تسليح المعارضة.. تهديد قد يتحول إلى فرصة للنظام
بعد القرار الأميركي بتسليح المعارضة السورية، تطرح أسئلة كثيرة حول إمكانية تنفيذ هذا القرار فعلياً، أو أن ذلك مجرد تحسين لشروط التفاوض مع اقتراب موعد لقاء الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين.
في بداية حزيران يونيو الحالي، لم يجدد الإتحاد الأوروبي حظره تصدير السلاح إلى سورية، وجاء قراره هذا رغم اعتراض دول أساسية فيه كألمانيا، والنمسا التي سحبت جنودها من قوة "الأندوف" العاملة في الجولان المحتل، معتبرةً أن السماح بتصدير السلاح يعرض جنودها للخطر، خصوصاً بعد تكرار عملية احتجاز جنود من الأمم المتحدة في المنطقة المحاذية للجولان.
اليوم عاد التلويح بإرسال السلاح لمجمومات المعارضة المسلحة، وفي هذا السياق تنشط المباحثات بين الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، غير أن هذه المباحثات لا تزال محكومةً بهواجس اتجاهات فاعلة في القرار السياسي داخل هذه الدول، من إمكانية وصول "أسلحة قاتلة" إلى أيدي المجموعات المتطرفة التي لا يمكن حصر ارتباطاتها.
وبين نهاية الشهر الفائت، واللقاء المرتقب بين اوباما وبوتين، محطة بالغة الأهمية أخذت مكانها في حسابات جميع القوى المعنية بالأزمة السورية، وهي استعادة الجيش السوري سيطرته على مدينة القصير بريف حمص، بكل ما تعنيه هذه السيطرة من آثار تكتيكية لجهة قطع سبل الإمداد بين المجموعات المسلحة في المنطقة الوسطى من البلاد، إضافة إلى أبعادها الإستراتيجية لناحية تداعياتها على موازين القوى في المعركة الكبرى التي يخوضها الجيش ضد مجموعات المعارضة، ومجموعات المقاتلين الأجانب التي تضم متطرفين إسلاميين إعترفت الدول الغربية بوجودهم، كما اعترفت بوجود مواطنين لها بين صفوفهم.
وما لبث أن انجلى غبار المعركة في القصير والقرى المحيطة بها حتى بدأت التصريحات الغربية المحذرة من سقوط معاقل جديدة للمسلحين بيد الجيش بفعل تأثير الدومينو. وكانت لافتةً في هذا الإطار اللغة المباشرة والصريحة التي تحدث بها وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس حول ضرورة إعادة التوازن إلى المعارك، ودعوته الأسرة الدولية الى وقف تقدم الجيش السوري نحو حلب التي رأى فيها المعركة القادمة للجيش وحلفائه، وإشارته إلى أن لدى "الإدارة الاميركية مواقف مختلفة"، وأن "الأميركيين كانوا يودون البقاء جانباً، لكن النزاع لم يعد محلياً"، بل تحول إلى نزاع اقليمي، بل دولي.
التنسيق في المواقف بين الحلفاء الغربيين كان حاضراً دائماً، فمواقف الوزير الفرنسي جاءت مباشرة بعد اتصاله بنظيره الأميركي جون كيري. وبالتزامن مع ذلك، كان كيري وفريق أوباما الأمني يجتمعون بشكلٍ عاجلٍ في البيت الأبيض لمناقشة الخيارات الأميركية المتبقية حول سورية، وضم اللقاء وزير الدفاع تشك هيغل، ورئيس هيئة قيادة أركان القوات المشتركة مارتن ديمبسي، حيث أوضح كيري ان انتصارات الجيش السوري الأخيرة "تعيق مجدداً جهود الولايات المتحدة وحلفائها التوصل لحل سلمي للازمة".
في غضون ذلك، نقل مدير مكتب الميادين في واشنطن الخميس عن دبلوماسي روسي تأكيده أنه إذا أقدمت واشنطن على تسليح المعارضة السورية، فإن موسكو "ستسلح" حلفاءها، في ما يبدو إشارة لتسليم صواريخ أس-300 إلى سورية بحسب الإتفاقيات الموقعة.
غير أن النقاشات التي جرت وما تزال داخل إدارة اوباما حول هذا الملف لم تأخذ اتجاهاً واحداً. وكالة "اسوشييتد برس" نقلت عن مسؤولين أميركيين قولهم إن مستشاري الرئيس باراك أوباما للأمن القومي يتحفظون على تقديم أسلحة أميركية إلى المعارضة السورية. وهم لم يتوقعوا أن تتخذ الإدارة الأميركية أي قرار في الوقت الراهن من أجل تغيير الوضع على الأرض في سورية، وأعلن المسؤولون أنهم يعلمون بوجوب القيام بأمر ما من اجل تغيير المسار الحالي للتطورات الميدانية، لكنهم لا يعرفون ماذا يجب عليهم القيام به. وأشاروا إلى وجود انقسام بين مستشاري أوباما، وأن بعض المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون والاستخبارات لا يزالون مترددين حيال تقديم أسلحة وذخيرة إلى المجموعات المسلحة التي يهيمن المتشددون عليها.
هذا التردد الأميركي حيال الأزمة السوري تحدثت عنه أيضاً صحيفة "واشنطن بوست"، من خلال إشارتها إلى أن الإدارة الأميركية تخشى (في اعقاب المحادثات رفيعة المستوى بينها وبين لندن) من استدراجها "لحرب ومواجهة طويلة تضعها في مواجهة مباشرة مع حزب الله وايران". كما نقلت على لسان الوفد الوزاري البريطاني الزائر لواشنطن ان الحكومة البريطانية "منقسمة أيضاً" حول تسليح المعارضة السورية في الوقت الراهن.
