الانسحاب الروسي من سوريا .. ما بين التمساح و الصياد
أثار قرار الرئيس الروسي ببدء سحب "القوات الأساسية" العاملة فى الأراضي السورية جدلاً كبيراً خصوصاً لدى كل المهتمين بالميدان العسكري السوري نظراً لتوقيته وانعدام التفاصيل المتعلّقة به ، روسيا قالت بأن الأهداف الموكلة إلى هذه القوات قد تحققت، و بالتالي لم يعد هناك ضرورة ملّحة لبقاء قواتها فى سوريا ، فما هي هذه الأهداف و هل تحققت بالفعل؟
كان الوضع الميداني للجيش السورى خلال هذه الفترة حرجاً على معظم الجبهات و بات القطاع الشرقي من البلاد خارج سيطرته تماماً و تقلصّت مساحة الأرض المسيطر عليها من جانبه إلى نحو 19 بالمائة مة مساحة سوريا ، كان الجيش السورى في جبهات الشمال والوسط " حلب - أدلب - حمص" فى موقف دفاعي متراجع و باتت العاصمة السورية مهددة .
بدأت القيادة الروسية مع بداية عملياتها الجوية فى سوريا أواخر شهر آب/ سبتمبر الماضي بتنفيذ بنود دراسة مستفيضة تمّ بناء تفاصيلها على أساس نقاط الضعف الميدانية و التكتيكية فى أداء الجيش السوري التي ظهرت خلال عامى 2013 و 2014، وكان السبب الأساسى لظهورها هو التدفق المستمر للمسلحين و للإمدادت العسكرية للعناصر المسلحة من تركيا و الأردن و الجولان و حتى الحدود العراقية.
الخطة اهتمت بكلّ التفاصيل و أدقّها ، فكانت البداية مع تجهيز و تسليح الجندى السوري حيث تم تعميم
تجهيزات فردية حديثة للجنود النظاميين و القوات الخاصة السورية و هي تجهيزات كان
الجيش السورى في الأصل يعتزم تزويد قواته بها فى ما قبل عام 2011 لكن لم يتم هذا ، اشتملت هذه التجهيزات على مناظير الرؤية الليلية "Baigish-6U" و دروع الحماية من
الشظايا من نوع "6B45" و خوذ الوقاية من
نوع "6B7" بجانب تزويد قوات المشاه السورية
بالبندقية الهجومية "AK-74M" بدلاً من البندقية
"AK-47" و مثيلتها الصينية.
كما تزوّدت القوات
الخاصة بكل من الجيش السوري و الشرطة ببنادق هجومية حديثة من نوع "AK-103" و "AK-104" و بنادق قنص من نوع
"MTs-116M" وأسلحة فردية معاونة مثل الرشاشات
المتوسطة "KORD" و "NSV" و"PKP" و قواذف القنابل اليدوية "AGS-17" ما اعطى مرونة تسليحية للقوات
السورية منذ بداية العمليات الجوية الروسية ، وأضيف إلى ما سبق منظومات رادارية
حديثة تدخل للمرة الأولى للتسليح السورى مثل منظومة الرادار"Fara-1" التى مكنّت المشاة السوريين من رصد أيّ تحركات سواء للمشاه او الآليات على مسافات تصل إلى 6 كم.
تطوير سلاح الدبابات
إلاّ أن إدخال الجيش الروسي لأعداد من دبابات القتال الرئيسية "T90" الأحدث فى الترسانة الروسية و المزوّدة بمنظومات الحماية "شتورا" التي اثبتت فعالية كبيرة ضد صواريخ "التاو" الأميركية مثل إضافة رئيسية للقدرات العسكرية السورية ، كما أرسل الجيش الروسي أيضاً أعداد من دبابات "T72B" و ناقلات الجند المدرعة "BTR-82A" و الشاحنات المدرعة من احتياطياته لتعويض اعداد المدرعات التى فقدها الجيش السوري على مدار سنوات المعارك.
