لبنان: قرية حسون البيئية تختبر نمط عمل محليّ بديل

تتحوّل القرية إلى مختبر واسع تتم فيه مختلف الصناعات العطريّة، والصابون، كما تجري فيها اختبارات كثيرة ومتنوعة على الاقتصاد البديل الذي يمكن القول أنه يتأسس على يد صناعييها، وحرفييها بإشراف من مؤسسها بدر حسون. 

  • لبنان: قرية حسون البيئية تختبر نمط عمل محليّ بديل
    حسون: كلّما اعتمد الإنسان على أرضه كلما اتسعت دائرة الفائدة لمجتمعه

في آخر تجاربها، تؤسس إدارة قرية بدر حسون البيئية في شمال لبنان لنمطِ عملِ وإنتاجٍ جديد يجمع بين الصناعة والزراعة والبيئة والاقتصاد، لتلافي نتائج الأزمة الاقتصادية في لبنان وانعكاسات ما يجري في العالم، مُرسيةً بدائل إنتاجية محلية من مصادر طبيعية لبنانية، متجاوزةً الحاجة للسوق الخارجية.

وتتحوّل القرية إلى مختبر واسع تتم فيه مختلف الصناعات العطريّة، والصابون، وتُخْتَبر فيه أصناف من العلاجات للبشرة، والتدليك وفق الضرورة، كما تجري في القرية اختبارات كثيرة ومتنوعة على الاقتصاد البديل الذي يمكن القول أنه يتأسس في القرية على يد صناعييها، وحرفييها، بإشراف من مؤسسها بدرحسون. 

 تجارب حرفيّة ومهارات غير مسبوقة

منذ تأسيسها، لم يتوقف حسون عن البحث لتطوير صناعته، فأدخل على صناعة الصابون الكثير من العناصر الأخرى، وراح يغوص في تجارب حرفيّة وتقنيّة ومهارات غير مسبوقة، ومنها على سبيل المثال، تطوير وسائط تدليك، وتنظيف للوجه بدهون طبيعية مصنّعة في القرية، ومصنوعة من مواد مستخرجة من أراضيها؛ و"عطر الطهارة والقداسة" من خشب الأرز والذهب، ومادة الneem المنظِّمة للجهاز الهضمي من عطر الطبيعة، و"سفير العطر والطبيعة" من خشب الأرز والزيتون والصنوبر، وعطر سحر الحب الخارق انبثاقاً من سحر الشرق في صناعة العطور، وهو برائحة العود ولمسة الفانّيلا.

من بعض مبتكرات القرية، أيضاً، تأسيس متحف يضم 1400 منتجاً من صابونٍ، وعطورٍ، وكريمات، ومن يَزُرْه يخرج مرتاحاً نفسيّاً للروائح العطريّة المنتشرة منه، ويمكن للزائر فيه أن تصنيع الصابون بيده، وتلقي التدليك المناسب للوجه، مع معالجات وفق الضرورة حيث يعتبر خبراء القرية أن التنظيف العميق للوجه ضرورة، مع لفت النظر إلى أن العمليّة تراعي حاجز البشرة، وتحلّ مشاكلها، وهذه المادة المبتكرة في القرية تُستَخْدَم فيها نخالة القمح السائل، والصابون السائل البركاني.

 

حسون: علينا جميعا الاستعداد للأسوأ

وفي لقاء لـ "الميادين نت" مع مؤسس القرية الدكتور بدر حسون، تناول خلفية ابتكاراته، ودوافعها، في الظروف الحالية الصعبة، إن محليّاً أم دوليّاً، لافتاً إلى أننا، نحن في بلادنا البسيطة، كأننا في صراع بين فِيلَة، وليست  هذه هي المرة الأولى التي تمرّ بها بهذه الظروف".. 

ومن هنا يقول حسون، أنه "في هذه الظروف الصعبة، يجب علينا جميعا الاستعداد للأسوأ، وكصناعيّ، ومنتجٍ لمواد عضويّة، وطبيعيّة نظيفة، لمست أنه يمكن أن يكون عندنا بديل حتى نستطيع الاستمرار بتغذية السوق المحليّة، مهما حدث من تطورات، وذلك بالاعتماد على النفس، وعلى الأرض، فأفيد قدر الممكن المجتمع الذي أعيش فيه، وكلّما كان الانسان قويّاً ومنتجاً، ويعتمد على أرضه، كلما اتسعت دائرة الفائدة لمجتمعه، وفي ذلك كل الخير".

