حماية حقوق الإنسان في ظلّ عالم مُتغيّر
بالتزامُن مع الذكرى الـ71 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يصادف 10 كانون الأول/ديسمبر، نستعرض أبرز العناصر الأساسية التي تضمن إيجاد بيئة حامية لحقوق الإنسان في أيّ مجتمع أو دولة.
*جورج أبو الزلف - كبير مستشاري حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لمنطقة الكاريبي.
شهد العالم خلال العقد الأخير، وما زال، نمواً مُضطرداً في الحركات الاجتماعية التي تنادي بتعزيز قِيَم الحرية والعدالة واحترام حقوق الإنسان. إن تعاظُم دور الحركات الاجتماعية التقدّمية المُناهِضة للظلم والهيمنة والقمع، هو نتاج وردّ طبيعي لتنامي الحركات الشعبيوية والعنصرية، وصعود أنظمة القمع والديكتاتوريات البوليسية التي تتغنَّى بقمع الحقوق والحريات الأساسية، وتُكمِّم أفواه الصحافة الحرّة، وتقمع أية محاولة لتأسيس أنظمة حُكم قائمة على المواطِنة المُتساوية وقِيَم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. لا بل أن هذه الأنظمة، بفسادها وشراهتها، أصبحت تشكّل تهديداً حقيقياً لقُدرة المجتمعات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المُستدامة القائمة على مبدأ المساواة والعدالة، والتي لا تستثني أو تهمّش أحداً، كما أوضحت وثيقة أهداف التنمية المُستدامة.
إن تنامي الحركات العنصرية التي تفوح منها رائحة الكراهية والتعصّب والتطرّف، وازدياد حالات العنف المُمارَس ضد الأقليات الدينية والعرقية والمهاجرين في العديد من البلدان، هو مؤشّر خطير يستدعي التحرّك العاجِل واستنهاض الهِمَم على مختلف المستويات لخلق مجتمعات تكرّس قِيَم ومبادئ حقوق الإنسان وتوفّر بيئة حامية لهذه الحقوق مبنية على العدالة والتسامُح وتقبّل الآخر، وتحارب التمييز والإقصاء بشتّى أشكاله.
في هذا المقال، والذي يأتي بالتزامُن مع الذكرى الـ71 للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، سأحاول أن أسلّط الضوء على أبرز العناصر الأساسية التي تضمن إيجاد بيئة حامية لحقوق الإنسان في أيّ مجتمع أو دولة.
هنالك عوامِل ذاتية وموضوعية ضرورية لتوفّر بيئة يتمتّع فيها كل فرد من أفراد المجتمع، بالحرية والكرامة واحترام حقوق الإنسان، بغضّ النظر عن جنسهم أو لونهم أو دينهم أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي أو موقفهم السياسي أو إعاقتهم أو عُمرهم وغيرها من العوامل.
هذه العناصر للبيئة الحامية لحقوق الإنسان هي مُترابِطة ومُتشابِكة ببعضها البعض ولا يمكن تجزئتها، وأيّ نقص أو غياب في أحدها من شأنه أن يؤثّر على الحماية الفعّالة لحقوق الإنسان ككل. وسنستعرض هنا هذه العناصر الأساسية، لعلّها تساهم ولو بشكلٍ بسيطٍ في إثارة النقاش حولها ومحاولة الاستفادة منها وتطويرها:
1. الحماية التشريعية وإنفاذ القانون:
الإطار التشريعي هو الأساس القانوني الذي يضمن الحقوق المتساوية للجميع من دون أيّ شكل من أشكال التمييز، سواء كانت حقوقاً مدنية سياسية أو إقتصادية اجتماعية وثقافية.
