روسيا في رئاسة "بريكس": الأولويّة للطاقة
رئاسة روسيا لمجموعة "بريكس" هذا العام تعطي أولويَّة لأبحاث الطاقة والتعاون الطاقوي بين دول المجموعة، إذ إنَّ أبرز المبادرات المتعلّقة بهذا الشأن داخل "بريكس" أتى باقتراحات روسيّة، إضافة إلى تزايد أهمية تكنولوجيا الطاقة والتنافس حولها بين الدّول الكبرى.
تنشط مجموعة "بريكس" منذ أكثر من 10 سنوات بصورةٍ متزايدة سنةً بعد أخرى. وقد بدأت بأربع دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين، لتنضمّ جنوب أفريقيا إليها في العام 2009، وتخرج إلى العلن مجموعة "بريكس" التي تضمّ هذه الاقتصادات الخمسة الناشئة.
بعد إعلان "أوفا" في روسيا في العام 2015، جعلت المجموعة التعاون في مجال الطاقة إحدى أولوياتها، إلى جانب نشاط كبير ومثير للإعجاب على المسرح العالمي، وتأثيرات إقليمية متصاعدة في أقاليم عديدة، حيث تقع كلّ واحدةٍ من دول المجموعة. كانت تلك القمّة السابعة للرابطة، وقد عُقدت في تموز/يوليو 2015 في مدينة أوفا الروسية.
وفي إطار مبادرة من روسيا، تبنَّت مجموعة "بريكس" المبادئ التوجيهية الرئيسيّة للتوسّع في العديد من المجالات الإضافية لمجالات التعاون السابقة، مثل تطوير التعاون في مجال الطاقة، وسدّ الفجوة العلمية والتكنولوجية بين المجموعة والدول الأخرى الأكثر تطوراً، وإيجاد الحلول للتحدّيات في قطاع الطاقة بين الأعضاء.
وهكذا، أتى الإعلان لينصّ على أنه "إدراكاً لأهمية مراقبة الاتجاهات العالمية في قطاع الطاقة، بما في ذلك وضع توقعات بشأن استهلاكها، وتقديم توصيات لتطوير أسواق الطاقة من أجل ضمان أمن الطاقة والتنمية الاقتصاديّة، ندعو وكالاتنا ذات الصلة إلى النظر في إمكانيات التعاون الطاقوي داخل دول البريكس".
وفي موقف متوازن لدول المجموعة، خرج إعلان "أوفا" يومها ليقول إنّه "مع الأخذ في الاعتبار دور قطاع الطاقة في ضمان التنمية الاقتصادية المستدامة لبلدان البريكس، نرحّب (دول بريكس الخمس) بموازنة مصالح المستهلكين والمنتجين وبلدان العبور لموارد الطاقة، وتهيئة الظروف للتنمية المستدامة القابلة للتوقّع في أسواق الطاقة".
وفي هذا السياق، من المهم التذكير بأنَّ روسيا هي التي اقترحت عقد الاجتماع الأول لوزراء الطاقة في دول "بريكس" خلال الربع الأخير من العام 2015، إذ تم تأكيد أهمية وضرورة تعزيز التعاون الدولي في مجال توفير الطاقة، وتطوير كفاءة الطاقة على مستوى التقنيات، وتثبيت تطلّعات المجموعة إلى تطوير التعاون بين دولها في هذا المجال، إضافة إلى الاتفاق على إنشاء منصة لهذا الغرض.
الأولوية للطاقة
في العام الحالي 2020، تتولى روسيا الرئاسة الدورية للمجموعة. "بريكس" ليس لديها سكرتارية ولا ميثاق. ومنذ تأسيسها، تقوم الدولة التي تترأس المجموعة بتنظيم القمة التي تستضيفها وتنسّق أنشطتها. لقد عقدت روسيا منذ بداية رئاستها الحالية للمجموعة سلسلة من المؤتمرات ركّزت على عناوين مختلفة. في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الحالي، عقد وزراء الطاقة في دول "بريكس" اجتماعهم، ووافقوا على خارطة طريق للتعاون في مجال الطاقة تستمر حتى العام 2025. وبسبب جائحة فيروس كورونا، عقد المؤتمر عبر الفيديو برئاسة وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك.
