أزمة "سد النهضة" بين مصر ودول منابع النيل

يتناول الكتاب جميع دول حوض النيل وموقع النهر ودوله والسكان وظروف المعيشة ومصادر الدخل وتوزيع السكان والمدن الكبرى في دول حوض النيل وسكانها.

كتاب "مصر ودول منابع النيل" للباحث نادر نور الدين

 هي أزمة مياه النيل بدأت قبل سنوات من توقيع اتفاقية عنتيبي، في 14 أيار/ مايو 2010؛ حيث خطَّطت إثيوبيا لتجميع دول منابع النهر وحثهم على إلغاء جميع اتفاقيات النهر السابقة، وإعادة توزيع حصص المياه من جديد بغرض نقل الهيمنة على مياه نهر النيل إلى دول المنابع أو بقول أدق: إلى إثيوبيا فقط، واعتبار أن تاريخ النهر بدأ من عام 2010 أي بعد 50 عامًا من استقلال جميع دوله. هذا الأمر أوضح أن الاتفاقية تمثِّل انقلابًا على الاتفاقيات التي وُقِّعت في الحقبة الاستعمارية بالنيابة عن دول المنابع والتي يعتقدون أنها (أي الاتفاقيات) جاملت مصر كثيرًا في مياه النهر من أجل زراعات القطن التي تحتاجها مصانع إنجلترا قبيل فترة الحرب العالمية الثانية وبعدها. علاوة على اتفاق دول المنابع، فإن التصويت على إقامة السدود يكون بأغلبية الأصوات بدلًا من الإجماع أو التوافق سابقًا.

يضم كتاب "مصر ودول منابع النيل" للباحث نادر نور الدين سبعة أبواب، يتناول جميع دول حوض النيل الإحدى عشرة، ويتطرق للجغرافيا وموقع نهر النيل ودوله والسكان وظروف المعيشة ومصادر الدخل ونسبة الفقر والأمية والتمتع بخدمات مياه الشرب والصرف الصحي في الريف والحضر وتوزيع السكان والمدن الكبرى في دول حوض النيل وسكانها. كما يصف الكاتب رحلة النهر من المنابع إلى المصب، وتقسيم منابع النيل إلى المنبع الشرقي والذي يضم إريتريا وإثيوبيا والسودان ومصر ويشارك بالأغلبية الكبيرة من موارد مياه النهر وبنسبة 85%، ثم المنبع الثاني للنهر للبحيرات الاستوائية العظمى والتي تضم ست دول وهي (كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبوروندي والكونغو).

  بين الحين والآخر يظهر ملف سد النهضة على قمة ساحة الجدل والنقاش السياسي والمجتمعي، حيث تعقد اللقاءات في الخرطوم مرة وفي القاهرة مرة أخرى، وكذلك في أديس أبابا، بين وزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا، للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف من دون التأثير على أي من دول حوض النيل. وهذا ما يطرحه كتاب "مصر ودول منابع النيل.. الحياة والمياه والسدود والصراع" للدكتور نادر نور الدين محمد، خبير الموارد المائية.

  يقول الكاتب إن من أهم النتائج المترتبة على بناء سد النهضة على الاقتصاد المصري رفض إثيوبيا الالتزام كتابة عبر معاهدة جديدة بتحديد حصة ثابتة للمياه لمصر تلتزم بها مستقبلاً ولا تمس الحقوق المكتسبة لمصر وما تستقبله من مياه عبر آلاف السنين، وبالتالي فإن حصة مصر من النهر غير محددة وهي في مهب الريح والتناقص المتتالي مستقبلاً. وطبقاً لاتفاقية عنتيبي الموقعة في 14 أيار/ مايو 2010 تصبح سيادة دول المنابع على فواقد النهر والمستنقعات واستقطاب مياه هذه الفواقد والمستنقعات حقاً خالصاً لدول المنابع بعيداً عن الشراكة المصرية في هذه الفواقد ولا يحق لنا استقطابها والاستفادة منها بالمشاركة مع هذه الدول إلا بما تسمح به هذه الدول وبشروطها الخاصة.

