خاص الميادين: عملية السافوي في تل أبيب، قصة العبور
محمد حسن سعد وعيسى ابراهيم الريدي مصريان شاركا في عملية سافوي الفدائية في قلب تل أبيب التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في عام 1975. يستعيدان العملية بتفاصيلها كافة، ومعها مرحلة يتمنيان لو تعود.
شرعت كتيبة "الشهيد أبو يوسف النجار" التي يقع مركزها بمدينة صور الجنوبية في تدريبات مكثفة لعناصرها لاختيار الأنسب منهم لهذه المهمة ثم تطور التدريب ليصبح في شواطئ صيدا علي طرق الأبرار البحري ومن ثم تم اختيار مجموعتين كل منهما مكونة من أربعة مقاتلين الأولى سميت "مجموعة الشهيد سامر عيون" والثانية سميت "مجموعة الشهيد محمد جاد الله". تم تحديد هدف رئيسي وثلاثة أهداف فرعية في تل أبيب لمهاجمتها حسب الأولوية وهي وزارة الدفاع الإسرائيلية التي تقع في شارع "هاكريا" ثم الأوبرا والسينما ودار الشبيبة وفندق سافوي كأهداف بديلة.
أبدى ربان السفينة ويدعى "عيسى ابراهيم الريدي" استعداده وطاقمه للمشاركة في هذه العملية واجتمع مرات عدة مع قياديين في فتح في أماكن مختلفة في بيروت منها منزل كان يقع بالقرب من ملعب "كميل شمعون" في منطقة بئر حسن عند أطراف بيروت الإدارية. بعد عدة اجتماعات تقابل ربان السفينة مع الزعيم ياسر عرفات وأبو جهاد في مقر لحركة فتح في بيروت واتفق معهما على الخطوط النهائية لدور طاقمه في الخطة والذي تلخص في تحرك السفينة من بيروت على أساس أنها تحمل شحنة وقود لصالح شركة انجليزية في قبرص. ثم تنتظر قبالة شاطئ صيدا إلى حين وصول قاربين يحملان مجموعة التنفيذ إليها ومن ثم تنقل السفينة المجموعة إلى شواطئ فلسطين المحتلة.
ـ قائد العملية خضر أحمد جرام من مواليد غزة وانضم لحركة فتح في أواخر الستينيات. - عبد الله خليل عبد الله كليب من مواليد طولكرم انضم لحركة فتح عام 1970. - موسى العبد أبو ثريا من مواليد غزة انضم لحركة فتح عام 1969. - نايف منجد اسماعيل الصغير من مواليد الخليل انضم لحركة فتح عام 1972. - أحمد حميد أحمد أبو قمر من مواليد غزة انضم لحركة فتح عام 1970. - محمد ضياء الدين الحلواني من مواليد نابلس انضم لحركة فتح عام 1972. - موسى جمعة حسن من مواليد السلط انضم لحركة فتح عام 1969. - عمر محمد محمود الشافعي من مواليد جنين انضم إلى حركة فتح عام 1972. صعدت المجموعة على سطح السفينة وبرفقتها فردان آخران للتنسيق والمراقبة وهما حسام البليدي وحامد أحمد نديم درويش. تحركت السفينة في اتجاه سواحل فلسطين المحتلة وفي الطريق تعرضت لعطل في المحرك فعاد أحد أفراد المجموعة وهو عمر الشافعي إلى لبنان لتبليغ قيادة العملية بهذا العطل إلا أن طاقم السفينة تمكن من إصلاحه واستكمال الرحلة ليصل إلى قبالة ساحل تل أبيب في الثامنة من مساء يوم الخامس من أيار/مايو. يقول محمد حسن سعد عن الرحلة في اتجاه شواطئ فلسطين المحتلة "كانت معنويات مجموعة التنفيذ عالية جداً حيث كانوا يتبادلون النكات وينشدون أهازيج الثورة الفلسطينية في أثناء تجهيز الأسلحة والمتفجرات على سطح السفينة". كانت المجموعة مسلحة بست بنادق كلاشينكوف روسية وبندقيتين من نوع بورسعيد بجانب قواذف اللهب والأنيرغا والقنابل اليدوية وعدد من العبوات الناسفة كان أكبرها زنة 50 كيلغ والباقي عبارة عن عبوات أصغر. يتابع "كنا على سطح السفينة من جنسيات عربية مختلفة فكان طاقم السفينة مصرياً وكان يوجد سوري وهو حامد درويش وكانت المجموعة المنفذة للعملية فلسطينية الجنسية بالكامل عدا موسى حسن الذي كان أردنياً".
ترجل الفدائيون من السفينة على متن قاربين في اتجاه ساحل تل أبيب ووصلا إليه في حدود الحادية عشرة مساء. بمجرد الوصول لاحظت إحدى الدوريات الإسرائيلية على الساحل أحد القاربين فحدث اشتباك بين المجموعة والدورية مما أجبر المجموعة على تعديل خطتها واللجوء إلى منطقة الملاهي القريبة من الشاطئ. هناك تم الاتفاق على التحرك في اتجاه الأهداف البديلة فتمت مهاجمة دار سينما تماد القريبة من الشاطئ وأطلقت النار بكثافة على الموجودين فيها ثم توجه الفدائيون إلى دار الأوبرا لكن لم يتمكنوا من اقتحامها بسبب بواباتها الخارجية العالية فتوجهوا إلى دار الشبيبة التي وجدوها خالية من أى شخص بسبب أعمال تجديدات بداخلها فتم التحرك إلى فندق سافوي الذي كان معروفاً أنه مقصد لكبار الشخصيات الإسرائيلية ومعقل لشبيبة "جدناع" العسكرية.
