الجيش الإثيوبي في ضوء التحديات الداخلية والإقليمية
يميل الميزان العسكري بشدة لمصلحة مصر والسودان إلى درجة يُستبعد فيها أن تكون إثيوبيا مستندة في مواقفها الحالية حول سد "النهضة" إلى اعتبارات عسكرية.
مع اقتراب ملفّ سدّ "النهضة" الإثيوبي من لحظة حاسمة قد تكون فاصلة بين مسار طويل من المفاوضات السياسية ونزاع عسكري قد يقلب المشهد الإقليمي في الشرق الأوسط رأساً على عقب، من البديهي أن تبدأ الأنظار بالاتجاه تدريجياً إلى تقييم القدرات العسكرية للأطراف الرئيسية في هذه الأزمة، وبشكل أكبر إلى القدرات العسكرية الإثيوبية، التي تبدو أقل وأضعف من القدرات العسكرية المصرية والسودانية من حيث التقييم العام.
مرّ الجيش الإثيوبي، الذي يُعرف أيضاً بقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، بمراحل مفصلية تركت آثاراً ممتدة في تشكيلاته العسكريّة وتسليحه وعقيدته القتالية، بدءاً من الحقبة الإمبراطورية التي كانت العلاقات فيها أساسية مع الولايات المتحدة، مروراً بحقبة السبعينيات التي شهدت هيمنة المجلس العسكري المؤقت على مفاصل الحكم، واقترابه الشديد من الاتحاد السوفياتي، وما تبع ذلك من مواجهات عسكرية مع الصومال في حرب أوغادين، وحقبة جمهورية منغستو الديمقراطية الشعبية، وتمرد كل من إريتريا وإقليم تيجراي على الحكومة المركزية، وسقوط حكومة منجستو على يد الجبهة الديمقراطية الثورية الإثيوبية، وانفصال إريتريا، وصولاً إلى الحرب معها في أواخر تسعينيات القرن الماضي.
القوة البشرية في الجيش الإثيوبي
يبلغ التعداد الحالي للقوات العاملة في الجيش الإثيوبي نحو 162 ألف مقاتل. عملياً، لا توجد منظومة إثيوبية للخدمة العسكرية الاحتياطية في الجيش الإثيوبي، لكن تبلغ القوة البشرية الصالحة للتعبئة العامة 25 مليون مواطن فيما يبلغ تعداد السكان 108 مليون مواطن.
يتمّ توزيع القوة العاملة في الجيش الإثيوبي على فرعين رئيسيين، هما القوات البرية والقوات الجوية، وتتضمن الأخيرة الوحدات التي تخدم في كتائب الدفاع الجوي. تضم قوات الدفاع الوطني الإثيوبية 4 مناطق عسكرية، هي المنطقة المركزية والمنطقة الشرقية والمنطقة الشمالية والمنطقة الغربية، تضم كل منطقة منها فرقة مدرعة واحدة وما بين 4 إلى 6 فرق مشاة، ويُضاف إلى ما سبق قوة دعم وإسناد استراتيجي تتمركز بصفة دائمة في العاصمة، وتتألف من 4 فرق مشاة ميكانيكية و6 ألوية متخصّصة.
شهد عديد الجيش الإثيوبي منذ ثمانينيات القرن الماضي تغيّرات حادة صعوداً وهبوطاً، فقد انخفض في العام 1990 من نحو 250 ألف جندي إلى 120 ألف جندي فقط، واستمر هذا العدد في الخدمة خلال السنوات التالية إلى أن بدأت الحرب بين إثيوبيا وإريتريا في أيار/مايو 1998، فتمت زيادة عديد الجيش الإثيوبي إلى 325 ألف جندي في العام 1999، ثم وصل هذا العدد إلى نحو 353 ألف جندي، وهو العدد الأقصى الذي وصل إليه عديد الجيش الإثيوبي على مدار تاريخه.
تناقصت بالتدريج خلال السنوات التالية أعداد الجنود العاملين في الجيش الإثيوبي، لتستقر منذ العام 2007 وحتى العام 2017 عند 138 ألف جندي، ثم عادت أعداد الجنود العاملين إلى التزايد الطفيف، حتى وصلت إلى نحو 162 ألف جندي.