نوفاك أكَّد خلال الاجتماع أنّ تأثير دول المجموعة في الساحة الدولية يتزايد بسبب القوة الاقتصادية المتزايدة لهذه الدول، وأن من الضروري بالنسبة إليهم تنسيق مواقفهم حول التعاون في مجال الطاقة. اليوم، تمثل دول بريكس ما يقارب ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وأكثر من ثلث الاستهلاك العالمي. وفي هذا الصدد، من المهم للغاية تنسيق مواقف الدول الخمس على أساس مصالح مشتركة تجمع في ما بينها، والتحدث من موقع موحّد على المنصات العالمية التي تدير شؤون التعاون الدولي في مجال الطاقة.
لقد بدأ بالفعل تنفيذ هذه الفكرة عملياً. بدأت دول "بريكس" مشاورات غير رسميّة على هامش مجموعة العشرين، وعلى هامش مجلس الطاقة العالمي. وفي بداية عملها هذا العام، حدّدت الدول الخمس بشكل جماعي ثلاثة أبعاد رئيسة لحوار الطاقة. وبحسب نوفاك نفسه، فإن هذه الأبعاد هي دعم تطوير أنظمة الطاقة الوطنية لدول البريكس، والتعاون التكنولوجي وتسهيل تحسين شروط الاستثمار في الطاقة، والمساهمة في استقرار أسواق الطاقة وزيادة دور البريكس في نقاشات الطاقة على المستوى العالمي.
أمّا خارطة الطّريق التي تمَّ تبنّيها في نهاية الاجتماع، فهي أول وثيقة شاملة تحدّد الخطط المتّفق عليها لتطوير حوار الطاقة بين الدول الخمس. كما أصدر الاجتماع بياناً أكّد فيه عزم هذه الدول على تعزيز شراكتها الاستراتيجية في قطاع الطاقة ومجال أمن الطاقة، مع تأكيد الدور المهمّ لجميع أنواع الطّاقة، بما في ذلك الوقود الأحفوريّ والطاقة النوويّة.
وزراء الطاقة الخمسة لم يغفلوا الحديث عن أنَّ انتقال الطاقة يجب أن يتوافق مع الظروف الوطنيّة، ويجب على كل دولة تحديد السياسة المثلى، من دون الاضطرار إلى تبني نماذج لا تناسب دول البريكس، وهو ما أكَّدته وزارة الطاقة الروسية في بيان أصدرته عقب الاجتماع الوزاري الَّذي عقد لبحث هذا الشأن.
في 15 تشرين الأول/أكتوبر، استضافت موسكو الاجتماع السنوي الأول لمنصَّة أبحاث الطاقة في بريكس، إذ قدّمت دول المجموعة تقارير تحليلية، ثم تبع ذلك أكبر حدث شبابي حول الطاقة لدول البريكس. وشاركت في القمة هذا العام وفود من الدول الخمس مؤلفة من ممثلين عن الوكالات المسؤولة عن تنفيذ سياسات الطاقة والشباب، إضافةً إلى أكثر من 150 عالماً وخبيراً شاباً من 40 جامعة ومنظَّمة صناعية رائدة.
ووفقاً للاستطلاعات التي أجراها مركز أبحاث الرأي العام الروسي "VTsIOM"، تضاعف عدد العائلات الَّتي تم تعليمها لتوفير الطاقة خلال السنوات الخمس الماضية. كانت مشاركة دول البريكس في مهرجان "Together Brighter" الدولي لتوفير الطاقة، كجزء من أسبوع الطاقة في مجموعة البريكس (من 16 إلى 20 تشرين الأول/أكتوبر) حدثاً بارزاً في فترة رئاسة روسيا للمجموعة.
إنَّ منصّة أبحاث الطاقة مصمّمة للتشجيع على مشاركة مجتمع البحث العلمي في الأنشطة العملية المتعلّقة بوضع خطط موارد الطاقة في المستقبل. وحتى الآن، تم عقد حدثين رئيسين كجزء من أعمال منصَّة أبحاث الطاقة. وقد عرضت النتائج على رؤساء الدول الخمس للنظر فيها، من أجل التفاعل الصناعي الفعال والتعاون العملي في تطوير سياسات طاقوية مشتركة جديدة وتنفيذها.
استناداً إلى الإحصائيات والتوقّعات الوطنيّة في كلّ دولة، أعدّ خبراء بريكس "تقرير طاقة بريكس"، وهو مراجعة لقطاعات الطاقة في البلدان الخمسة، و"تقرير تكنولوجيا الطاقة في بريكس"، وهو يركّز على أولويات التطوير التكنولوجي للوقود وقطاعات الطاقة في دول المجموعة. جاءت التقارير من كبار الخبراء وممثّلي معاهد البحوث الكبرى وشركات الطاقة من دول "بريكس"، وكذلك منظمات الطاقة الدولية، مثل "أوبك"، ومجلس التعاون الاقتصادي العالمي، ومنتدى الطاقة العالمي، ومجلس الطّاقة النظيفة الوزاري، ومجلس الطّاقة العالمي.
