كيف باع ثيوفيلوس الأراضي المقدّسة

في محاولة للخروج من أزمة ديون بقيمة عشرات ملايين الدولارات، نجحت البطريركية اليونانية الأرثوذكسية في القدس بموازنة حساباتها من خلال عمليات بيع وتأجير قطع أراض لعدد من الشّركات في الخارج التي يرأس جميعها مستثمرون يهود.

في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2017، قام بعض من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية في مدينة اللد، بوقفة احتجاجية طالبوا فيها إقالة البطريرك ثيوفيلوس لبيعه أراض تابعة للكنيسة لليهود.

تزامنت مع احتجاجات قاطني 1500
صاحب منزل و شقة سكنية من اليهود الإسرائيليين، لقيام ثيوفيلوس ببيع الأراضي التي بنيت عليها شققهم وهي مستأجرة أصلاً من الكنيسة بعقود طويلة الأجل.
ما دفع النائب في الكنيست راحيل عزاريا، إلى الدفع بمشروع قانون ينصّ على مصادرة الدّولة للأراضي التي بِيعت ، في حين قامت وزيرة العدل إيليت شاكيد بتشكيل لجنة يرأسها نائب النّائب العام لبحث سبل حماية السّكان المتضررين .
وعليهِ عملت في بحثي هذا على تتبّع عمليات البيع المسبوقة بعقود إيجار طويلة الأجل أبرمتها الكنيسة مع الكيان الصهيوني ، وعملت جاهداً على استسقاء معلوماتي من الصحف والمجلات الإسرائيلية التي عنيت بهذا الخصوص كتقريرتايمز أوف إسرائيل 22/11/2017ومعاريف ويديعوت أحرونوت.
الديون والصفقات.
في محاولة للخروج من أزمة ديون بقيمة عشرات ملايين الدولارات، نجحت البطريركية اليونانية الأرثوذكسية في القدس بموازنة حساباتها من خلال عمليات بيع وتأجير قطع أراض لعدد من الشّركات في الخارج التي يرأس جميعها مستثمرون يهود.
المساهم الرئيس الذي يقف وراء عدد كبير من الشركات التي قامت بشراء الأراضي أو استئجارها هو ديفيد صوفر وهو رجل أعمال يهودي يقيم في لندن ، وهو الشريك الرئيس في شركة ( كرونتي للاستثمارات المحدودة) التي قامت بشراء مساحات واسعة من العقارات ، وخاصة في القدس ، بالشراكة مع الملياردير الأميركي المُقيم في نيويورك مايكل شتاينهاردت.
تحت إسم شركة ( أورانيم المحدودة ) ، حصل صوفروشتاينهاردت على عقود إيجار لأرض للكنيسة في مجمع "المحطة الأولى" في العاصمة القدس.
أما تحت إسم شركة ( أبو طور العقارية المحدودة)، فيملك الرجلان عقد إيجار لقمة تل غير مطوّرة في حي أبو طور.ّ
هوية المالكين الجدُد من شأنها أن تجلب بعض الطمأنينة لقلوب الإسرائيليين الذين يخشى الكثير منهم من ضلوع عناصر معادية كالإيرانيين أو القطريين ، في الصفقات التي باعت فيها الكنيسة بهدوء أراض لشركات مجهولة مسجلة في ملاذات ضريبية مختلفة.
فبموجب القانون الإسرائيلي، فإن الشركات المعنية بشراء عقارات في إسرائيل غير مضطرة للكشف عن هوية المستثمرين فيها من أجل تسجيلها في أراضي "إسرائيل".
إنّ العلاقات الوثيقة بين صوفر وشتاينهاردت وثيوفيلوس الثالث منذ انتخاب الأخير بطريركاً في عام 2005، دفعتهما للعب دور رئيسي في مساعدته على سداد ديون البطريركية الموروثة والتي بلغت نحو 160 مليون شيقل ( 45.5 مليون دولار ) ، وفي ذلك الوقت عندما كانت الحكومة الإسرائيلية لا تزال مُمتنعة عن الاعتراف بتعيينه ، قبل أن تفعل ذلك أخيراً في عام 2007.
