السلاح الروسي في سوريا.. التجربة أهمّ من الابتكار
مثّلت الحرب في سوريا فرصة للجيش الروسي على مستوى القيادات العليا والميدانية لاختبار مدى القدرة المتوفرة على تحسين المستوى العملياتي والتنسيق المشترك بين الأسلحة والقيادات المشتركة.
أعاد حادث استهداف دورية روسية - تركية مشتركة كانت تنفّذ مهامها على طريق "أم 4" جنوب محافظة إدلب السورية، في 16 حزيران/يونيو الماضي، الحديث عن تجربة الأسلحة الروسية في سوريا، ومدى استفادة موسكو من التجربة القتالية على الأرض السورية، في قياس مدى حاجة منظوماتها الدفاعية والهجومية العاملة حالياً إلى التطوير، والقدرات الحقيقية لمنظوماتها الجديدة التي دخلت الخدمة مؤخراً، أو التي يجري إعدادها للدخول إلى الخدمة الفعلية
في ما يلي عرض لأهم التجارب التي تعرضت لها الأسلحة الروسية في سوريا.
عربات "تايجر" و"بي تي أر".. تجربة مهمّة
أداء الآليات الروسية المدرعة خلال معارك سوريا بشكل عام، وتحديداً المعارك في محافظة حلب، والمنطقة الجنوبية في درعا، والمنطقة الشرقية في تدمر ودير الزور، كان جيداً إجمالاً. في حادث إدلب الأخير، تعرضت ناقلة الجند المدرعة "بي تي أر-82 أيه"، وهي الناقلة الأساسية للوحدات الروسية المتمركزة في سوريا، لهجوم مباشر من عربة مفخخة كانت متخفية على الجانب الأيمن للطريق.
ورغم قوة الانفجار، فإنَّ الأضرار التي أصيبت بها المدرعة الروسية كانت غير مؤثرة في حالتها التشغيلية، ناهيك بالإصابات الخفيفة التي تعرض لها طاقمها، بالمقارنة مع ناقلة الجنود المدرعة التركية الصنع "كيربي 2" التي كانت خلفها، ومن المفترض أنها من فئة المدرعات المضادة للألغام الأرضية، المعروفة اختصاراً بـ"مراب".
على امتداد المعارك السورية، لم تتضرر المدرعات الروسية من هذا النوع سوى في مناسبتين، الأولى كانت في شباط/فبراير 2016، قرب قرية الباردة غربي مدينة حمص، والمناسبة الثانية كانت جنوب إدلب مؤخراً.
من العربات الروسية المدرعة التي تعرضت لاختبارات مكثفة خلال معارك سوريا، العربة التكتيكية المدرعة "تايغر-أم"، التي تعد العربة المدرعة القياسية لقوات الشرطة العسكرية الروسية، إلى جانب مشاركتها في مهام الاستطلاع، وحراسة قوافل المساعدات، وغيرها من المهام المساعدة.
وقد فقد الجيش الروسي خلال المعارك عربتين على الأقل من هذا النوع، الأولى تعرضت لأضرار بالغة على طريق خناصر - حلب في آذار/مارس 2017، والأخرى كانت تتبع لإحدى دوريات الشرطة العسكرية الروسية، وأصيبت بلغم أرضي أثناء تحركها قرب عين العرب في محافظة حلب في حزيران/يونيو الماضي.
هذه التجارب التي أظهرت بعض العيوب المتعلقة بتدريع هذه العربة، وضرورة إنتاج نسخ أكثر تسليحاً منها، أثمرت عن تطويرات جديدة على هذا النوع من العربات المدرعة. وقد ظهرت أولى ثمار هذا التطوير خلال منتدى (أرميا 2019)، الذي انعقد في حزيران/يونيو 2019، حيث تم عرض المدرعة المتعددة المهام "تايغر – نيكست".
وفي هذه النسخة، تمت الاستفادة من التجارب الميدانية التي جرت خلال المعارك في سوريا، حيث تمت زيادة تدريع هذه العربة ليصبح من الدرجة الثالثة، بما يسمح لها بتحمل العيارات النارية الخفيفة والمتوسطة، إلى جانب الألغام، حتى زنة 6 كيلوغرام من مادة "تي أن تي".