وإنفاذ القانون بشكلٍ متساوٍ هو أساس العدالة في مجتمع مُتعدّد الفئات والأطياف. ففي معظم بلدان العالم تتميّز المجتمعات بالتنوّع الثقافي والاجتماعي والعِرقي والديني وتتعدّد فيها الفئات الاجتماعية من صغار وكبار، ذكور وإناث، مهاجرين ولاجئين، وذوي إعاقة وغيرها، كما تتعدّد الطبقات الاجتماعية وفقاً للدخل ومستوى المعيشة ومكان السكن وغيرها. ويُعتبر هذا التنوّع بمثابة الفُسيفساء التي تزيّن أيّ مجتمع وجزء لا يتجزَّأ من الغنى الثقافي والحضاري الذي يتوجّب المحافظة عليه. لا يجب أن يكون هذا التنوّع أساساً للتمييز والإقصاء والتهميش، إذ يتوجّب على المُشرّعين ضمان الحقوق المتساوية وعلى السلطات إنفاذ القانون وضمان تطبيقه العادل والمُنصِف، وإذا كان لا بدّ للقانون من أن يُميّز، فعليه أن يُميّز إيجاباً لكي يُنصِف الفئات المُستضعَفة والأقل حظاً في المجتمع.
2. وفاء الحكومات بالتزاماتها تجاه حقوق الإنسان:
لو قمنا بعملية مراجعة سريعة للاتفاقيات الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان، لوجدنا أن الغالبية العُظمى من دول العالم قد صدّقت أو انضمّت إلى معظم الاتفاقيات الدولية الأساسية التسع لحقوق الإنسان[1].
التصديق أو الانضمام إلى أية اتفاقية هو عمل طوعي من الدول، ولكن للأسف الشديد لم نلمس -لدى العديد من بلدان العالم- ترجمة لهذه الالتزامات الطوعية على صعيد السياسات والإجراءات والتدابير التي من شأنها الارتقاء بحقوق الإنسان وتعزيز المساواة.
إن الارتقاء بواقع حقوق الإنسان يتطلّب من الحكومات الوفاء بالتزاماتها والقيام بكل واجباتها من أجل ترجمة هذه الالتزامات إلى حقيقة واقعة. وهذه الترجمة تتطلّب توفير الموارد البشرية والمادية ووضع الخطط الاستراتيجية لتحسين حال حقوق الإنسان في أيّ مجتمع. ويجري في العادة تقييم وفاء الحكومات بالتزاماتها من خلال تقييم مدى احترام وحماية حقوق الإنسان ومستوى الأداء في ما يتعلّق في إعمال حقوق الإنسان.
ويُعتبر الاستعراض الدورى الشامل من أبرز آليات مجلس حقوق الإنسان، ويوفّر الاستعراض فرصة لجميع الدول للإعلان عن الإجراءات التى اتّخذتها لتحسين أحوال حقوق الإنسان في بلدانها والتغلّب على التحدّيات التى تواجه التمتّع بحقوق الإنسان[2].
3. قُدرات ومهارات أصحاب الحقوق للمطالبة بحقوقهم والمشاركة الفعّالة في الحياة العامة:
لعلّ أهم عناصر البيئة الحامية لحقوق الإنسان هي وجود مجتمع مدني فعّال وحيوي، ويعمل في بيئة رَحبة من الحرية من دون أية قيود. فالمجتمع المدني يلعب دوراً محورياً في رَصْد وتوثيق حال حقوق الإنسان في الدولة وإعداد التقارير حولها، كما يلعب دوراً أساسياً في تمكين أصحاب الحقوق عبر تنمية مهاراتهم وقدراتهم وتوفير المساعدة لهم للمطالبة بحقوقهم.