في حين أن البطركية تعد ثاني أكبر صاحب عقارات في فلسطين المحتلة وتمتلك نسبه تقدّر ب 20% من الأراضي في البلدة القديمة في القدس ، إلا أنّ لديها القليل من الدّخل النّقدي ، في الوقت الذي عليها فيه تأمين مبلغ يتراوح مابين 600 إلى 700 ألف دولار شهرياً لدفع الرواتب ولتمويل المؤسّسات التربوية وصيانة عدد كبير من الكنائس التابعة لها في فلسطين المحتلة والأردن والمناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية.
وخلافاً لغيرها من البطريركيات الأرثوذكسية اليونانية فهي مستقلة عن اليونان ولا تحصل على دعم مالي من الحكومة اليونانية ، أو من أي طرف آخر.
من الناحية الدبلوماسية ، فهي أيضاً في وضع غير عادي على سبيل المثال فالكنيسة الكاثوليكية يقف الفاتيكان وراءها.
وقد تدهور الوضع المالي للبطريركية بصورة تدريجية على مدى العقود الماضية منذ قيام ما تُسمّى إسرائيل ، تزامن مع مهاجرة أتباعها الذين يشعرون بأنهم محاصرون بين اليهود والمسلمين إلى خارج البلاد. فقد انخفضت أرقامهم من بين حوالى 10000 مسيحي ما يزالون يعيشون في القدس، فحتى الساعة هناك فقط 3000 منهم من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية.
قامت البطركية بتمويل أنشطتها من خلال بيع الممتلكات الاستثمارية أو إيجارها لعقود عديدة.
حوالى 100 مليون شيقل (28.4 مليون دولار) من الدّين الذي ورثته في عام 2005 من ضرائب عقارية غير مدفوعة ، وقد تضخّمت فوائدها، المتعلقة في 1000 دونم من أراضي الكنيسة بالقرب من دير مار إلياس اليوناني الأرثوذكسي، الواقع في جنوب شرق القدس بالقرب من بيت لحم.
وهناك مستحقات إضافية بقيمة 41 مليون شيقل
(نحو 10 ملايين دولار في ذلك الحين) ، لم تُدفع لمطوّر عقارات نجح في الحصول على دعم المحكمين لادّعائه بأنه تحت القيادة السابقة .
و في سنوات التسعينات ، خرقت البطريركية عقداً لإيجار أراض مفتوحة للتطوير على قمّة تل أبو طور في القدس.
ولكل من العقارين اللذين أصبحا بين أيدي مكتب الحارس القضائي وتم عرضهما للبيع في مزاد علني بعد أن أصبح فيه ثيوفيلوس بطريركاً_ أهمية بالنسبة للكنيسة لأسباب سياسية ودينية _ الأولى بسبب موقعها في القدس الشّرقية ، التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم المنشودة في إطار أي اتفاق سلام مع الكيان الصّهيوني ، والأخير بسبب اعتباره أنه الموقع الذي خطط فيه الكاهن قيافا اعتقال المسيح عليه السلام.
فمقابل مساعدة ثيوفيلوس في تحرير قمّة التل في أبو طور من قبضة مأمورية المحكمة وضمان مكانة الكنيسة التاريخية وأنشطتها في الموقع ، تم منح صوفر عقد إيجار لمدة 99 عاماً على الأرض ، وهو يخطط لبناء 61 وحدة سكنية فاخرة فيها .
وعليهِ ، فقد ساعدت أموال من صفقات مختلفة بما في ذلك تلك التي تم إبرامها مع صوفر وشتاينهاردت بتمويل دفع مبلغ مليون11 ونصف مليون شيقل.
