ليبيا.. هل تدخل معركة طرابلس منعطفها الأخير؟
الأكيد أن الملف الليبي في مثل هذه الظروف لن ينتهي إلا بنصرٍ ميداني حاسم ونهائي للطرف الذي يتمكّن من إدارة المُقامَرة الحالية في شرق المتوسّط بذهنية لاعب الشطرنج المُحتَرِف.
بدأت منذ أيام المرحلة الثالثة من عمليات قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المُشير خليفة حفتر بهدف السيطرة على العاصمة طرابلس، في ظلّ مشهد إقليمي ودولي مُتوتّر، بات الميدان الليبي فيه من أهم الميادين الأساسية للصراع القائم حالياً بين المحاور الإقليمية وبين الدول الكبرى.
السبب الرئيس في حيازة المرحلة الثالثة من العمليات لأهمية خاصة، أنها تُعدّ ضمن ردود محور طبرق- القاهرة- أبو ظبي، على توقيع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق في طرابلس فايز السراج، لمُذكّرتي تفاهم حول الأمن والحدود البحرية مع الحكومة التركية أواخر الشهر الماضي، في سياق الخطّة التركية لمحاولة تحصيل ما يمكن تحصيله بعد أن وجدت نفسها معزولة تماماً من جانب القوى الأساسية في شرق المتوسّط.
ولعلّ الطلب الرسمي من جانب حكومة الوفاق بنشر وحدات عسكرية تركية على الأراضي الليبية هو فاتِحة الفصل الأخير والحاسِم في معركة طرابلس. ولا ننسى هنا أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة الأميركية تنظران حالياً إلى الملف الليبي نظرة مُغايرة، يحاول فيها كل منهما تثبيت تموضعاته الحالية فيه.
الأطراف الدولية تستعدّ للتصعيد
بحُكم الأمر الواقِع أصبح الملف الليبي مُرتبطاً بشكلٍ وثيقٍ بملف شرق المتوسّط. مواقف القوى الاقليمية ستنعكس بشكل مباشر على كلا الملفين في ضوء الخطوة التركية التصعيدية.
مصر من جهتها بدأت منذ لحظة الإعلان عن مذكّرتي التفاهُم بين إردوغان والسراج، في تحرّكات مُتعدّدة الاتجاهات للتواصُل مع فرنسا وإيطاليا اللتين وإن كانتا على خلاف جذري في ما يتعلّق بالميدان الليبي، إلا أن مواقفهما شبه مُتطابقة في ما يتعلّق بملف شرق المتوسّط، وتضرّر المصالح اليونانية ومصالح الاتحاد الأوروبي من المحاولات التركية تصعيد الموقف شرق المتوسّط، وتحويله من منبعٍ للثروة والطاقة إلى بؤرة صِراع وتوتّر.
وفي هذا الإطار أتت المناورات البحرية القبرصية- الفرنسية- الإيطالية في المياه الاقتصادية اليونانية، وكذلك المواقف الفرنسية والإيطالية والأوروبية الرافِضة لمذكّرتي التفاهُم.
موقف الولايات المتحدة وروسيا يتّخذ أهمية خاصة في ظلّ هذه التطوّرات، فالولايات المتحدة كانت إلى وقت قريب لا تُراهِن على المُشير حفتر، لكنها خلال الأسابيع الماضية أرسلت إليه وفداً رفيعاً ترأّسته نائبة مُستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط، وتبعت هذا تصريحات أميركية إيجابية تجاهه، وصولاً إلى دعوة الولايات المتحدة رئيس مجلس النواب في طبرق عقيلة صالح لزيارة واشنطن.
الموقف الروسي وإن كان أقل حدّة في الشقّ المُعلَن منه تجاه تركيا لأسباب تتعلّق بالمصالح المُشتركة بين الجانبين في ملفات عدّة على رأسها الملف السوري، إلا أن علاقاتها بالمُشير حفتر تتطوّر بشكلٍ مُتسارِع خلال الشهور الماضية، وباتت تتعدّى الدعم الفني والتسليحي.
البحرية الليبية أعلنت بشكلٍ واضحٍ أن أي تواجد لسفن تنقيب أو بحث عن الغاز، أو قطع بحرية تركية، ستتم مواجهته بأقصى قوّة متوافرة، وهي نفس الحال تقريباً من جانب اليونان ومصر، كما أن احتمالات قيام فرنسا أو إيطاليا أو حتى ألمانيا، بنشر قطع بحرية في المنطقتين الاقتصاديتين لقبرص واليونان، تتزايد يوماً بعد آخر.
هذه الخطوات ربما يتم تعزيزها من جانب هذه الأطراف بسبب استمرار التحرّكات التركية في محيط جزيرة قبرص من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب الطلب الذي أرسلته حكومة الوفاق إلى تركيا تطلب منها رسمياً التدخّل العسكري على الأرض لدعم قواتها في معركة طرابلس.
