تايلاند-الولايات المتحدة: تحالف الضرورة لمواجهة كوريا الشمالية والصين
يتوقّف أمن الولايات المتحدة وفق الرؤية السائدة اليوم في واشنطن على قدرتها لتغيير الجغرافيا السياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وهكذا، عندما تُعيد تصوّر علاقاتها مع دول شرق آسيا، يجب عليها أن تصل إلى أقدم حلفائها في المنطقة. وفي حين أن الولايات المتحدة لديها معاهدات تحالف ثنائية مع خمسة بلدان هي أستراليا واليابان والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والعديد من الشراكات الأمنية الطويلة الأمد.
![](https://alpha-ar-media.almayadeen.net/archive/image/2017/9/18/3aeafcd7-1c0c-435d-9e72-b5a859f80d05.jpg?width=700&height=-700&mode=crop&scale=both&format=webp)
بعد التوتّر المتصاعد في شبه الجزيرة الكورية والصعود المتراكم لنجم الصين في آسيا، تُرك الرئيس دونالد ترامب مع خيارات قليلة تردّدت منذ عهد أوباما لكبح جماح بيونغ يانغ واحتواء بكين، حيث يجب على أميركا الوصول إلى حلفاء سابقين، ودفن الحديث حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والقبول بأن التحدّي الأمني لا يمكن التغلّب عليه من دون تعاون بلدان شرق آسيا.
يتوقّف أمن الولايات المتحدة وفق الرؤية السائدة اليوم في واشنطن على قدرتها لتغيير الجغرافيا السياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وهكذا، عندما تُعيد تصوّر علاقاتها مع دول شرق آسيا، يجب عليها أن تصل إلى أقدم حلفائها في المنطقة. وفي حين أن الولايات المتحدة لديها معاهدات تحالف ثنائية مع خمسة بلدان هي أستراليا واليابان والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والعديد من الشراكات الأمنية الطويلة الأمد، بما في ذلك مع نيوزيلندا وسنغافورة وتايوان، إلا أن تايلاند هي أقدم من يملك معاهدة تحالف معها آسيوياً. حيث تعود الصداقة بينهما إلى عام 1833. هذه الصداقة نضجت إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية، عندما كان للولايات المتحدة قواعد عسكرية في هذا البلد خلال حربي فيتنام والخليج، ووصلت بين عامي 2014 و 2016 إلى أدنى مستوياتها بسبب الانقلاب العسكري في بانكوك.
رؤية أميركية جديدة بعد الانقلاب العسكري في تايلاند عام 2014
عندما أطاحت القوات العسكرية التايلاندية بحكومة يينغلوك شيناواترا، في انقلاب حزيران/يونيو 2014، اختارت الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن تايلاند، وعلّقت مساعدتها السنوية بقيمة 10 ملايين دولار وجمّدت تدريب الضبّاط العسكريين وإرسال بعض الأسلحة إلى بانكوك.
لكن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لتايلاند والذي يُعتبر بالغ الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة في صراعها مع كوريا الشمالية والصين حتّم قيامها بمراجعة سياسية، فما يقلق الأميركيين منذ عام 2014 هو تعزيز بانكوك لعلاقاتها مع بكين، بما في ذلك قيامها في الشهور القليلة الماضية بشراء غواصات ودبابات ومروحيات صينية إضافةً الى إقامة خط سكة حديد جديد بقيمة 500 مليون دولار. وقد استخدمت الصين على نحو مُتزايد الفضاء الاستراتيجي الذي أخلته الولايات المتحدة الأميركية في تايلاند من أجل مصالحها الأساسية الخاصة وضمان الأولوية الأولى في مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى تطوير وإنشاء طُرق تجارية وممرّات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلداً.
