الطائرات الروسية وأحلام السلطان
الدخول الروسي على خط مكافحة الإرهاب عملياً في سوريا يقلق تركيا المستفيدة من أحداث السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد خرق الطائرات الروسية للأجواء التركية، وضرب المسلحين العابرين عبر الحدود التركية إلى سوريا، ولكن ماذا أمام أردوغان ليفعله؟
من استعراض يوم النصر في موسكو
فرض دخول روسيا على خط
محاربة الإرهاب عسكرياً في سوريا خلطاً لأوراق لدى كل الدول الإقليمية الشريكة في
ما يجري هناك، كما لدى الدول الكبرى التي تنوعت مواقفها بين من يحاول استيعاب
الحدث، ومن تبدو عليه إشارات الاستيعاب المسبق.
بالتوازي مع ذلك، كانت موجات
اللاجئين السوريين التي تصل تباعاً إلى أوروبا سبباً يسهم بتقبل المجتمع الغربي
للضربات الروسية، في حين بقي الموقف الأوروبي الرسمي قلقاً، وعبر عنه بيان الاتحاد
الأوروبي بعد اجتماع وزراء خارجيته في لوكسمبورغ، حيث دعا روسيا إلى وقف ضرباتها
ضد من سماهم "المعارضة المعتلة" فوراً، واعتبر أنها تطيل أمد النزاع،
وتفاقم الوضع الإنساني وتزيد التطرف، وتقوض العملية السياسية، وفق البيان.
ولكن الغرب ليس وحده
من يمتلئ قلقاً في هذه المرحلة، فالطائرات
الروسية لم تكد تبدأ طلعاتها فوق سوريا حتى خرقت الأجواء التركية لأكثر من مرة،
واضعةً القادة الأتراك امام مأزق حقيقي، في ظل تقلص خياراتهم أمام التحفز الروسي
لحسم المسألة قرب الحدود التركية-السورية. فقد خرقت طائرات السوخوي اجواء تركيا في
3 ت1 – اكتوبر الحالي، وأعلنت موسكو مباشرة أنها على استعداد للتنسيق مع أنقرة
وتوضيح الخرق، ثم عادت وخرقت هذه الأجواء مجدداً. أما تركيا، فقد اكتفت بالتصريح
أن قواعد الاشتباك بالنسبة لها واضحة بصرف النظر عن هوية الطائرات التي تتجاوز
حدودها.
ولكن من يتابع سياق الدور
التركي وفاعليته في الأزمة السورية من أوله، ورهاناته الكبيرة على إسقاط الأسد، ورؤية
موسكو لكل تلك الأمور، يدرك أن المسألة أبعد من مجرد خروقات جوية محتملة في كل
الحروب، وأن أشياء كثيرة تغيرت مع إقدام روسيا على التدخل في سوريا.
بداية معركة الحسم
تشير المعطيات المتوافرة
بشأن الأعمال العسكرية الروسية في سوريا إلى وجود قرارٍ بحسم العديد من نقاط
الاشتباك المهمة على الساحة السورية، ومنها مناطق ريف حمص الشمالي، حيث يتم تأمين
وسط البلاد والطرق التي تربطه بالعاصمة من جهة، وبالساحل من جهة ثانية. ويضاف إلى هذه
المنطقة المهمة، ريفي اللاذقية وحماه، واستعادة إدلب، وفي جنوب العاصمة بالقرب من
الجولان المحتل. وتجري العمليات الجوية من خلال سلاحي الجو السوري والروسي، تساندهم
الصواريخ البعيدة التي تطلقها البوارج الروسية وتحقق فيها إصابات نوعية، فيما
يضطلع الجيش السوري وحلفاؤه بأعمال المشاة.
غير أن ذلك كله في كفة،
ومعركة حلب وريفها في كفةٍ اخرى، حيث تتوفر مؤشرات عديدة على أن أحد أهداف الطلعات
الجوية الروسية فوق الحدود التركية كان إفهام الأتراك بأن تدخلهم في هذه المعركة
ممنوع كلياً، وأن فتح معركة استعادة المدينة أصبح مسألة وقت.