  لقد أكد الكاتب أن من ضمن تداعيات سد النهضة هو احتمال اختفاء الأسماك من نهر النيل لفترة قد تمتد إلى خمس سنوات بسبب حجز الطمى وعوالق مياه النهر خلف السد الإثيوبي ونقص التنوع الإحيائي المائي، وتقليل مساحات الزراعات ذات الاحتياجات المائية المرتفعة في مصر مثل القصب، وبالتالي زيادة فجوة السكر (32 % حالياً) وتقليل مساحات الأرز، وهو محصول الحبوب الوحيد الذي تكتفي منه مصر ذاتياً ومعه البرسيم وبنجر السكر والموز والخضراوات الورقية، بالإضافة لتقليل حصة مصر السنوية من مياه النيل بكمية تتراوح بين 10ـ 12 مليار متر مكعب سنوياً، ما يكفي لزراعة 2.5 مليون فدان، وبالتالي ستنقص المساحة الزراعية بنفس النسبة.

  وأشار الكتاب إلى نقص كميات مياه النيل المتدفقة إلى البحر المتوسط وبالتالي زحف مياه البحر المالحة إلى أراضي الدلتا والمياه الجوفية، وإيقاف جميع مشروعات استصلاح الأراضي والتوسع الزراعي في مصر وحصول نقص كبير في كميات مياه المصارف الزراعية التي تعيد مصر استخدامها في الرى مرة أخرى. كما سيتم تحميل الاقتصاد المصري أعباء إضافية وعاجلة لإنشاء محطات تحلية على البحر المتوسط تخصص للاستهلاك المنزلي والصناعي والسياحي في المدن الساحلية لتوفير مياه النيل للزراعة.

  يأتي ارتفاع معدلات تصحر الأراضي الزراعية وزيادة تركيز التلوث في النيل والترع والمصارف بسبب نقص التدفقات المائية، وزيادة الفجوة الغذائية المصرية وارتفاعها إلى 75% من إجمالي احتياجاتها من الغذاء بدلاً من 55% حالياً وخاصة مع الزيادة السكانية بالمعدلات الحالية بما سيشكّل عبئاً كبيراً على الخزانة العامة المصرية لتدبير العملات الأجنبية اللازمة لاستيراد كم كبير من احتياجات الشعب المصري من السلع الغذائية الاستراتيجية، وارتفاع نسب البطالة في مصر بسبب نقص المساحة الزراعية، وتراجع معدلات الدخل القومي بسبب نقص الناتج الزراعي، وتحمل الاقتصاد المصري لأعباء مالية كبيرة وعاجلة لحتمية تطوير شبكات نقل المياه في مصر من خلال الترع، والتي سيلزم لبعضها التبطين بالإسمنت وتحويل الترع الفرعية وترع التوزيع والمساقي إلى مواسير، وذلك بغرض تقليل الفواقد المائية وبشكل عاجل لتوفير بعض المياه الإضافية إلى قطاع الزراعة بما يمثل ضغطاً عاجلاً على الموازنة العامة المصرية.

  يتناول الكتاب البيئة في دول حوض النيل والموارد الطبيعية والمستنقعات المختلفة للروافد والأنهار ومقترحات استقطاب مياه المستنقعات، وما يمكن أن تضيفه إلى موارد النهر بما يقلل من الصراع حول المياه التي تجري بين ضفتي النهر في ظل تعداد سكاني كبير يصل إلى 437 مليون نسمة حالياً يتوقع تضاعفها بحلول عام 2050، ووصولها إلى 874 مليون نسمة يتصارعون جميعاً على 84 مليار متر مكعب فقط، ولولا المليارات الكثيرة من الأمطار التي تسقط على منبعي النهر شرقاً وجنوباً والتي تصل في إثيوبيا إلى 936 مليار متر مكعب سنوياً، ومثلها أيضاً على منابع البحيرات الإستوائية العظمى.

  يتطرق الكاتب لمستوى التلوث الكبير في بحيرة فيكتوريا، منبع النيل الأبيض، ثم دور اكتشافات البترول في بحيرة ألبرت والصراع الدائر حالياً بين أوغندا والكونغو للحصول على هذا البترول وترسيم الحدود بين الدولتين داخل البحيرة. ويستعرض الكتاب أهمية الطاقة الكهربائية، ولماذا الإصرار على الكهرباء المولّدة مائياً فقط، برغم أنها لم تُعد هي الخيار الأفضل، وأن نسبة التمتع بالكهرباء في إثيوبيا مثلاً تصل في المدن إلى 74% وليس 20% كما تدعي. ويوضح الباحث مصادر توليد الكهرباء الحالية والمصادر المتجددة مستقبلاً، ويشير إلى التحفظات العالمية على بناء السدود على الأنهار والتي تزيد على 15 تحفظاً.

