الإعلان عن تدمير المفاعل السوري.. رسالة إسرائيلية لإيران؟
لقد اختارت إسرائيل التصرّف حيال مختلف اللاعبين في سوريا في إطار الحرب في المنطقة الرمادية وبوسائل مختلفة، معظمها عسكرية، على الرغم من أنها ليست بالضرورة أن تكون عن طريق التكتيكات الحركيّة أو العسكرية الهجومية، من خلال هذه التحرّكات، ستكون إسرائيل قادرة على تجنيد الدعم والشرعية، وتكوين التعاون لإجراءات أمنية تخدم مصالحها، تعتقد إسرائيل أن ذلك سيكون ممكناً أيضاً لتوقيف سعي إيران للهيمنة على سوريا ومنع توطيد علاقتها مع دمشق.
أثار إعلان الجيش الإسرائيلي، مسؤوليته عن غارة جوية استهدفت مفاعلاً نووياً سورياً عام 2007، علامات استفهام حول دوافع إسرائيل بشأن الاعتراف بهذه العملية، بعد أكثر من عشرة أعوام من تنفيذها، وكان قد أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أن الغارة على مفاعل نووي في سوريا في عام 2007 كانت لتوجيه رسالة إلى أعداء إسرائيل، وذلك بعد أن أقرّ الجيش للمرة الأولى بشنّ الهجوم.
وهنا السؤال: هل لتأكيد إسرائيل قيامها بالغارة علاقة بالتعامل مع إيران؟
قد تختلف التفسيرات لذلك لكن متابعتي السابقة للإعلان الإسرائيلي باستهداف المفاعل النووي السوري تُنبئ بتغيّر في استراتيجية التعامل مع الوجود الإيراني في سوريا وبما يخصّ النووي الإيراني، إن الإعلان عن هذه الغارة في هذا التوقيت، قد يكون لتحذير إيران بسبب أنشطتها في سوريا، بعض الوزراء الإسرائيليين قال: إن الاعتراف الآن بالهجوم يأتي بمثابة رسالة إلى "أعداء" إسرائيل وفي مقدمهم إيران التي تخشى إسرائيل أن يتزايد نفوذها.
وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان قال، تعليقاً على هذا الاعتراف:"إن على المنطقة كلها استيعاب الدرس من الضربة التي وجّهتها إسرائيل عام 2007 ضد ما يُشتَبه أنه مفاعل نووي سوري." ، كما قال وزير الاستخبارات، إسرائيل كاتس، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر "العملية ونجاحها أوضحا أن إسرائيل لن تسمح أبداً بأن تكون الأسلحة النووية في أيدي مَن يهدّدون وجودها .. سوريا في ذلك الحين وإيران اليوم".
إذاً قد يكون ما أرادت إيصاله إسرائيل في هذا توقيت إرسال رسالة إلى إيران: عليكم بإسقاط البرنامج النووي، وإلا.
إذاً السبب الاستراتيجي، من إعلان مسؤولية إسرائيلية الواضحة عن تدمير المفاعل أن يكون بمثابة تحذير للإيرانيين ولردعهم عن مواصلة برنامجهم النووي، والإشارة إلى طهران بأن إسرائيل ما زالت مُلتزمة بـ "عقيدة بيغن" ولن تسمح لأية دولة ما زالت في حال حرب وعداء معها بالحصول على أسلحة نووية.
"عقيدة بيغن"، نسبة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، مناحيم بيغن، الذي أصدر الأمر بتدمير المفاعل النووي العراقي، في العام 1981، وبحسب هذه "العقيدة"، فإن إسرائيل لا تسمح لأية دولة في المنطقة، والمقصود أية دولة في حال عداء مع إسرائيل، أن تطوّر برنامجاً نووياً.
أدّت عقيدة بيغن إلى تفجير المفاعل العراقي في عام 1981، والعقيدة الاستراتيجية نفسها هي التي قادت لتفجير المفاعل الكوري الشمالي في سوريا قبل 11 سنة، يقول المُحلّل العسكري روني بن يشاي من الواضح تماماً مَن سيكون ثالثاً قريباً، في إشارة إلى إيران، كما يأتي هذا الإعلان بعد تهديد الرئيس الأميركي ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، في حين تردّ إيران على ذلك إنها ستقوم باستئناف برنامجها النووي بقوّة في حال نفّذ ترامب تهديداته.
