قمة "عدم الإنحياز": لحوار أميركي-سوري
قيادة إيران لحركة عدم الإنحياز تمثل فرصة لها ولدول الحركة في ضوء التغيرات العالمية، والإجتماع الوزاري يدين العقوبات على الدول الأعضاء.
تنعقد القمة الـ16 لحركة عدم الإنحياز في طهران في ظروف دولية وإقليمية يقال فيها إنها مفترق طرق للمنطقة والعالم.
الظروف الإستثنائية الراهنة تمتد من الإختناقات التي يعيشها النظام العالمي على المستويين الإقتصادي والسياسي، إلى النيران التي إشتعلت ولا تزال في دول عربية عديدة.
في المستوى السياسي، تشكل الأزمة السورية والبرنامج النووي الإيراني أبرز نقاط التوتر في المنطقة، وعليه فإن إهتمام طهران يتركز على الخروج من القمة بنتائج إيجابية في هذين الملفين تحديداً، إلى جانب شؤون أخرى تستحق جهد قادة دول عدم الإنحياز.
أما في المستوى الإقتصادي، فإن القمة تأتي في ظروف دقيقة يمر بها الإقتصاد العالمي، لم تتوقف تداعياتها على مختلف دول العالم منذ الأزمة المالية الكبرى عام 2008، وصولاً إلى الأزمة التي تعيشها دول منطقة اليورو والتي تظهر آثارها في يوميات الإقتصادات الأوروبية. وبما أن للبعد الإقتصادي دوراً مركزياً في إنطلاقة الحركة، فإن قمة طهران مدعوة إلى مواكبة التغيرات التي تشهدها الساحة العالمية في هذا المستوى، والحركة مدعوة إلى مزيد من التأثير في القرار الإقتصادي العالمي.
ماذا تريد إيران من القمة؟
بداهةً، تسعى إيران للإستفادة القصوى من ترؤسها لثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة. وتحديداً في الملفات التي تحتل أعلى سلم أولوياتها. بدءاً بالعقوبات التي تتعرض لها على خلفية الإتهامات الغربية بشأن برنامجها النووي، مروراً بالأزمة السورية التي تبحث لها إيران عن حلٍ سلمي يكون مقبولاً من جميع أطرافها المؤثرين في الداخل والخارج، وصولاً إلى القضية الفلسطينية التي لطالما شغلت موقع القلب في السياسية الخارجية الإيرانية.
لقد سبق إنعقاد قمة طهران، بروز إندفاع إيراني واضح نحو إعادة بناء العلاقات الإيرانية المصرية، وبالرغم من حساسية الوضع المصري ودقة الخيارات المطروحة أمام الرئيس محمد مرسي، فإن الجهود التي بذلت في تحريك مياه العلاقات بين القاهرة وطهران أفلحت في كسر كثير من الحواجز التي كانت أيام حكم مبارك. ذلك أن زيارة زيارة الرئيس المصري إلى طهران، بعيداً عن الضرورات البروتوكولية، تحمل معاني كثيرة كونها مرفقة بمبادرة منسقة بين مصر وإيران حول الأزمة السورية، وإقتراح تشكيل مجموعة إتصال تضم إلى مصر وإيران، السعودية وتركيا. ويبدو هذا الإقتراح اليوم بصيص الأمل الوحيد لحل الأزمة السورية، إلى جانب تأكيد الدولتين على دعم جهود الأخضر الإبراهيمي. من ناحية ثانية، إستبق الرئيس المصري حضوره القمة بإعلان رفضه إستهداف إيران عسكرياً، بينما رأى نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد رضا باهنر أن "انعقاد القمة يعد رداً مناسباً على تهديدات مجموعة 5+1" لبلاده.
إشارة أخرى لافتة مثلتها مشاركة وزير الخارجية البحريني في قمة طهران. المتابع لأحوال المنطقة خلال العامين الماضيين يعرف أهمية تلك المشاركة، وتصريح الوزير البحريني إبان انعقاد إجتماع وزراء خارجية عدم الإنحياز لتحضير مشروع البيان الختامي أتى لافتاً أيضاً. المسؤول البحريني أعرب عن تفاؤله بعودة العلاقات بين بلاده وطهران إلى "عصرها الذهبي"، مشيراً إلى أن الإقتراحات الإيرانية بشأن الأزمة السورية "مهمة للغاية". ولا شك أن هذه المواقف مهمة جداً قياساً إلى الظروف التي سادت علاقات البلدين في الأشهر الماضية، وإلى تدهور العلاقات الإيرانية الخليجية بشكلٍ عام على خلفية أزمتي البحرين وسورية تحديداً.
