تجارب الصّواريخ الهنديّة.. العين على بكين وإسلام أباد
نفّذت نيودلهي تجربتها الأولى الناجحة في مجال التقنيات العسكرية الأسرع من الصوت، لتصبح فعلياً الدولة الرابعة بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين في امتلاك وتطوير تقنيات من هذا النوع.
رغم تراجع مستوى عمليات التصنيع العسكري حول العالم جراء تداعيات جائحة كورونا، يبدو أنَّ الصناعات العسكرية الهندية ما زالت تحافظ على مستوى مرتفع من الإنتاجية. هذا الأمر ظهر بشكل جليّ من خلال سلسلة الاختبارات الصاروخية المتتالية التي أجراها الجيش الهندي منذ 7 أيلول/سبتمبر الماضي، وهي تجارب تأتي في ظلّ التوتر المكتوم بين نيودلهي وبكين، على خلفية المناوشات الحدودية بينهما والتقارب الصيني - الباكستاني اللافت على المستوى العسكريّ.
التجارب الصاروخية الهندية كانت مكثّفة ومتنوّعة بشكل لفت الانتباه الدولي بشكل كبير، فقد نفّذت نيودلهي منذ 7 أيلول/سبتمبر وحتى 20 تشرين الأول/ أكتوبر نحو 11 تجربة صاروخية شملت كلّ أنواع الصواريخ، سواء كانت مضادة للدبابات أو باليستية أو بحرية، وبعضها تتمّ تجربته للمرة الأولى.
البداية كانت في السابع من أيلول/سبتمبر، إذ تمكَّنت الهند من اختبار تقنيتها الانزلاقية الأسرع من الصوت، عبر إطلاق صاروخ باليستي حامل لمركبة انزلاقية أوصلها إلى ارتفاع 30 كيلومتراً، ومن ثم أطلقها، لتنجح في التحليق لمدة 20 ثانية بمسار ثابت وبسرعة فائقة تصل إلى 6 ماخ (أسرع من الصوت بستّ مرات).
وتعدّ هذه التجربة الناجحة الأولى للهند في مجال التقنيات العسكرية الأسرع من الصوت، لتصبح فعلياً الدولة الرابعة بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين في امتلاك وتطوير تقنيات أسرع من الصوت، ستسمح لنيودلهي بتطوير سلسلة جديدة من الصواريخ الجوالة سترفع بشكل مؤكد من قدراتها البحرية والجوية. هذا يضاف إلى تأثير تقدم الهند في هذا المجال في قدراتها الخاصة بالمركبات والصواريخ الفضائية.
في الثاني والعشرين من الشهر نفسه، أجرى الجيش الهندي في منطقة أوديشا تجربة مثيرة للاهتمام لتحليق الطائرة المسيرة الهدفية "أبهياس". خلال الاختبار، حلّقت طائرتان من هذا النوع بشكل متواصل لمدة نصف ساعة على ارتفاع خمسة كيلومترات، بسرعة تصل إلى نصف ماخ.
وقد تمَّ في هذه التجربة اختبار إمكانيّة تشغيل هذه الطائرات بشكل مستقل عن وحدة التحكّم الأرضية، عن طريق الملاحة بالقصور الذاتي، وفق مسار محدد بواسطة نظام تحديد المواقع العالمية "جي بي أس". وعلى الرغم من أن الوظيفة الأساسية لهذه الطائرات هي اختبار منظومات الدفاع الجوي ميدانياً، فإن نجاح هذه التجربة يعد مؤشراً واضحاً على جدية التوجهات الهندية نحو تصنيع "درونز" انتحارية.
تبع ذلك تجربتان متتاليتان على صاروخ جديد موجّه بالليزر مضاد للدبابات، تم تطويره محلياً تحت اسم "إل جي". التجربتان تمتا في الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر والأول من تشرين الأول/أكتوبر في ميدان الاختبارات الصاروخية في ولاية ماهاراشترا الهندية.
يتميَّز هذا الصاروخ الذي يصل مداه الأقصى إلى 5 كيلومترات بقدرة رأسه الحربي الترادفي على اختراق الدروع التفاعلية المتفجرة التي تتزود بها الدبابات الحديثة. وسيعزز دخوله قريباً إلى الإنتاج الكمي القدرة النارية لوحدات المشاة الهندية بشكل واضح، وخصوصاً أنه يمكن إطلاقه عن منصات ثابتة أو بواسطة سبطانات الدبابات.