قوانين العمل وشروطها خبرها حسون منذ أن بدأ عمله في ثمانينات القرن الماضي ، وهذه الوجهة بدأها مسبقاً كما يقول، مضيفاً أن "القرية البيئية بُنيت على هذا المنطق، وفي حسابي أن تكون عندي أرض للزراعة، وعندي طاقتي البديلة، فالسخّان عندي يعمل على الحطب،  والغاز أستخرجه من الطبيعة عبر حفرة كبيرة أدفن فيها الفضلات الطبيعية، وبقايا الفضلات تتحول لسماد عضوي، وأعمل ذاتيا على تنقية، وتصفية للمياه المبتذلة لإعادة الاستفادة منها، وعندي بئر ماء، والعدّ من الابتكارات لا ينتهي، وعنوانها الاعتماد على الذات، وإيجاد بدائل تحمي الصناعة في الأزمات”. 

 المبادرة أمَّنت لنا مناعةً.. وبديلاً للمواد التي نفتقدها

عائلة حسون المقيمة في القرية مكوّنة مما لا يقل عن 60 شخصاً، ووضع حسون نصب عينيه كيفية الاكتفاء ذاتياً، بينما يستشعر خطراً محدقاً بالبشريّة منذ وقت طويل، ويقول: "منذ 12 سنة حضّرت القرية لتكون آمنة، ومكتفية ذاتيّاً، ووضعنا في حسابنا ليس التصنيع فحسب، بل أن نأكل من أرضنا، فعندنا مواد أوليّة، وزراعة أساسية، من تفاح، ومشمش، وسنديان، وأرضنا فيها الكثير من الأصناف التي تخدم كافة الغايات”. 

من ناحية ثانية، تحتاج الصناعة لمواد أولية يجدها الصناعيون في السوق العالمية مثل زبدة "شِيَا" الأفريقية ومواد أخرى من مختلف الدول، وهي بأسعار عالية، وأحيانا تُفْتَقد طريقة الحصول عليها، فراح حسون يبحث عن بدائل توفر النتيجة ذاتها، من الأرض، فزرع الازدلخت، والكينا، والصفصاف، والصُبَّير، والألوفيرا، والمريميّة، والخزامى (اللافندر)، والنعنع الكركمي، والفول، وسواها. 

يعلّق حسون على ذلك بقوله إن "هذه المبادرة أمَّنت لي مناعةً، وبديلاً للمواد التي نفتقدها، وترتفع أسعارها كثيراً في حال الاستيراد، وقدمنا منها بدائل صناعيّة للزبائن، من منتوجاتنا، فعلى سبيل المثال، بدلاً من أن نشتري مرهم الألوفيرا من أوروبا، بتنا نستطيع استخراجه من مزروعاتنا". 

بهذه الطريقة، يخفف حسون دفع الأموال للخارج، ويوفّر المال الذي يتعب به، ولا بد من ذكر تصنيعه للعطور التي "بتنا نصنعها في قريتنا، ولم نعد محتاجين لاستيرادها من الخارج"، كما قال، و"بذلك نعطي نموذجا للصناعيين الآخرين، مُحَفِّزين لهم لإعادة التفكير بالاعتماد على الذات، وبالاعتماد على الطبيعة حولنا". 

 تأسيس الطاقة البديلة

وقال: "أحاول أن تبقى المنتوجات، التي ننتج، ومردودها المالي، داخل لبنان قدر الإمكان، وصولاً إلى أن  تمسي 100% في الاستخدام اللبناني، وهذا ما نعتقد أنه يؤسِّس مناعةً مجتمعيّة كبيرة في زمن الحرب”.

 

ولا يوفّر حسون أرضاً عنده دون استثمارها فيزرع أرضه للمأكولات، ويفيد إنه "نستطيع الاعتماد كليّاً على منتجاتنا العضويّة، من لحوم وبيض، وألبان، وأجبان، ومزروعاتٍ أرضيّة كلها نستخرجها من الأرض تغطي حاجات عائلات القرية كلّهم".

كما أفاد أنه منذ 6 سنوات، بدأ تأسيس الطاقة البديلة، ويقول إنه واجه انتقاداً بحجّة أن الطاقة الرسمية أرخص تكاليفاً، لكن اليوم لم تعد الكهرباء متوفرة، بينما لا تشعر القرية بنقص التيار. 

وأخيراً، في إطار تشجيع المنتجات الطبيعية اللبنانية،  دعا تجمّع الحِرف والصّناعات التقليديّة في لبنان الذي يترأسه حسون كافة الحرفيين اللبنانيين من أصحاب الابتكارات للمشاركة في معرض يقام في الهند، ويُمَثِّل المشارك بلده في المعرض، وتشارك فيه 100 دولة.