كما أصبح واضحاً أن المعركة الجدية والشاملة
للقضاء على البنية الأساسية للجماعات الإرهابية في سوريا لا تقتصر على روسيا
وسوريا، بل إنها تجري بمشاركة إيرانية، بالتنسيق والتعاون مع السوريين والروس. أي
ان الأحداث الميدانية وتقدم الجيش والمقاومة تحت غطاء الطائرات السورية والروسية
يشير إلى أن الأمور أبعد من تنسيق أمني، وهي تصل إلى حدود التفاهم السياسي لجعلها معركة
حسم.
التصريحات الإيرانية ترفع السقف ويتوقع قائد الحرس الثوري أن تشهد الأيام
المقبلة انتصارات كبرى في سوريا، ويمكن أن يكون سبب ذلك واحد من احتمالين:
الاحتمال الأول هو معلومات من أرض الميدان عن مجرى المعارك وفوائد الغطاء الجوي
الروسي؛ والاحتمال الثاني يتضمن الاحتمال الأول ويضاف إليه سعي إيران إلى تسليط
الضوء أكثر على دور قوات المشاة المدعمين بخبرات إيرانية، كحاجة أساسية لتحصيل
النصر.
معركة حاسمة ضد الإرهاب
حدود التدخل الروسي
الدقة تميز الموقف الروسي
لقد حدد الرئيس الروسي إطاراً
زمنياً أولياً للضربات وهو أربعة أشهر، ولكن هذا الإطار قابل للتوسيع، وقد يدفع بوسائل
جديدة إلى أرض المعركة. غير أن مسألة التدخل البري الروسي غير مرجحة في الفترة
الحالية، لاعتبارات عديدة أهمها عدم الحاجة لهذه القوات، وكلفتها العالية عسكرياً
وسياسياً، وإن كان التدخل مشروعاً وفق القانون الدولي، الذي يجيز التدخل بناءً
لطلب حكومة شرعية. وقد أكد بوتين على ذلك في مقابلته الأخيرة مع قناة
"روسيا1" حيث قال "إن العملية العسكرية في سوريا محصورة بالجو فقط"،
مستبعداً التدخل البري الروسي، ولكنه أكد أن هذه العملية تجري بالتوازي مع عمليات
الجيش السوري، وأنها جاءت بعد إعدادٍ دقيقٍ وتخطيط، متوقعاً أن تزيد احتمالات التوصل
لحلٍ سياسي للأزمة.
وتركز روسيا كثيراً على شرعية
تدخلها، حيث يؤكد بوتين أن بلاده هي الوحيدة التي يتصف عملها في سوريا بالشرعية، في
إشارة مباشرة إلى عدم شرعية الضربات التي ينفذها التحالف الغربي من دون موافقة الحكومة
السورية. وفي الواقع إن العمليات الروسية في سوريا مضبوطة بسقف القانون الدولي حيث
أنها بدأت بعد طلب رسمي من الحكومة السورية، ولم تصل إلى العراق نظراً لعدم وجود
طلب من حكومته، كما يؤكد المسؤولون الروس.
كما تأتي هذه العمليات بعد
فرص عديدة أعطيت للأميركيين لمحاربة الإرهاب جدياً، وبعد مئات الرسائل (قاربت
الخمسمئة رسالة) التي وجهها مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري لمجلس
الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة حول تمويل ونقل الإرهابيين، والدول الضالعة
في ذلك، وفيها الكثير من المعلومات الموثقة عن الدور التركي في تسهيل وصول
الإرهابيين عبر الحدود، ودعمهم لوجستياً، وسرقة المعامل من حلب، وشراء النفط من
المنظمات الإرهابية بأسعار زهيدة، وضرب كل المواثيق الدولية ذات الصلة عرض الحائط.
كل ذلك يجري في ظل تبادل
لإسقاط الطائرات بين سوريا وتركيا في العامين الأخيرين، ومناوشات عديدة في إطار السعي
التركي لفرض منطقة عازلة تستعمل كمنطلق للمقاتلين الذين تبين الأحداث أنهم من جبهة
النصرة و"داعش" وفصائل أخرى تنافس هؤلاء في التطرف. وبالتالي فإن ترك
الأمور لتطورها الطبيعي كان سيفضي إلى مواجهة مباشرة بين تركيا وسورياـ
إضافةً إلى ذلك، تحرص روسيا
على شفافية العملية العسكرية، وتصحبها يومياً ببياناتٍ عن عدد الضربات التي تنفذها
الطائرات الروسية والبوارج والصواريخ البعيدة، والمواقع والأهداف الجغرافية
والبشرية التي استهدفتها، وحصيلتها. وهو ما لم يفعله الأميركيون وحلفاؤهم في أي من
تدخلاتهم في المنطقة.