وهذه النقطة الأخيرة تنقل الملف الليبي بأكمله إلى مستوى صراع إقليمي كامل المعالِم، ستكون فيه الأنظار متّجهة إلى القاهرة وإسطنبول، في ظل التأكيدات المصرية الرسمية على أنها لن تسمح لتركيا بالعَبَث بأمن ليبيا والأمن القومي المصري.
الأكيد أن الملف الليبي في مثل هذه الظروف لن ينتهي إلا بنصرٍ ميداني حاسم ونهائي للطرف الذي يتمكّن من إدارة المُقامَرة الحالية في شرق المتوسّط بذهنية لاعب الشطرنج المُحتَرِف.
خريطة التقدّم الميداني
خلال المرحلتين السابقتين لعملية طرابلس، ركّزت وحدات الجيش الليبي التابعة للمُشير حفتر عملياتها على المحاور الجنوبية للعاصمة، بعد أن حاولت في المرحلة الأولى منها أن تقوم بتفعيل الجبهتين الغربية (مدينة الزاوية)، والشرقية (تخوم سرت). وبالتالي كانت العمليات في المرحلة الأولى تتم أساساً في المحاور الجنوبية الرئيسة للعاصمة وهي من الغرب إلى الشرق محور غريان/العزيزية، ومحور المطار، ومحور صلاح الدين/خلّة الفرجان، ومحور عين زارة، بجانب محور يتّجه شرقاً وهو محور وادي الربيع.
في المرحلة الثانية، ونظراً إلى تراجع قوات الجيش الوطني أمام قوات الوفاق في محور غريان العزيزية، بات هذا المحور مُنقسِماً إلى قسمين: الأول جنوبي شرقي مدينة غريان، والثاني غربي أسبيعة وشرقي الكسارات، مع تفعيل الجيش الوطني لمحور آخر في اتجاه الشرق وهو محور الزطارنة/القره بوللي.
في المرحلة الثالثة التي بدأت أوائل الشهر الجاري، كان محور صلاح الدين/ خلّة الفرجان هو المحور الأساس للعمليات، وفيه حقّقت قوات الجيش الوطني تقدّماً على اتجاهين أساسيين، الأول انطلاقاً من معسكر اليرموك شمالاً، والثاني من منطقة معسكر حمزة في اتجاه الشمال الشرقي.
خلال أول يومين من المعارك سيطرت قوات الجيش على عدّة مواضِع في خلّة الفرجان، من بينها مبنى الجوازات وأكاديمية الشرطة ومبنى ثانوية الهندسة العسكرية، لكن تبقى هذه المناطق مناطق اشتباك دائمة يتبادل الطرفان فيها السيطرة بشكل شبه يومي.
إضافة إلى محور صلاح الدين، خلّة الفرجان فإن المحور الرئيس الثاني هو محور مطار طرابلس، وفيه تتم العمليات على اتجاهين رئيسيين، الأول شمال المطار انطلاقاً من محيط كوبري المطار على خطي اشتباك، أحدهما في مناطق الكازيرما ومشروع الهضبة والخلاّطات، والثاني موازٍ له في اتجاه مسجد صلاح الدين ومعسكر النقلية ومناطق أخرى مُطلّة على طريق المطار.
الاتجاه الثاني هو من جنوب وغرب المطار باتجاه الغرب، وفيه تحاول قوات الجيش الوطني قطع طريق الإمداد الذي يصل بين منطقة السوان شمالي غرب المطار ومنطقتي العزيزية وغريان، وتدور المعارك في هذا النطاق في مناطق كوبري الزهراء والتوغار والطويشة والسعدية.
وقد سيطرت قوات الجيش خلال اليومين الماضيين على الطويشة والسعدية ما مكّنها من قطع الطريق المؤدّي جنوباً إلى العزيزية، لكنها تراجعت عن السعدية وأصبح الطريق مفتوحاً، لكنها تحتفظ بمواقعها في الطويشة التي تقع شمال شرق العزيزية.
جدير بالذِكر هنا أنه بالتزامُن مع العمليات في هذا الاتجاه، تحاول وحدات الجيش المتواجِدة في منطقتي الزهراء والناصرية جنوبي شرق مدينة الزاوية الواقعة على المدخل الغربي للعاصمة، التقدّم باتجاه الشرق لمُلاقاة القوات المتقدّمة من غربي المطار.
وتوجد عمليات أقل وتيرة في محور عين زارة جنوبي العاصمة، ومحور شرقي العزيزية، ففي الأول تدور معارك خفيفة شمالي منطقة مسجد طيبة، وفي الثاني تحاول قوات الجيش الليبي منذ سيطرتها على نطاق مصنع الإسمنت في منطقة سوق الخميس أن تطوّر هجومها غرباً باتجاه الهيرة لقطع طريق العزيزية - غريان.
