رغم تداعيات كورونا.. نقلة جديدة للعسكريَّة الروسيَّة في "الجيش 2020"
من أهم المعروضات هذا العام، النسخة المحدّثة من الطائرة الهجومية من دون طيار "أوريون"، التي تم الإعلان عنها سابقاً خلال معرض "ماكس 2019" للصناعات الجويّة.
التوقّعات التي سبقت منتدى "الجيش 2020" للصناعات العسكريّة كانت متشائمة بعض الشيء في إمكانية تقديم منظومات قتالية جديدة خلال فعالياته، لكن بعد أن عُقد هذا المنتدى، اتضح بشكل كبير أنَّ الصناعات العسكرية الروسية لم تتأثر بشكل كبير بتداعيات جائحة كورونا.
بطبيعة الحال، لم تكن النسخة السادسة من منتدى الصناعات العسكرية الروسية "الجيش 2020" مماثلة لنسخة العام السابق، وخصوصاً بالنسبة إلى أعداد المنظومات القتالية الجديدة التي تم تقديمها خلاله.
ورغم ذلك، كانت فعاليات هذا المنتدى التي جرت في الفترة الممتدة بين 23 و29 آب/أغسطس الماضي مؤشراً على أن الصناعات العسكرية الروسية استفادت كثيراً من قرار الرئاسة الروسية بإعادة تشغيل المصانع العسكرية في أيار/مايو الماضي، بعد توقّف أغلبها احترازياً بسبب تداعيات تفشي جائحة كورونا. وقد أسهم هذا القرار أولاً في إقامة منتدى هذا العام، وثانياً في تقديم منظومات قتالية جديدة تعد مؤشراً على قرب دخول التسليح الروسي حقبة جديدة كلياً.
صواريخ "هيرميس" المضادة للدروع
تعدّ النسخة الخاصّة بالقتال البري من الصاروخ المضاد للدروع "هيرميس" أحدث أجيال سلسلة صواريخ "هيرميس" المضادة للدروع التي تم الإعلان عنها لأول مرة في العام 2006، وتشمل نسخة يتم إطلاقها عن متن المروحيات القتالية، وتسمى "هيرميس - أيه"، ونسخة يتم إطلاقها عن متن القطع البحرية تسمى "هيرميس - كي"، إضافة إلى النسخة البرية المحسنة التي تم الإعلان عنها خلال فعاليات "الجيش 2020".
النسخة البرية الجديدة التي أعلن عنها مكتب "شيبنوف" لتصاميم الصواريخ، التابع لمجموعة "روستيخ" الروسية العملاقة، تعد نقلة نوعية في مجال الصواريخ المضادة للدروع، نظراً إلى عدة عوامل تجعلها التهديد الأساسيّ لكلّ أنواع الدبابات والمدرعات الغربية المنشأ، إذ يبلغ مداها الأقصى 100 كيلومتر، وهو مدى قياسيّ مقارنة بالمدى الأقصى للنّسخ الأخرى من هذا الصاروخ (مدى النسخة البحرية يبلغ 30 كيلومتراً، ومدى النسخة الجوية يبلغ 20 كيلومتراً).
يُضاف إلى ذلك أنَّ النسخة البرية من هذا الصاروخ تختلف عن سابقاتها في أنَّ آلية الدفاع الخاصّة بها تتكوّن من مرحلتين، وهي مشابهة إلى حدّ كبير لآلية الدفع الخاصّة بصواريخ منظومة الدفاع الجوي الذاتية الحركة "بانتسير".
تتميز هذه النوعية من الصواريخ، التي يبلغ وزن الواحد منها 90 كيلوغراماً، برأس حربي شديد الانفجار تبلغ زنته 20 كيلوغراماً من مادة "تي أن تي"، وبقدرتها على التحليق بسرعة تصل إلى 4 أضعاف سرعة الصوت، وهامش خطأ ضئيل جداً (المصادر الروسيّة تقول إنّه لا يتعدى 50 سنتيمتراً)، ما يمنحها مرونة كبيرة وقدرة على تجنّب منظومات الدفاع ضد الصّواريخ التي بدأ تعميمها على بعض الدبابات الحديثة.
