طهران على أعتاب رفع حظر السلاح... والصين تنتظر
في حال رفع العقوبات التسليحية عن طهران، ستتوفر لبكين فرصة كبيرة لإنعاش اقتصادها وتعزيز علاقاتها مع طهران، عبر توقيع صفقات أسلحة وذخائر ومنظومات دفاعية وهجومية.
على الرغم من أن طهران تعاملت على مدار العقود السابقة مع العقوبات الدولية بمختلف أنواعها، وخصوصاً العقوبات الخاصة بالسلاح، بمنطق يركّز على دعم الصناعات العسكرية المحلية، كأسلوب أساسي وأوحد لمحاصرة الآثار السلبية التي ترتّبت على فرض هذه العقوبات، فقد عاد الجدل مرة أخرى حول طبيعة هذه العقوبات وإمكانية تجديدها أو رفعها، بعد أن بدأت الولايات المتحدة بتحركات سياسية ودبلوماسية حثيثة، من أجل تجديد العقوبات العسكرية التي تم فرضها على إيران منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
تريد الولايات المتحدة في هذه المرحلة تفادي احتمال إلغاء بعض العقوبات العسكرية المفروضة على طهران، بعد أن قاربت مهلة السنوات الخمس التالية لتاريخ توقيع الاتفاق النووي على الانتهاء، وذلك خلال الأشهر الستة المقبلة، وهي المدة التي يتوجب خلالها، بحسب ما ورد في بنود الاتفاق النووي، رفع القيود المفروضة على استيراد إيران للأسلحة التقليدية.
هذا التوجّه من جانب واشنطن أصبح أكثر وضوحاً بعد التصريحات الأخيرة لوزير خارجيتها مايك بومبيو، والتي أفاد فيها بشكل واضح عن نية بلاده عدم السماح لإيران باستيراد أية منظومات تسليحية عندما يحين موعد رفع العقوبات العسكرية عنها، وعن بدء الولايات المتحدة بتحركات دبلوماسية في الأمم المتحدة لتمديد العقوبات العسكرية على طهران.
من جانبها، تركز طهران في الوقت الحالي على دفع صناعاتها الحربية إلى مستويات جديدة، وخصوصاً في مجال القوات البحرية الذي شهد نقلات نوعية منذ أوائل العام الجاري، بالتوازي مع فتحها قنوات اتصال وتفاوض مع عدة دول، وعلى رأسها الصين، من أجل استطلاع ما يمكن أن تقدمه هذه الدول من أسلحة تقليدية لطهران في حالة حدوث مفاجآت في الربع ساعة الأخيرة قبل تشرين الأول/أكتوبر المقبل، وهو الموعد المقرر لبدء التخفيف التدريجي للعقوبات العسكرية المفروضة على إيران.
البحرية الإيرانية.. نقلة نوعية ومستويات جديدة
باتت مؤشرات عديدة تؤكد أن اهتمام الصناعات الحربية الإيرانية أصبح يتركَّز أكثر في المرحلة الحالية والمستقبلية على القوات البحرية، وذلك بعد تزايد أهمية إدامة تواجد بحري فعال وحيوي للبحرية الإيرانية في منطقة الخليج، والاستفادة من حاجز الردع الذي تمت تقويته على مدار السنوات الأخيرة، وكانت آخر ملامحه المواجهة البحرية التي تمت بين 11 زورق دورية سريعاً تابعاً للبحرية الإيرانية، و5 بوارج بحرية أميركية في الخليج مؤخراً.
قائد القوات البحرية في الحرس الثوري، الأدميرال علي رضا تنكسيري، صرح الشهر الماضي عدة تصريحات مهمة حول التطورات الحالية والمستقبلية المتعلقة بتسليح البحرية الإيرانية. وقد تضمنت هذه التصريحات إشارة إلى بدء الصناعات البحرية الإيرانية بتصنيع عدة قطع بحرية جديدة، منها سفينة إنزال بحري حاملة للمروحيات.
وقد أكد هذا التصريح رئيس منظمة الصناعات البحرية في وزارة الدفاع الإيرانية، الأدميرال أمير راستيجاري، الذي قال إن القطع الجديدة تشمل تصنيع غواصات ثقيلة تتراوح إزاحتها بين 2000 و3000 طن، وذلك اعتماداً على الخبرة الإيرانية في مجال تصنيع الغواصات، والتي تعد غواصات "فاتح" أبرز إنجازاتها، إذ تصل إزاحة هذه الفئة من الغواصات إلى 527 طناً.
A new Ghadir Class Submarine upgraded and delivered to the Iranian Navy. During its modernization period, it has been fitted with brushless DC motor and upgraded to fire anti-surface/cruise missiles while submerged.