  في الباب السابع والأخير يوضح الكاتب الفارق بين السدود المقامة على النيل الأبيض والمقامة على أنهار إثيوبيا، موضحاً خطأ اتفاقية 1929 في تجميع دول منابع النيل الأبيض ضد مصر. حتى أوغندا التي تعتبر دولة مصب مثل مصر وتستقبل مياه الدول المحيطة بها، وكيف يطالب برلمانها مصر أن تسدد لهم ملايين الدولارات ثمناً للمياه، ولا يطلب في المقابل من أوغندا أن تسدد لرواندا وبوروندي وكينيا وتنزانيا والكونغو، ثمناً مماثلاً للمياه التي تستقبلها أوغندا من أنهار هذه الدول من دون أن تشارك بأكثر من 1% فقط من مياه النهر.

يوضح الكاتب الطريق إلى اتفاقية عنتيبي وكيف كانت تمهيداً لبناء إثيوبيا لسدود ضخمة على أنهارها، وكيف استطاعت استقطاب خمس من دول منابع النيل الأبيض في معاهدة ليس لهم فيها ناقة ولا جمل. ولكن غياب الدور المصري فقط هو الذي جعلها تنضم إلى إثيوبيا، وحتى كينيا التي بينها وبين إثيوبيا صراعات انضمت أيضاً إلى اتفاقية عنتيبي بسبب المواقف الضعيفة لمصر معها. ثم يصف الباحث سدي النهضة الرئيسي والجانبي ومواصفات كل منهما وهل هو سد لتوليد الكهرباء فعلاً أم لتخزين وبيع المياه، ثم أسباب تحفظات مصر على سد النهضة والرد على المزاعم الإثيوبية، والحلول المقترحة للخروج من أزمة سد النهضة.

  تتمثل خطورة هذا الأمر في أن دول المنابع تشكِّل أغلبية دائمة بسبع دول ضد دولتي المصب. كذلك ألغت الاتفاقية أيضًا بند الإخطار المسبق لدولة المصب قبل بناء السدود رغم أن هذا البند خصَّصت له اتفاقية الأمم المتحدة للأنهار غير الملاحية العابرة للحدود، ثمانية بنود من إجمالي 37 بندًا، تشرح ما ينبغي أن تقوم به دولة المنبع عند إقامتها سدًّا؛ وذلك بأن تقوم بجميع الدراسات التي تسبق إقامة السدود والتي تتضمن الدراسات الهيدرولوجية والبيئية والاقتصادية الاجتماعية وأن تسلِّمها لدولة/ دول المصب للنظر فيها لإقرارها أو رفضها. وبعدها يتم رفع الأمر إلى الأمم المتحدة للتحكيم بين الدولتين، لكن إثيوبيا لم تقم بهذه الدراسات وفرضت على مصر مشاركتها في تكاليف عمل المكتب الاستشاري.

  إمعانًا في الهيمنة على كامل مياه النهر وضعت الاتفاقية نصًّا يمنح السيادة الكاملة لكل دولة من دول المنابع على مواردها المائية العابرة للحدود، وحقها في الحصول على ما تحتاجه من حصص مائية بصرف النظر عن حاجة دولة المصب، وبصرف النظر عن وجود الموارد البديلة أو ما تمتلكه من بحيرات عذبة تستفيد بها وحدها بعيدًا عن شراكة دولة المصب. كذلك نصَّت اتفاقية عنتيبي على أهمية الحفاظ على المستنقعات حفاظًا على التنوع والتوازن الإحيائي، بالإضافة إلى إعطاء الهيمنة والسيادة المطلقة للدول التي تقع فيها هذه المستنقعات لإقرار ما يخصها وبالتالي عدم اعتبارها ضمن الموارد المشتركة لدول حوض النهر بل موردًا خاصًّا بكل دولة.

 والهدف من ذلك هو قطع الطريق على مصر لتنمية مواردها المائية من الخارج، باستقطاب مياه المستنقعات الكثيرة المنتشرة في دول المنابع خاصة مستنقع "الصد" Sudd جنوب السودان والذي يُصنَّف بأنه المستنقع الأكبر للمياه العذبة في العالم، ويفقد سنويًّا على الأقل 30 مليار متر مكعب من المياه القادمة من منبع البحيرات الاستوائية الكبرى والتي كانت هدفًا في سبعينات القرن الماضي لإنشاء قناة جونجلي لاستقطاب جزء من مياه هذا المستنقع للاستفادة منها مناصفة بين مصر والسودان الموحدة قبل تقسيمها.

