أوراق مقاومة: هكذا تحدث المناضل فانون
إن واقعنا الفلسطيني يضع الأسرى أمام سؤال صعب: هل ننتظر؟ هل نبقى محكومين بقيود الانتظار والدعوات أم نساهم ونفعل ونبادر ونرفع مستوى المواجهة وننتج اللحظة؟
تتعدّد الصفات في المناضل الفلسطيني القابع في الأسر. نحن الأسرى نعي أننا سنكون شهداء لاحقاً في أي وقت. هذه الصفة (الأسير) التي يضاف إليها الشهيد لاحقاً، وهي الصفة التي حملها ميسرة أبو حمدية وكمال أبو وعر، ومؤخراً ناصر أبو حميد، نعي جيداً أننا مقبلون عليها، والسؤال الذي نطرحه: هل ننتظر الموت أو نبادر ونحطّم حالة الانتظار التي نناضل ضدها؟
إننا لا نؤمن بأنَّ اللحظة الملائمة قادمة وأن مهمّتنا التقاطها. إننا نؤمن بأن علينا صناعتها وخلقها، أنكون ما كنا أم نتعايش مع ما يريدون لنا أن نكون: مجرد أرقام وأجساد وأرواح تُعذب يومياً، تتمرد وتناضل وتمثل الصمود؟
إننا ما نريد، لا ما أراد لنا عدونا أن نكون. أنكون ما نريد؟ مشاريع تحرير وحرية، ونردد ما قاله يوماً المناضل فرانز فانون: "في اللحظة التي يكتشف فيها المواطن الأصلي المصدر الحقيقي للمعاناة، يمكن القول إن عملية نزع الاستعمار قد بدأت"!
لقد اكتشفنا، نحن الشعب، مصدر معاناتنا على مدار سنوات، وعرفنا أن السبب هو وجود هذا الاستعمار الصهيوني على أرض فلسطين. وقد ناضلنا ضده. واليوم، نحتاج إلى أن نرفع وتيرة مواجهتنا وتصدينا وقتالنا في إطار مشروع تحرير حقيقي، وأن لا ننتظر، فالانتظار قيد يجب تحطيمه، ومن يعتقد أنه لا يستطيع ذلك أو أن الأمر لا يعنيه، فإننا نعود معه إلى فانون بقوله: "ليس ثمة احتلال لأرض من جهة واستقلال لأشخاص من جهة أخرى. إن البلاد بكاملها، تاريخها نبضها، هي موضوع للصراع، وهي معرضة للتشويه، على أمل تدميرها النهائي. وفي ظل هذا الظرف، تحتبس أنفاس الفرد؛ أنفاس المحتل. إنها أنفاس قتال".
هذا ظرفنا الراهن، فلا استقلال لأحد. الاحتلال يتغلغل في كل مناحي الحياة ويسيطر عليها. يقمع ويقتل ويعتقل ويصادر ويهوّد ويستولي ويحاول أن يلغي ويمحو، فلا انتظار هنا، ولا أحد خارج دائرة الاستهداف، ونحن في المعتقل في قلب حالة الاستهداف.
إن الأحكام المؤبدة بحق مئات الأسرى هي أحكام بالإعدام البطيء والممنهج. إنها أحكام بالسجن مدى الحياة مع التعذيب، إذ لا يختلف جهاز منظومة الاستعمار الصحي عن الأمني والسياسي، فالمرجعة ذاتها، وكما يشير فانون: "إن نقاط الطبيب المرجعية وذات الاهتمام هي عالم قوة الاحتلال"، ويضيف: "الوضع الكولونيالي يخلق وقائع جديدة، فالطبيب يغدو جلاداً، ويكون اهتمامه في زاوية المصلحة الخاصة للحفاظ على الاضطهاد الكولونيالي".
الطبيب وجهازه جزء من منظومة استعمارية ذات مرجعية وأهداف محددة، والأسير المناضل، كما يحدد فانون، "المنتمي والمقاتل، وكل الأسرى، يكونون أثناء اعتقالهم قد جمعوا أفكارهم وشحذوا عزائمهم. وحين يضربون عن الطعام ويتضامنون في أعمال عديدة يقومون بها في زنزانة مشتركة في السجون. يتصورون إطلاق سراحهم فرصة تتاح لهم من أجل الشروع في الكفاح المسلح".
فلسفة الحرية، كما يراها الأسير الفلسطيني المناضل، وكما مارسها ويمارسها الأسرى الآن، تتمثل بالتحرر من الأسر والاستمرار في النضال من أجل تحقيق تحرر الشعب، والمقاومة في الأسر جزء أصيل من مشروع التحرير. وقد كانت قائمة سابقاً وستبقى.
إن واقعنا الفلسطيني الراهن يضع الأسرى أمام سؤال صعب: هل ننتظر؟ هل نبقى محكومين بقيود الانتظار والدعوات أم نساهم ونفعل ونبادر ونرفع مستوى المواجهة وننتج اللحظة؟
إن وجهة الحسم بانت. الحركة الأسيرة حاسمة في خيارها بأن تواجه بشكل وهدف وخيار واضح، فالحرية الآن هي الاستحقاق المطروح. الإضراب عن الطعام هدفه الحرية. الإضراب قد يكون صرخة ورافعة لبناء مشروع تحرر حقيقي وشرارة لتصعيد حالة انتفاضة عامة وعارمة وشاملة.
قد يكون قدر المناضلين وخيارهم واختيارهم أن لا ينتظروا، بل أن ينتفضوا؛ أن لا ننتظر ارتقاء شهيد آخر نتيجة التعذيب الممنهج والمنظم داخل المعتقلات، وأن لا ننتظر رحيل هذا الاحتلال بإرادته، فيجب أن يُهزم ليرحل، وأن لا ننتظر ما يقوله المجتمع الدولي، بل أن نقاتل ونبادر ونواجه. وحينها، نفرض ما يقوله المجتمع الدولي.