خبير للميادين نت بعد العدوان على غزة ولبنان: وداعاً لكل مؤتمرات المناخ

يقدّر خبير بيئي للميادين نت حجم القصف الذي شهده العدوان على غزة، ولبنان، أنه يوازي 10 أضعاف ما تساقط على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.

  •  خبير للميادين نت بعد العدوان على غزة ولبنان:  وداعاً لكل مؤتمرات المناخ
    حلواني: ما يجري عندنا من قصف  كأنه يجعل من بلادنا حقل تجارب للقنابل الحديثة (أ ف ب)

لم تشهد الحروب بين الدول ما شهدته الحرب على غزة ولبنان، من قصف ممنهج للبنى الأهلية، والسكان المدنيين، واستخدام أشرس أنواع الأسلحة التدميرية في استهداف المباني، والمساكن، وارتقى بسببها عشرات آلاف الشهداء المدنيين وكذلك جرح عشرات الآلاف، وتدمّرت فيها آلاف الوحدات السكنية، وسوّيت شوارع وأحياء بكاملها بالأرض، ولم تعد عشرات البلدات والقرى صالحة للسكن.

ويصف الخبير البيئي الدكتور جلال حلواني- مدير مختبر المياه والبيئة في الجامعة اللبنانية- في حديث لـ "الميادين نت" حجم القصف الذي شهده هذا العدوان على غزة، ولبنان، أنه يوازي 10 أضعاف ما تساقط على ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، مستذكراً ما تعرّضت له اليابان من قصف بالقنابل النووية على هيروشيما وناغازاكي.

  • نسبة التلوث في لبنان باتت مرتفعة جداً على جميع الأصعدة.
    نسبة التلوّث في لبنان باتت مرتفعة جداً على جميع الأصعدة.

وأضاف أن "ما يجري عندنا من قصف وتفجيرات من قبل العدو الإسرائيلي كأنها تجعل من بلادنا حقل تجارب للقنابل الحديثة التي صنعتها أميركا في المرحلة الأخيرة، وهو ما قامت به سابقاً في أفغانستان والعراق أو مناطق عالمية أخرى، وذلك حتى تبيع منتجاتها بعد إجراء التجارب عليها في مناطق مأهولة بالبشر، كي لا يبقى كلامها عن أسلحتها نظرياً".

حقوق الانسان!؟

وتساءل مستغرباً الادّعاءات "عن حقوق الإنسان، بينما نرى أنه عندما يتعلّق الأمر بالعدو الصهيوني، تقوم الدنيا ولا تقعد على أتفه الأمور، بينما عندما يتعلق الأمر بنا نحن العرب، تنتفي هذه الحقوق ومفاهيمها جملة وتفصيلاً، وينتفي معها حقّ شعبنا بالدفاع عن النفس".

  ولأنه ليس من السهل أخذ عيّنات أو تحاليل وإجراء أبحاث عملانية عليها، يؤثر حلواني تناول موضوع المتفجرات من الباب النظري العلمي، مقارنة بما جرى في دول أخرى، وبحسب المناطق التي جرى فيها القصف.

وداعاً لكلّ مؤتمرات المناخ 

مؤتمرات البيئة، وحقوق الإنسان تنتشر وترتفع أصواتها في الغرب، وتصرف عليها كميات كبيرة من الأموال، وعليه يعلّق حلواني أنه "إذا أردنا أن نجري فحوصات على البصمة البيئية في غزة في ظلّ ما تعرّضت له من قصف في سنة، نصل إلى نتيجة أنه "وداعاً" لكلّ مؤتمرات المناخ التي عقدت في السنوات العشر الماضية، والتي هي متوقّعة خلال السنوات الخمس المقبلة".

أضاف: "إن التكاليف التي تنفق على مواضيع البصمات البيئية الكربونية كان من الأجدى أن يقال بدلاً منها للمعتدي أن احترموا بيئة الإنسان، وصحته، وحاجات المناخ ولا سيما موضوع التغيّر المناخي الذي بات قائماً في منطقتنا".

  • قصف فوسفوري على بلدة العديسة في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
    قصف فوسفوري على بلدة العديسة في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

 

وفي ظلّ الإشاعات عن استخدام أصناف مختلفة من الأسلحة الممنوعة، تناول حلواني القنابل الفوسفورية المدمّرة التي تخترق الأرض حتى 50 متراً، ذاكراً أن هذه المواد ممتلئة بالملوّثات الكيميائية على أنواعها، وهي تؤدي إلى أضرار جسيمة بالإنسان، ناهيك عن البنى الزراعية".