ويرافق تلك البيانات، بيانات أخرى من وزارتي الخارجية والدفاع
الروسيتين، تشدد جميعها على الاستعداد للتعاون مع التحالف الغربي في ضرب الإرهاب
في سوريا، من دون أن ينسى المسؤولون الروس الرد على الاتهامات الغربية لهم
باستهداف "المعارضة المعتدلة"، فيسأل لافروف: "أين هو الجيش الحر؟
لم يخبرنا أحد عن أماكن تواجده". فيما تقرّ واشنطن بأن أغلبية الذين دربتهم
من المعارضة لا يقاتلون الأسد.
وفي خلفيات العملية الروسية، سعي
للقضاء على بؤرة تجمعت فيها
مختلف القيادات الإرهابية من كل العالم، وبالتالي فإن ضربهم في سوريا يعادل نتيجة
تتبعهم في كل دول العالم، مع ما يتطلبه ذلك من جهدٍ ووقتٍ وخسائر وأكلاف. يضاف إلى
ذلك، ضرورة حماية الدولة السورية ونظامها السياسي، وهي الحليف الأقرب إلى موسكو، وتالياً
حماية الوحدة الروسية من خطر خطة غربية مماثلة لتفتيت روسيا فيما لو نجح النموذج
السوري القائم على مظاهرات مدعومة ببروباغاندا إعلامية ضخمة، تصل لاحقاً إلى ثورة
مسلحة تسيطر على الحكم، وتنال الشرعية الدولية من خلال الغطاء الغربي سياسياً
والتسويق الإعلامي لجعل لتبرير عنفها على أنه عنفٌ ثوريٌ لشعبٍ مقموع.
وفي هذا السياق، لا يجب أن
ننسى أن بوتين يقود حزباً أسسه تحت إسم "روسيا الموحدة"، وبالتالي فإن
وحدة التراب الروسي ومحاربة النزعات الانفصالية يشكل أساساً في عمل إدارته، وقد
ورد في ثلاث استراتيجيات للأمن القومي لروسيا الاتحادية، أولها كانت عام 1993،
والثانية كانت في العام 2000، والثالثة أعلنت عام 2009، وتم تعديلها بعد المستجدات
الأخيرة والتي أثرت على أمن روسيا، وأبرزها أحداث العالم العربي والوضع في
أوكرانيا.
وقد وضع التدخل الروسي
الأميركيين في حالة حرجٍ كبير، كونه لم يترك أي منفذ لحجة غربية قانونية أو سياسية،
باستثناء الاتهامات غير المثبتة باستهدافه المعارضة المعتدلة.
خيارات تركيا ومصالحها
ومع أن التدخل الروسي يزعج
أنقرة كثيراً، غير أن البلدين مرتبطان بمصالح كبيرة، وعلاقاتهما تتطور، وقد شهدت
قفزةً مهمة العام الفائت، حيث وصف لافروف في أيار-مايو 2014 علاقاتهما في مجال
الطاقة بـ"الشراكة الاستراتيجية"، وقال إن الدولتين "عازمتان على القيام بكل ما بوسعهما لتحقيق الأهداف التي وضعها بوتين وأردوغان
لرفع حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار خلال السنوات القليلة المقبلة"،
كشف أن البلدين أكدا على أن تحقيق مشروع خط أنابيب غاز "السيل الجنوبي"
وبناء أول محطة كهرذرية تركية "أكويو" على أيدي الخبراء الروس يسيران
بنجاح".
ولاحقاً، تخلت روسيا عن خط
"السيل الجنوبي" الذي كان يمر من روسيا عبر البحر الأسود إلى أوروبا،
مستثنياً تركيا إلا من خط إمداد ضعيف لحاجتها المحلية. واستبدلت هذا الخط
الاستراتيجي بالنسبة لها، بخط آخر سمي "السيل التركي" ويمر عبر تركيا،
وذلك في إطار اتفاق بين الدولتين، ما أشاع أجواءً إيجابية جداً عن تطور علاقاتهما.
