مواجهة "أوباما كير".. معاناة جديدة لترامب

يواصل الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب محاولاته للقضاء على مشروع "أوباما كير"، لكنَّه يواجه دون ذلك عقبات كثيرة، أبرزها الشعبية المتزايدة التي يحظى بها المشروع بين الديموقراطيين والمتأرجحين، وحتى بين الجمهوريين أنفسهم، وخصوصاً مع تفشّي جائحة "كوفيد 19".

  • مواجهة
    ترامب: القانون يمكن استبداله بخيار أفضل

بعد سنوات عديدة من نهاية ولاية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، يعود مشروعه الشهير للرعاية الصحية "أوباما كير" إلى واجهة النقاش السياسي والاجتماعي في الولايات المتحدة. وفي هذه المرة أيضاً يلعب هذا المشروع دوراً مهماً في المعركة بين الحزبين لإيصال رئيس للبلاد في الانتخابات المقبلة. 

وقد انضم إلى البرنامج الذي صدر بقانون يتيح للمواطنين الانضمام إليه بصورةٍ طوعية، والذي لطالما حاربه الجمهوريون، وهاجمه الرئيس الحالي دونالد ترامب بشكلٍ متكرر، ملايين المواطنين الأميركيين، على الرغم من محاولة الإدارة الجمهورية عدم تشجيعهم على اعتماده كسياسةٍ عامة للتأمين الصحي في البلاد، الأمر الذي زاد من جاذبيته بين عموم المواطنين، حتى بين الجمهوريين، إلى حدٍ بات يشكل خطراً على فرص المرشح الجمهوري للرئاسة. وقد استفاد داعمو البرنامج من انتشار فايروس "كوفيد 19" ليدللوا على أهمية مزاياه غير المكلفة نسبياً.

ومرة أخرى، يقوم ترامب بمحاولاتٍ حثيثة مع النواب الجمهوريين في الكونغرس للتخلّص من برنامج "أوباما كير"، قبل أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، بينما يعيش الناخبون ظروفاً يوميّة تبرز نقاط ضعف الرّعاية الصحّية الخاصّة بهم، وخصوصاً مع انتشار فيروس "كوفيد 19" في البلاد.

وتسعى مذكّرة قانونيَّة قدّمتها إدارة ترامب في 24 حزيران/يونيو إلى إبطال قانون الرعاية الصحية الذي يتميّز وينال تأييداً واسعاً بسبب كلفته المعقولة مقارنة بنظام التأمين الصحي الخاص المعتمد حالياً في الولايات المتحدة، والذي يشكل أيضاً حماية للمرضى الذين يعانون من ظروف صحّية سابقة لدخولهم في البرنامج (في العادة لا تقبل شركات التأمين إشراك مرضى لديهم مشكلات صحية سابقة لدخولهم برامجها الصحية)، ما يؤكّد مدى رهان حملة ترامب على تحفيز مؤيّديه، بدلاً من التواصل مع الناخبين المتردّدين الّذين قد يحسمون نتيجة الانتخابات الرئاسية.

في الأسبوع الَّذي سبق ذلك، خرج ترامب بموقف معاكس عبر موقع "تويتر"، قائلاً إنه سيحمي "دائماً، دائماً، دائماً" الأشخاص الذين يعانون حالات صحّية موجودة مسبقاً، وقال أيضاً إنَّ القانون يمكن استبداله بخيار أفضل، على الرغم من أنَّ البيت الأبيض والمشرّعين الجمهوريين ليست لديهم خطّة مفصّلة.

ورقة ديموقراطية رابحة ومجرّبة

استغلَّ الديموقراطيون قضيّة الرعاية الصحّية في انتخابات منتصف المدة للعام 2018، لاستعادة السّيطرة على مجلس النواب، وهم يخطّطون للقيام بذلك مرة أخرى في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، عندما يكون المكتب البيضاوي وغرفتا الكونغرس هما الهدف. 

لقد استغلّوا ضعف أداء الإدارة، وسعيها أمام المحكمة العليا لدعم دعوى إبطال القانون، وربطوا ذلك بانتشار جائحة الفيروس التاجي الَّتي أدت إلى أكثر من 120.000 حالة وفاة في الولايات المتّحدة حتى الآن.