الإنفاق العسكري ومصادر التسليح
ارتبط الإنفاق العسكري الإثيوبي بالتغيرات الواقعة في حجم القوة البشرية المتوفرة، فقد بلغ الإنفاق العسكري الإثيوبي أعلى مستوياته على الإطلاق في العام 1990، بنحو 790 مليون دولار، ثم انخفض تدريجياً ليصل إلى أدنى مستوياته على الإطلاق في العام 1996، بنحو 130 مليون دولار فقط. بعد ذلك، تذبذب صعوداً وهبوطاً، ثم بدأ بالتزايد التدريجي منذ العام 2003، ليصل حالياً إلى 350 مليون دولار.
اللافت في هذا الصّدد أنه منذ العام 1999، بدأت نسبة الإنفاق العسكري من إجمالي الدخل القومي الإثيوبي بالتناقص المستمر، لتصل إلى نحو 0.62% في العام 2019.
بالنّسبة إلى مصادر التّسليح، كانت الولايات المتحدة الأميركية هي المورد الرئيسي للأسلحة إلى إثيوبيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي، وحل محلها منذ ذلك التاريخ الاتحاد السوفياتي، الذي زود الحكومات الاشتراكية المتعاقبة بشحنات ضخمة من الأسلحة والذخائر والمنظومات الدفاعية والهجومية، بلغت قيمتها الإجمالية في العام 1990 نحو 4 مليارات دولار.
وقد استمرَّت العلاقات في هذا الصدد بين روسيا وإثيوبيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، إلى أن تم فرض الحظر الأممي على تصدير الأسلحة إلى أديس أبابا في أيار/مايو 2000، والذي استمر لمدة عام واحد، وتم رفعه بعد ذلك في آذار/مارس 2001. منذ ذلك التاريخ، عقدت أديس أبابا صفقات محدودة للتّسليح مع روسيا وأوكرانيا وألمانيا وفرنسا و"إسرائيل" والولايات المتحدة والصين.
خلال السنوات الأخيرة، دفعت بعض العوائق المالية الجيش الإثيوبي إلى إقامة روابط وثيقة مع كوريا الشمالية، وخصوصاً في حقبة رئيس الوزراء السابق ميليس زيناوي، إذ تلقَّت إثيوبيا كمّيات من الأسلحة الكورية الشمالية، منها أسلحة فردية ودبابات وقنابل يدوية وقطع للغيار، بقيمة تم تقديرها في العام 2001 بنحو 20 مليون دولار، تضمّنت إنشاء مصنع للذخيرة غرب العاصمة.
القوات البريّة
تمتلك القوات البرية الإثيوبية 514 قطعة مدرعة، منها 400 دبابة و114 ناقلة جند مدرعة. بالنسبة إلى الدبابات، تمثل دبابات "تي 72" عماد هذه القوة، بنحو 300 دبابة من هذا النوع، منها 200 دبابة جديدة دخلت الخدمة في العام 2013، بموجب صفقة تم توقيعها في العام 2011 بقيمة مائة مليون دولار، وذلك ضمن خطّة تطوير قوتها المدرّعة التي كانت حتى هذا التاريخ متقادمة بشكل كامل، من نوعي "تي 62" و"تي 55". والجدير بالذكر أن "إسرائيل" وإثيوبيا وقعتا في العام 2017 اتفاقاً يمنح الأخيرة رخصة تصنيع العربات الإسرائيلية المدرعة "ثاندر"، ويشمل الاتفاق جمع 75 عربة من هذا النوع محلياً.