عقم الأرض وتلوّث المياه الجوفية

وقال إن هذه القنابل (الفوسفورية) التي تطلق على جنوب لبنان، وغزة، كان لها أثر سلبي كبير على نوعية الأرض، والتربة، وهناك مساحات شاسعة في غزة ولبنان أصابها العقم، وسيستمرّ لعشرين سنة، وسيؤثّر على موضوع الأمن الغذائي، وكل المزروعات التي ستنتج سيكون مشكوك بصلاحيتها وفي مدى استيفائها للشروط الصحية، وحتماً ستكون ملوّثة بالمواد الكيميائية السامة والخطرة وتؤثّر سلباً على الصحة".

ولا يقتصر التلوّث على وجه الأرض بل يطال خزّانات المياه الجوفية، وبالتالي "نحن أمام كارثة مقبلة تتعلّق بتلوّث المياه والتربة والهواء وأثرها على صحة الإنسان، وسيستمر هذا الخطر لسنوات طويلة"، بحسب حلواني، ولذلك "لا بدّ من أخذ الخطوات الاحترازية فالموضوع خطير جداً في المستقبل"، كما قال.

التلوّث سيستمر في بيروت

ثم تحدّث عن تلوّث بيروت مضافاً إلى تلوّث هوائها المعروف تاريخياً، واصفاً بأنه "خطير للغاية، ففي بيروت نعرف مدى تلوّث هوائها، وكم عانت بسبب الانبعاثات الغازية المختلفة"، واليوم وفي ظل القصف أصبح الوضع أكثر كارثية لأن هذه الغازات الناجمة من القصف خطيرة للغاية، ويقول إن  "هذا ما لمسناه في إثر انفجار مرفأ بيروت حيث أصبح الجو أكثر تلوّثاً في الأسابيع الأولى بعد الانفجار وبقي الأمر أكثر من شهر". 

أما بالنسبة لما يحصل اليوم في لبنان، خاصة في بيروت، فقد بات الهواء ملوّثاً بنسبة كبيرة جداً، و"ليس لدينا أرقام متتابعة بسبب عدم توافر أجهزة القياس، وصعوبة أخذ العيّنات بطرق علمية"، مضيفاً أنه "بحسب تقديراتنا العلمية، سيستمر إلى شهر أو شهرين بعد توقّف القصف، بانتظار هطول الأمطار حيث ستنتقل الملوّثات إلى التربة وقد تصيب المواطنين وتتسبّب بإشكالات صحية مختلفة، كما قال..

فيما يتعلّق بموضوع السكن رأى أن "هناك كارثة أخرى تنتظرنا، وهي نفايات الردميّات، وكيفية التخلّص منها في بلد مكتظ بالسكان"، مضيفاً أن "مساحة لبنان صغيرة، وليس هناك من إمكانات لجمع هذه المخلّفات، في ظل غياب السبل لمعالجتها، وأين سترمى، وما سيكون مصيرها خصوصاً أنّ فضلاتها ملوّثة كيميائياً بالقذائف".

ضخامة الملف يستدعي التكاتف

في ظلّ غياب تقنيات المعالجة يرتفع منسوب التحديات البيئية والصحية، ويخشى حلواني أن "تمرّ فترة طويلة في مواجهة التحديات البيئية عقب انتهاء الحرب، على صعيد تلوّث الهواء والمياه والتربة وإدارة النفايات".

ونظراً لضخامة الملف، رأى أن ذلك "يستدعي تكاتف الهيئات الدولية التي تُعنى بهكذا أوضاع، من الناحية الإنسانية والاجتماعية، والبيئية لمساعدة لبنان والباحثين فيه عن حلول".

دراسة تربة الأراضي في الجنوب

وعرّج حلواني بالمناسبة على موضوع نهر الليطاني وادّعاء العدو بأنّ حوضه متصل بحوض الحاصباني، مؤكداً أن "الليطاني هو نهر لبناني مئة بالمئة، ولا تنطبق عليه المعايير الدولية الخاضعة للقوانين العابرة للحدود، وهو ملك الدولة اللبنانية. وما يطرحه العدو للعودة إلى حدود الليطاني ما هو إلا خدعة بهدف سرقة مياهه"، بينما العدو المغتصب لا يحقّ له أصلاً الادّعاء بحقّه في الحاصباني. 

وختم حديثه بالقول إن "الجنوب منطقة تشتهر بالزراعات المتنوّعة، ونعتمد عليها في الكثير من منتجاتها، ولا بدّ من دراسة الأراضي التي استهدفها العدوان، ومعرفة أنواع الملوّثات التي استخدمت، والبدء باستصلاح الأراضي وفق الطرق العلمية، وتسريع إعادة استخدامها للزراعة، ولو اقتضى الأمر في السنوات الخمس الأولى ابتداع زراعات محدّدة لتحسين نوعية التربة وتدبيرها، وتخصيبها لإزالة الملوّثات"، لافتاً إلى أن "هناك طرقاً علمية معروفة بكيفية استصلاح الأراضي المتضررة بالحروب".