بالنسبة للمجهود المدفعي و الصاروخي فقد زوّدت روسيا الجيش السوري بأعداد من راجمات الصواريخ "TOS-1A" و "BM-21" و مدافع الهاون "2B11" بالإضافة إلى أعداد جديدة من مدفعية الميدان "D30" بجانب مشاركة ميدانية من جانب الجيش الروسي في مجهود الدعم المدفعي للقوات السورية خصوصاً فى ريف اللاذقية و مؤخرا فى تدمر بواسطة أربعة مجموعات دعم مدفعي وصاروخي "مجموعتي مدفعية هاوتزر من نوع ""Msta-B تتبعان لفوج المدفعية الثامن و اللواء المدفعى 120 بجانب مجموعتي مدفعية صاروخية من أنواع "Smerch" و "Uragan" و "TOS-1A" تتبعان اللواء المدفعى 439 و فوج الراجمات الصاروخية 20.
مواضع الخلل العسكري
أيضا أدخل الجيش الروسى إلى الأجواء السورية منذ منتصف عام 2015 أنواعاً أخرى من الطائرات دون طيّار مثل "Aileron-3SV" و "Forpost".
أما فى ما يتعلق بوسائط الحرب الإلكترونية، فقد كان دورها غائباً عن الميدان السورى بشكل شبه تام ، فبادر الجيش الروسى فى منتصف العام الماضى إلى تزويد الجيش السورى بأعداد من منظومات "R-330B" للتشويش اللاسلكى كما دفع بمفرزة تضم 15 منظومة تشويش و إعاقة ألكترونية تابعة للواء المشاه الميكانيكى 64 مضافاً إليها مجموعة قتالية تابعة للواء الحرب الألكترونية 17 تضم منظومتى تشويش وإعاقة و إدارة نيران من نوع "Krasukha-4" تمركزت فى قاعدة حميميم الجوية.
على
مستوى العمليات الجوية تمكّن الجيش السورى من إدامة الطلعات القتالية للقاذفات التى
يمتلكها "Su24 - Mig23 - Su22"
لكن تزامن ذلك مع أستنزاف مستمر للقدرات الفنية و العملياتية لهذه القاذفات و
ذخائرها نظراً لطول أمد الحرب و أنتشار وسائط الدفاع الجويّ المضادة للطائرات "صواريخ – مدفعية" فى تسليح المعارضة المسلحة.
دعما
لهذا المجهود الجوى أدخل سلاح الجو الروسي إلى الأجواء السورية و إلى مطار حميميم
العسكرى بداية من اواخر آب/ سبتمبر 2015 مجموعة متنوعة من المقاتلات و القاذفات و
المروحيات و طائرات النقل و الحرب الإلكترونية و الاستطلاع دعمت خلال الفترة
السابقة العمليات العسكرية السورية و خففت العبء عن قاذفات سلاح الجو السوري .
وأدخل سلاح الجو الروسى الى قاعدة حميميم "4 مقاتلات SU-30 - 4 مقاتلات SU-35 - 12 قاذفة SU-25 – 16
قاذفة SU-24 – 8
قاذفات SU-34" إلى جانب عدد من
المروحيات القتالية من أنواع Mi-24p وMi-35 وMi-8AMTsh و طائرات الاستطلاع
الإستراتيجى "Il-20" و طائرات النقل الإستراتيجى "IL-76" و "AN-124".
نفذت القاذفات الروسية عمليات قصف
مكثفة استمرت لأكثر من خمسة أشهر فى شمال و وسط و شرق سوريا و تمت معاونتها
انطلاقاً من القواعد الجوية فى روسيا بطلعات قصف مركز بصواريخ " "Kalibr نفذّتها القاذفات الأستراتيجية "TU-22M3" و "TU-160" و "TU-95MS" يرافقها طائرات
التزويد بالوقود "IL-78M" و مقاتلات "SU-27M3" و "SU-30SM" وطائرات الأستطلاع
"An-30" و طائرة الحرب الألكترونية و التشويش
"Tu-214R".
مجهود عسكري روسي متعدد الأوجه
أيضا قام الجيش الروسى بنصب بطارية مكونة من أربع قواذف لمنظومة الدفاع الجوى الأحدث فى الترسانة الروسية "S-400" تمركزت فى قاعدة حميميم الجوية و عاونها فى تقديم الحماية للمطار أربع منظومات دفاع جويّ ذاتية الحركة من نوع "Pantsir".