على الدولة أن توفّر لكافة مواطنيها الفُرَص المتساوية والحرية للتعبير عن آرائهم وإسماع أصواتهم بشكلٍ فعّال، وأن تعطى هذه الآراء الاعتبار الواجب عند وضع السياسات واتخاذ القرارات التي تمسّ حياتهم. والمشاركة الفعّالة تعني المشاركة على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والتي تضمن تمثيلاً مُتساوياً لكافة فئات المجتمع وضمان أن يكون لهم دور فعّال ومؤثّر في الحياة العامة. فعلى سبيل المِثال، لا يمكننا أن نعتبر مجتمعاً ما يوفّر مشاركة فعّالة للمرأة بينما نسبة تمثيل المرأة في الأُطر التشريعية والقضائية والسياسية وغيرها من المجالات الاجتماعية وفي القطاعين العام والخاص لا تتجاوز الـ 5%. فالأمور لا تحاكم بالنوايا هنا بل بالنتائج. وفي هذه الحالات على الدولة أن تقوم بإصلاحاتٍ بنيويةٍ وتطوير سياسات واتّخاذ إجراءات وتدابير لضمان المساواة التامة للجميع، والحرية الكاملة للمرأة لإسماع صوتها والمُناداة بحقوقها المُتساوية في المشاركة والتمثيل.
4. وجود نظام للمُساءلة وإنصاف الضحايا:
يُعتبر مبدأ المُساءلة من أهم مبادىء حقوق الإنسان، وعلى الدولة ضمان محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، في بيئة تضمن العدالة وحق الوصول إلى القضاء للجميع من دون أية استثناءات. إن وجود قضاء عادل ومستقل ونزيه هو ضمانة أساسية لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، وضمان عدم وجود حصانة لمُنتهكي حقوق الإنسان.
إن سيادة القانون والمُساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان أمران بالغا الأهمية لمنع الانتهاكات والنزاعات والعنف وبناء السلام واستدامته وتحقيق التنمية الشاملة. نحن بحاجة إلى أنظمة حوكَمة تكون فيها جميع الجهات المسؤولة والمؤسّسات والكيانات، العامة أو الخاصة، خاضعة للمُساءلة بموجب القوانين المنشورة والمُطبّقة بشكلٍ متساوٍ والتي يحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان[3].
5. وجود آليات وطنية مستقلّة للحماية:
تتعدَّد الآليات الوطنية المستقلّة لحقوق الإنسان عبر العالم، وتتعدَّد الاجتهادات في مدى استقلالية وحيادية هذه الهيئات، ولكن من الأهمية بمكان وجود هيئات وطنية لحقوق الإنسان كأحد أهم آليات الحماية الوطنية، يجري إنشاؤها وفق مبادىء باريس المُتعارَف عليها حول إنشاء هكذا هيئات.
جرت العادة أن تقوم الهيئات الوطنية المستقلّة لحقوق الإنسان بمتابعة وضمان توافر مُتطلّبات صون حقوق الإنسان في مختلف القوانين والتشريعات الوطنية، وفي عمل مختلف الدوائر والأجهزة والهيئات، ومتابعة انتهاكات حقوق الإنسان، والشكاوى التي يقدّمها المواطنون حول الانتهاكات من قِبَل السلطة التنفيذية، كما تقوم الهيئات الوطنية المستقلة لحقوق الإنسان بالتوعية ونشر ثقافة حقوق الإنسان، والرقابة على التشريعات والسياسات الوطنية، ومدى مواءمتها للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
6. العادات والتقاليد والمُمارسات الاجتماعية:
لقد تعرَّضت حقوق إلانسان من حيث عالميّتها وعدم قابليّتها للتجزئة إلى التشكيك من قِبَل مختلف الثقافات والأفراد والجماعات عبر المجتمعات. وقد شهدنا هذه الاتجاهات المُقلِقة لدى العديد من الدول عندما يجري انتقاد حال حقوق الإنسان فيها.
الإنسان بطبعه هو كائن اجتماعي يعيش في مجتمع وسط عادات وتقاليد وموروث ثقافي يؤثّر ويتأثّر به. وفي الوقت الذي يوجد فيه عدد لا حَصْر له من العادات والتقاليد الإيجابية لدى العديد من حضارات وشعوب الأرض، إلا أنه توجد أيضاً عادات وتقاليد سلبية لدى العديد من المجتمعات والثقافات التي تؤثّر على التمتّع بحقوق الإنسان، ولو بشكلٍ متفاوت.
