كاميرات الليكود، فاشية قانون القومية اليهودية
إن ما حدث هو عبارة عن زلزال سياسي تم بفعل فائض التناقضات داخل الدولة والسلطة السياسية الحاكمة في إسرائيل وجهازها القضائي؛ دولة كولونيالية- أصولية تعمل جاهدة على تجريد العرب أصحاب البلاد والأرض والتاريخ والشرعية من كافة مصادر ثرواتهم.
بين أبرز الأحداث التي رافقت الانتخابات الإسرائيلية الحادية والعشرين للكنيست في التاسع من شهر نيسان/ابريل 2019، قيام حزب السلطة الحاكمة، الليكود، بالموافقة على تشكيل ميليشيا لتثبيت 1300 كاميرا في صناديق تصويت العرب لمنعهم من "التزوير"، كما ذُكر في أكثر من مرّة أثناء عمليّة الانتخابات والاحتفالات بنتائجها فيما بعد. ومن بين النقاشات التي دارت حول الكاميرات موقف/ قرار رئيس لجنة الانتخابات، القاضي (حنان ملتسر) على إثر الشكوى التي قدمتها كتلة "الجبهة -العربية للتغيير" كي يأمر بإخراج الكاميرات من الصناديق. إلا أنه بدل أن يأمر فعلاً بإخراجها أعلن أنه: "لن يتم تصوير المصوتين في خلايا التصويت، أثناء التصويت"، إلا في حالات "الخوف من حدوث انتهاك جوهري لسلامة الانتخابات أو للموظف المسؤول، مثل استخدام التهديدات ضد أعضاء مراكز الاقتراع، ومقترحات رشوة الانتخابات أو الخوف من العنف خلال يوم الانتخابات". ثم أضاف أنه يسمح بالتسجيل الصوتي لما يجري في صناديق الاقتراع.
خطورة تداعيات ميليشيا الكاميرات، تتضح في الإشارة إلى ما يلي:
1 - اعترف صاحب مكتب العلاقات العامة "كايزلر- عنبار" أن مكتبه هو صاحب فكرة زرع 1300 كاميرا (علنيّة) من أجل خفض نسبة تصويت العرب. وعند عرض فكرته على (نتنياهو)، وافق عليها من دون تردد. يدل هذا الأمر على أن ضرورة قمع العرب باتت ضمن الأعمال القانونية لشركات القطاع الخاص المختصة بالقمع والأمن. وما مطالبة الشركة بموافقة (نتنياهو) إلا من أجل الحسابات المالية بين الطرفين. فحين تصل ضرورة قمع العرب إلى هذا القطاع الخاص، يشير ذلك إلى أن التحريض الدائم لسحب الشرعية من ممثلي العرب قد نجح وبات قانونياً بتشكيل مليشيا فاشية قوامها 1300 فرداً لتخويف الناخبين العرب (الذين لا ينتخبون في العادة) في استحضار أساليب الفاشية ولا يقتصر الأمر عليه، فوزيرة القضاء (أييلت شاكيد)، كانت قد استحضرت الفاشية في أحد فيديوهاتها الدعائية للانتخابات. فبعد أن رشّت على نفسها من عطر "الفاشية" علقّت قائلة: إن "رائحته مثل الديمقراطية بالنسبة لي". نعم، هذه هي الديموقراطية اليهودية.
2- بعد أن تكشف أمر ميليشيا الكاميرات تقدمت قائمة "الجبهة- العربية للتغيير" بشكوى إلى رأس جهاز الرقابة القضائي على الانتخابات، القاضي (ملتسر) الذي سارع بدوره لمنحها الشرعية التلقائية. وما تحديده لنشاط هذه الميليشيا إلا تأكيداً على منح الشرعية بعد دراسة وتدقيق. وهذا هو الأخطر. فالقاضي (ملتسر) مارس السياسة عندما كان طالباً جامعيّاً، قبل انضمامه لسلك القضاء ليصبح نائب رئيس "محكمة العدل العليا" في حركة "داش" (الحركة الديموقراطية للتغيير)، و"شينوي"- الحركة العلمانية في سبعينات وتسعينات القرن الماضي ما يدل على أن (ملتسر) يرى أن الحقوق والديموقراطية والعلمانية والتغيير هي حقوق لليهود فقط. ويدعو ذلك للتساؤل عما يمنع قضاة آخرين من (آل ملتسر) أن يسمحوا لميليشيات من الفاشيين اليهود في التصويت القادم أو فيما بعده بإقامة الحواجز على أبواب صناديق الاقتراع "خوفاً من حدوث انتهاك جوهري لسلامة الانتخابات أو للموظف المسؤول"؛ أو تهديد الناخبين العرب بإطلاق النار علي أقدامهم "لتحذيرهم فقط"؟! ومن ثمّ ماذا يمنع هؤلاء الفاشيين من إطلاق النار على الناخبين العرب لقتلهم؟ فقتل العرب في الضفة وقطاع غزّة بات رياضة تمارسها قوى القمع "الرسمية" والمستوطنين.