وبين العامين 2010 و 2015 قامت شركة ( كرونتي للاستثمارات المحدودة) المسجلة في جزر العذراء البريطانية وتضمّ مستثمراً إنكليزياً يهودياً آخر لكن لا علاقة لها بشتاينهاردت ، بشراء عدّة قطع أراض من البطريركية الأرثوذكسية اليونانية في القدس ، بدلاً من استئجارها.
وتقع قطعة الأرض هذه في شارع تسرويا في أبي طور، وشارعي (غاد و ليفيش ) في حي باكا جنوبي المدينة ، وشارعي الملك داوود و بن سيرا الراقيين في وسط المدينة.
وفي عام 2012 قامت ( كرونتي ) بشراء 27 دونماً من أرض الكنيسة اليونانية في حي غفيعات أورانيم في العاصمة القدس وباعته بعد ذلك لشركة أورانيم المحدودة.
وقد قام صوفر وشتاينهاردت بالتفاوض مع البطريريك نيابة عن مجموعة من المستثمرين لشراء 570 دونماً من الأرض في أحياء الطالبية و رحافيا ونايوت الراقية في القدس ، لكن هذه الصفقة لم تتم بسبب تعقيدات عدّة، قبل أن تدخل شركة أخرى وهي ( نايوت كوميميوت للاستثمارات)، على الخط وتقوم بشراء قطعة الأرض هذه، والجدير بالذكر أن هذه الشركة يرأسها اليهودي نوعام بن ديفيد بالمشاركة مع مستثمر أميركي يهودي يقيم حالياً في إسرائيل يُدعى موشيه غرينبرغ، ومستثمر أوسترالي يُدعى هيرش كوبر، وصفقة البيع آنفة الذكر عالقة في الوقت الحالي في قضيتين مُعقدتين في المحاكم.

معارضة العرب
صفقات البيع التي يحاربها العرب في فلسطين، يؤكّدون إنها تمّت بصورة احتيالية .
فعلى سبيل المثال في هذه الصفقات قام موظف تابع للكنيسة بتوقيع عقد لبيع عقود الإيجار لفندقين وعقار ثالث لثلاث شركات وهمية تقف وراءها منظمة ( عطيرة كوهانيم) اليهودية اليمنية المتشدّدة، وهي ملتزمة بتوطين اليهود في البلدة القديمة.
يقع الفندقان بين باب الخليل والمدخل إلى سوق البلدة القديمة ، و قد احتج (المجلس المركزي الأرثوذكسي) الملتزم بأجندة قومية عربية داخل الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية على جميع صفقات البيع في إسرائيل وقال إن الكنيسة قامت ببيع ثروة الطائفة لليهود واتهمت البطريرك بالفساد.
وقام المجلس الذي يضمّ بين 200 و300 ناشط بتنظيم تظاهرات في القدس وبيت لحم و اللد في وسط فلسطين المحتلة ، طالبوا فيها بإقالة ثيوفيلوس وأن يحل محل جميع الرعايا اليونانيين في المناصب العليا في الكنيسة فلسطينيون.
وانضم إلى القوميين العرب عدد من الشخصيات في السلطة الفلسطينية وأيمن عودة ( رئيس القائمة العربية المشتركة ) وعايدة توما سليمان ومحمّد بركة.
وقد صرّح الأخير خلال تلك الاحتجاجات بأن " ممتلكات الكنيسة تخصّ الشعب الفلسطيني تماماً كما هي الحال مع أملاك الوقف الإسلامي".
وبدوره أكّد "حراك الحقيقة"، في بيان صدر عنه بتاريخ 23/11/2018، أنه سيعقد مؤتمراً صحافياً سيكشف من خلاله عن وثائق الصّفقات التي وقّعها البطريرك اليوناني ثيوفيلوس الثالث لبيع أراض ووقف كنسي، ونقل ملْكيّتها نقلاً كاملاً لشركات استيطانية، لافتاً إلى ما وصفه بـ"الفساد المالي والإداري والأخلاقي"، وذلك في رد على البيان المنشور على صفحة بطريركية الروم الأورشليمية، بما يتعلق بإبطال صفقة باب الخليل و"دَور بطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية في ضياع القدس، وتهويد أراضي فلسطين التاريخية، ونهب الوقف العربي المسيحي الأرثوذكسي.".