وروسيا هي المورد الرئيس
للغاز إلى تركيا، التي تستورد أيضاً من إيران وآذربيجان وقطر، وسبق أن طلبت أنقرة
من طهران تخفيض سعر غازها الطبيعي، الذي يعد الأغلى سعراً بين منتجات الدول الأخرى
من هذه المادة، بحسب ما صرح أردوغان من طهران بعد لقائه الرئيس روحاني في أبريل
2015.
بعد الضربات الروسية، صرح
المسؤولون الأتراك بأن بلادهم تستطيع استيراد الغاز من دولٍ غير روسيا، ولمحوا إلى
إمكانية الاستعانة بدولٍ أخرى لبناء المحطة الكهرذرية. ولكن هل يمكن اعتبار هذا
الخيار سهلاً على أنقرة؟
إن المصالح الاستراتيجية
التي كسبتها أنقرة خلال السنوات الماضية من عمر الأزمة السورية عديدة جداً، ومن
كافة الأطراف الفاعلين، فمن الروس ربحوا اتفاقات ذكرنا بعضها، ومن الإيرانيين ربحوا
اتفاقيات اقتصادية كبرى، وربحوا من دول الخليج ومن الولايات المتحدة الأميركية،
ومن سوريا ربحوا بطريقة غير مشروعة وعبر المنظمات الإرهابية أرباحاً طائلة من
عائدات النفط والمعامل المسروقة والآثار والقطع السورية النادرة. ولكن استمرار أنقرة
في ابتزاز الأطراف كافة أصبح خطراً للغاية عليها.
ولا يبدو أن روسيا ستتراجع
عن خطوتها الأخيرة في سوريا، بل يمكن أن تتخذ خطواتٍ تصعيدية أخرى، ولكنها لا تريد
خسارة أنقرة بل تريد استقطابها، خصوصاً أن سياسة الاستقطاب الاقتصادي الروسية
ناجحة، وقد جربت مع دول "بريكس" كل واحدة على حدة. ولهذا صرح لافروف في
15 تشرين الأول-أكتوبر الحالي خلال مؤتمر عن الشراكة الروسية التركية أن بلاده
مستعدة للتعاون "الوثيق وعن قرب" مع تركيا في مكافحة الإرهاب، بما يشبه تقديم
عرض لحكومة أردوغان قبل شهر من الانتخابات التركية. ولكن تصريح لافروف، أعقبه
نائبه في وزارة الخارجية بالتلميح إلى إمكانية التعاون مع الأكراد أيضاً في مكافحة
الإرهاب، لتسارع أنقرة إلى اتهام موسكو بتسليح الأكراد، فتنفي موسكو ذلك.
باختصار، إن وضع تركيا
الحالي لا يساعدها على فرض شروطها على القوى الكبرى، فالوضع السياسي غير مستقر بعد
الانتخابات الأخيرة وعدم تمكن أوغلو من تشكيل حكومة، والبلاد أمام انتخابات جديدة
قد تطيح بما تبقى من طموحات أردوغان.
والوضع الأمني أصبح أكثر
سوداوية بعد انفجار أنقرة الذي أودى بحياة قرابة المئة في أكتوبر الحالي، بالإضافة
إلى مواجهات مستمرة مع الأكراد، والقلق المتعاظم من اللاجئين ، والجهد الأمني
المطلوب لمتابعة المقاتلين الذين يتنقلون بين تركيا وسوريا.
وأمام تركيا وأردوغان اليوم
خيارات عدة، أولها الاستمرار بدعم التنظيمات الإرهابية، وبالتالي المخاطرة
باحتمالات أعلى للمواجهة مع روسيا.
والخيار الثاني هو الاكتفاء
بالتفرج على الأحلام العثمانية تدمر أمام أعين الجيش التركي في الجنوب، وهذا
السيناريو سيشكّل نهايةً حقيقية لحكم أردوغان.