— Naval News (@navalnewsnet) April 10, 2020
The video shows the trials of the first upgraded boat. pic.twitter.com/jtyzjwJaY9
والجدير بالذكر أنه تم خلال الشهر الماضي الانتهاء من تحديث أول غواصة خفيفة محلية الصنع من فئة "غدير"، التي تمتلك منها البحرية الإيرانية نحو 23 غواصة، وتبلغ إزاحة كل منها 120 طناً. وشمل التحديث تزويد الغواصة بمحرك جديد، إلى جانب القدرة على إطلاق صواريخ الكروز.
الأدميرال راستيجاري أفاد في تصريحاته أيضاً باقتراب موعد البدء بتصنيع أول مدمرة ثقيلة في سلاح البحرية الإيراني، من المتوقع أن تبلغ إزاحتها ما بين 6000 و6500 طن، وذلك ضمن برنامج تصنيع المدمرات الطموح، المسمى "هرمز – لوغمان"، الذي يتضمن تصنيع 3 نماذج من المدمرات، تتراوح إزاحتها الكلية بين 2500 و6500 طن، من بينها نموذج يُسمى "سافينا"، تم الإعلان عنه للمرة الأولى أواخر العام الماضي، تصل إزاحته الكلية إلى 3000 طن، ويتسلَّح بثماني خلايا إطلاق أفقية، و96 خلية إطلاق عمودية، تستطيع إطلاق طائفة كبيرة من الصواريخ، منها صواريخ الدفاع الجوي "صياد" و"بافار 373"، وصواريخ "نور" و"ياخونت" المضادة للسفن، وصواريخ "سومار موبين" و"يا علي" الجوالة، إلى جانب إمكانية تزويد المدمرة الجديدة بطائرتي هليكوبتر أو طائرتين مسيّرتين، إحداهما هجومية والأخرى استطلاعية ذات إقلاع عمودي.
قلق واشنطن من الصّواريخ
شهد الشهر الماضي أيضاً حدثاً مهماً على المستوى العسكري والفضائي، وهو نجاح إطلاق إيران قمرها الصناعي العسكري الأول "نور-1"، بواسطة الصاروخ الباليستي ثلاثي المراحل "قاصد"، الذي نجح في إيصال القمر إلى مداره المحدد الذي يبعد 425 كيلومتراً عن سطح الأرض. هذا النجاح جاء بعد محاولة أولى فاشلة لإطلاق قمر مماثل تمت في شباط/فبراير الماضي.
على الرغم من التشكيك اللحظي من جانب الولايات المتحدة الأميركية في نجاح عملية الإطلاق، وكذا عملية دخول القمر الصناعي في مداره المحدد، وبدء إرسال الإشارات والبيانات منه، فقد تم تأكيد نجاح هذه العملية بشكل تام، وهو ما عزّز مخاوف واشنطن التي بدأت بالتزايد منذ العام 2018، خشية مساهمة هذا التطور المتسارع في الصواريخ الإيرانية الحاملة للأقمار الصناعية في دعم قدرات طهران الصاروخية الباليستية، وتشكيل غطاء يتم من خلاله المضي قدماً بخطوات أكبر في مجال تطوير الصواريخ العابرة للقارات.
هذه النظرة عكستها تصريحات أدلى بها الشهر الماضي وزير الخارجية الأميركي، الذي قال "إن التقنيات المستخدمة لإطلاق الأقمار الصناعية متطابقة تقريباً وقابلة للتبادل مع تلك المستخدمة في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات".
والجدير بالذكر هنا، أن عملية الإطلاق الناجحة تزامنت مع إعلان وسائل الإعلام الإيرانية عن عمليات تطوير جارية على نوعين جديدين من أنواع الصواريخ الفضائية والحاملة للأقمار الصناعية، الأول هو الصاروخ الفضائي "سرير"، الذي يبلغ قطره نحو 3 أمتار، والثاني هو الصاروخ الحامل للأقمار الصناعية "سوروش"، الذي يبلغ قطره 4 أمتار، وذلك تمهيداً لإخراج الصاروخ الفضائي الأساسي في الترسانة الإيرانية، وهو الصاروخ "سفير"، من الخدمة.
طائرة "فطرس" تقترب
أواخر الشهر الماضي، صرح قائد وحدة الطائرات المسيّرة في قوات الحرس الثوري البرية، العقيد أكبر كاريملو، أن وحدته ستتلقى قريباً أول طائرة مسيرة بعيدة المدى من نوع "فطرس"، وهي طائرة تم الكشف عنها لأول مرة أواخر العام 2013، وشابت عمليات إدخالها إلى الإنتاج الكمي بعض التعقيدات التي يبدو أنه تم حلها مؤخراً. وسينضم هذا النوع إلى طائرات "مهاجر 6" المسيرة التي تخدم بالفعل في الحرس الثوري.
