حركة المقاطعة الدولية (BDS) في دائرة الاستهداف الإسرائيلي
جبهة الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل (BDS) أخذت تحتل في السنوات الأخيرة حيّزاً كبيراً متزايداً في الهواجس والمدارك الإسرائيلية من جهة، وفي الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني من جهة ثانية.
في إطار المشهد الصراعي الشامل ما بينها وبين الفسطينيين، تفتح المؤسسة الإسرائيلية كل الجبهات الممكنة ضد الفلسطينيين بهدف محاصرتهم وإنهاء قضيتهم، من الجبهة العسكرية – الاستخباراتية وسياسات التطهير العرقي، إلى الجبهة السياسية فالإعلامية فالتراثية، فالاقتصادية، فالقانونية والأخلاقية، وكذلك الجبهة الدولية –الأممية-، فوفق المعطيات تشن إسرائيل حرباً واسعة ضد عدّة مؤسسات دولية – أممية - تدّعي أنها "منحازة بالكامل لصالح الفلسطينيين"، وأبرزها: منظمة اليونسكو، التي تعتبرها القيادة الإسرائيلية الاخطر على إسرائيل نظراً لقراراتها التي تنسف الرواية الصهيونية المتعلقة ب"أرض إسرائيل" والأساطير الصهيونية التوراتية، كما استأنفت إسرائيل في الآونة الأخيرة حربها أيضاً ضد منظمة "الأونروا" التي ترمز إلى وجود اللاجئين الفلسطينيين وقضية حق العودة، بهدف تصفيتها، بينما تستهدف من جهة ثالثة المفوضية السامية لحقوق الإنسان لاعتزامها نشر لائحة بأسماء الشركات التي تعمل في المستوطنات الصهيونية. كما جاء في الإعلام العبري، في حين تستهدف من جهة رابعة الهيئات والمنظات غير الحكومية التي تساند القضية الفلسطينية.
غير أن جبهة الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل (BDS) أخذت تحتل في السنوات الأخيرة حيّزاً كبيراً متزايداً في الهواجس والمدارك الإسرائيلية من جهة، وفي الاستراتيجية الحربية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني من جهة ثانية.
فمنذ انطلاقتها قبل نحو 13 عاماً، تنامت وتوسّعت وتعزّزت الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، وانتشرت في العالم، وخاصة على المستويين الأوروبي والأميركي، على نحو بات يقلق القيادة الإسرائيلية، التي تجمع اليوم على اعتبار هذه الحركة "أصبحت تشكّل تهديداً استراتيجياً للدولة ومستقبل إسرائيل".
إذ تسعى الحركة إلى عزل إسرائيل وتحويلها إلى كيان عنصري على نمط جنوب إفريقيا، وإجبارها في نهاية الأمر على: إنهاء الاحتلال، وسياسات التمييز العنصري –الابرتهايد- ضد الفلسطينيين، والالتزام بالقرارات الدولية وفي مقدمها "حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة". ويُسجّل للحملة الدولية نجاحها في تحقيق إنجازات كبيرة على مختلف الصعد الأكاديمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية، وخاصة نجاحها في الكشف عن وجه إسرائيل الحقيقي وصورتها كنظام استعماري استيطاني واحتلال عسكري وفصل عنصري.
الحملة الدولية في الرؤية الإسرائيلية
والحكاية في هذا الصدد ليست إعلامية ونظرية، فالمؤسسة الإسرائيلية بإجماع عناوينها وتفرّعاتها وقياداتها تعتبر الحملة الدولية للمقاطعة تهديداً متصاعداً لوجودها، وجاء ذلك منذ البدايات على لسان إيهود باراك رئيس وزراء إسرائيل سابقاً الذي أعلن مبكراً إن إٍسرائيل تواجه "تسونامي سياسي، وإن الجمهور لا يدرك ذلك"، وفي كلمته في "المعهد دراسات الأمن القومي" في تل أبيب، قال باراك إن "نزع شرعية إسرائيل تلوح في الأفق، وإن ذلك يُعتبر خطيراً جداً ويتطّلب العمل على مواجهة ذلك -"، وكذلك عوزي أراد- رئيس مجلس الأمن القومي الذي سبق باراك في صحيفة "إسرائيل اليوم " ليعلن: "تدور معركة غير سهلة ضد إسرائيل، يمكن الإشارة إلى أربع جبهات توجد بينها اتصالات متبادلة: المعركة الإعلامية، المعركة القانونية، المعركة السياسية، وأخيراً، المعركة الاقتصادية، حيث يوجد المزيد فالمزيد من المقاطعات للبضائع الإسرائيلية لدرجة إشعال النار في هذه البضائع، أنا لا أعرف شخصاً ضالعاً في معرفة التاريخ اليهودي لا يتقلّب أقرباؤه في قبورهم حين يرون مثل هذه الشعلات".