أما بالنسبة إلى المدفعية وراجمات الصواريخ، فيمتلك الجيش الإثيوبي بين 850 و900 قطعة، تتنوع بين مدفعية الميدان والمدفعية الذاتية الحركة والمدفعية الصاروخية والهاون، من بينها 57 مدفعاً ذاتي الحركة عيار 155 ملم، من أنواع "تايب 88 صيني الصنع - أم 109 أميركي الصنع - ميستا وفوزيدكا روسيي الصنع". يضاف إلى ذلك 185 وحدة مدفعية صاروخية من عياري 107 و122 مللم، والبقية تعود إلى أنواع متعددة من مدفعيات الميدان الروسية والأميركية من عياري 122 و130 ملم، ومدافع الهاون من أعيرة 60 و81 و107 و120 ملم.
البحرية الإثيوبية.. سلاح مع إيقاف التنفيذ
يعود تاريخ تأسيس سلاح البحرية الإثيوبي إلى العام 1955. وقد وصل إلى ذروة نشاطه أواخر سبعينيات القرن الماضي، إذ امتلك 37 قطعة بحرية مختلفة موزعة على قاعدتين بحريتين رئيسيتين في جزيرة دهلك وميناء عصب، مع مركز قيادة رئيسي في مدينة أسمرة.
وعقب انتهاء الحرب بين إثيوبيا والصومال - وهي الحرب التي كان أداء البحرية الإثيوبية فيها متواضعاً للغاية - بدأ اهتمام الحكومات الإثيوبية المتعاقبة بسلاح البحرية يتراجع باستمرار، إلى أن وصل عدد قطع الأسطول الإثيوبي إلى نحو 22 قطعة بحرية في العام 1990، يعمل على متنها وفي قواعدها نحو 3500 جندي وضابط.
تطورات التمرّد في إريتريا كانت بمثابة الفصل الأخير في مسيرة البحرية الإثيوبية، وكانت البداية مع تدمير عدد من سفنها في ميناء مصوع في آذار/مارس 1990، على يد عناصر الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، ثم فقدت قاعدتيها في جزيرة دهلك وميناء عصب. وبسقوط أسمرة، فقد هذا السلاح مركز قيادته الرئيسي، لتصبح سفن البحرية الإثيوبية فعلياً بلا أية قواعد، وتتحول قيادتها للتمركز داخل العاصمة الإثيوبية.
بدءاً من أيار/مايو 1991، انتقلت القطع البحرية المتبقية من سلاح البحرية الإثيوبي، والتي تُقدر بـ14 قطعة بحرية، إلى موانئ اليمن والسعودية، وظلت من خلال هذه الموانئ تنفذ بعض الدوريات البحرية في البحر الأحمر، إلى أن غادرت القطع البحرية الإثيوبية التي ظلت في حالة فنية جيدة الموانئ اليمنية والسعودية في العام 1993 باتجاه موانئ جيبوتي، وظلت تعمل من خلالها حتى صادرت جيبوتي في العام 1996 هذه القطع البحرية، وقامت بعرضها في المزاد العلني، كي تتحصل من خلال بيعها على المستحقات التي ترتبت على البحرية الإثيوبية نتيجة استخدامها الموانئ الجيبوتية.
بالفعل، تم بيع 4 قطع منها لإريتريا. أما بقية القطع، فقد تم بيعها كخردة. عقب ذلك، تم حل سلاح البحرية الإثيوبي بشكل رسمي منتصف العام 1996، بعد أن تبقت قطعة بحرية واحدة من أسطوله، وهي عبارة عن زورق للدورية، تم نقله عن طريق البر للعمل في بحيرة تانا شمال غرب البلاد.
ظلّ ملفّ البحرية الإثيوبية على حاله منذ ذلك التوقيت، إلى أن صدر عن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في نيسان/أبريل 2018 تصريح مفاجئ تحدث فيه عن بدء بلاده بإعادة النظر في قرار حل سلاح البحرية، وتبع ذلك تصريح لرئيس الأركان الإثيوبي السابق في تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، قال فيه إنَّ بلاده تتشاور مع عدة دول من أجل إعادة تفعيل سلاح البحرية الإثيوبي.
