أروندهاتي روي ووزارة السعادة الهندية
لم تقتصر أهمية روي على رواياتها العالمية وحسب، بل لكونها ناشطة سياسية تحتل مكانة مرموقة على مستوى عالمي.
أروندهاتي روي هي كاتبة وروائية وناشطة سياسية هندية. ولدت في عام 1959 في شيلونغ، وهي بلدة صغيرة في شمال شرق الهند، من أم مسيحية سورية من عائلة أرستقراطية استقرت منذ زمن في ولاية كيرالا، وأب هندوسي يدير مزرعة للشاي. ولكنه لم يكتفِ بشرب الشاي، إذ غرق في معاقرة الخمر ولم يفق حتى بعد وقوع الطلاق من زوجته.
وعندما بدأت روي في الذهاب إلى المدرسة، كانت هي وأخوها لا يزالان يحملان وصمة العار من طلاق والديهما، وغالباً ما اقتصر أصحابهما على الجيران من الطبقة الدنيا.
درست روي في كلية الهندسة المعمارية، وعاشت معظم وقتها في أحياء نيو دلهي الفقيرة، وبعد تخرجها من الكلية، أقامت لفترة من الوقت في ولاية "غوا" الهندية، حيث كانت تصنع الكعك وتبيعه على الشاطئ.
عملت روي في الثلاثينيات من عمرها في كتابة الأفلام، وساعدها في ذلك زواجها بواحد من صناع السينما الهندية، وظلت تمارس أعمالاً متفرقة قليلة الأهمية مثل تدريبات الإيروبيك، حتى عكفت ولمدة خمس سنوات، على كتابة روايتها الأولى "إله الأشياء الصغيرة" التي صدرت عام 1997، وهي شبه سيرة ذاتية لها، وقد نالت شهرة عالمية. وكتبت عنها صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عام 1997 ووصفت بأنها أحد أهم كتب العام.
بدأت مشوارها الإبداعي ككاتبة للسيناريو، قبل أن تنشر روايتها الأولى "إله الأشياء الصغيرة"، والتي فازت بجائزة البوكر العالمية.
وبإصدار روي روايتها الأولى تلك، انفتح العالم الضيق من حولها، وبيعت منها أكثر من ثمانية ملايين نسخة، وترجمت إلى 42 لغة حول العالم.. فكانت روي أول هندية غير مغتربة تنال جائزة البوكر البريطانية، فأصبحت في مدة قصيرة أشهر كاتبة في شبه القارة الهندية، والنموذج الأكثر تأثيرًا للكاتب أو الروائي الذي يسعى إلى المزج بين التوثيق السياسيّ من جهة، والأدب المُتخيّل من جهةٍ أخرى.
أتبعت روي روايتها بعدد من الكتب غير السردية – نحو 18 كتاباً - مثلت تعليقاً ثقافياً وأدبياً متميزاً على الشأن السياسي الهندي والعالمي، منها: "نهاية الخيال" 1998، "ثمن العيش" 1999، "حديث الحرب" 2003، و"الرأسمالية: قصة مرعبة" 2014.
لم تقتصر أهمية روي على رواياتها العالمية فحسب، بل لكونها ناشطة سياسية تحتل مكانة مرموقة على مستوى عالمي.
بعد نجاح روايتها الأولى تفرّغت لكل ما هو ليس أدبًا، فقد نشرت العديد من الكتب والوثائق غير الخيالية وكتبت أفلامًا وثائقية، واحتجت ضد الفساد الحكومي، والقومية الهندوسية، والتدهور البيئي، وعدم المساواة، وظهرت على قائمة 100 شخصية مؤثرة عالميًا. وهي لدى معجبيها من السياسيين، تشكل روي أحد أصوات اليسار الراديكالي في بلادها من دون منازع. وقد واجهت تهمًا جنائية، وسُجنت في العام الماضي، كما اضطرت في إحدى الفترات إلى الفرار من الهند خوفًا على حياتها.