من هذه العادات على سبيل المِثال، خِتان الإناث التي أثبتت الدراسات أن له آثاراً صحية ونفسية واجتماعية مُدمِّرة على الفتيات. وكذلك العادات الموروثة حول دور المرأة ووظيفتها الاجتماعية، وحصرها ضمن إطار الإنجاب والعمل المنزلي في مجتمعات يُهيمن عليها الرجل ويتسلّط فيه على الجنس الآخر.
إن ذلك لعب دوراً سلبياً تاريخياً وحتى يومنا هذا في المسّ بحقوق المرأة المُتساوية مع الرجل وخلق عوائق بنيوية لن يتأتّى لنا تحقيق المساواة الكاملة من دون إزالتها والتغلّب عليها، وهذا يتطلّب بالضرورة إدراك القضية أولاً ومن ثم وضع الرؤى الاستراتيجية للتغلّب عليها عبر التغيير الاجتماعي الطويل الأمد.
7. الحوار المجتمعي حول قضايا حقوق الإنسان والتعبير عنها بحرية:
قضايا حقوق الإنسان يجب ألا تبقى حبيسة الأدراج، بل يجب أن تشكّل دائماً مواضيع للنقاش والحوار والتفاعُل ما بين مختلف مكوّنات أيّ مجتمع. إن إثارة قضايا حقوق الإنسان وإفساح المجال للنقاش والجدل حولها من شأنه أن يعمّق المعرفة بها ويساهم بشكل فعّال في وضع الحلول المناسبة للقضايا الشائِكة ويُفسح المجال لمشاركة الجميع وإبداء رأيهم من دون أية قيود. وفي العادة تلعب وسائل الإعلام ومنصّات التواصُل الاجتماعي والمؤسّسات الأكاديمية والأدباء والمُثقّفون دوراً أساسياً في إثارة هذه القضايا والنقاش حولها بما يؤمّن الارتقاء بحال حقوق الإنسان وتعزيز القِيَم الديمقراطية والحوار البنّاء.
8. الشفافية والحوكَمة الرشيدة ومُكافَحة الفساد:
يُعتبر الفساد ظاهرة عالمية، ويوجد في كل الدول ولو بشكلٍ متفاوتٍ، بغضّ النظر عن نظامها الاقتصادي أو السياسي ودرجة تطوّرها في القطاعين العام والخاص.
ويُعتبر الفساد بحدّ ذاته عائقاً هيكلياً أمام التمتّع بحقوق الإنسان. لذلك، فقد أولت الآليات الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك مجلس حقوق الإنسان، المزيد من الاهتمام للتأثير السلبي للفساد على التمتّع بحقوق الإنسان وأصدرت عدّة توصيات إلى الدول الأعضاء بهدف منع الفساد وضبطه[4]. وبالاعتماد على درجة الفساد وتغلغله وشكله، يمكن له أن يترك تأثيرات مُدمِّرة على التمتّع بحقوق الإنسان وخاصةً الحق في التنمية والحصول على خدمات اجتماعية ذات جودة وبشكلٍ متساوٍ. كما أن الفساد يقوﱢض عمل المؤسّسات وشرعيّتها وسيادة القانون والدولة بحد ذاتها.
والحوكَمة الرشيدة وحقوق الإنسان أمران يُعزِّز كل منهما الآخر. فمبادئ حقوق الإنسان توفّر مجموعة قِيَم لتوجيه عمل الحكومات والجهات الفاعِلة السياسية والاجتماعية الأخرى. وهي توفّر أيضاً مجموعة معايير أداء يمكن على أساسها مُساءلة هذه الجهات الفاعِلة. وعلاوة على ذلك، فإن مبادئ حقوق الإنسان يُهتدى بها في صوغ مضمون جهود الحُكم الرشيد، مثل وضع الأطر التشريعية والسياسات والبرامج ومُخصَّصات الميزانية وتدابير أخرى.