Screens of testing new Iranian ATGM from armed variant of the Ababil-3 UAV pic.twitter.com/pEgArcxV98
— Yuri Lyamin (@imp_navigator) April 19, 2020
يبلغ طول طائرة "فطرس" نحو 9 أمتار، ويصل مداها الأقصى إلى 2000 كيلومتر، وتستطيع الطيران على ارتفاعات تصل إلى 7 كيلومتر، والطيران بشكل متواصل لمدة 30 ساعة.
وإضافة إلى أجهزة الاستشعار والرصد الكهروبصرية والحرارية، تتسلّح هذه الطائرة بأربعة صواريخ من نوع جديد تم اختباره أيضاً الشهر الماضي على متن طائرة "مهاجر 6"، وهو صاروخ مضاد للدروع، مشتق من صواريخ "سبايك - أل أر" التي تصنعها "إسرائيل"، والتي حصلت طهران على نسخ منها، وصادرها سابقاً حزب الله خلال معارك في العام 2006 في لبنان.
إضافة إلى ما سبق، شهد الشهر الماضي أيضاً الإعلان عن منظومتي رادار جديدتين، الأولى هي منظومة "خليج فارس"، وهي منظومة رادار استراتيجية ثلاثية الأبعاد، تمتلك القدرة على رصد كل الأهداف الجوية، بما فيها ذات الخصائص الشبحية، من مسافات تصل إلى 800 كيلومتر.
المنظومة الثانية هي "مراقب"، ثلاثية الأبعاد، ويصل مداها إلى 400 كيلومتر، وتتخصص في رصد الأهداف ذات المقطع الراداري الضئيل، مثل الطائرات الشبحية والطائرات المسيرة.
بكين وطهران.. احتمالات التعاون تتزايد
كانت الصين من أكبر موردي الأسلحة إلى طهران خلال حقبة ثمانينيات القرن الماضي، إذ صدّرت إليها الدبابات والطائرات المقاتلة وناقلات الجند المدرعة وصواريخ البحرية والدفاع الجوي، لكن هذا التعاون تقلص في الحقب اللاحقة، إلى أن قام رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ في كانون الثاني/يناير 2016، بزيارة إيران والتوقيع على اتفاقية شراكة شاملة معها، تضمنت تطوير التعاون العسكري بين البلدين في مجالات عديدة.
وبالفعل، شهدت الفترة ما بين الأعوام 2014 و2019، نحو 14 مناورة وتدريباً عسكرياً مشتركاً بين جيشي البلدين، كان آخرها التدريب البحري المشترك بين البلدين والبحرية الروسية في خليج عمان أواخر العام 2019.
وفي حال رفع العقوبات التسليحية عن طهران، ستتوفر لبكين فرصة كبيرة لإنعاش اقتصادها وتعزيز علاقاتها مع طهران، عبر توقيع العديد من صفقات الأسلحة والذخائر والمنظومات الدفاعية والهجومية، وذلك على الرغم من الاعتماد الإيراني شبه الكامل على التصنيع المحلي للإيفاء باحتياجاتها العسكرية.
تمتلك الصين بعض المنتجات العسكرية التي قد تثير اهتمام طهران، وعلى رأسها المقاتلة "جي 10-سي"، وسفن الهجوم السريع "تايب-02"، والغواصات من فئة "يوان"، والصواريخ المضادة للطائرات "واي جا-22"، ومنظومات الدفاع الجوي "أتش كيو-10".
وفي العام الماضي، زار قائد القوات الجوية الإيرانية، العميد حسن شاه، عدداً من مصانع الطائرات والقواعد الجوية الصينية، وأبدى اهتماماً كبيراً بمقاتلات "جي-10".
المضمار الأهم للتعاون المحتمل بين الجانبين سيكون في مجال الطائرات المسيرة، فقد تبوأت بكين خلال السنوات الماضية مكانة كبيرة في هذا المجال، وخصوصاً في صناعة الطائرات المسيرة الهجومية.
فعلياً، بدأ التعاون في هذا المجال بين البلدين، ففي تشرين الأول/أكتوبر 2015، وقّعت شركة الدفاع الإلكتروني الإيرانية عقوداً مع عدد من الشركات الصينية تسمح لها باعتماد نظام "بايدو-2" للملاحة بالأقمار الصناعية للأغراض العسكرية، وهو نظام أكثر دقةً من نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي أس"، وهو ما سينعكس إيجاباً على قدرات رسم الخرائط والبحث والتهديف التي ستتمتع بها الطائرات المسيرة الإيرانية الصنع.