المرونة التي تتمتّع بها هذه النسخة البرية تشمل منصّات إطلاقها، حيث تحتوي منصة الإطلاق الواحدة 6 أنابيب إطلاق. ويمكن تثبيت هذه المنصّة على أية عربة مدرعة، سواء كانت مجنزرة أو مدولبة.
في ما يتعلق بنظام التوجيه الخاص بهذا النوع من الصواريخ، فهو يتبنى التوجيه الليزري شبه النشط في المرحلة النهائية للتحليق، شأنه في ذلك شأن أغلب الصواريخ الروسية الحديثة المضادة للدروع، مثل "كورنيت"، لكن هذه المنظومة تتميّز بأنها، ونظراً إلى مداها الكبير، تعتمد على إضاءة الأهداف المراد استهدافها، عن طريق مجموعة من الطائرات من دون طيار، توفر لطاقم المنظومة المعلومات المحدثة عن أماكن تواجد الأهداف المعادية. ومن جهة أخرى، تقوم بإضاءة هذه الأهداف بأشعة الليزر، من أجل ضمان إصابة دقيقة لها من جانب الصواريخ التي يتمّ إطلاقها عليها. يضاف إلى ما سبق إمكانية توجيه الصواريخ عبر طرق توجيه أخرى، منها التوجيه الكهروبصري والحراري والراديوي.
يتوقع أن تخضع هذه النسخة للاختبار في الميدان السوري، أسوةً بالنسخة المطلقة من الجو "هيرميس إيه"، التي تم اختبارها في سوريا عن متن المروحيات القتالية البحرية "كا-52 كي"، العاملة على متن حاملة المروحيات الروسية "الأدميرال كوزينتسوف"، خلال عملياتها في سوريا أواخر العام 2016.
الطائرات من دون طيار.. منتجات جديدة مثيرة للاهتمام
شهد معرض هذا العام اهتماماً أكبر بالطائرات من دون طيار وبتسليحها، وخصوصاً الأنواع الهجومية والتكتيكية منها. قدمت شركة "إينكس" الروسية طائرات الاستطلاع الصغيرة من دون طيار "ڤيير"، التي تتميَّز، إضافة إلى حجمها الصغير المماثل للطائرات من دون طيار المستخدمة في الأغراض المدنية، بإمكانية عملها ضمن 3 أطوار، الطور الأول هو طور أوتوماتيكي بالكامل، تنفّذ فيها مهمة محددة المسار مسبقاً، ولا تحتاج خلالها إلى أي توجيه أو تحكّم من المحطة الأرضية، والثاني تنفّذ فيه مهامها عن طريق التحكّم اللحظي بها من المحطة الأرضية، والثالث يجمع بين الطور الأوّل والثاني.
يبلغ المدى الأقصى لهذه الطائرات 10 كيلومترات، وتصل سرعتها إلى 50 كيلومتراً في الساعة، وتستطيع حمل معدات تصل زنتها إلى كيلوغرام واحد، والتحليق بشكل مستمرّ لمدة ساعة كاملة.
من أهم المعروضات خلال معرض هذا العام، النسخة المحدّثة من الطائرة الهجومية من دون طيار "أوريون"، التي تم الإعلان عنها سابقاً خلال معرض "ماكس 2019" للصناعات الجويّة. النسخة التي تم عرضها هذا العام تميَّزت بزيادة حمولتها وتحديث إلكترونيات التّحليق الخاصة بها، والأهم كان عرض مجموعة جديدة من الذخائر الجوية للمرة الأولى، وهو ما يعطي الصناعات الجوية الروسية زخماً إضافياً في السنوات المقبلة، وخصوصاً أنّ ما وفّرته خلال السنوات السابقة من ذخائر جوية كان أقل بكثير في العدد والمستوى مما قدَّمته الصناعات العسكرية الأميركية والصينية والتركية.