3- تعاملت القوى السياسية اليهودية وقوى تطبيق القانون والنخب السياسية والحقوقية بخفّة ناتئة مع هذه الميليشيا. فكل ما فعله بعضها هو الاستنكار ودعوة جهاز القضاء للتحقيق في الموضوع. بينما أوضح كل من (مرخاي كرمنيتسر) و(ميخائيل بيرنهاك) في صحيفة (هآرتس، 15 و18. 4. 2019) خطورة ميليشيا الكاميرات بتخويف الناخبين العرب وتآكل قيَم الحريّة في إسرائيل. وأشار (كرمنيتسر) إلى إن العقوبة المُحتملة لكل من خطّط وصادق وقام بتثبيت الكاميرات تبلغ 5- 10 سنوات سجن. وعلى الرغم من أهمية المقالين على المستوى الحقوقي- السياسي إلا أنهما لا يرتقيان لوصف ميليشيا الكاميرات بأنه عمل فاشي وليس "افتراء على.." أو "غير قانوني" أو عقوبته كذا سنوات. ونضيف هنا: رغم الشكاوى التي قدمتها بعض الأطر السياسية والحقوقية العربية وبعض اليهود، لم تقم الشرطة حتى الآن باستدعاء أيّ من الضالعين بتشكيل ميليشيا الكاميرات لمجرد تحقيق ولو عابر. إن دلّ هذا على شيء فإنه يدلّ على تواطؤ هذه القوى أيضاَ.
4- إن قطاعاً كبيراً من أفراد هذه الميليشيا الذين صوّرتهم وسائل الإعلام المختلفة هم من اليهود المتدينين وكانوا يعتمرون الطواقي الدينية. وأن أصحاب شركة "كايزلر- عنبار" هم من يهود المستوطنات في الضفة الغربية الذين لم يُبقوا جريمة واحدة في مجلدات القانون الجنائي إلا واقترفوها، ولم يتم استدعاء سوادهم الأعظم إلى تحقيق عابر. هؤلاء باتوا ينقلون خبرات قمعهم من الضفة الغربية إلى الجليل والمثلث والنقب. لذا مارسوا عملهم بعقلية الميليشيات التقليدية الممتثلة لموافقة السلطة السياسية وتجنيد أفراد عقائديين من يهود متدينين في حالتنا المذكورة، من خلال مجموعة كبيرة من الأفراد في زمان ووقت محددين كي يكدسوا الصعوبات أمام قوى المحافظة على الأمن والسلامة العامة، ثم الحصول على شرعية ولو جزئية من جهاز القضاء وقوى الأمن المختلفة. وهذا ساهم في جعلها حالة يصبح النقاش حولها شرعيّاً. أي منحها الشرعية الجماهيرية. وهذا فعلاً ما حدث. وهو ما حصل مع أولى الميليشيات الفاشيّة في التاريخ البعيد منه والقريب.