اطّلعت حديثاً على دراسة عسكرية إسرائيلية يبدو أنها تُطبّق الآن في التعامل مع إيران في سوريا وفي ما يخصّ مفاعلها النووي، وأعتقد أن الإعلان الرسمي لاستهداف المفاعل النووي السوري في هذا التوقيت هو جزء من هذه الاستراتيجية التي تقوم على استراتيجية قسرية، وهي مصمّمة للتأثير على سلوك الخصم، من خلال الاعتماد على مكوّنين: الردع والإجبار وهما مرتبطان بالدفاع والهجوم في كل الأمور لغرض إحداث التغيير أو المحافظة على الإقناع الفعّال والتوقيت الفعّال قبل بدء الخصم بأيّ عمل، الغرض من الردع هو إقناع الخصم بعدم البدء بأي عمل، ويُقاس نجاح الردع بأن يتصرّف الخصم وفقاً لمتطلّبات الرادِع، وعدم كسرها، إذ أن الردع ذو طبيعة محافظة - فهو يسعى إلى الحفاظ على الوضع الراهن، والردع هو لعبة الاستعداد التي يكون اللاعب فيها هو انتظار معرفة ما إذا كان الخصم قد اتّخذ خطوات لا تتطابق مع الخطوط التي تم وضعها.
فالاختلاف بين الردع والإجبار في الاستراتيجية القسرية، أن الإجبار يعتمد على المساومة والتهديد بالقوّة، سواء بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، ويعتمد الإجبار والإكراه على عاملين: أن تعتقد إيران أن إسرائيل سوف تنفّذ تهديداتها، وأن تُدرك وتقتنع إيران أن التهديدات سيكون لها تأثير كبير عليها، كل ذلك يعتمد على ما تحاول إسرائيل تثبيته بقدرتها على تنفيذ تهديداتها، ويبدوا أن الإعلان عن استهداف المفاعل السوري جاء في هذا السياق، لإقناع الخصم إيران إننا جاهزون ومستعدون لتنفيذ تهديداتنا، كما وتهدف هذه الاستراتيجية إلى إقناع الخصم بالتغيير من سلوكه، وذلك من خلال: أن يُقنع الجانب القسري وهو إسرائيل الخصم إيران بوقف الفعل الذي بدأ، وأن يقتنع الخصم بسحب ووقف الإجراءات المُتّخذة، على سبيل المثال، الخروج من الأراضي السورية، العمل على تغيير سياسة إيران من خلال إحداث تغيير في النظام السياسي للدولة.
تستخدم إسرائيل الردع والإجبار كتهديد وقائي، فهي تريد أن تقول لإيران إذا قمتم بأيّ تحرّك مُعيّن في سوريا واستأنفتم العمل بالمفاعل النووي، سوف نتصرّف ضدّكم وأن ذلك مشروط بتغيير الحال الحالية وإن لم يتم ذلك سوف نعمل ضدّكم بقوّة وها هو تدمير المفاعلين العراقي والسوري شاهدين أمامكم.
استراتيجية إسرائيل القسرية - من الردع إلى الإجبار
بعد ضعف "الدولة الإسلامية" في سوريا، أدّى ذلك إلى فقدانهم للأرض في سوريا والعراق، تم استغلال ذلك من قِبَل إيران التي تملأ الفراغ الناشئ هناك، مصلحة إسرائيل الأمنية أن تُقلّل من تدخّل إيران في سوريا والعمل على إخراجها منها، يقول العسكريون في إسرائيل إن محاولات منع إقامة حدود إيرانية على طول حدود فلسطين المحتلة مع سوريا حقّق نجاحات مُستهدفة - بشكل رئيس في إحباط الهجمات والحضور المُنظّم لحزب الله بالقرب من الحدود - لكن في النهاية يعتقدون أنهم لم يستطيعوا منع الوجود الإيراني، وإن لم يكن بدرجة كبيرة، بالقرب من الحدود.