ولكن المحلّل الإسرائيلي المعروف أري شافيت كان ذهب في هآرتس إلى أبعد من ذلك بالقول"أما التهديد غير الأمني الأساسي فهو تهديد نزع الشرعية عن إسرائيل، وفي الآونة الأخيرة كان الهجوم شاملاً، والتحالفات الواسعة للقوى الراديكالية استغلت الاحتلال كي تنزع الشرعية حتى عن إسرائيل السيادية، وهكذا حشرت إسرائيل في الزاوية وجعلتها دولة شبه منبوذة".
ولكن الجنرال احتياط شلومو غازيت كشف خطورة الحملة الدولية بقوله:"إن إسرائيل تواجه تهديدين استراتيجيين،الأول هو عملية نزع الشرعية عن إسرائيل، وهي عملية مشابهة لتلك التي اجتازها النظام الأبيض في جنوب إفريقيا، وأدت إلى انهياره، والثاني هو الخطر الديمغرافي، وهذا هو الخطر الأكثر قرباً وملموسية على مجرّد وجودنا، خطر لا يقلّ عن تطوير النووي الإيراني وبالتأكيد يفوقه كعملية محتمة".
وأعرب شابتاي شافيت، رئيس الموساد السابق، عن قلقه البالغ من الحملة في مقال بعنوان "لأول مرة، أخشى على مستقبل الصهيونية" موضحاً "فشل إسرائيل مقابل تنامي حركة المقاطعة، خاصة في الأوساط الأكاديمية". وأكّد نتنياهو بدوره على المضامين أعلاه وعلى المواجهة الإسرائيلية ضد الحملة الدولية قائلاً:"إن حركة المقاطعة أصبحت تشكّل "تهديداً استراتيجياً لإسرائيل".
الحرب الإسرائيلية على الحملة الدولية
وفي ضوء اعتبارها "خطراً استراتيجياً على مستقبل إسرائيل"، استنفرت المؤسسة الإسرائيلية موظّفة إمكاناتها وأدواتها على كل المستويات المحلية والدولية، وأعلنت الحرب على الحملة الدولية للمقاطعة، وكانت بداياتها حرباً دعائية لتسويق إسرائيل، وكانت بداية الحرب القانونية من إسرائيل في تموز 2011، حينما صادق الكنيست على "قانون منع المسّ بدولة إسرائيل بواسطة المقاطعة"، ومنذ ذلك التاريخ و إسرائيل تبذل جهوداً كبيرة لمواجهة حركة المقاطعة، وتحسين صورتها الدولية، فهي أيضاً حرب على الصورة. وفي هذا السياق أشار تقرير أعدّه مركز البحث والمعلومات التابع للكنيست الإسرائيلي حول منظومة الدعاية الدولية لإسرائيل، إلى"وجود ثمانية أجسام حكومية إسرائيلية تعمل في مجال الدعاية الدولية هي: منتدى الدعاية الحكومية التابع لمكتب رئيس الحكومة، منظومة الدبلوماسية العامة في وزارة الخارجية، وزارة الشؤون الاستراتيجية التي أخذت على عاتقها محاربة حركة المقاطعة، وزارة الدعاية، مكتب الإعلام الحكومي، مكتب النشر الحكومي، وحدة الناطق الرسمي للجيش الإسرائيلي، المساعدات الخارجية حتى الآن-كما وثّقها الباحث مهنّد مصطفى في تقرير "مدار" الاستراتيجي (2016- من دراسة لعبد الرحمن أبو نحل- ". كما لا تغيب المخابرات الإسرائيلية عن الساحة، حيث أوردت صحيفة "هآرتس" ووكالة "أسيوشيتد برس" أخباراً عن "دور جهاز "الشاباك" في التجسّس على نشطاء المقاطعة على الصعيدين الداخلي والخارجي".