وشكلّت منظومة "S-400" ومازالت شبكة قوية للدفاع الجوي بقطر 400 كم تستطيع استهداف الطائرات المقاتلة في ارتفاعات تصل إلى 27 كم و تغطي كامل مساحة سوريا فى ما عدا بعض أجزاء محافظة الحسكة، وتغطي المظلة أيضا 16 محافظة تركية يقع بها أربع قواعد جوية تابعة لسلاح الجو التركي منها قاعدة "انجرليك" القاعدة الرئيسية لسلاح الجو التركي و لعمليات حلف"الناتو" في المنطقة و يقع ضمن هذه المظلة أيضاً القاعدة الجوية البريطانية في قبرص "اكروتيرى" و كامل أراضي لبنان و شمال فلسطين المحتلة وصولا إلى تل أبيب.
بحرّياً، شهدت السواحل السورية منذ مطلع العام الماضي حركة مكثفة لسفن الإنزال الروسية التابعة لأسطولي بحر البلطيق و البحر الأسود و التى حملت أطنان من العتاد و الذخائر الى ميناء طرطوس السوري، و شهدت السواحل السورية وجوداً مستمراً للمدمرات و كاسحات الألغام و سفن التنصت كأن أخرها مرابطة حاملة الطائرات "المدمرة "Smetlivy" و كاسحة الألغام "Dragorul Kovrovets" و سفينة التنصت "Priazovye" بجانب الكورفيت الصاروخى الروسي "Zeleny Dol" من فئة "Buyan-M" و هو يعدّ من أحدث القطع البحرية التى دخلت الخدمة فى البحرية الروسية العام الماضي و يتسلح بثماني قواذف لصواريخ "Kalibr" ، كما مازالت رحلات الناقلات الروسية إلى طرطوس مستمرة و كان آخرها سفينتي الشحن "Aleksandr Tkachenko" و"Kazan-60" و التي أوصلت إلى طرطوس شحنة من الشاحنات العسكرية من نوعى"Ural-4320" و "GAZ-66".
لم يقتصر دور البحرية الروسية على مراقبة و حماية السواحل السورية بل قامت الغواصات و سفن الصواريخ الروسية بتنفيذ عمليات قصف بصواريخ ""Kalibr انطلاقاً من البحر المتوسط و بحر قزوين بجانب قيام الطراد الروسى"MOSKVA" أثناء فترة تمركزه أمام السواحل السورية بالمشاركة فى مظلة الدفاع الجوى الروسية في سوريا عن طريق المنظومة الدفاعية "S-300F".
بريّاً، شارك الجيش
الروسي بعدد من المفارز الخاصة من قواته أساسها مجموعة تكتيكية من كتيبة مشاه
البحرية الهجومية 542 التابعة للواء مشاه بحرية البحر الأسود 810 .
يضاف إلى هذه
الكتيبة كتيبتي استطلاع هما الكتيبة 162 التابعة للواء الحرس الجوى الهجومى السابع
و الثانية تتبع للواء المشاه الميكانيكي 74 ، ومجموعة هجومية تكتيكية مشكلة من
اللواء 27 مشاه ميكانيكي تتكون من مجموعتى مشاه و مجموعة دبابات ، مجموعة من
القوات الخاصة الروسية "Spetsnaz" مشكلة من اللواء
الثالث بجانب مجموعة من القناصة.
إذاً، نصل إلى خلاصة مفادها أن التدخّل الروسي العسكري و الذى بدأت ملامحه فى الاتضاح أكثر بداية من عام 2015 مثّل مجهوداً عسكرياً متعدد الأوجه كانت له عدة أهداف استراتيجية تقول روسيا بعد إعلانها المفاجئ عن بدء سحب "القوات الرئيسية" من سوريا أنها تحققت جميعاً ، فما هي هذه الأهداف؟
الهدف
الأستراتيجي الأول للتدخل الروسي فى سوريا كان حماية الكيان السوري و من ضمنه
القاعدة البحرية الروسية فى طرطوس و تقديم الدعم العسكري المباشر و غير المباشر
للجيش السوري لتمكينه من تأمين الحماية التامة للعاصمة و الساحل و منطقة الحدود مع
تركيا و هو الهدف الذى تحقق فعلياً بعد تنفيذ ما يقرب من 9 آلاف غارة جوية ساعدت الجيش
السوري على استعادة الوضع الهجومي فى اللاذقية و حلب بشكل أساسي و قطع طرق الإمداد
الخاصة بالفصائل المسلحة من إتجاه الحدود التركية إلى جانب فكّ الحصار عن بلدتي نبّل و
الزهراء و مطار كويرس و الفصل بين ريفى حمص الشمالي و الجنوبي ليحرر الجيش السوري خلال العام الماضى ما يزيد عن 10 آلاف كم.