بهذا، بات من الواضح أنَّ قرار إعادة هذا السلاح مرة أخرى إلى الحياة تم اتخاذه بالفعل. وقد تعززت هذه القناعة بتوقيع إثيوبيا وفرنسا في آذار/مارس 2019 اتفاقية حول التعاون العسكري، تشمل مساعدة أديس أبابا في إحياء سلاح البحرية الخاص بها. وحالياً، تتم المفاضلة بين موانئ جمهورية أرض الصومال وجيبوتي، وتبدو الأولى أقرب إلى أن تكون نقطة تمركز البحرية الإثيوبية في المستقبل، نظراً إلى استثمار أديس أبابا في 19% من أسهم مشروع إنشاء الميناء الرئيسي في أرض الصومال.
سلاحا الجو والدفاع الجوي.. خط الدفاع الأول والأخير لإثيوبيا
من البديهي أن نعتبر سلاحي الجو والدفاع الجوي في إثيوبيا بمثابة خط الدفاع الأوحد الموجود في حوزة أديس أبابا في مواجهة أي هجوم جوي أو صاروخي محتمل على سد "النهضة". تأسَّس سلاح الجو الإثيوبي في العام 1920، ويحتل حالياً المركز 70 ضمن أبرز 138 سلاحاً جوياً حول العالم. يبلغ تعداد القوة البشرية لهذا السلاح ما بين 3000 و3500 جندي وضابط موزعين على قاعدة جوية رئيسية (قاعدة هرار ميدا) وسط البلاد، و4 قواعد جوية صغيرة، بواقع قاعدتين شمال البلاد، وقاعدة شرقاً، وقاعدة جنوباً.
امتلك هذا السلاح على مدار العقود الماضية أنواعاً عدة من الطائرات، سواء كانت غربية المنشأ - فترة ما قبل العام 1978 - أو شرقية المنشأ في الفترة التالية لذلك، لكنه يمتلك حالياً ما بين 86 و95 طائرة عاملة من مختلفة الأنواع، موزعة على 9 أسراب. من ضمن هذه الأعداد، لا توجد سوى 24 مقاتلة قاذفة فقط، بواقع 10 مقاتلات قاذفة من نوع "ميج-23" السوفياتية الصنع، و14 مقاتلة متعددة المهام من نوع "سوخوي 27"، تسلمتها في العام 2004 مستعملة من سلاح الجو الروسي.
يُضاف إلى ذلك ما بين 2 إلى 4 قاذفات دعم أرضي من نوع "سوخوي 25" الروسية الصنع، و14 طائرة تدريب متقدم من نوعي "أل-39" التشيكية الصنع و"أس أف 260" الإيطالية الصنع، وسرب للنقل العسكري مكون من 8 طائرات. بالنسبة إلى المروحيات، يمتلك سلاح الجو الإثيوبي 8 مروحيات مقاتلة من نوع "مي 35" الروسية الصنع، إلى جانب 25 مروحية نقل.
من أبرز المشاكل التي تواجه سلاح الجو الإثيوبي، الانشقاقات المتكررة التي حدثت في صفوف طياريه، والتي أدت إلى التناقص المستمر في أعدادهم وأعداد الطائرات؛ ففي العام 2013 وحده، انشق عن سلاح الجو الإثيوبي إلى أريتريا 5 طيارين، 4 منهم يعملون على المروحيات القتالية، والخامس طيار على متن قاذفة مقاتلة من نوع "ميج 23". وفي العام 2014، انشقّ ما مجموعه 15 طياراً، لجأ 4 منهم إلى كينيا، فيما لجأ الباقون إلى أريتريا، من بينهم طياران، ومعهما فني جوي، وصلوا إليها مستقلين مروحيتين مقاتلتين من نوع "مي 35".
في ما يتعلّق بعمليات تحديث هذا السلاح، لم يتم تسجيل دخول أية طائرات جديدة في الخدمة فيه منذ العام 2004 إلا أواخر العام الماضي، حين تسلم 6 طائرات تدريب ألمانية الصنع من نوع "جي 120". وفي وضعه الحالي، يعاني سلاح الجو الإثيوبي تقادم نصف ما يمتلكه من مقاتلات قاذفة وكل طائرات التدريب لديه، ناهيك بتراجع أعداد الطائرات المتوفرة لديه بصفة مستمرة، بفعل عمليات الانشقاق والعوامل الفنية.
