما أدرك العلماء.