تحقق الهدف العسكرى الأساسي الروسي فى
سوريا و تحقق معه الهدف الرئيسي الثاني و الثالث، وهو إفساح المجال لتنفيذ وقف
أطلاق النار و مراقبته من جانب الجيش الروسى وإغلاق الباب أمام أيّ أحتمالية لتدخّل
عسكري خارجي فى سوريا سواء من جانب تركيا أو جانب الولايات المتحدة ، تبع هذا تحقق
الأهداف الفرعية الأخرى و التى تتلخص فى تأكيد حقيقة أن القرار الميداني فى سوريا
هو للحكومة السورية و التى كانت قد طلبت من الجيش الروسي التدخل لمدة زمنية معينة
و هو ما ينفي ما يتم الترويج له على أن التدخل الروسي كان "احتلالا"
لسوريا.
أيضا تحاول روسيا من خلال هذه الانسحاب تأكيد قناعتها أن الدور السياسي لحلّ الأزمة السورية بات هو الدور الأساسي الذى يجب لعبه و الذى تساهم فيه روسيا، إمّا عن طريق مركز المصالحات فى قاعدة حميميم والذي أثبت فعالية كبيرة فى إقامة
المصالحات فى القرى و البلدات السورية خصوصاً فى حماه أو عن طريق الدعم الروسى
لكافة الأطراف للتوجه إلى مفاوضات جنيف.
لكن
يبقى السؤال الأكبر ، ما هو شكل الانسحاب الروسي ، هل هو شكلي أم فعلي ؟
الواضح هو أن الانسحاب الروسى هو أشبه بـ "أعادة تموضع" و "إحلال و
تجديد" لعصب التواجد العسكري في سوريا ، حتى الآن قام سلاح الجو الروسي بسحب
جزء من قواته الجويّة الموجودة فى قاعدة حميميم و هو الجزء الأكثر تنفيذا لمهام
قتالية و التى بالتأكيد انعكست على كفاءة طائراته الفنية و
هي "أربع قاذفات SU-34 – أربع قاذفات SU-25 – ثماني قاذفات SU-24"، بجانب سحب أربع مروحيات قتالية من نوع "Mi-24p".
لم يتأثر الدعم الناري المقدّم إلى قوات الجيش السوري التى بدأت هجوماً ناجحاً فى
اتجاه مدينة تدمر و القريتين حيث يدعم الجيش الروسي هذا الهجوم بمروحيات هجومية
من نوع "Mi-35"
تنطلق من مطار الشعيرات بالإضافة إلى دعم نارى و صاروخى من مدافع Msta-B و راجمات "Smerch"
و "Uragan" و "TOS-1A".
كما أدخل سلاح الجو الروسى إلى العمليات الجوية فى سوريا نوعين من انواع المروحيات
الهجومية هما "ka-52" المعروفة بأسم
"القرش" و المروحية "Mi-28n"
المعروفة بأسم "التمساح" و اللتين بدأتها مؤخراً بتنفيذ طلعات
أستطلاعية فى الأجواء السورية كجزء من الأسلحة المراقبة لحالة تنفيذ الهدنة
القتالية فى سوريا التي أشتملت أيضاً على منظومة الكشف الراداري المضاد للرمايات
المدفعية"Zoo-1"
و منطاد المراقبة و الإنذار المبكر
"Lion" من إنتاج شركة
"DKBA" الروسية.
إعادة انتشار ... بانتظار الخطوة الروسية التالية
ويتوّقع أن تكون الخطوة الروسية التالية هي أكمال الصفقات العسكرية مع سوريا والتي تم تجميدها سابقاً وهى صفقة طائرات "Yak-130" التدريبية و إكمال تحديث أسطول سلاح الجو السوري من مقاتلات "Mig-29" و تنفيذ بنود العقد الذي وقع فى عام 2013 لتوريد 12 مقاتلة من النسخة "M2"، كما يحتمل تكرار ما حدث سابقا مع طائرة النقل الروسية "IL-76" التى منحتها روسيا مؤخراً إلى سلاح الجو السوري ومنحه بعض من القاذفات التي مازالت موجودة فى قاعدة حميميم الجوية مثل قاذفات "Su-24" و "Su-25".