نائب الرئيس السّابق جو بايدن والمرشّح الرئاسي المنافس لترامب حالياً كان عنيفاً في ردّه على ترامب، في الخطاب الَّذي ألقاه في مدينة لانكاستر في بنسلفانيا، إذ وصف حملة الأخير على قانون الرعاية الصحّية بـ"الحملة الصّليبية"، قائلاً: "إذا لم ينهِ دونالد ترامب حملته الصَّليبية التي لا معنى لها ضدّ التغطية الصحّية، فأنا أتطلّع إلى إنهائها من أجله".

وقد ألقى انتشار جائحة الفيروس التاجي وموجة فقدان الوظائف التي نتجت منه المزيد من الاهتمام على هشاشة التأمين المقدّم من أصحاب العمل، وعلى أهمية الوصول إلى الرعاية الصحية التي تضمنها الدولة، فخلال شهر أيار/مايو، التحق ما يقارب نصف مليون شخص ببرنامج "أوباما كير" بعد نهاية فترة الاشتراك السنوية، لأنهم فقدوا تأمينهم السابق، وهي قفزة بنسبة 46% عن العام الماضي.

أما إدارة ترامب، فقد قدَّمت مذكّرتها القانونية هذه إلى المحكمة العليا، صاحبة الصلاحية في إبطال القوانين - والتي رفعتها مجموعة من المدّعين العامين الجمهوريين - تماماً كما أثارت حالات الإصابة بالفيروس التاجي المتزايدة في المزيد من الولايات مخاوف جديدة من أن يخرج الوباء عن نطاق السّيطرة مرة أخرى. ومن المقرّر أن تستمع المحكمة إلى النقاش حول القضيّة في وقت قريب من انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، ما يعني أنّ هذا النقاش سيستحوذ على اهتمام الأمة، بينما يستعدّ الناخبون للإدلاء بأصواتهم.

لقد جرت هذه الخطوة الجمهورية حول الرعاية الصحية في ظل تراجع ترامب أمام منافسه بايدن الذي يتفوَّق عليه في الولايات الجمهورية الموثوقة عادةً في تكساس وجورجيا، ويحقّق أرقاماً كبيرة في ساحات النزال الرئيسية في ويسكونسن وميشيغن وبنسلفانيا وفلوريدا. ويتخلّف الرئيس الحالي عن بايدن بنسبة 9.5 نقاط مئوية وفق ​​استطلاعات الرأي الوطنية التي جمعتها مؤسَّسة "ريل كلير بوليتيكس".

السّيطرة الجمهوريّة على مجلس الشيوخ مهدّدة أيضاً

من ناحية ثانية، تشهد البلاد أكبر موجة من فقدان الوظائف منذ الكساد العظيم. هذه الموجة تهدّد كلّ التراكمات الاقتصادية التي حقّقها ترامب وتباهى بها خلال سنواته الأربع الماضية في البيت الأبيض، حيث بات قسم متزايد من الأميركيين يعتقدون أنه أساء إدارة جائحة فيروس كورونا، وهو ما أيّده 61% من الناخبين المتأرجحين في استطلاع أجرته مؤسسة "كايسر فاوندايشن" في أيار/مايو الفائت.

كما أنّ السّيطرة الجمهوريّة على مجلس الشيوخ باتت معرضة للخطر، حيث من المرجّح أن يحافظ الديموقراطيون على أغلبيتهم في مجلس النواب، على الرغم من أنه ستكون أمامهم مهمة الدفاع عن 30 مقعداً في المناطق التي فاز بها ترامب قبل 4 سنوات.

وبالعودة إلى التركيز على المذكّرة القانونية الجمهورية ضد مشروع الرعاية الصحيّة، فإنّ مواقف ترامب الأخيرة على موقع "تويتر" تماثل طريقته الدائمة في ادعاء البطولة مراراً وتكراراً، من ذلك أنه منع المرضى الَّذين سبقت إصابتهم بالأمراض عملية انضمامهم لبرنامج التأمين من دفع تكاليف أعلى، لكنه، وفي الموضوع نفسه، قال عكس ذلك في مدينة "فينيكس" التي شهدت لقاءً سياسياً له بعد ذلك، إذ تعهَّد بـ "حماية الأشخاص الذين يعانون من أمراض قبل انضمامهم للبرنامج".