ومن جهة أخرى، وفي إطار الحرب الإسرائيلية على الحركة، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدوره من "يهود العالم" المساهمة في "محاربة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل".
وقال نتنياهو:"ساعدونا ضد حركة المقاطعة، وانزعوا الشرعية عمن يحاولون نزع الشرعية عنا"، وأضاف - بحسب تصريح مكتوب صدر عن الكنيست الإسرائيلي- "أريد أن أجنّدكم من أجل الحقيقة، والتأثير لصالح إسرائيل في بلدانكم".
حرب أوروبية ضد الحملة الدولية
وانتقالاً إلى الجبهة العالمية، واستمراراً لسياساتها في حروبها، فقد وسّعت إسرائيل نطاق حربها على الحملة الدولية ، لتشمل الساحتين الأوروبية والأميركية، وسعت لسن قوانين و/أو إصدار قرارات حكومية ضد المقاطعة في الدول الصديقة لها، ونجحت من خلال لوبياتها ومجموعات الضغط المؤيّدة لها في دفع بعض الدول الأوروبية إلى سنّ قوانين ضد الحملة الدولية كما يلي:
فرنسا: كما جاء في تقرير لقاسم عزالدين نشر على الميادين نت -26 تموز/ يوليو 2016 ، فــ "إن توسّع الحركة وتجذّرها بدأ بمبادرة من مجموعة جنيف العام 2004، بينما كانت وزارة العدل الفرنسية قد سبقتها في 4 شباط / فبراير العام 2003 بقانون تجريم المقاطعة على قاعدة "محاربة العنصرية واللاسامية" بحسب قانون بيارلولوش. لكن هذا القانون لم يحل دون تمدّد الحركة التي وصلت إلى أوجها وقت الحرب الإسرائيلية على غزّة 2008 ــ 2009 حتى العام 2016". وكالعادة -يؤكّد عز الدين- "كانت الحكومة الفرنسية سبّاقة في الدفاع عن مصلحة إسرائيل، ففي مأدبة عشاء مع "مجلس ممثلي الهيئات اليهودية الفرنسية" (3شباط/فبراير 2010) هدّد رئيس الحكومة فرنسوا فيون ناشطي المقاطعة بمحاكمتهم وفق قانون الحضّ على الكراهية ومُعاداة السامية. على الأثر توالت محاكمة الناشطين وتجريم الحركة في فرنسا أولاً ثم في أوروبا".
بريطانيا: أصدرت الحكومة البريطانية في أيلول 2016 دليلاً إرشادياً في ما يخصّ سياسات الاستثمار والمناقصات للمجالس المحلية في المملكة. ويلزم الدليل المجالس في وضع سياساتها وقواعدها بـ"عدم دعم سياسات تخالف سياسة المملكة المتحدة الخارجية أو الدفاعية". و"توضح الحكومة أنه ليس من المناسب استخدام سياسات النفقات لتنفيذ مقاطعات وسحب استثمارات وفرض عقوبات ضد الدول الأجنبية والصناعات الدفاعية البريطانية". ويبدو أن الحكومة مستمرة في تنفيذه رغم معارضة أكثر من 23.000 عضو للتدخّل الحكومي في سياسات المجالس المحلية.
سويسرا- وفي 9 آذار/مارس /2017، "قرّر البرلمان السويسري تجريم حملة مقاطعة منتجات الاحتلال "BDS"، ومنع تمويل أي من المؤسسات والجهات التي تدعو للمقاطعة، باعتبارها حركة "عنصرية"، ومعادية للسامية.وصوّت111 نائباً مع القرار، وعارضه78 ، وامتنع 4 نواب عن التصويت".