عام 2005 رفضت روي جائزة الإبداع الهندية وأعادتها اعتراضًا منها على الجرائم المروّعة التي يرتكبها الجناح اليميني للحكومة في الهند، والمذابح الجماعية التي تلوّث أيدي الحكومة بالدماء، ولها مقالة تدين فيها التجارب النووية الهندية. وعلينا أن نذكر أنها وقعت خطابًا في صحيفة الغارديان البريطانية، يسمى “حرب لبنان 2006” يدعو لإدانة "إسرائيل" ومقاطعتها، مع كل من نعوم تشومسكي وهوارد زين وآخرين.
كشفت روايتها الأولى "إله الأشياء الصغيرة" التي لفتت أنظار الغرب إليها، خفايا الحياة الهندية عن المسكوت عنه في الهند، حيث تروي قصة عائلة هندية مكوّنة من أخوين توأم، فتاة ورجل تم الفصل بينهما قسراً بسبب الطلاق وتحكي جانباً من تاريخ أسرتها.
في روايتها الثانية "وزارة السعادة القصوى" التي صدرت في لندن عام 2017 ، والتي اعتبرت من روائع الأدب العالمي، وطبع منها 50 الف نسخة، ورشحت لجائزة البوكر، ونقلها إلى العربية أحمد شافعي، وأصدرتها حديثاً "دار الكتب خان" في القاهرة، تكمل روي كما في روايتها الأولى سرد المسكوت عنه في المجتمع الهندي.
تتناول رواية "وزارة السعادة القصوى" السنوات الصعبة لتاريخ المجتمع الهندي الرازح تحت ثقل الفوضى والطبقية والعنف الطائفي ونقدًا لبنية المجتمع الهنديّ.
تشبه روي روايتها الأخيرة التي استغرق تأليفها 10 سنوات "كما لو كنتم تكتشفون مدينة بطرقها الكبيرة وأزقتها ومساحاتها الشاسعة"، وتشبّه القوميين الهندوس في روايتها الأخيرة بـ"رايخ" جديد. وتضيف روي: "مستوى التقوقع الطائفي والاستقطاب لم يكن يوماً بهذه الفظاعة".
وتسأل روي: "كيف يمكننا التغاضي عن التنكيل بمئات الأشخاص في كشمير؟ كيف يمكننا أن نقبل مجتمعاً قرر منذ آلاف السنين أن تكون فئة منبوذة منه؟"، و"كيف يمكننا تقبل مجتمع يحرق بيوت السكان القبليين ويطردهم من أراضيهم بذريعة التقدم؟".
وتختم أرونداتي روي بالقول "شيء ما سيولد، إما من الدمار الكامل أو من الثورة، لكن لا يمكن أن تبقى الأمور على هذا المنوال".
تأخذنا الرواية إلى مجتمع الهيجرا (المتحولين جنسياً) في دلهي القديمة، وإلى قصة حب على خلفية تمرد في كشمير، وتتناول فيها روي مسائل عهدت إثارتها، مثل الحركة القومية الهندوسية وأعمال العنف الطبقية، وهي على صورة سراديب المدن الهندية المترامية الأطراف.
تتحدث الرواية عن ولد في دلهي القديمة طفل رآه أهله ذكراً وأصر أنه امرأة، فسمّى نفسه "أنجم" وعاش في وسط المخنثين. هنالك عرفت "أنجم" الرقص والغناء والمتعة والألم والشقاء، إلى أن أطل التعصب بوجهه القبيح فلم يبقَ لـ"أنجم" ملاذاً إلا المقابر.
في الوقت نفسه، تولد إمرأة أخرى اسمها "تلو" ضحية للنظام الطبقي الغاشم، وتعيش لتشهد قسوة الهند الدموية في كشمير، يقع في غرامها المناضل وضابط الاستخبارات والصحافي العميل، فتهرب من كل ذلك فلا تجد هي الأخرى إلا المقابر.
تلمح روي إلى أن نصوص القصة الرئيسية في "وزارة السعادة القصوى" تنبع من عواقب التقسيم عام 1947، بين بين الهند وباكستان وما نتج عنه من مقتل نحو مليون شخص عندما تألب الجيران على بعضهم البعض، وعششت الكراهية في كل بيوتهم.