الصاروخ الجوال الفوق صوتي الهندي الشهير "براهموس"، الذي يعد من ضمن الصواريخ الأسرع على مستوى العالم، نال نصيبه من التجارب التي نفَّذها الجيش الهندي خلال الفترة الماضية، إذ تمت تجربته مرتين، الأولى في 30 أيلول/سبتمبر الماضي، تم فيها اختبار منصة إطلاق ذاتية الحركة جديدة له، تتميز بإمكانية إطلاقها 3 صواريخ متتالية من هذا النوع ضد 3 أهداف مختلفة، كما يمكن أن تتكامل هذه المنصة مع منصات أخرى مماثلة، من أجل تكوين شبكة دفاعية ضد القطع البحرية أو لشنّ ضربة صاروخية على أهداف أرضية محدّدة.
الاختبار الثاني تم بنجاح على النسخة البحرية من هذا الصاروخ في 18 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. وفيه، تم إطلاقه عن متن المدمرة "شيناي" التابعة للبحرية الهندية. هذه التجربة تضاف إلى عدة تجارب أجريت العام الماضي على النسخة المطلقة جواً من هذا الصاروخ الذي يعتزم سلاح الجو الهندي تعميم تسليحه على كلّ مقاتلاته من نوع "سوخوي 30".
والجدير بالذكر أنَّ سلسلة صواريخ "براهموس" التي دخلت الخدمة في الجيش الهندي في العام 2007، تعدّ من أهم المنظومات الهجومية التي تمتلكها نيودلهي وأخطرها. وقد نشرت بعضها مؤخراً في منطقتي "لاداخ" و"أروناتشال براديش" قرب الحدود مع الصين على خلفية التوترات الأخيرة. وإضافةً إلى سرعته الفائقة، يتميّز هذا الصاروخ بمدى كبير في نسخه كافة، إذ يصل مدى النسخة الأساسية منه إلى 400 كيلومتر، وتعمل الهند حالياً على أن يكون مدى النسخة المحدثة منه ما بين 800 إلى 1500 كيلومتر.
الصواريخ النووية الهندية
في 3 تشرين الأول/أكتوبر، اختبرت الهند بنجاح الصاروخ "شوريا"، وهو النسخة المطلقة برياً من الصاروخ الباليستي القادر على حمل رؤوس نووية "كي – 15"، والذي تتسلَّح به الغواصات الهنديّة. الاختبار تمَّ قرب ساحل منطقة أوديشا، ويتراوح مدى هذا الصاروخ ما بين 800 و1000 كيلومتر، وهو يعمل بالوقود الصلب، وتتراوح زنة رأسه المتفجّر ما بين 200 و1000 كيلوغرام.
قبل هذه التجربة، أجرت قيادة الصواريخ الاستراتيجية الهندية ليلة 24 أيلول/سبتمبر تجربة لإطلاق الصاروخ الباليستي القصير المدى "بريثفي – 2"، وهو صاروخ تكتيكي قادر أيضاً على حمل رؤوس نووية، ويبلغ مداه 400 كيلومتر، ويستطيع حمل رأس نووي تبلغ زنته 200 كيلوغرام. هذه التجربة امتداد لتجارب مكثّفة لتطوير هذا الصاروخ، ونسخته الأولى "بريثفي – 1" بدأت أوائل العام 1996.
يُضاف إلى ما سبق اختبار تمّ في 12 تشرين الأول/أكتوبر على الصاروخ الجوال "نيرباي"، الذي يمتلك أيضاً القدرة على حمل رأس نووي تقدّر زنته بين 200 و300 كيلوغرام. هذا الصاروخ ليس جديداً. وتعدّ هذه التجربة السابعة التي تتم عليه، إذ تمت تجربته للمرة الأولى في العام 2004، ويتميّز بمداه الكبير الذي يصل إلى 1000 كيلومتر، وامتلاكه القدرة على التحليق مباشرة فوق سطح البحر، ما يصعب كثيراً من مهمة رصده رادارياً، إلى جانب إمكانية تحليقه بشكل مشابه لفكرة الذخائر الجوالة "الانتحارية". هذه التجربة كانت التجربة الفاشلة الوحيدة ضمن التجارب الصاروخية التي أجراها الجيش الهندي خلال الفترة الماضية.
صاروخ هندي قاذف للطوربيدات البحرية
من الأنظمة الصاروخية اللافتة التي اختبرتها نيودلهي خلال الفترة الماضية، كان منظومة إطلاق الطوربيدات المعززة صاروخياً "سمارت" التي تم اختبارها في 5 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتعد من الأنظمة الثورية التي ستضيف إلى البحرية الهندية قدرات كبيرة في مجال مكافحة الغواصات، إذ ترتكز أهميتها على أنها تسمح بإطلاق الطوربيدات المضادة للغواصات من مسافات كبيرة جداً، سواء كان الإطلاق عن منصات أرضية أو بحرية، حيث يقوم الصاروخ بعد انطلاقه وعندما يقترب من مكان الهدف بتحرير طوربيد خفيف يعمل بالكهرباء، وتبلغ زنة رأسه الحربي 50 كيلوغراماً تم دمجه في الأجزاء الأمامية من الصاروخ، بحيث ينطلق نحو الهدف ويدمره.