وفي حين أعرب الرئيس السابق بيل كلينتون عن تأييده لموقف السيناتور جون ماكين الداعي لتسليح المعارضة، إتهم البيت الأبيض للمرة الأولى، النظام السوري باستخدام أسلحة كيميائية ضد معارضيه، وأكد أنّ هذا التطور يعني تجاوز "الخطوط الحمر" التي كان أوباما رسمها لدمشق، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي قررّ تقديم دعم عسكري لمقاتلي المعارضة السورية، من دون تحديد طبيعة هذه المساعدة، وقررّ أيضاً زيادة مساعداته لها من المعدات "غير القاتلة"، ولكن من دون أنّ يتخذ حتى الساعة أيّ قرار بفرض منطقة حظر جوي فوق سورية. ماكين رحب بالقرار الأميركي ودعا إلى المزيد، هو يريد منطقة حظر جوي تؤسس لتدخل عسكري لإسقاط النظام السوري بالقوة.
ولكن الشكوك لا تزال كبيرة حول تنفيذ قرار التسليح، وما إذا كان هذا القرار محاولة أميركية لتحسين شروط التفاوض مع الروس في اللقاء الرئاسي المرتقب، خاصةً وان حلفاء الولايات المتحدة خسروا مؤخراً مواقع مهمة في ميدان المعركة. ويعزز استبعاد دخول الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة على الأرض، ما أوردته أسبوعية "ناشيونال جورنال" التي حذّرت من استكانة وعدم فاعلية القوات العسكرية الأميركية، نظراً لتداعيات "الاقتطاعات المالية المستمرة من ميزانيات وزارة الدفاع، والصعوبة التي تواجهها البنتاغون في التجنيد والمحافظة على قوى نوعية" في صفوفها في ظل غياب برامج التجنيد الإلزامي، وغياب طاقم بشري مدرَّب لخوض حرب عصابات.
من جهتها، ترفض المعارضة السورية المشاركة في مؤتمر جنيف 2 قبل حصولها على تأكيدات بقبول تنحي الرئيس بشار الأسد، وتشكيل حكومة إنتقالية بقيادتها، وهو ما صرح به رئيس الأركان في الجيش الحر سليم ادريس الأربعاء. ولكن هذه المطالب تبدو أشبه بمحاولة فرض نتائج الحوار قبل بدئه.
وفي حين تواجه الولايات المتحدة صعوبة في الوصول إلى وفد موحد من المعارضة للمؤتمر، يبدو الطرف الآخر أكثر ثقة بحليفه في هذا المجال، بالأخص بعد التقدم الكبير الذي حققه الجيش السوري في الميدان، الأمر الذي يعطي بوتين أوراقاً إضافية ستعزز موقفه حين يلتقي أوباما.
الوقت بصورةٍ عامة يعمل ضد المعارضة الخارجية وفصائلها المسلحة، وما تهديدها (ومعها باريس أيضاً) بعدم إمكانية انعقاد مؤتمر جنيف في حال استمر تقدم الجيش السوري إلا إشارة على صعوبة وضعها على الأرض، قبل عام من الإنتخابات الرئاسية السورية. وربما يؤدي عدم التوصل إلى اتفاق على حل سلمي قبل موعد الإنتخابات إلى ترجيح كفة المعارضة الداخلية، التي سيكون بمقدورها المشاركة في الإنتخابات، وفي أية حكومة ائتلافية يتم تشكيلها.
إسرائيل من جهتها تبدو خائفة من حصول سورية على صواريخ أس-300، وهي لم تتوقف عن محاولة إقناع الروس بالتراجع عن هذا الأمر، وبرغم فشل رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بإقناع بوتين، فها هي تعاود الكرّة عبر نائب وزير خارجيتها الذي يزور موسكو.
الموقف الروسي يتجه إلى مزيد من التشدد، وطريق القرار الأميركي نحو التنفيذ الفاعل يبدو بالغ التعقيد، في ضوء إعلان الكرملين اليوم أنه لا يبحث في امكانية تجميد عقد توريد صواريخ اس-300 الى سورية، واعتبار موسكو على لسان مساعد الرئيس "الأدلة التي قدمتها واشنطن عن استخدام اسلحة كيميائية في سورية غير مقنعة"، إضافة إلى تصريح ميخائيل بوغدانوف بأن "مد المعارضة السورية بالأسلحة يفشل جهود ايجاد تسوية سياسية".
وعليه، فإن القرار الأميركي بالتسليح، سيؤدي إلى استلام سورية منظومة صواريخ كاسرة للتوازن مع إسرائيل، بكل ما يحمله ذلك من انعكاسات سلبية على إدارة أوباما في الداخل الأميركي، وفوائد لسورية وحلفائها، خصوصاً إذا ما تم الضغط على اليد التي تؤلم الأميركيين في المنطقة أي "أمن إسرائيل"، وفي هذا السياق، التصريحات السورية (وآخرها ما نقل عن الرئيس الأسد اليوم) حول التحضير الجدي لانطلاق المقاومة في الجولان تؤشر على ضرب سوري على الوتر الأكثر حساسية بالنسبة لإدارة أوباما. وبهذا المنطق، يتحول تهديد التسليح إلى فرصة بالنسبة للنظام السوري لتحول استراتيجي لمصلحته في المنطقة برمتها.