دارت مفاوضات استمرت ساعتين ونصف طلب فيها الفدائيون إطلاق سراح عشرة معتقلين لدى إسرائيل على رأسهم المطران هيلاريون كبوشي وإرسالهم إلى القاهرة أو دمشق ومن ثم يأتي إلى الفندق سفيرا فرنسا والفاتيكان لإكمال التفاوض. أعطى الفدائيون مهلة سبع ساعات لتنفيذ ما طلبوه لكن قبل الخامسة فجراً بدقائق بدأ الهجوم الإسرائيلي على الفندق مدعوماً بالدبابات والمروحيات التي نفذت إنزالاً فوقه. انتظر الفدائيون حتى دخلت القوة الإسرائيلية إلى الطابق الأرضي وقام نايف الصغير بتفجير العبوات الناسفة التي تم زرعها في أركان الفندق مما أدي إلى انهيار طوابقه العليا بشكل كامل ومقتل وإصابه عشرات الإسرائيليين كان على رأسهم العقيد عوزي يائيري الذي كان ضمن قادة عملية "فردان" ويعد من أبرز الضباط الإسرائيليين.ظل الفدائي موسى حسن حياً بعد انهيار الفندق وتمكن برغم جروحه البليغة من الاشتباك مع الجنود الذين قاموا بتمشيط موقع الانهيار وتمكن من إصابة عدد منهم قبل أن يتم اعتقاله ونقله إلى معتقل صرفند العسكري. تحت التعذيب الشديد أقر الفدائي بتفاصيل العملية وبكيفية وصول المجموعة الفدائية إلى الشاطئ، فتحركت البحرية الإسرائيلية بحثاً عن السفينة اللبنانية.
يروي لنا ربان السفينة عيسى الريدي ماذا حصل بعد إنزال السفينة المجموعة الفدائية. يقول "ظل معنا على سطح السفينة الفدائي حامد درويش الذي كان ضابط الاتصال مع قيادة فتح في بيروت ويتواصل معها عن طريق جهاز لاسلكي. أبحرنا مبتعدين في اتجاه قبرص لإيصال شحنة الوقود التي كانت معنا وفي الطريق سمعنا بوضوح أصوات انفجارات مصدرها فلسطين المحتلة. كنا في غاية السعادة حين استمعنا إلى الإذاعة في نشرة السادسة وعلمنا أن العملية تمت بنجاح كبير".
لكن ما هي إلا ساعة تقريباً، يضيف "فوجئنا بطائرة إسرائيلية تعبر فوقنا على ارتفاع منخفض فأردركنا أنه تم رصدنا وبالفعل بعد نصف ساعة لحق بنا زورق سريع تابع للبحرية الإسرائيلية وقام بإيقافنا وصعد إلى متن السفينة عدد من الضباط والجنود الذين قاموا بتفتيش دقيق لكل جزء في السفينة وعثروا على جهاز اللاسلكي الذي كان يستخدمه ضابط الاتصال مع فتح. قامت القوة الإسرائيلية باقتياد كل الطاقم باستثنائي على متن الزورق الحربي إلى ميناء حيفا وأجبرني ضابط الزورق على قيادة سفينتي في الاتجاه نفسه".
قضيت أنا وماهر سنتين في معتقل بئر السبع وتم الإفراج عنا في نيسان/ أبريل 1977 ضمن صفقة تضمنت الإفراج عن 16 سجين مصري وظل محمد عباس معتقلاً لمدة خمس سنوات في حين أفرج عن محمد سعد ومحمد عبد المنعم جودة بعد 9 أشهر من الاعتقال في صفقة تبادل مماثلة مع مصر. أما في ما يتعلق بالسوري حامد درويش فقد حكم عليه بالسجن المؤبد لكن أفرج عنه عام 1985 وقبله بعامين تم الإفراج عن الناجي الوحيد من المجموعة الفدائية موسي حسن ضمن صفقة تبادل أخرى". ظروف الاعتقال يتذكرها محمد حسن سعد "كانت شهور التحقيق صعبة في ظل تعذيب يومي كنا نتعرض له لمحاولة معرفة كيفية اتفاقنا مع الراحل ياسر عرفات وقيادة فتح وشاهدنا أثناء التحقيق معنا وجوهاً إسرائيلية مهمة مثل شيمون بيريز وإيهود باراك. بعد انتقالنا إلى معتقل بئر السبع كنا معروفين جداً فيه لأننا كنا المصريين الوحيدين في كامل المعتقل المكون من أربعة طوابق، كانت الظروف داخل المعتقل أفضل قليلاً مما شاهدناه في الصرفند لكن كانت قوات مكافحة الشغب تقتحم المعتقل دورياً بسبب إضرابات السجناء ومحاولات إضرام النار داخله".
طالعت بعض الخطابات التي كان يرسلها البطلان إلى ذويهما في عزبة البرج المصرية عن طريق الصليب الأحمر وشعرت في أثناء مطالعتها بألم وفخر في آن واحد فهذه قطع من تاريخ مشرف لمئات الأبطال اللذين أذاقوا إسرائيل الهزيمة تلو الهزيمة، سألت البطلين في نهاية حديثي "ما هي أمنياتكما للقضية الفلسطينية؟" قالوا في نفس واحد "أن تعود هذه الفترة التي عشناها لأننا شاهدنا بأم أعيننا الغضب والحسرة التي كانت على وجوه الضباط الذين كنا نراهم أثناء التحقيق معنا، البندقية هي الحل في نظرنا ولا شيئاً آخر".