كندا: صادق البرلمان الكندي على قانون "يرفض حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) ... ويطالب الحكومة بإدانة أي وكل محاولات المنظمات والمجموعات والأفراد الكنديين لترويج المقاطعة في كندا وخارجها"(22). ومن جهة أخرى، "نجح معارضو تجريم المقاطعة في إفشال المصادقة على مسودة قانون ضد المقاطعة في ولاية أونتاريو في القراءة الثانية بأغلبية 39 "ضد"، مقابل 18 "نعم".
يضاف إلى ذلك جملة أخرى واسعة من الإجراءات الأوروبية ضد الحركة الدولية.
حرب أميركية ضد الحركة أيضاً
أما الولايات المتحدة، فتتميز إجراءاتها وقراراتها وتشريعاتها عن تلك الأوروبية بتطرّفها وانحيازها المُطلق لصالح إسرائيل، بل إنها تعتبر الحرب الإسرائيلية على حركة المقاطعة حربها، وفي هذا السياق لجأت إلى سنّ القوانين والتشريعات التجريمية للحركة الدولية ومن أبرزها:
بدعمٍ من لجنة الشؤون العامّة الأميركيّة الإسرائيليّة (إيباك)، والتي تُعتبر اللوبي الصهيوني الأكبر في الولايات المتحدّة الأميركيّة، قدّم أعضاء في الكونغرس الأميركيّ (في نهاية أيلول الماضي) مشروع قانون يستهدف حملات ومنظمات ومؤسسات دولية تسعى إلى مقاطعة منتجات المستوطنات، التي أقيمت على الأراضي المحتلة عام 1967."، ويُذكر أن مشروع القانون المقترح كان قد حظي بدعم واسع في صفوف كلا الحزبين المهيمنين في الكونغرس، لكنّه واجه انتقادات شديدة من جانب منظمات حقوق إنسان أميركية.
وجاء في تقرير للوكالات"أن حوالى نصف الولايات الأميركية تدرس مشاريع قوانين تهدف إلى التصدي لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل". و"تدرس 11 ولاية أخرى – أريزونا، كاليفورنيا، كولورادو، فلوريدا، جورجيا، أنديانا، إيوا، ماستشوسيس، نيو جرزي، نيويورك، وفيرجنيا – قوانين مشابهة". وفي الإجمالي، "تتعامل المجالس التشريعية في 21 ولاية مع مشاريع قوانين متعلقة في حركة المقاطعة". وتقول مجموعة "أميركيون للسلام الآن"،" إن 19 من أصل 54 قانون مقاطعة تم طرحه منذ 2014 يفرض العقوبات أيضاً على مَن يستهدفون مستوطنات الضفة الغربية فقط. وفي ولاية أنديانا وغيرها، "يتم دفع القوانين المناهضة للمقاطعة من قبل ناشطين يهود يمينيين متحالفين مع مجموعة "بروكلايمينغ جاستيس تو ذا نيشنس (إعلان العدل للأوطان)"، وهي مجموعة مسيحية داعمة لإسرائيل تشارك في مبادرة مناهضة المقاطعة في عدّة ولايات جنوبية. وفي ولاية إلينوي الأميركية صَادَقَ حاكم الولاية على "قانون يسمح بمنع ومعاقبة الشركات العاملة التي تنضم لمشروع مقاطعة إسرائيل".
وفي الحاصل الاستراتيجي، يتبيّن لنا، أن هذه الجبهة...جبهة الحملة الدولية لمقاطعة إسرائيل في غاية الأهمية الاستراتيجية على المستوى الدولي، وحصاد هذه الحركة يضاف إلى تراكم الإنجازات الكفاحية الفلسطينية في الداخل المحتل وخارجه، بل أن هذه الإنجازات الموثّقة للحركة، هي الكفيلة أكثر من غيرها بكشف جرائم الاحتلال وسياسات الأبرتهايد - التمييز العنصري - الصهيونية أمام الرأي العام، والواضح من ردود الفعل الإسرائيلية أن الحركة العالمية تقلق حقيقة المؤسسة الإسرائيلية وقياداتها بالكامل، التي تعتبر الحركة تهديداً استراتيجياً متنامياً يهدد بنزع الشرعية عن إسرائيل.
إنها في نهاية الأمر معركة مفتوحة على هذه الجبهة العالمية، التي تتكامل مع الجبهات الفلسطينية الأخرى.