تعاون أكثر شمولاً
في أيلول/سبتمبر الفائت، عقد وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف اجتماعاً عبر الإنترنت لمجلس وزراء خارجيّة دول "بريكس" في موسكو، وكان ذلك ثاني الاجتماعات من هذا النوع هذا العام برئاسة روسيا. تم تخصيص الأول حصرياً لحشد الجهود لمنع انتشار عدوى فيروس كورونا. وفي إطار استراتيجية محدثة للشراكة الاقتصادية لمجموعة "بريكس" حتى العام 2025، وضعت روسيا مقترحات بشأن تطوير آلية جديدة لتفاعل الأعضاء الخمسة في تأمين التنمية الاقتصاديّة المستدامة في عصر ما بعد الجائحة.
أما موضوع اجتماع قادة دول البريكس المقبل، فهو تحت عنوان "شراكة بريكس من أجل الاستقرار العالمي والأمن المشترك والنمو المبتكر"، وقد تقرّر عقده في 17 تشرين الثاني/نوفمبر عبر "الفيديو كونفرنس"، على أن يتمّ تنسيقه وإدارته في موسكو، فيما واصلت الدّول الخمس هذا العام شراكتها الاستراتيجية الوثيقة على جميع الركائز الثلاث الرئيسة: السلام والأمن، والاقتصاد والتمويل، والتبادلات الثقافيّة والشعبيّة.
وعلى الرغم من الوضع العالمي الحالي بسبب انتشار عدوى الفيروس التاجي، يتم تنفيذ الأنشطة تحت رئاسة روسيا لمجموعة البريكس في العام 2020 بطريقة متّسقة، فمنذ كانون الثاني/يناير 2020، تم تنظيم أكثر من 60 حدثاً، بما في ذلك الحدث الذي عُقد عبر تقنية الفيديو. وبحسب مستشار الرئيس الروسي، أنطون كوبياكوف، ستوفر قمة "بريكس" قوة دفع لمزيد من تعزيز التعاون مع الشركاء الآخرين وضمان رفاهية دول "البريكس". وكوبياكوف نفسه يشغل منصب الأمين التنفيذي للجنة المنظمة لإعداد ودعم منظمة شنغهاي للتعاون تحت رئاسة روسيا في العام 2019-2020، ورئاسة البريكس في العام 2020.
ومنذ العام 2009، اجتمعت دول "البريكس" سنوياً في قمم رسميّة، إذ استضافت البرازيل أحدث قمّة للمجموعة، وهي القمة الحادية عشرة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2019. واليوم، تعمل روسيا على دفع القضايا المهمّة المتعلّقة بالتعاون الخماسي في المجالات الثلاثة للشراكة الاستراتيجية للرابطة: السياسة والأمن، والاقتصاد والتمويل، والتعاون الثقافي والتعليمي، إذ تمثل دول "بريكس" الخمس مجتمعةً أكثر من 3.1 مليار شخص، أو حوالى 41 في المائة من سكّان العالم.
كفاح من أجل المستقبل
وفي الإطار نفسه، تتخوَّف دول المجموعة من التأثيرات السّلبية التي أحدثها انتشار جائحة كورونا في اقتصاداتها، وخصوصاً أنّ الدول الخمس المنضوية في المجموعة كانت تشهد معدلات نمو مرتفعة نسبياً، الأمر الذي زاد من طموحاتها الاقتصادية والسياسية في السنوات الأخيرة.
وفي ظل الحرب التجارية التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الصين، كما نهجه الهجومي ضد المنافسين الآخرين، فإن دول "بريكس" تجد نفسها أمام ضرورات التعاون المشترك، على الرغم من وجود دول حليفة لواشنطن بين دول المجموعة، وخصوصاً الهند، والبرازيل في المرحلة الحالية تحت رئاسة جاير بولسونارو.
وبعيداً من الجانب السياسي، تكافح الدول الخمس لتحجز لها مكاناً متقدماً على المستويات الاقتصادية المختلفة، وهي تدرك تماماً مركزية الحصول على مصادر طاقة متوفرة ومستدامة بالنسبة إلى فرصها المستقبلية بالنمو والتقدم. لذلك كله، فإن تركيز روسيا على أبحاث الطاقة سيزيد من حماسة دول المجموعة، وسيساعدها على تطوير تقنيات طاقوية تسهم في الوصول إلى سياسات طاقوية مستدامة.