ويضاف إلى العلامات الفارقة على صعيد الحضور في قمة طهران، مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وهو واكب إعلان مشاركته بالقول أنه سيبلغ إيران رسالة واضحة حول برنامجها النووي، فيما بدا كأنه محاولة لتخفيف وقع الزيارة عند الغربيين الداعين إلى تضييق الخناق على إيران وعدم السماح لها بلعب أدوار إقليمية ودولية. وفي الوقت الذي يجتمع فيه ثلثي العالم في طهران، أظهرت الدبلوماسية الإيرانية مهارةً فائقة حين أبدت إستعداداً لتنظيم زيارات للوفود المشاركة بالقمة إلى بعض منشآتها العسكرية النووية، في خطوة تسعى إلى تعزيز دفاعها عن سلمية برنامجها النووي.
مشروع البيان الختامي: لحوار أميركي-سوري
وحصلت الميادين على نسخة من مشروع البيان الختامي للقمة الذي صاغه وزراء خارجية الدول المشاركة، وفيه شجب المجتمعون العقوبات الأميركية على سورية، ودعوا إلى الشروع في حوار أميركي-سوري. كما أعربوا عن ترحيبهم بمهمة المبعوث الجديد للأمم المتحدة إلى سورية الأخضر الإبراهيمي، داعين جميع الأطراف لتسهيل مهمته.
وطالب المشروع إسرائيل برفع الحصار اللاإنساني عن قطاع غزة، مؤكداً إستمرار أعضاء دول عدم الإنحياز بالمطالبة بمحاسبة إسرائيل على جرائمها في غزة، كما شجب المشروع حملة المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية والقدس الشرقية.
وفي الشأن اللبناني، دعم المشروع حق لبنان باستعادة أراضيه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر تطبيقاً للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، ودعم حقه في مياهه ونفطه ومصادر غازه. كذلك دعم إتفاق الدوحة بين القادة اللبنانيين، وجهود الرئيس اللبناني ميشال سليمان في دعوته لقيام حوار وطني.
آفاق "عدم الإنحياز" بقيادة إيرانية
لطالما دعت إيران العالم إلى احترام دورها الإقليمي، بل إنها ترى أن باستطاعتها لعب دور أكثر اتساعاً من المنطقة التي تقع فيها. في ضوء هذه الطموحات، لا بد للقمة الحالية ورئاسة إيران لحركة عدم الإنحياز أن تشكل فرصة لها للعب الدور الذي تراه لنفسها.
والفرصة ليست سانحة لإيران وحدها، بل إن دولاً أخرى وتكتلات بدأت تبدي طموحات لمشاركةٍ أكثر فاعلية في البيئة الدولية على المستويين الإقتصادي والسياسي، ليس أقلها "مجموعة بريكس" التي أخذت لنفسها إتجاهاً إقتصادياً مدعّماً بتوافقات سياسية حيال أزمات العالم، دون أن يقيد ذلك سياساتها الخارجية المنفردة.
وكانت آخر التمظهرات لطموحات الدول بالبحث عن دورٍ جديد لها، الفكرة التي كشف عنها في مقابلة مع الميادين نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل بعد عودته من زيارة لروسيا قبل أسبوعبن من قمة عدم الإنحياز. وتقوم الفكرة التي طرحت في موسكو على تشكيل طوق آخر شبيه بـ"البريكس" لكنه أكثر اتساعاً لناحية عدد الأعضاء، على أن يستوعب ضمن إطاره دولاً تكون إقتصاداتها أقل نمواً من الدول الصاعدة التي شكلت "بريكس".
أمام هذه المسار الساعي إلى البحث عن أدوار وتموضعات جديدة لدول العالم الثالث، تبدو إيران من أكثر هذه الدول قدرة على مقارعة القوى التي سوف تضع العراقيل أمام تلك الطموحات فيما لو توفرت لها مساندة من دول حركة عدم الإنحياز. كما تقدم قيادة إيران للحركة فرصةً لها للقفز فوق سور العقوبات الدولية ضدها، وعكس قاعدة الأقلية والأكثرية التي ووجهت بها مراراً، ذلك أنها ستقود لسنواتٍ ثلاث حركة قوامها 120 دولة.
يبقى أن طريق إيران نحو تحقيق ذلك لن يكون مليئاً بالورود، بل إن فاعلية القيادة الإيرانية لـ"عدم الإنحياز" مرتبطة بقدرة الدبلوماسية الإيرانية على الإمساك بعدة خيوط في وقتٍ واحد، وتقديم طروحات مقنعة ومفيدة لدول الحركة.