وقد بحثت إثيوبيا مع فرنسا العام الماضي إمكانية تزويدها بمقاتلات وطائرات نقل ومروحيات فرنسية الصنع، لكن لم تسفر هذه المباحثات عن توقيع صفقات محددة، وبالتالي يمكن أن نعتبر دور سلاح الجو الإثيوبي في أية مواجهة عسكرية محتملة مع مصر والسودان محدوداً جداً وغير فعّال في مواجهة قوة جوية متفوقة.
كان الدّفاع الجوي الإثيوبي صاحب النصيب الأكبر من عمليات التحديث في كلّ أفرع الجيش الإثيوبي خلال الفترة الماضية. وحتى العام 2013، كان الدفاع الجوي الإثيوبي يتكوّن بصورة أساسية من صواريخ "سام 2" و"سام 3 بيتشورا" للدفاع الجوي المتوسط، و"سام 9" للدفاع الجوي ذاتي الحركة، إلى جانب تشكيلة من المدفعية المضادة للطائرات، سواء كانت ذاتية الحركة مثل "شيلكا" الروسية أو ثابتة مثل المدافع السوفياتية من عيار 57 و23 مللم. بدأت عمليات التحديث في العام 2013 بتعاقد إثيوبيا مع الصين على شراء بطارية واحدة من نظام الدفاع الجوي "أتش كيو 64".
في العام 2015، ونظراً إلى ضعف قدرات سلاح الجو الإثيوبي الاعتراضيّة، تعاقدت إثيوبيا مع أوكرانيا على حزمة تحديثات لمنظومات "سام 3 بيتشورا" التي تمتلكها، لتصبح في مستوى عملياتي قريب من منظومات الدفاع الجوي الروسية الذاتية الحركة "بوك أم". وقد بدأت عمليات التحديث والتسليم فعلياً منذ العام 2016.
هذه الحزمة رفعت من قدرات المنظومات الموجودة حالياً من هذا النوع في إثيوبيا، لتصبح قادرة على ضرب أهداف جوية تبعد مسافة 50 كيلومتراً، على ارتفاعات تصل إلى 24 كيلومتراً. كما شملت هذه الحزمة تحديث صواريخ هذه المنظومة، وكذلك رادارات التوجيه الخاصة بها.
وقد نشرت إثيوبيا بالفعل تشكيلات من هذه المنظومة في مناطق قريبة من سد "النهضة"، إلى جانب منظومات الرصد السلبي الأوكرانية الصنع "كولوتشوغا" التي حصلت على ثلاثة منها في العام 2014، وتتميز هذه المنظومات بالقدرة على رصد الأهداف الجوية بدقة كبيرة، وعلى مسافات تصل إلى 700 كيلومتر.
تلا ذلك تعاقد إثيوبيا في العام 2018 على شراء 4 منظومات روسية من نوع "بانتسير أس 1" للدفاع الجوي متوسط المدى تسلمتها في العام التالي. والجدير بالذكر هنا تردد أنباء منذ العام 2019 عن أن الجيش الإثيوبي تعاقد مع "إسرائيل" على عدد غير محدد من قواذف الدفاع الجوي الذاتية الحركة "سبايدر أي أر"، ولكن لا توجد دلائل ملموسة على صحتها.
عقبات لوجستية وميدانية
تواجه أديس أبابا منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ظواهر مزمنة أثرت بشكل سلبي في تطور قواتها المسلحة، منها ظاهرة الانشقاقات المستمرة التي لم تقتصر على سلاح الجو فحسب، بل تعدته إلى القوات البرية. مثال على ذلك انشقاق ضابط برتبة عقيد، ومعه 300 جندي، ومغادرته إلى أريتريا في العام 2006. يُضاف إلى ذلك بعض القلاقل الموجودة داخل البدن العسكري الإثيوبي، والتي كان من تجلياتها اغتيال رئيس الأركان السابق في حزيران/يونيو 2019 على يد حراسه أثناء محاولة انقلاب فاشلة.