هذه التقنيَّة ستسمح للبحرية الهندية باستهداف الغواصات المعادية، من دون التقيّد بمدى الطوربيدات التي تمتلكها (20 كيلومتراً)، إذ ستسمح المنظومة الجديدة بإطلاق الطوربيدات من مسافات تصل إلى 600 كيلومتر، وبشكل سريع، نظراً إلى أنَّ الصاروخ الحامل للطوربيد يطير بسرعات تصل إلى 3 أضعاف سرعة الصوت. نجاح التجربة الهنديَّة وفّر لها ريادة في هذا المجال الذي دخلته قبلها دول مثل الولايات المتحدة الأميركية واليابان وروسيا، نظراً إلى أن المدى الذي تتمتع به المنظومة الهندية يتفوّق على إمكانيات المنظومات المناظرة الأخرى في هذه الدول.
تطوير هذه المنظومة يتوافق مع التوجّهات الحالية للبحرية الهندية، التي تسعى في الوقت الحالي إلى تطوير بعيد المدى لترسانتها من الغواصات. ولذلك، وحتى يتم ذلك، لجأت إلى تفعيل المنظومات المضادة للغواصات، مثل طائرات الدورية البحرية "بي-8"، والمروحيات البحرية "أم أتش-60 سي هوك"، بحيث تقوم بتزويد المنصات البحرية والبرية لهذه المنظومة الجديدة بإحداثيات وموقع الغواصات المعادية للتصدي لها بشكل فوري.
هذه الاستراتيجية موجَّهة بشكل واضح إلى كل من باكستان والهند، اللتين تتعاونان معاً في مجال الغواصات، وتمتلك بكين حالياً أسطولاً يعدّ من أساطير الغواصات الأكبر في العالم.
صواريخ مضادة للدبابات ومضادة للإشعاع
في 9 تشرين الأول/أكتوبر، اختبر الجيش الهندي بنجاح صاروخاً آخر مثيراً للاهتمام، وهو الصاروخ المضاد للإشعاع "رودرام"، وهو مخصص لتتبع الإشارات الرادارية الصادرة عن منظومات الاتصالات والرصد المعادية واستهداف مواضع انبعاثها، ما يؤدي إلى تعطيل منظومات الدفاع الجوي وآليات التحكم والسيطرة المعادية. الاختبار تم على متن مقاتلة من نوع "سوخوي 30".
وأخيراً، أجرى الجيش الهندي تجربة على نوع آخر من أنواع القذائف المضادة للدبابات، وهو الصاروخ "سانت" الذي تمت تجربته في 19 تشرين الأول/أكتوبر، وهو نسخة محدثة من صواريخ "هيل أنا" المضادة للدروع التي يتم إطلاقها من المروحيات القتالية.
يبلغ مدى الصاروخ الجديد 12 كيلومتراً، وهو مدى قياسي بالنسبة إلى الصواريخ المضادة للدبابات. وقد تمت منذ العام 2011 تجارب مكثّفة عليه، بهدف منحه أفضلية تعديل الأهداف أثناء التحليق، إذ يمتلك هذا الصاروخ حالياً القدرة على أن يتم إطلاقه من دون الإغلاق على أي هدف، ومن ثم يتمّ أثناء التحليق تحديد الهدف المراد استهدافه، وهو ما يعطى مرونة كبيرة خلال المعارك، وخصوصاً في حالة تدمير الهدف قبل وصول الصاروخ إليه، أو في حالة ظهور هدف أكثر أهمية بعد إطلاق الصاروخ.
إذاً، يمكن أن نضع التطورات الأخيرة في العلاقات بين الصين وباكستان، وكذا التوتر الحدودي الخطير بين الصين والهند، كسبب رئيسي في الخطوات الهندية المتسارعة في مجال التجارب الميدانية والتصنيع العسكري، سواء ذلك كان على مستوى الأسلحة التقليدية أو النووية.
وجود نحو 60 ألف جندي صيني على الحدود مع الهند، والخطوات المستمرة من جانب بكين لتدعيم مواقعها على الحدود عبر شبكة من الطرق ووسائط الاتصال، راكم من الخشية الهندية من تحرك مشترك بين باكستان والصين، وهو ما ردَّت عليه نيودلهي عبر هذه السلسلة غير المسبوقة من التجارب العسكرية، التي سنرى قريباً جداً ردوداً مماثلة عليها من الجانب الباكستاني الحساس جداً لأي تحركات هندية على المستوى العسكري.