أسلحة القوى الإقليمية حاضرة بقوّة
كانت الأسلحة والعربات المُدرّعة التي زوّدت القوى الاقليمية بها طرفي الصراع ضيفاً دائماً في كافة المعارك التي جرت سواء في طرابلس أو ما قبلها، لكن كان لافتاً في المرحلة الثالثة من العمليات ظهور أنواع أخرى لم يكن من المُعلَن سابقاً امتلاك أطراف الصراع لها، فمثلاً ظهرت ضمن تسليح الجيش الليبي للمرة الأولى المُدرَّعات التكتيكية TAG Tarrier، التي تقوم بتصنيعها الهيئة العربية للتصنيع في مصر بالاشتراك مع شركة Armored Group الأميركية.
From #Egypt with love, #LNA just received #Egyptian-made TAG 4x4 Terrier LT-79 APCs, and will participate in the upcoming major attack on #Tripoli #Libya pic.twitter.com/p1GFS1J9JD
— Mohamed Mansour 🇪🇬 (@Mansourtalk) December 11, 2019
وكذلك ظهر ضمن تسليح قوات حكومة الوفاق للمرة الأولى نوع آخر من أنواع المُدرَّعات التركية الصنع وهو BMC Vuran، والتي دمَّر الجيش الليبي عدّة عربات منها خلال المعارك جنوبي طرابلس.
Another #Turkish-made BMC Vuran APC (AKA Lamees) facing its fate by #LNA 106th Bridge Southern #Tipoli #Libya pic.twitter.com/sUKOnHEoof
— Mohamed Mansour 🇪🇬 (@Mansourtalk) November 23, 2019
يُضاف ذلك إلى الطائرات التركية من دون طيّار من نوع "بيراقدار" التي أسقط الجيش الليبي عدداً منها كان آخرها هذه الطائرة التي تم إسقاطها جنوبي طرابلس خلال المرحلة الثالثة من العمليات، وهي الأولى التي يتم توثيق حطامها.
#Turkish-made Bayraktar TB2 UCAV downed by #LNA today in #Ain_Zara Southern #Tripoli.. Sleep well😂 pic.twitter.com/hMNrrixr5H
— Mohamed Mansour 🇪🇬 (@Mansourtalk) December 13, 2019
والعربات المقاوِمة للألغام تركيّة الصنع BMC Kirpi II
Short life for this #GNA #Turkish-made BMC Kirpi II, which was targeted by #LNA units Southern #Tripoli #Libya pic.twitter.com/LQD5VyVrlC
— Mohamed Mansour 🇪🇬 (@Mansourtalk) December 13, 2019
الرحلات البحرية والجوية تستمر إلى طرابلس
رغم إعلان الجيش الليبي بقيادة المُشير حفتر الشهر الماضي عن منطقة حظر جوي وبحري في أجواء طرابلس ومياهها الاقليمية، إلا أن حركة الطائرات والسفن المدنية إلى مطاري طرابلس ومصراتة وموانئهما لم تتوقّف، وبات من الواضح من خط سير هذه الرحلات ونوعية الطائرات والسفن المُستخدَمة، إنها باتت جزءاً من جسر إمداد من الموانئ والمطارات التركية إلى حكومة الوفاق في طرابلس، فمثلاً نفّذت طائرة شحن مُسجّلة في دولة مولدوفا وتابعة لشركة AEROTRANS للشحن، أربع رحلات منذ بداية الشهر من مدينتي إسطنبول وأزمير التركيّتين والعاصمة الجزائرية إلى مدينة مصراتة في الفترة من 6 إلى 18 كانون الأول/ديسمبر.
أما عن السفن، فقد قامت البحرية اليونانية خلال الأيام الماضية بتفتيش سفينتيّ شحن تركيّتين كانتا مُتّجهتين إلى الموانئ الليبية، الأولى تحت إسم Osman Prince قادمة من ميناء Aliaga التركي وتم تفتيشها شمالي شرق اليونان، والثانية كانت تحت إسم ST Vincent Grenadlines، تم تفتيشها بعد اقتيادها إلى خليج سودا في جزيرة كريت. تضاف هذه السفن إلى 14 سفينة شحن وصلت إلى ميناءي الخمس وطرابلس من تركيا منذ الحادي عشر من الشهر الجاري، وهنا لا بد من التذكير بأن الدعم العسكري التركي لقوات حكومة الوفاق وصل للمرة الأولى إلى ليبيا عبر سفن الشحن.
"MEDKON SINOP" Cargo/Container ship coming from #Iskenderun port in #Turkey pic.twitter.com/xndIha0O6f
— Mohamed Mansour 🇪🇬 (@Mansourtalk) December 18, 2019