في هذا الواقع، إسرائيل ليست راضية عن عنصر الردع الدفاعي، والذي تبيّن لها أنه غير كافٍ لمنع تخطّي إيران الخطوط الحمراء التي حدّدتها، والآن يتم تحويل الجهود نحو تطبيق استراتيجية الإجبار والتي تهدف إلى إنشاء وتصميم واقع سياسي - أمني يتناسب مع مصالح إسرائيل الأمنية والعسكرية.
تحقيق مكوّن الإجبار
يتم التعبير عن استخدام مكوّن الإجبار من خلال الإجراءات المشتركة لـ
- الهجمات العسكرية - وفقاً لرئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي، ستزداد بشكلٍ ملحوظ ضد أية بنية عسكرية إيرانية سيتم بناؤها في سوريا.
- الدبلوماسية، تقوم على تقديم الدعم للمنظمات المُتمرّدة، الغرض من كل هذه الأمور أن تفرض على إيران مصالح إسرائيل الأمنية.
في الآونة الأخيرة، زادت إسرائيل من جهودها الدبلوماسية من خلال روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة، كما زادت لهجة التهديد ضد إيران، سوريا ولبنان. وستسعى إسرائيل إلى إنشاء نوع من المناطق الأمنية في الأراضي السورية.
من المُلاحظ حتى بعد التغيير في مكوّنات الإكراه، وعلى الرغم من التهديدات المباشرة التي تُطلقها إسرائيل فهي لا تزال تختار البقاء داخل المنطقة الرمادية لمنع استجلاب ردّ فعل وبالتالي منع التصعيد والتدهور إلى عملية عسكرية واسعة النطاق أو حرب اقليمية.
الخُلاصة
في هذا الوقت، إذن، من الأهمية بمكان بالنسبة إلى الأمن القومي الإسرائيلي أن يتذكّر الإيرانيون أن إعادة بناء سباق التسلّح النووي قد يكون له تداعيات كارثية عليهم، لذلك سيتم استخدام الاستراتيجية القسرية التي تسعى إسرائيل من خلالها تحقيق أهدافها من خلال التأثير على سلوك الآخر من خلال جعله يتردّد في القيام بحركة مُعيّنة أو عن طريق إجباره على الانسحاب خطوة إلى الوراء نتاج عمل قام به بالفعل.
في الأشهر الأخيرة، كثّفت إسرائيل استخدام عنصر الإجبار في سوريا كجزء من الاستراتيجية القسرية، هذه خطوة تُعتبر تغييراً في السياسة التي استمرّت مدى السنوات الست الماضية، وحتى الأشهر القليلة الماضية، تحاول إسرائيل أن تفرض على حزب الله والنظام السوري الحفاظ على الوضع الراهِن على حدودها مع لبنان وسوريا، وأنه نتيجة محاولات إيران وقوات حزب الله والنظام السوري لكسر الوضع الراهِن وتجاهُل خطوط إسرائيل الحمراء – التي فشل عنصر الردع في وقف تجاوز خطوط إسرائيل الحمراء، هذا جعل إسرائيل تختار العمل وفق عنصر الإجبار للاستراتيجية القسرية عن طريق الهجمات العسكرية على شحنات الأسلحة التي من المُفترض أن تمرّ من الأراضي السورية إلى حزب الله في لبنان، وأيضاً دخول إيران إلى الفراغ الناشئ في سوريا، كل ذلك جزء من جهود إسرائيل لتأمين مصالحها الحيوية في مرتفعات الجولان وفي سوريا، في هذه الإجراءات، تُنفّذ إسرائيل عنصر الإجبار عن طريق الوسائل العسكرية والدبلوماسية.
لقد اختارت إسرائيل التصرّف حيال مختلف اللاعبين في سوريا في إطار الحرب في المنطقة الرمادية وبوسائل مختلفة، معظمها عسكرية، على الرغم من أنها ليست بالضرورة أن تكون عن طريق التكتيكات الحركيّة أو العسكرية الهجومية، من خلال هذه التحرّكات، ستكون إسرائيل قادرة على تجنيد الدعم والشرعية، وتكوين التعاون لإجراءات أمنية تخدم مصالحها، تعتقد إسرائيل أن ذلك سيكون ممكناً أيضاً لتوقيف سعي إيران للهيمنة على سوريا ومنع توطيد علاقتها مع دمشق.