كذلك، تمت زيادة حمولتها الكلية إلى 1.6 طن ومحرّك ديزل جديد، بما يمكّنها من نقل 6 جنود بكامل عتادهم وتجهيزاتهم.
"البانتسير".. أداء ثابت رغم التحديات المستحدثة
تعدّ منظومات الدفاع الجوي الذاتية الحركة "بانتسير" من أبرز المنظومات التي تم نشرها لحماية أماكن تمركز سلاح الجو الروسي في سوريا، وخصوصاً قاعدة حميميم الجوية، حيث اعتمدت عليها قيادة الجيش الروسي من أجل دعم وحماية منظومات الدفاع الجوي البعيدة المدى "أس-400"، وأيضاً مكافحة نشاط الطائرات المسيرة التي هاجمت مراراً القاعدة. وفي كلّ مرة، أثبتت منظومة "بانتسير" نجاعتها في مواجهة هذه التهديدات.
والجدير بالذكر أن هذه المنظومة يمتلكها أيضاً الجيش السوري، واستخدمها في العام 2012 في إسقاط مقاتلة واحدة على الأقل من نوع "أف-4 فانتوم" تابعة لسلاح الجو التركي.
ورغم الأداء الجيد لهذه المنظومة في سوريا ضد الطائرات المسيرة وطائرات الجناح الثابت، فإنَّ التجربة أثبتت وجود بعض المشاكل المتعلقة باعتراضها للصواريخ المطلقة من الطائرات المقاتلة، وخصوصاً خلال الاشتباك مع الطائرات الإسرائيلية.
نتائج التجربة الروسية في سوريا أثمرت عن تحديث منظومات "بانتسير" جذرياً، ففي منتدى "أرميا 2019"، تم عرض النسخة الأحدث من هذه المنظومة تحت اسم "بانتسير-إس إم"، والتي تم تحديث الرادار الرئيسي الخاص بها، ليصبح ذا مصفوفة مسح إلكتروني نشط، ما يوفر للمنظومة مدى كشف أكبر يصل إلى 75 كيلومتراً بالمقارنة مع النسخ السابقة التي كان مدى الكشف الراداري فيها لا يتعدى 40 كيلومتراً.
في ما يتعلّق بالتسليح، تم تزويد المنظومة بصواريخ ذات سرعة أكبر، تسمح لها بمدى استهداف أكبر يصل إلى 40 كيلومتراً مقارنة بـ20 كيلومتراً في النسخ السابقة. كذلك، تم تحميل المنظومة الجديدة على عربة ثمانية الدفع من إنتاج شركة "كاماز". ويتوقع أن تدخل المنظومة الجديدة إلى الخدمة في الجيش الروسي في العام 2021.
منظومة "بريزيفت" الليزرية.. استخدام ميداني فريد من نوعه
في حزيران/يونيو 2018، تحدثت عدة مواقع عسكرية روسية، من بينها موقع "أفيابرو"، عن إدخال الجيش الروسي منظومة الليزر القتالية "بريزيفت" إلى ميدان العمليات السوري من أجل اختبارها ميدانياً.
وقد ادَّعى الموقع أن هذه المنظومة اشتبكت فعلياً مع طائرات مسيرة إسرائيلية في عدة مناسبات، منها اشتباك حدث في 19 حزيران/ يونيو، تم فيه إسقاط طائرة إسرائيلية مسيرة من نوع "سكاي لارك" في أجواء مدينة الخضر شمالي هضبة الجولان المحتلة. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي حينها أنه يشتبه في استخدام منظومة ليزر قتالية في إسقاط هذه الطائرة.
والجدير بالذكر أنَّ منظومة "بريزيفت" الليزرية تمّ الإعلان عنها لأول مرة في تموز/يوليو 2018، وهي منظومة ذاتية الحركة مضادة للصواريخ تم إدخالها بالفعل ضمن تسليح منظومة الدفاع الجوي الروسية المحيطة في العاصمة موسكو، وهي عبارة عن منصة إطلاق لأشعة الليزر، مثبّتة على متن شاحنات من نوع "كاماز"، وتقوم بمعاونة وحدات للرادار وإدارة النيران برصد واستهداف القذائف المعادية بكل أشكالها، مثل قذائف "المورتر"، وقذائف المدفعية الصاروخية، وصولاً إلى الصواريخ التكتيكية القصيرة والمتوسطة المدى والصواريخ الباليستية والجوالة.