على المستوى الميداني، دخل الجيش الإثيوبي منذ أواخر العام الماضي في خضمّ مجموعة من المواجهات المتعددة الاتجاهات، أولها كان إطلاقه هجوماً على وحدات جبهة تحرير شعب تيجراي في نطاق إقليم تيجراي الواقع شمالي البلاد، وهو هجوم لم ينجح الجيش الإثيوبي - رغم استعانته بوحدات من الجيش الإريتري - في السيطرة من خلاله على كامل مناطق الإقليم، إذ يسيطر حالياً بصورة كاملة على الجانب الغربي منه، في حين يتواجد في المدن الرئيسية في وسطه وشرقه، مثل مدن إكسوم وإديغرات وعاصمة الإقليم "ميكيلي".
منذ مطلع العام الجاري، بدأت الوحدات العسكرية الإثيوبية والإريترية في الإقليم بالتعرض لهجمات يومية من جانب عناصر جبهة تحرير شعب تيجراي، الذين يركزون حالياً على تهديد حركة قوافل الإمداد الإثيوبية المارة على الطرق الرئيسية في وسط الإقليم.
اندلع نزاع آخر منتصف الشهر الماضي في إثيوبيا، كان مسرحه إقليم "أوروميا" المتاخم للعاصمة أديس أبابا، إذ اندلعت سلسلة من أعمال العنف بين قوميتي الأورومو والأمهرة على خلفية إثنية وعرقية تمتد جذورها إلى العقود الماضية. وقد تطورت هذه الأعمال لتصبح هجمات ممنهجة على قوات الشرطة الفيدرالية الإثيوبية والوحدات العسكرية الخاصة التابعة للأمهرة داخل الإقليم.
خطورة هذا النزاع وقربه من العاصمة دفعا الجيش الإثيوبي إلى سحب بعض الوحدات التابعة له من إقليم تيجراي، ودفعها إلى إقليم "أوروميا"، برفقة بعض وحدات القوات الخاصة، وهو ما أدى عملياً إلى تدهور الموقف في إقليم تيجراي من جهة. ومن جهة أخرى، ساهم بشكل أكبر في تشتيت القوى العسكرية الإثيوبية التي كانت تتجهّز خلال الفترة الماضية لاحتمالات المواجهة مع مصر والسودان.
ربما اندلعت المواجهة الإثيوبية مع السودان مبكراً، وبشكل متزامن مع معارك إقليم تيجراي، وذلك بسبب ملف الحدود المشتركة بين البلدين، وتحديداً إقليم "الفشقة" السوداني الحدودي، الذي كانت قبائل إثيوبية عديدة تستوطن أجزاء كبيرة منه خلال السنوات الماضية. وقام الجيش السوداني أواخر العام الماضي بإعادة الانتشار فيه. وحالياً، تحتشد القوات السودانية لاستعادة آخر 3 مناطق تتواجد فيها القوات الإثيوبية داخل الإقليم، وهو ما يصاحبه تراشق شبه يومي بالمدفعية بين الجانبين.
إذاً، نظراً إلى ما تقدّم، يمكن القول إنَّ الجبهة الداخلية لإثيوبيا تعاني هزات عسكرية كبيرة، يتوزع فيها المجهود العسكري الإثيوبي بصورة تشكّل استنزافاً مستمراً له على المستوى البشري واللوجستي والتسليحي. وإن أضفنا إلى ذلك الواقع الحالي للقدرات العسكرية الإثيوبية، فسنصل إلى نتيجة مفادها أن الميزان العسكري يميل بشدة لمصلحة دولتي المصبّ مصر والسودان، بشكل يجعل من المنطقي اعتبار أن إثيوبيا تستند في مواقفها الحالية في ملفّ سد "النهضة" إلى اعتبارات أخرى لا علاقة لها بالاعتبارات العسكرية، ربما أهمها سيكون دعم أطراف إقليميّة ودوليّة ما لموقفها الحالي أو لموقفها المستقبلي في حالة تعرّضها لضربة عسكريّة.