5- دخلت القوى السياسية العربية الناشطة في الكنيست وخارجها التصويت في أوضاع لا مثيل لها عند القوى السياسية التي تدّعي تمثيل مجموعة تحت الاحتلال أو جماهيراً أو أقلية قومية تسعى لتحسين مكانتها في دولة لا تعتبر دولتهم القومية. من جهة أولى تم نزع الشرعية عنها والمجاميع التي تمثلها بواسطة قانون القومية لعام 2018 الذي ينصّ بصريح العبارة: "1. أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي، وفيها قامت دولة إسرائيل؛ 2. دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير؛ 3. ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل يعد حقاً حصرياً للشعب اليهودي". بكلمات أخرى: إن أرض إسرائيل الممتدة من الشواطئ الشرقية لبحر المتوسط إلى تخوم شبه جزيرة العرب يعيش فيها مواطنون يهود وgoyem لا شرعية لعيشهم (...). ومن جهة ثانية- خاضت إسرائيل التصويت وهي على خلاف اتضح أنه عميق مع قاعدة ناخبيها الذين رحبّوا باتحادها في قائمة واحدة في الانتخابات السابقة للكنيست، العشرين في عام 2015، ورفضوها عندما شقّت هذه الوحدة. وما انخفاض تمثيلها من 13 مندوباً في الكنيست السابقة إلى 10 في الكنيست الحالية، واتساع شرعية المقاطعة وازدياد أعداد المقاطعين، وتضاعف نسبة الناخبين للأحزاب الصهيونية من 17- 30% إلا دليلاً على أنها لم تهتم بمواقف ناخبيها وآرائهم ولم تحترم إرادتهم بالوحدة- وهو مقتل كل قيادة. لكن القيادة العربية فضّلت الوقوف في وجه الناخبين، لذا جاء ردّها على تحرك مليشيا الكاميرات باهتا جداً بضرورة رفع نسبة الناخبين غير مدركة أنها باتت هي والمجاميع التي تمثلها هدفاً للفاشية السافرة وليس للعنصرية والتمييز التقليدين. هذا بدل الامتناع عن التصويت وقلب الطاولة وجعل عرس إسرائيل الديموقراطي مناحة في وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية المعنية بنزاهة الانتخابات. بهذا تقوم هذه القوى بتقديم الهديّة تلو الهديّة وتقديم شهادة زور للسلطة السياسية في إسرائيل بأنها ديموقراطية. وبهذا أثبتت هذه القوى السياسية أنها لا تختلف عن القوى التي لا تزال تدير الحراك "الوطني" الفلسطيني في إطار م. ت. ف والسلطة الفلسطينية وبقية النخب. فهذه النخب كانت ولا تزال تحت مصاب وهم السلطة الافتراضية وسُعارها وكذلك فقهاء السلطة من مثقفين ومتخذي القرار ممن عاشوا على هوامش ليبرالية الأكاديمية الإسرائيلية و(هآرتس) الأشكنازية والمجلات الأمريكية (...). لكن الحالة الإسرائيلية هي حالة أشكنازية بامتياز بالكاد تقبل بالشرقيين كإسرائيليين متساوين، وما إدمانهم على التصويت لليكود إلا رغبة منهم في الالتحاق بالأشكنازية الاسرائيلية ونيل رضاها. وما تصريحات بعض القيادات العربية عن إجراء نقد ذاتي وحساب مؤسساتي، وإطلاق حوار اجتماعي، وإقامة إطار بديل للكنيست إلا كمن يحرث في الماء، لأنهم لم يستخلصوا العبَر من الواقع بدقة ولم يتعرفوا بعد على رافعات وحوامل الوضع الذي يعايشونه على أقلّ تقدير.
إن ما حدث هو عبارة عن زلزال سياسي تم بفعل فائض التناقضات داخل الدولة والسلطة السياسية الحاكمة في إسرائيل وجهازها القضائي؛ دولة كولونيالية- أصولية (ما معنى دولة يهودية ديموقراطية غير أنها أصولية!؟) تعمل جاهدة على تجريد العرب أصحاب البلاد والأرض والتاريخ والشرعية من كافة مصادر ثرواتهم. تجلّى ذلك في قانون القومية- كما أشرنا- وتم ترجمته سريعاً بميليشيا كاميرات الليكود، عندما فشلت في إعادة إنتاج نفسها وِفق معايير ديموقراطية صِرفة. فالأصولية اليهودية تعيد إنتاج نفسها (دون أن تدري) لأن مصالحها هي التي تقودها؛ أي عوامل بنيوية داخلية أسهمت الانتخابات الأخيرة بتفجيرها. ولهذه العوامل الداخلية مسببات خارجية- داخلية أيضاً، تخصّ الملف الفلسطيني بالأساس رغم تغييبه (...). كذلك تداعيات الملف السوري بكل الفاعلين فيه التي تخشاها إسرائيل لدرجة أنها لا تَرْبَأ الحديث عنها علناً.