ونظراً للطموحات المتزايدة للصين والتحدّي الذي تمثّله كوريا الشمالية، لا يمكن تجاهُل موقع تايلاند المتميّز في المجال الاستراتيجي، ولا سيما من جانب البنتاغون الذي أشار حتى قبل توليّ ترامب الرئاسة في 20 كانون الثاني/يناير 2017، إلى استعادة مشاركة القوات الأميركية في مناورات كوبرا غولد مع الجيش التايلاندي إلى مستويات ما قبل الانقلاب. كما أعلن أن تايلاند لن يزورها سوى القائد الأعلى للقيادة الأميركية في المحيط الهادىء الأميرال هاري هاريس، وقد جرت الزيارة بالفعل في شباط / فبراير 2017 تبعتها مُكالمة هاتفية بين ترامب ورئيس الوزراء التايلاندي برايوث تشان أوشا دعاه فيها لزيارة البيت الأبيض وأكّد له فيها أن العلاقات الأميركية التايلاندية ستكون "أقرب من أيّ وقت مضى ".
أهميّة تايلاند الاستراتيجية في الضغط على كوريا الشمالية
تحظى تايلاند بأهميّة في رسم سياسات الولايات المتحدة ليس فقط لكونها تضمّ أكبر سفارة أميركية في جنوب شرق آسيا، بل لكونها رابع أكبر شريك تجاري لبيونغ يانغ، حيث سجّل العام 2016 ما قيمته 53 مليون دولار كتجارة رسمية مع كوريا الشمالية. التجارة المزدهرة بين البلدين تنبع أساساً من رغبة كوريا الشمالية في خفْض اعتمادها على السلع الصينية. ويصف جورج مكليود، وهو خبير استشاري للمخاطر السياسية مقرّه تايلاند، كيف تقوم بانكوك بتصدير البضائع إلى كوريا الشمالية، حيث يتم إرسالها إلى بلدتين على حدود الصين مع كوريا الشمالية، ثم تتم إعادة تسمية هذه السلع بأنها صُنعت في الصين ويتم شحنها عن طريق شاحنات إلى كوريا الشمالية.
قبل زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى بانكوك في 8 آب/أغسطن ببضعة أسابيع، طلب السفير الأميركي في تايلاند غلين ديفيز من الحكومة العسكرية في بانكوك أن تدعم العقوبات الدولية ضد ّكوريا الشمالية. وقال "إن تايلاند، باعتبارها زعيمة للآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا)، لها دور هام تلعبه في الجهد الواسع لإقناع كوريا الشمالية بأنها ستكون معزولة إذا لم تعلّق برامج أسلحتها والعودة إلى المحادثات على أساس التزام يمكن التحقّق منه تجاه نزع السلاح النووي ".
المحادثات بين تيلرسون ووزير الخارجية التايلاندي دون برامودوين تمحورت بعدها حول أزمة كوريا الشمالية، ودامت حوالى 45 دقيقة محاولةً تجديد العلاقات وبناء بعض التفاهم حول عدّة جوانب من العلاقات الثنائية وأعلن فيها وزير الخارجية التايلاندي أن التجارة بين كوريا الشمالية وتايلاند انخفضت بنسبة 94 في المائة بين كانون الثاني/يناير إلى حزيران/ يونيو 2017 مقارنة بنفس الفترة من عام 2016 وهو ما سيساهم بشكل حاسم في عزل كوريا الشمالية. لم تُناقش الولايات المتحدة في الزيارة قضية حقوق الإنسان أو الحكم العسكري، حيث أرادت عدم التدخّل في الأمور الداخلية لتايلاند في الوقت الذي تحتاجها لممارسة الضغط على كوريا الشمالية للتخلّي عن برنامجها للأسلحة النووية.
التحالف القديم بين الدولتين يغذّيه اليوم الخوف من الصين
تحتاج كل من الولايات المتحدة وتايلاند لبعضهما البعض وهذا لا يعود فقط لعامل كوريا الشمالية، الذي له تداعيات مباشرة أو غير مباشرة على جميع البلدان، ولكن أيضاً بسبب تغيّر السياسة الجغرافية في آسيا، سواء في المجال القاري والبحري. حيث شهدت بلدان جنوب شرق آسيا وجنوب آسيا، على حد سواء، ما تعتبره موقفاً عدوانياً للصين، في بحر الصين الجنوبي (الذي يؤثّر مباشرة على 4 بلدان على الأقل في جنوب شرق آسيا) وصولاً إلى مدّ طريق بمنطقة دوكلام التي تدّعي الصين وبوتان السيادة عليها.