الروبوتات القتالية.. تجربة محدودة لكن مهمة
اختبر الجيش الروسي خلال عملياته في سوريا نوعين من أنواع الروبوتات القتالية، الأول هو الروبوت القتالي المتعدد المهام "أوران-9"، الذي تم نشره بشكل محدود خلال في العام 2018.
وقد تم الإعلان بشكل صريح عن نتائج اختباره في سوريا، وذلك خلال مؤتمر عقدته أكاديمية "كوزنتسوف" البحرية في سانت بطرسبورغ الروسية خلال نيسان/أبريل 2018. وتم تقييم تجربة هذا النوع من الروبوتات بأنَّها حقّقت نجاحاً محدوداً جداً، إذ ظهرت مشاكل في آلية عمل المدفع الرئيسي الخاص بهذا الروبوت، وهو من عيار 30 ملم، وفشل في الاستجابة لأوامر التشغيل عدة مرات، وخصوصاً خلال الحركة.
كما تعرض الاتصال بين وحدة التحكم والروبوت للانقطاع مرات عديدة، وتقلص مدى الاتصال بينهما إلى أقل من نصف كيلومتر، إضافة إلى مشاكل أخرى في أجهزة التهديف والاستشعار، وكذلك تروس نقل الحركة الخاصة بمحرك الروبوت.
تم الكشف لأول مرة عن هذا الروبوت في أيار/مايو 2018 خلال عرض عسكري روسي، وتم تزويده بمدفع أوتوماتيكي من عيار 30 ملم، إلى جانب صواريخ "أتاكا" المضادة للدروع التي يصل مداها إلى 6 كيلومترات، ومدفع رشاش من عيار 7.62 ملم. ويستطيع هذا الروبوت التزود بصواريخ مضادة للطائرات.
النوع الثاني من أنواع الروبوتات القتالية هو كاسحة الألغام "أوران-6"، التي استعانت بها وحدات الهندسة العسكرية الروسية في عمليات نزع الألغام والعبوات المتفجرة في مدن مثل حلب وتدمر.
عربات القتال الثقيلة.. "ترمينيتور" وما بعدها
من ضمن الآليات القتالية التي اختبرها الجيش الروسي في سوريا، كان العربة القتالية الثقيلة "بي أم بي تي تيرميناتور"، على أساس تجربتها في سوريا. وتمّ تطوير عدة عربات قتالية جديدة، منها النسخة الأحدث من عربة القتال الثقيلة "تي 15-أرماتا"، التي تم تزويدها ببرج قتالي يحتوي على مدفع قوي من عيار 57 مللم، إلى جانب صواريخ موجهة مضادة للدروع.
وتزوّدت هذه النسخة بمحرك تبلغ قدرته الإجمالية 1500 حصان، ويتكون طاقمها من 3 أفراد، إلى جانب 9 جنود من الممكن نقلهم، وتصل سرعتها القصوى إلى 70 كيلومتراً في الساعة، ووزنها الكلي يبلغ 48 طناً، ومداها الأقصى 550 كيلومتراً.
سلاح الجو الروسي.. الاستفادة الأكبر من عمليات سوريا
أدخل سلاح الجو الروسي في كانون الأول/ديسمبر 2018 إلى الأجواء السورية مقاتلته الشبحية قيد التطوير "سوخوي 57"، كي يتم اختبارها بشكل عملي في أجواء شبه قتالية، وكان هذا تتويجاً لسنوات من العمليات الجوية الناجحة التي نفذها سلاح الجو الروسي في سوريا منذ نهاية أيلول/سبتمبر 2015 وحتى الآن.
تعود أهمية هذه التجربة إلى حقيقة أنّ آخر تجربة قتالية حقيقية للطيارين الروس، كانت خلال النزاع بين جورجيا وأوسيتيا الجنوبية في العام 2008. ومنذ ذلك التاريخ وحتى أواخر العام 2005، لم يدخل سلاح الجو الروسي في أية عمليات جوية حقيقية.
