أوراق نقدية لسياق التجربة النضالية للشعب الفلسطيني
بقيت السياسات النقدية التي مورست في إطار الأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية أسيرة ما انتقدته، بمعنى إعادة إنتاج ما هو قائم.
-
أوراق نقدية لسياق التجربة النضالية للشعب الفلسطيني
كثيرة هي الدراسات النقدية التي تناولت سياق نضال الشعب الفلسطيني من خلال سياق قوى الثورة التي تأسست، لكن نخبوية هذه الدراسات لم تدفع القوى السياسية الفلسطينية التي قادت النضال الوطني التحرري الفلسطيني إلى تغيير جذري سواء بالأدوات المستخدمة أو الرؤى البرامجية لقوى الثورة وطبيعة فعلها الموجه ضد منظومة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الاحتلالي، وبسبب عدم تبنيها من قبل الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية في إطار ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية وخارجها.
ويعود السبب إلى عدم التعامل مع تلك الدراسات النقدية لسياق التجربة النضالية للشعب الفلسطيني وفقاً لتقديرنا إلى اعتبار أن هذه القوى والحركات مارست السياسات النقدية في إطارها ذاتياً في المحطات النضالية المختلفة، إلا أن الممارسة النقدية الذاتية لهذه القوى لم تحدث أي عملية تغيير جذري في سياساتها ودورها في هذه المحطة أو تلك، وحتى طبيعة علاقاتها الداخلية والخارجية. وبقيت السياسات النقدية التي مورست في إطار هذه الأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية أسيرة ما انتقدته، بمعنى إعادة إنتاج ما هو قائم.
فالنقد والممارسة النقدية هي عملية ضرورية ملحة لأي حركة تحرر وطني، فهي إن جاز التعبير تشبه الدينامو أو حتى الدورة الدموية التي في نشاطها تجدد نشاط الجسم ومناعته وتحميه من أي أمراض. فأهمية العملية النقدية تأتي بما تحمله من ضرورات التغيير الجذري المطلوب في إطار المجتمع والثورة والدولية والبناء على الإنجاز إن وجد، فيعتبر المفكر المغربي نور الدين أفاية، "أن النقد ما هو إلا استراتيجية فهم من شأنها أن تساعد الوعي على إدراك الواقع والإمساك بكل تفاصيله.
ويضيف أن "النقد يمتلك ما يلزم من القدرة على كشف المسبقات وسذاجة التفكير والارتهان إلى النقل وعلى تخطي المستويات الإدراكية في النظر إلى الواقع والتاريخ وفضح الآراء غير المعللة فضلاً عن أن الفكر النقدي يسكنه قلق التاريخ والإرادة غير المتوقفة لمنح معنى مختلف للوجود ويحث على سمو الفكر الحر".
فالسياسة النقدية التي مارستها الأحزاب والحركات الثورية الفلسطينية لذاتها في سياق محطاتها المهمة أعادت إنتاج ما انتقدته من دون أن تحدث التغيير المطلوب الذي يخدم ثورة الشعب الفلسطيني ومسيرته التحررية، وبعد ما يقارب الـ 60 عاماً على انطلاق الثورة الفلسطينية لم تسأل الأحزاب الأسئلة الصحيحة والمهمة التي ستبني عليها القراءات النقدية الحقيقية في سياق التجربة التاريخية للثورة الفلسطينية المعاصرة، وهي، لماذا لم تنجز مرحلة التحرّر الوطني؟ وما هي الأسباب التي حالت دون تحقيق هذا الهدف؟ هل هي أهداف موضوعية أم أسباب ذاتية أم الاثنين معاً؟
في هذه القراءة التي تحمل عنوانها أوراق نقدية لسياق التجربة النضالية للشعب الفلسطيني، سنقدم محاولة علمية للإجابة عن الأسئلة المعروضة في سياق هذه الورقة لنصل من خلالها إلى الأسباب التي أدت إلى النتيجة المأساوية التي نعيشها.