تُشكّك جماعات المجتمع المدني التايلاندية والأكاديميون والمثقّفون بشكل مُتزايد في بناء البنية التحتية للصين من خلال لاوس، التي لا تشمل فقط حيازة الأراضي ولكن أيضاً التهديدات التي تواجه سبُل العيش لمجتمعات الصيد بسبب بناء السدود على نهر ميكونغ والاستيلاء على الأعمال التجارية في شمال تايلاند على سبيل المثال لا الحصر. ويصف بول تشامبرس، وهو مستشار الشؤون الدولية في جامعة ناريسوان في تايلاند، القلق في بانكوك من سياسات الصين بقوله أن بكين ترى اليوم جنوب شرق آسيا ضمن مدارتها الاقتصادية والجيوسياسية، وهي تستخدم التجارة والاستثمارات والمساعدات لفرض النفوذ في جميع أنحاء المنطقة ما يوفّر لها مرونة استراتيجية. من جهته يقول روث بانوميونغ الخبير في تطوير الخدمات اللوجستية الرائدة في جنوب شرق آسيا أن "الصين ترى هذه المنطقة من العالم كجزء من المناطق النائية. ولن أفاجأ إذا اعتبروا لاوس وتايلاند مقاطعات مستقبلية في الدولة الوسطى".
تتمثّل الضرورات الأمنية الرئيسية لتايلاند في منع تدخّل القوى الأجنبية وتقليل الصراعات الأهلية إلى أدنى حد. ويساعدها التحالف مع الولايات المتحدة على تحقيق كلا الأمرين، فهو يلغي العدوان من الصين ويوفّر للجيش التمويل والمعدات لمساعدتها في السيطرة على سكانها المتنوّعين عند نشوء أيّ توتّر داخلي.
هناك ذكريات تاريخية تؤثّر تأثيراً كبيراً على تفسير تايلاند لمخاطرها الجيوسياسية، فخلال فترة التوسّع الاستعماري في منتصف إلى أواخر القرن التاسع عشر، كانت تايلاند (في ذلك الوقت سيام) مُحاطة بمستعمرة بريطانيا بورما (الآن ميانمار) إلى الشمال الغربي ومستوطنات فرنسا المتزايدة إلى الشرق. في عام 1893، خاضت سيام حرباً مع فرنسا أدّت إلى هزيمتها، ما أجبرها على التخلّي عما هو الآن لاوس إلى فرنسا. وفي وقت لاحق، ومع معاهدة أنغلو-سيامي 1909، أجبرت بريطانيا سيام على التخلّي عن بعض أراضيها الغربية. ومن خلال هذه التجربة، علمت تايلاند أنها يجب أن تستخدم بحذر التحالفات لمنع التدخّل الأجنبي العدائي.
تدرك تايلاند جيّداً الضعف الناجم عن الانقسامات الداخلية. فبلدها يتكوّن من عرقيات الخمير، اللاوتيون والماليزيون بالإضافة إلى التايلانديين. وانطلاقاً من الإيمان بأن الانقسامات العرقية ستترك البلاد عُرضة لمزيد من التدخّل الأجنبي، حاول لوانغ فيبونسونجرام، الذي كان واحداً من قادة انقلاب عام 1932 وأصبح رئيساً للوزراء في عام 1938، توحيد البلاد في الثلاثينات من خلال إعادة تعريف الهوية التايلاندية لتكون أكثر شمولية. وقد شنّ هجوماً خلال الحرب العالمية الثانية لاستعادة الأراضي التي فقدتها تايلاند لصالح بريطانيا وفرنسا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
بعد هذا الهجوم، أراد كل من البريطانيين والفرنسيين معاقبة تايلاند على عدوانها، ولكن الولايات المتحدة أصرّت على التساهل معها من منطلق رؤيتها للتوتّر القادم بين الغرب والاتحاد السوفياتي، وحيث عرفت أنها ستحتاج إلى حلفاء في جنوب شرق آسيا. أصبحت العلاقات الأميركية مع تايلاند ذات أهمية مُتزايدة خلال حرب فيتنام عندما استخدمت الولايات المتحدة على نطاق واسع قواعد سلاح الجو الملكي التايلاندي للقيام بغارات على فيتنام الشمالية.