وجاء في البيان: "لا شك أن المُواكب للشأن الوطني الأرثوذكسي يدرك جيداً دَور البطاركة اليونان في التفريط بالأوقاف والعقارات الأرثوذكسية منذ عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، مروراً بالاحتلال الصهيوني عام 1948 وما تبع آنذاك من تأجير مئات الدونمات لفترات زمنية تتراوح بين 49 وَ 99 عاماً للكيان الغاصب، لإقامة مؤسساته الاحتلالية على أراضي الطالبية ورحافيا ووادي الصليب، حيث أقيمت على تلك الأراضي المباني الحكومية والسيادية والإدارية، مروراً كذلك ببيع كامل الأراضي الملاصقة لأسوار القدس، وتحديداً المنطقة الممتدة من باب الخليل إلى باب الجديد عام 1968 بعد احتلال الجزء الشرقي من القدس عام 1967، وعلى أثر ذلك تم هدم جميع المباني والحوانيت الواقعة بمُحاذاة السور وصولاً إلى عهد خائن الكنيسة والوطن ثيوفيلوس الثالث".

ثيوفيلوس يبحث عن الدّعم في الخارج
قام ثيوفيلوس بجولة دولية غير مسبوقة لحشد الدّعم لجميع الكنائس في الأراضي المقدّسة.
حتى الآن، قام بزيارة إلى الأردن و بزيارة بابا الفاتيكان و رئيس أساقفة كانتربري، وشخصيات سياسية رفيعة في اليونان وقبرص و روسيا.
وادّعى في جولته أن الكنيسة قامت ببيع الأرض بهدف تحقيق التوازن في ميزانيتها، وقد اختارت بعض العقارات التي لا توجد لها أية أهميه دينية، ولا يتوقع بأن تقوم "إسرائيل" بإعادتها على الإطلاق.
فاتفاقيات الإيجار كانت ( أداة محترمة لمصادرة الأراضي).
"فإسرائيل" عملت على ضمان ألا تكون الكنيسة قادرة على البناء في أيّة أرض غير مطوّرة من خلال تصنيفها كأرض مفتوحة أو كأرض مخصّصة للزراعة والصناعة.
ولهذا السبب انخفضت قيمة الأراضي بسبب وجود عقود الإيجار طويلة الأمد.
على سبيل المثال في قيسارية قامت الكنيسة ببيع حوالى 430 دونماً لشركة تدعى(سانت فنتشرز) مقابل 1.5 مليون دولار فقط ، لأن عقد الإيجار الذي تم توقيعه مع الكيان الصهيوني في 1974 لمدة 135 عاماً قابلة للتجديد.
علاوة على ذلك، جزء من الأرض يقع داخل حديقة عامة وبقية الأرض مخصّصة للاستخدام الزراعي فقط.
نجد مما تقدّم أنّ التّفريط بالحقوق العربية وصل إلى أسوار الأقصى الشّريف، والبطريرك يدّعي أن الأراضي التي قام ببيعها لسداد ديون كنيسته هي أراض لا أهمية تاريخية أو دينية لها، تقوم السلطات الفلسطينية بتفريق تظاهرة حاشدة دعت لعزله ومحاكمته.
وفي الاتجاه المقابل، نجد أن قلق بعض المستوطنين القاطنين في شقق وبنايات هي مستأجرة أصلاً من الكنيسة لما يربو على قرن من الزمان، باع ثيوفيلوس الأراضي المشيّدة عليها بيوتهم، أدى لحراك واسع في الكنيست.