ظهرت أهمية التجربة الروسية في سوريا من خلال تصريحات وزير الدفاع سيرجي شويغو، الذي قال إن 90 في المائة من ضباط وأفراد القوات الجوية الروسية، بما في ذلك قادة وفنيّو القاذفات والطائرات المقاتلة والقاذفات البعيدة المدى وطائرات النقل، نفذوا عمليات قتالية في الأجواء السورية، وبعض الطيارين قاموا بأكثر من 200 طلعة قتالية، وهو ما يعني عملياً تمكّنهم من اختبار مناورات جوية مختلقة وتكتيكات هجومية متنوعة، وخصوصاً أن سلاح الجو الروسي استخدم كل أنواع الطائرات المقاتلة والقاذفة المتوفرة لديه، بما فيها قاذفات "سوخوي-24" و"سوخوي-25"، ومقاتلات "سوخوي-3" و"سوخوي-35"، والقاذفات الاستراتيجية "تي يو-160" و"تي يو-95"، وحتى المقاتلات البحرية "ميج-29كي" العاملة على متن حاملة المروحيات "كوزنيتسوف".
الطيارون الروس مروا في فترات عديدة من المعارك السورية بضغوط ميدانية كبيرة. مثلاً، خلال شهر آب/أغسطس 2016، نفّذ سلاح الجو الروسي ما متوسّطه 70 طلعة جوية يومية ضد أهداف للمسلحين في محافظة حلب.
آخر ما تم اختباره من منظومات جديدة في سوريا، كان دبابات "تي-14 أرماتا" الروسية الجديدة ومنظومة "راتينك" الفردية القتالية. ففي أيار/مايو 2017، صرح نائب وزير الدفاع الروسي، يوري بوريسوف، أن روسيا اختبرت منظومة "راتينك" الفردية القتالية في سوريا، وهي منظومة تتكون من معدات الحماية والاتصالات والأسلحة والذخيرة، يتزود بها جنود المشاة، وتوفر لهم معلومات محدثة عن الوضع المحيط بهم في ميدان القتال، كما توفر لهم بقاء أفضل في الظروف القتالية المستمرة، إلى جانب معدات متقدمة للإعاشة والمبيت.
وفي ما يتعلق بدبابة "تي-14 أرماتا"، صرح وزير الصناعة والتجارة الروسي، دينيس مانتوروف، في نيسان/أبريل 2020، أن الجيش الروسي قام باختبار ميداني لدبابات "أرماتا" في سوريا.
دروس حرب سوريا.. قيمة التجربة الميدانية تظهر!
كانت الحرب في سوريا فرصة جيدة للجيش الروسي، على مستوى القيادات العليا والميدانية على حد سواء، لاختبار مدى القدرة المتوفرة على تحسين المستوى العملياتي، والتنسيق المشترك بين الأسلحة والقيادات المشتركة، وتمكين آلاف الضباط من اكتساب الخبرات القتالية اللازمة، وكذا إعطاء الصناعة العسكرية الروسية فرصة توسيع مبيعاتها من الأسلحة على المستوى الدولي، وتحديد أولويات تحديث الأسلحة والمنظومات الحالية في المستقبل القريب، وخصوصاً أن وزير الدفاع الروسي أقرّ أواخر العام الماضي بأن روسيا قامت بتحديث ما يقارب 300 نوع من أنواع المنظومات القتالية والدفاعية في ضوء نتائج وخبرات المعارك في سوريا.
أعطت المعارك الميدانية للقيادة العسكرية الروسية فرصة تطبيق أساليب عسكرية لم يتم تطبيقها من جانب روسيا سابقاً، ففي حرب أفغانستان، اعتمد الجيش الروسي على الكثافة العددية والقوة المدرعة بشكل أساسي، لكن في الحرب السورية، تم اعتماد العمليات الجوية، بالتنسيق مع وحدات المشاة الخفيفة الحركة ووحدات الجيش السوري والوحدات الحليفة المختلفة، إلى جانب عمليات الاستطلاع المتعددة، من أجل تنفيذ هجمات محدودة المدة والنطاق، بكثافة تضمن في كل مرة تحقيق نتائج سريعة وشاملة.