والخيار الثالث هو التعامل
بمرونة مع الضريات الروسية والسعي لعدم الصدام، وفي نفس الوقت الاستمرار بدعم
التنظيمات الإرهابية، مع ما يحمله ذلك من مخاطرة الاصطدام بالروس في أية لحظة، وهو
أمرٌ قد يحدث من دون إرادة الطرفين، بل من خلال طرفٍ ثالثٍ على الأرض يجد مصلحةً
في أخذ الدولتين إلى خيار المواجهة المباشرة كأمرٍ واقعٍ ميدانياً. وذلك إما
للاستفادة من روسيا في ضرب تركيا وإقصائها جبراً عن التدخل في الأزمة السورية،
وإما لاستعمال تركيا كدرعٍ في مواجهة حمم الطائرات الروسية والسورية.
والخيار الرابع هو الانخراط
بقوة في مكافحة الإرهاب، إلى جانب التحالفين الروسي السوري، والغربي، وإغلاق
الحدود أمام الإرهابيين ووقف إمدادهم، والتركيز على الشأن الداخلي في انتظار
استعادة قدرتها على بناء علاقات ودية مع جيرانها.
وبالمحصلة فإن تركيا وحكمها في أسوء حال لهم منذ بداية الأزمة في سوريا،
وإذا استمرت بالمراهنة على إسقاط النظام السوري بالقوة، فإنها ستكون أكبر
الخاسرين.
مشاريع أنابيب الغاز: الروسي (بالأحمر) التركلي (بالبني) الإيراني بالأخضر
آفاق حرب الميدان
الحل العسكري كمقدمة للحل السياسي
لقد حسم التدخل الروسي قبل
إطلاق القذيفة الأولى الخيارات أمام الجميع لناحية بقاء النظام السوري، وذلك مرتبط
بطبيعة تغيرات النظام الدولي، كما أنه مرتبط بالتهور الغربي في التعامل مع المسألة
الليبية، وقبلها العراقية.
وعليه، فإن أي حلٍ سياسي
مقبل بعد استعادة الميدان لن يكون إلا ترجمة عملية لرؤية الحكومة السورية للحل.
واستعادة الميدان تتضمن أولويات على رأسها تأمين الحدود مع تركيا، والأردن، والمناطق
المحاذية للجولان المحتل، من دون أن يكون لإسرائيل قدرة على منع ذلك بعد الإعلان
عن تنسيق روسي إسرائيلي لمنع الصدام عن طريق الخطأ. ومعنى هذا الإعلان أن الطائرات
الروسية ستكون موجودة في المنطقة الجنوبية، وستعمل على قصف المنظمات الإرهابية
العاملة هناك، ومنها جبهة النصرة التي تعالج إسرائيل عناصرها الجرحى. وبالتالي فإن
خطاً أحمر روسياً رسم لإسرائيل في هذه المسألة، إذ لا يمكن أن تتفق دولتان على ضرب
منظمة تدعمها إحداهما لوجيستياً.
يضاف إلى ذلك تسعى الجبهة
الموحدة بين روسيا وسوريا وحلفائها إلى تأمين ما يسمى بـ"المنطقة
المفيدة" بشكلٍ نهائي وبسرعة وهي منطقة وسط سوريا وشماله باتجاه الساحل، إلى
جانب العاصمة ومحيطها.لقد شكلت زيارة الرئيس السوري إلى روسيا مفاجأة للكثيرين ممن كانوا يراهنون على تخلي روسيا عن حليفها عندما تأتي لحظة تقاسم النفوذ في المنطقة. أما مضامين الزيارة فهي بحد ذاتها تحمل مراهنات جديدة لكل الأطراف، غير أن الثابت الوحيد هو أن العلاقة الروسية-السورية باتت أقوى منها في أي فترة سابقة.
إن نجاح الضربات الروسية في
إبعاد خطر داعش والنصرة وغيرهم عن سوريا سيضع الأميركيين (وكلاء ضرب الإرهاب في
العراق) أمام حرجٍ كبير، وبالتالي سوف تتزايد الاتهامات لهم بعدم الجدية في محاربة
"داعش"، واستغلاله للتكسب عليه سياسياً. ولكن هل تكفي الشهور الأربعة؟
أم أن روسيا ستمدد ضرباتها وتصعّد وسائلها؟