 ومنذ بدء حملته للحفاظ على منصب الرئاسة، وعد ترامب باستبدال "أوباما كير" بشيء أفضل، لكنّ البيت الأبيض لم يقدم بعد خطّة مفصّلة لبديل حقيقي.

المتحدث باسم ترامب، جود دير، قال: "إن الوباء العالمي لا يغيّر ما يعرفه الأميركيون: لقد كان "أوباما كير" فشلاً غير قانوني، ويوضح أيضاً الحاجة إلى التركيز على رعاية المرضى". وفي المقابل، رأى المحامي العام نويل فرانسيسكو أنه نظراً إلى أن الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون ألغى البنود الضريبية من برنامج "أوباما كير"، فإنّ بنوداً أخرى من القانون، بما فيها تلك التي تنال تأييداً شعبياً، كحماية أولئك الذين لديهم ظروفاً صحية سبقت انضمامهم للبرنامج، "يجب أن تسقط أيضاً".

تظهر الاستطلاعات باستمرار أنّ موضوع الرعاية الصحية في أعلى قمة القضايا المهمة للناخبين، لكن ترامب حصل باستمرار على درجات منخفضة من تأييد الجمهور بسبب تعامله مع هذا الموضوع. ففي استطلاع أجرته شبكة "فوكس نيوز" يومي 13 و16 حزيران/يونيو، قال 39% إنهم يؤيّدون الطريقة التي يتعامل بها الرئيس مع الرعاية الصحية، بما يتماشى مع الإجابات على السؤال في الاستطلاع على مدى السَّنوات الثلاث الماضية، ومع استطلاعات الرأي الأخيرة الأخرى.

ورغم ذلك، كما هو الحال مع العديد من القضايا، هناك انقسام حزبيّ واضح، فلا يزال ثلاثة أرباع الجمهوريين يعارضون "أوباما كير"، حتى مع تأرجح الناخبين - أولئك الذين لم يقرروا بالفعل تصويتهم الرئاسي بعد - فإن من يدعمون خطّة التأمين الصحّي هذه نسبتهم 58%، في مقابل 34% يعارضونها، وفقاً لاستطلاع "كايزر".

لقد أصبح قانون الرعاية الصحية هذا أكثر شعبية مما كان عليه عندما أعلن لأول مرة قبل عقد من الزمن نظراً لكلفته المنخفضة، ولم يقترح الجمهوريون حتى الآن بديلاً يضمن الحماية نفسها للأشخاص الذين يعانون من أمراض سابقة لحصولهم على التأمين.

جمهوريون متأرجحون

لقد بقي الجمهوريون في موقف الدّفاع أمام شعبية هذا الملفّ طوال السنوات الماضية، وخصوصاً أنهم لم يقدموا بديلاً يضاهيه شعبيةً، حتى إنَّ أعضاء في مجلس الشيوخ بدَّلوا مواقفهم، واقتربوا من الموقف الديموقراطي على خلفية برنامج التأمين الصحّي، فقد تعرَّضت السيناتورة سوزان كولينز من ولاية ماين لانتقادات من الديموقراطيين، بسبب تصويت سابق مرتبط بهذه القضية. 

أما اليوم أيضاً، فهي تخرج في موقف صريحٍ يبرز معارضتها للدعوى القضائيّة لإبطال القانون. وقد أصدرت بياناً شديد اللهجة ينتقد المذكّرة الجديدة لإدارة ترامب حول القانون ومضمونه، إذ قالت: "إنَّ قرار الإدارة بتقديم هذه المذكّرة الجديدة يعبّر عن السّياسة الخاطئة في أسوأ وقت ممكن، لأنَّ أمّتنا في خضمّ جائحة". وأضافت: "لا يزال قانون الرعاية بأسعار معقولة هو قانون الأرض، ومن واجب وزارة العدل الدّفاع عنه".

