"أول الرقص حنجلة"..إبعاد صلاح الحموري
توقيت إبعاد الأسير صلاح الحموري عن القدس، له صبغة سياسية واستراتيجية وجاء لتقديم خدمة للحكومة الإسرائيلية المقبلة.
قضية الإبعاد التعسفي للمقدسي صلاح الحموري إلى فرنسا باعتباره مواطناً مؤقتاً في مسقط رأسه بالإضافة إلى أنها قمة الوقاحة والعنجهية فإنها تعتبر أيضاً مرحلة خطيرة للغاية في المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني للمحافظة على وجوده ولا نقول معركة تحرير واسترجاع حقوقه.
المشروع الصهيوني مأزوم وموجود على مفترق الطرق وعليه حسم خياراته، فمن جهة لم يعد المكان يتسع للجميع من جراء الإجراءات المتسارعة على الأرض والزيادة الديمغرافية بما يشمل الهجرة وأزمة السكن وهي في الأساس أزمة أيديولوجية، ويعتقد هذا المشروع أنه حان الوقت لقطف الثمار وتطبيق أجندته السياسية، والحل في نظره بالتوسع الجغرافي أو التهجير، أو الاثنين معاً.
لا شك أن القائمين على المشروع يتحلون بدرجة عالية من التخطيط ولكن أحياناً تهب الرياح بما لا تشتهي السفن، فنتنياهو اعتقد أن هذه المرة، مثل سابقاتها، يستخدم التحريض ضد العرب للعودة إلى سدة الحكم بأي ثمن، وبعدها يلجم باقي مكونات ائتلافه الحكومي المتشكل، لكنه زاد العيار قليلاً، وقام بتربية ديناصور لن يتمكن من السيطرة عليه وربما سيلتهمه هو نفسه.
أما المجتمع الدولي، فقد أثبت التجربة أنه لا يمكن التعويل عليه، على الأقل في صيغته الحالية، والجهد المبذول الذي لا يرقى إلى المستوى المطلوب بالتأثير على الأحداث عموماً. ففي قضية الحموري سمعنا الأصوات الخجولة، مثل بيان الأمم المتحدة الذي وصف إبعاد الحموري بمثابة جريمة حرب، أو موقف هش للحكومة الفرنسية في تصريحات بلا رصيد.
سياسة التهجير بأشكالها المتعددة الترغيبية والترهيبية والمقوننة، كلها ليست بجديدة، فمنذ عام 1995 سحب الكيان المواطَنة من 13 ألف مقدسي لأسباب متعددة بذرائع متعددة، ولكن الجديد والأخطر في الموضوع كان قانون العام 2018 الذي يسمح للسلطات بسحب المواطنة والجنسية (ممن لا يُكن بالولاء لدولة إسرائيل)، وبالتالي التمهيد لإبعاده.
أضف إلى أن القانون فضفاض وضبابي، بحيث يشمل كل فعل ضد الاحتلال مهما كبر أو صغر وحتى لو لم تتم إدانة الشخص المتهم أو تقديم أدلة ضده، كما حدث مع الحموري والذي بالرغم من محاولتهم الحثيثة لإدانته، فقد أكدت تقارير من 3 جهات دولية مختلفة أنه تم اختراق هاتفه الذكي ببرنامج "بيغاسوس" التجسسي التابع لشركة NSO لكن من دون جدوى.
في المحصّلة، فقد أصبح من المتوقع أن يتم سحب "مواطنة" أي شخص وتهجيره بمجرد "الاشتباه به" أو أنه ربما يعرض "الأمن" للخطر أو حتى لم يقف احتراماً للعلم في "يوم الاستقلال"، النكبة.
أرادت ايليت شاكيد وزيرة الداخلية، من خلال إبعاد الحموري، وضع بصمتها الأخيرة قبل أن تترك الوزارة كإنجاز أخير يفتح باب التهجير على مصرعيه ويزيد من شرارة بن غفير المفتوحة شهيته أصلاً حتى قبل أن يستلم حقيبة "الأمن القومي"، كما يصر على تسميتها، بدلاً من الأمن الداخلي، وقد عبر عن رغبته بتوسيع صلاحيته لتشمل ملف سحب المواطنة والجنسية كأسلوب ردع للنشطاء الفلسطينيين. إذ يعتقد أن "المخربين" يجب تنفيذ حكم الإعدام بهم، وقد أدخل هذا الاتفاق ضمن التفاهمات كشرط لدخوله الائتلاف الحكومي، وبالنسبة إليه فهذا الإجراء وحده لا يكفي لردع من ينوي القيام بأي علمية ولهذا يجب تهجير عائلته كلها إلى غزة أو سوريا.
توقيت الإبعاد له صبغة سياسية واستراتيجية وجاء لتقديم خدمة للحكومة المقبلة وكأن الذي سوف يحدث ليس بسياسة جديدة وكنتاج للحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة والهدف من وراء هذا الأسلوب عدا عن تقليص أعداد الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني أن يكون أداة من أدوات السيطرة.