بقيت مصالح الولايات المتحدة في تايلاند من دون تغيير جوهري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، باستثناء أنها تعتبر الآن جزء من استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء الصين بدلاً من الاتحاد السوفياتي. ويساعد موقع تايلاند قوة المشروع الأميركي في اتجاهين. فبينما لا يوجد للولايات المتحدة حالياً وجود كبير للقوات العسكرية في تايلاند، تسمح تايلاند لها بالوصول إلى قاعدة يو - تاباو الجوية البحرية التي كانت تعمل كمركز إمداد خلال حربي العراق وأفغانستان. وعلاوةً على ذلك، وبما أن تايلاند لا تتقاسم حدوداً مباشرة مع الصين، فإن الولايات المتحدة قادرة على بناء القوة هناك من دون أن تشكّل تهديداً لا مبرّر له لبكين.
وعلى الرغم من الاتفاقيات التي ذكرناها آنفاً بين تايلاند والصين، فإن الاستراتيجيات الإقليمية الواسعة لهما تتصادم. فالصين ستحاول الحفاظ على الانقسامات المحلية الكافية داخل جيرانها في جنوب شرق آسيا لمنع أية دولة من تراكم قوتها على حدودها الجنوبية. وقد فعلت ذلك على نطاق واسع في ميانمار المجاورة من خلال دعم جماعات المتمرّدين العرقيين الصينيين في منطقتين شمال شرق ميانمار بالرغم من مزاعم علنية بدعم حكومتها. كما تعتبر الولايات المتحدة أن تدخّل الصين في الهند الصينية عام 1979، والذي أدّى إلى الحرب الصينية الفيتنامية عام 1979، يعُدّ مثالاً آخر على قيام الصين بتنفيذ سياستها للحفاظ على السلطة مقسّمة على طول حدودها. وعلى سبيل المثال عندما غزت فيتنام الموحّدة كمبوديا عام 1970 لفرض هيمنتها جنوب شرق آسيا هاجمت الصين فيتنام وأوقعت خسائر فادحة في جيشها (قُتل ما يُقدّر ب 50 ألف جندي فيتنامي و 70 ألف من الميليشيات) خلال فترة قصيرة لا تتجاوز الأربعة أسابيع.
وفي حين أن الصين تواجه تهديداً أقل من تايلاند مقارنة بجيرانها المباشرين، حيث أن البلدين لا يتقاسمان حدوداً مباشرة، إلا أنه سيظل من مصلحة الصين من وجهة النظر الأميركية والتايلاندية منع ظهور تايلاند موحّدة ومتكاملة عرقياً ووطنياً وهو ما تسعى إليه الحكومة المركزية في بلد متنوّع إثنياً. من ناحية أخرى، ترى الولايات المتحدة في تايلاند المستقرّة شريكاً عسكرياً موثوقاً تستطيع من خلاله شنّ الهجمات وإنزال القوات.
أثبت عِلم السياسة مع الزمن أن المظاهر يمكن أن تكون مضلّلة. فبالرغم من إدانة الولايات المتحدة للعصبة العسكرية غير اليبرالية التي سيطرت على الحكومة التايلاندية عام 2014 فإنها مازالت بحاجة إلى حليف قوي في البر الرئيسي لجنوب شرق آسيا. وبالمثل، تحتاج تايلاند التي عزّزت علاقاتها على مدى السنوات الثلاث الماضية مع الصين إلى تحالف مع قوة كبرى لا تعتمد استراتيجيتها الطويلة الأجل على إبقائها ضعيفة ومقسّمة. وبينما تبدو دعوة ترامب لبرايوث كخطوة نحو إعادة إقامة علاقات أقوى، واصلت مصالح البلدين التداخّل على الرغم من الانقلاب الأخير وبغضّ النظر عما قالته الولايات المتحدة علناً عن التكوين الحالي لحكومة تايلاند.