هذه الذخائر التي تشترك جميعها في أنَّ زنتها تبلغ 50 كيلوغراماً، مؤهّلة لتدمير الأهداف المعادية على نطاق يصل إلى 30 كيلومتراً، وهي صواريخ "كاب-50"، وقنابل "يو بي أيه بي-50"، و"فاب-50"، يضاف إلى ذلك ذخائر أثقل، منها قنابل "كاب-100" و"فاب-100"، التي تصل زنتها إلى 100 كيلوغرام.
والجدير بالذكر أنّ مجموعة "كرونستادت" المصنّعة لهذا النوع من الطائرة من دون طيار قدّمت في العام 2019 النسخة التصديرية من هذه الطائرة تحت اسم "أوريون - أي"، وهي تستطيع حمل وزن يصل إلى 200 كيلوغرام، بواقع 4 قنابل أو صواريخ جوية يصل وزن كلّ منها إلى 50 كيلوغراماً. تستطيع هذه الطائرة التحليق على ارتفاعات تصل إلى 8 كيلومترات، ويصل مداها الأقصى إلى 250 كيلومتراً، وتستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة يوم كامل.
عرضت الشركة نفسها خلال معرض هذا العام طائرة من دون طيار جديدة كلياً، يتمّ الإعلان عنها للمرّة الأولى، وهي الطائرة "جروم" التي تشبه إلى حد بعيد في تصميمها الطائرة الأميركية "أكس كيو - 85".
تعد هذه الطائرة نقلة كبيرة في صناعات الأنظمة القتالية المسيرة، نظراً إلى مداها الكبير الذي يصل إلى 700 كيلومتر وحمولتها الضخمة من الذخائر، إذ تستطيع حمل حتى 2 طنّ من الحمولة القتالية على ارتفاعات تصل إلى 12 كيلومتراً، وبسرعة قصوى تبلغ 1000 كيلومتر في الساعة.
لم تغب المنظومات المضادة للطائرات من دون طيار عن معرض هذا العام، فقد عرضت مجموعة "روستيخ" منظومة متكاملة ذاتية الحركة لاستهداف كل أنواع الطائرات من دون طيار، وهي منظومة "راهت" التي تضطلع بمهام رصد الطائرات المتسلّلة، ومن ثم التشويش على الاتصالات بينها وبين محطات التحكّم، ثم تدميرها بواسطة أشعة الليزر المشابهة.
تتكوَّن هذه المنظومة من محطة رصد رادارية، ومحطة للرصد اللاسلكي، ومحطة أخرى للتشويش والحرب الإلكترونية، إلى جانب آلية توجيه أشعة الليزر. تستطيع محطة الرادار الملحقة بهذه المنظومة رصد كل أنواع الطائرات من دون طيار في مدى يقترب من 4 كيلومترات، وتستطيع محطة التشويش قطع التواصل بين الطائرات المعادية ومحطات التحكّم بها على بعد كيلومترين ونصف الكيلومتر، ثم يتم التدمير بواسطة أشعة الليزر على مسافة تتراوح بين 1 و2 كيلومتر.
من المنظومات الجديدة المثيرة للاهتمام في معرض هذا العام، منظومة "أباكان" الجديدة المضادّة للصواريخ، من إنتاج العملاق الصناعي العسكري "إلماز – أنتاي". تكمن أهميّة هذه المنظومة المخصّصة لحماية الأهداف الحيويّة في أنَّها ذاتية الحركة، وتحمل على متنها كلّ المعدات اللازمة للتصدي الفعال للصواريخ الباليستية المعادية، إذ تحتوي العربة الحاملة لهذه المنظومة على رادار التوجيه والرصد الخاص بالمنظومة، إلى جانب قاذفين عموديين. ويتمّ التحكّم بكامل المنظومة عن طريق طاقم مكوّن من شخصين فقط.
تستطيع صواريخ هذه المنظومة الجديدة اعتراض الصواريخ الباليستية على مسافة تصل إلى 30 كيلومتراً، وعلى ارتفاعات تصل إلى 25 كيلومتراً، مع إمكانية توجيه صاروخَين باتجاه هدف واحد. وتبلغ المدة اللازمة لتشغيل هذه المنظومة ونشرها قتالياً في الميدان نحو 6 دقائق فقط.