أمّا السيناتورة مارثا مكسالي من ولاية أريزونا، التي تمّ تعيينها في مقعدها الحالي، وسوف تواجه الناخبين مرة أخرى في تشرين الثاني/نوفمبر، فلديها إعلان تلفزيوني يعد بحماية الأشخاص الذين يعانون من أمراض مسبقة. وقد خسرت سباقها ضد الديموقراطية كيرستين سنيما قبل عامين، بعد أن صوّتت لصالح مشروع قانون جمهوري في مجلس النواب قوَّض تلك الحماية.

وبالمثل، اقترح توم تيليس من ولاية كارولينا الشمالية تشريعاً يهدف إلى حماية أصحاب الأمراض المسبقة (السابقة لدخولهم برنامج الرعاية الصحية) إذا ألغت المحكمة قانون مكافحة الفساد، ولكن لا يوجد مشروع قانون من الحزب الجمهوريّ يمكن أن يؤمن بشكلٍ كامل المزايا التي يؤمّنها برنامج "أوباما كير"، وخصوصاً من ناحية مساعدة الأشخاص الذين يعانون من ظروف موجودة مسبقاً، مثل التغطية المضمونة للعقاقير الطبية، والبقاء في المستشفى، والأمومة، وأمور أخرى.

هؤلاء الجمهوريون الثلاثة يعتبرون ضعيفين أمام تحدي الديموقراطيين في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر. السيناتور عن ولاية فرجينيا الغربية، جو مانشين، يُرجع الفضل لبرنامج  "أوباما كير" في مساعدته على إعادة انتخابه في العام 2018، حيث دعم البرنامج، باعتباره ديموقراطياً في الولاية التي حصل فيها ترامب على 68% من الأصوات قبل عامين. لقد استخدم مانشين شعار "أصلحه، لا تنهه" في حملته الإعلامية، لينتقد نسخة من الدعوى ضد "أوباما كير"، والتي دعمها خصمه من الحزب الجمهوري.

مانشين، الذي حذَّر ترامب شخصياً من أنَّ الإلغاء لن يحظى بشعبية، عارض الجهود الأخيرة لإبطال القانون بسبب انتشار وباء "كوفيد 19". لقد ذكّر في بيانٍ في 26 حزيران/يونيو بقوله مراراً وتكراراً: "أوباما كير ليس مثالياً، ولكننا ببساطة لا يمكننا رمي الطفل خارجاً مبللاً بماء الاستحمام، وخصوصاً خلال أزمة صحّية عالمية قتلت بالفعل 92 من سكّان فيرجينيا الغربية، وأكثر من 120.000 أميركيّ".

الآن، تتركّز المعركة القانونيَّة على بند في القانون يُعرف باسم التفويض الفرديّ، والذي كان يتطلَّب في الأصل من الناس الحصول على تأمين صحّي أو دفع عقوبة ضريبيّة. أيَّدت المحكمة العليا هذا الحكم في العام 2012، إذ وصفه رئيس القضاة جون روبرتس بأنه استخدام مشروع لقوة الضرائب في الكونغرس. 

وانضمّ الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون في وقت لاحق إلى ترامب لإلغاء العقوبة الضريبيَّة، في الوقت الذي لا يزال فيه جميع القضاة الخمسة (في المحكمة العليا) الّذين صوّتوا لدعم "أوباما كير" في العام 2012 (روبرتس، والقضاة روث بدر جينسبيرغ، وستيفن براير، وسونيا سوتومايور، وإلينا كاجان) في المحكمة حتى الآن.

في المحصّلة، يبدو أنَّ مشروع "أوباما كير" الَّذي أطلقه الرئيس السابق باراك أوباما لا يزال يؤرّق المرشّحين الجمهوريين بعد ما يقارب عقداً من الزمن على إطلاقه. لقد اعتبر هذا المشروع جوهرة فترتي حكم أوباما، وتحولاً في السياسات الرعائية للدولة لم ينسها الأميركيون بعد، الأمر الذي يشكّل عبئاً على ملفّ ترشيح ترامب لولاية جديدة، كما سيشكل تنفيذ مضامينه الرعائية عبئاً على الرئيس المقبل، كائناً من كان.