ومن ناحيةٍ أخرى، فإن حقوق الإنسان، من دون الحوكَمة الرشيدة، لا يمكن احترامها وحمايتها بطريقةٍ مُستدامة. ويعتمد إعمال حقوق الإنسان على وجود بيئة مواتية وتمكينية. وتتضمّن هذه البيئة الأطر والمؤسّسات القانونية المُلائِمة وكذلك العمليات السياسية والتنظيمية والإدارية المسؤولة عن الاستجابة لحقوق الناس وتلبية احتياجاتهم.
من دون الحُكم الرشيد على جميع المستويات، لن يكون بالإمكان إعمال حقوق الإنسان وأهداف التنمية المُستدامة بشكلٍ كامل. الهدف 16 من أهداف التنمية المُستدامة له أهمية خاصة في هذا الصَدَد، لأنه يكرِّس الالتزام بتعزيز المجتمعات المُسالِمة والشامِلة للجميع لتحقيق التنمية المُستدامة، وتوفير الوصول إلى العدالة للجميع وبناء مؤسّسات فعَّالة وخاضِعة للمُساءلة على جميع المستويات.
9. البيئة الاجتماعية والبيئة الطبيعية:
لقد استهلّيت مقالي هذا بالحديث عن عناصر البيئة الحامية لحقوق الإنسان، وكما تلاحظون، فإن التركيز الأساسي هو حول البيئة الاجتماعية وأثرها في تعزيز حقوق الإنسان. ولكن ماذا عن البيئة الطبيعية؟ أرضنا التي نعيش عليها وكيف تؤثّر فينا وعلى تمتّعنا بحقوقنا، وما هو أثر التغيّرات على البيئة والمناخ على تمتّعنا بحقوقنا؟
كخطرِ بيئي عالمي، يؤثّر تغيّر المناخ على التمتّع بحقوق الإنسان ككل، وبالتالي فهو في صميم الطبيعة غير القابلة للتجزئة والمُترابِطة والمُتشابِكة لكل حقوق الإنسان كما أكَّدتها ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان وبرنامج عمل فيينا[5].
إن تغيّر المناخ حقيقة واقِعة ويمكن أن يضرّ بشكلٍ خطيرٍ بالتطوّر المُستقبلي لاقتصاداتنا ومجتمعاتنا وأنظمتنا البيئية في جميع أنحاء العالم. وفقًا للتقرير العلمي لهذا العام الصادِر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) التابعة للأمم المتحدة، يمكن أن يُشكّل التأثير البشري لتغيّر المناخ تهديداً لمجموعة واسعة من الحقوق الأساسية المُعترَف بها عالمياً ، مثل الحق في الحياة والغذاء والسكن اللائِق والصحّة والمياه. ولعلّ المجموعات المُهمَّشة، سواء في البلدان الصناعية أو النامية وفي جميع الثقافات والحدود، مُعرَّضة بشكلٍ خاصٍ للعواقب الوخيمة لتغيّر المناخ. على سبيل المثال، فإن صِغار المُزارعين، والنساء في المناطق الريفية، والذين لا يحصلون على مياه الشرب الآمِنة والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، وإن اللاجئين والمُشرّدين داخلياً والفقراء الذين يعيشون بالفعل على هامَش البقاء على قَيْد الحياة، سيعانون بشكلٍ غير مُتناسب من عواقب الاحتباس الحراري والتغيّر المناخي.
خِتاماً، لقد حاولت في هذا المقال أن أستحضر ما يُقارِب الثلاثين عاماً من النضال من أجل حقوق الإنسان، وجهدي المتواضِع من أجل كرامة الإنسان في كل مكان. ما كان يؤرقني دوماً، هو كيف لنا أن نبني مجتمعاً يولَد فيه جميع "الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق"؟
ربما ستظلّ المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تلاحقنا لعقودٍ قادمة، وسيبقى صداها يتردَّد في كافة أصقاع الأرض حتى نتمكَّن من أن نبني عالماً جديراً بنا، نحن بنو الإنسان.
وحتى تأتي تلك اللحظة، سنظلّ حاملين راية الإنسان، ونكتب بحبر، وربما بدمائنا.