  لقد رفضت مصر والسودان هذه الاتفاقية، واعتبرتاها اتفاقية تشقُّ العلاقة بين دول حوض النهر وتشق وحدة الصف بينها، وقام البلدان بتجميد عضويتهما في مفوضية حوض النيل NBI، بينما وقَّعت ست دول على الاتفاقية، وهي: إثيوبيا ومعها خمس دول من دول منابع البحيرات الاستوائية العظمى، وهي: كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وبوروندي، بينما رفضت التوقيع دولة الكونغو الديموقراطية ومعها جنوب السودان بعد الانفصال بالإضافة إلى إريتريا التي اكتفت بصفة المراقب.

  هنا اعتبرت مصر أن إثيوبيا قامت باستقطاب دول منابع النيل الأبيض في ما لا ناقة لها فيه ولا جمل، وتوريطها في مشاكلها مع مصر، ظنًّا منها أن الأنهار التي تنبع من الأراضي الإثيوبية هي أنهار إثيوبية خاصة، وأن مصر تستولي على هذه المياه وهي سبب تقدم مصر وسبب تخلف وتراجع إثيوبيا. حقيقة الأمر، أن سدود دول منابع النيل الأبيض لن تؤثر سلبًا على حصة مصر من المياه لأن نسبة مياهها تبلغ 15% فقط من إجمالي تدفقات مياه نهر النيل وبما لا يزيد عن 13 مليار متر مكعب، وأن دول منابع النيل الأبيض مهما أقامت من سدود فلن تستقطع أكثر من 50% من هذه المياه (أي نحو 6 مليارات متر مكعب)؛ وهو ما تستطيع مصر والسودان أن تتحمله مناصفة فيما بينها بمعدل 3 مليارات خصمًا من حصة كل دولة، كما تنص اتفاقية 1959 لإقامة السد العالي، بالإضافة إلى الحقيقة العلمية بأن أي سدود تقيمها دول منابع النيل الأبيض سوف تؤثِّر على مصالحها فقط من دون التأثير على مصر، لأن من المعروف أن كل مياه الأنهار القادمة من رواندا وبوروندي والكونغو وكينيا وتنزانيا تصب في بحيرة فيكتوريا بشكل أساسي والتي تعتمد عليها هذه الدول اعتمادًا كاملًا كمصدر لمياه الشرب والصناعة وصيد الأسماك بل وكمصبٍّ لمخلفاتهم الصحية والصناعية أيضًا. وبالتالي فإن أي انخفاض في منسوب بحيرة فيكتوريا سوف يؤثر على مصالح دول المنابع الثلاث الكبرى المطلة على البحيرة، وهي: كينيا وتنزانيا وأوغندا، مما يجعلها تحرص على إقامة السدود بمواصفات لا تؤثِّر على مستوى المياه في فيكتوريا وأنشطة هذه الدول المتعددة في هذه البحيرة الحيوية.

والحقيقة أن الأنهار الثلاثة القادمة من إثيوبيا (النيل الأزرق وعطبرة والسوباط) وروافدها تمثل نحو 85% على الأقل من إجمالي مياه نهر النيل، وبالتالي فهذه الكمية والتي تُقدَّر بنحو 72 – 73 مليار متر مكعب هي المستهدفة تمامًا من إثيوبيا والتي من أجلها استقطبت دول منابع النيل الأبيض من أجل الاستقواء بها لعزل مصر وإظهارها كما لو كانت في جانب وحدها ضد أغلبية دول الحوض، وثانيًا: من أجل ضمان حصول إثيوبيا على الأغلبية المطلوبة من الأصوات عند التصويت على الموافقة على إقامتها لسدودها المقترحة على الروافد الثلاث للأنهار التي تخرج من أراضيها (النيل الأزرق وعطبرة والسوباط). ومع ذلك لم تطبِّق إثيوبيا هذا الأمر عند إقامة سد النهضة ولم تدعُ جميع دول الحوض بما فيها مصر والسودان للتصويت على إقامتها للسد، كما تنص اتفاقية عنتيبي، والحصول على الأغلبية، بل أقامت السد من طرف واحد في تجاهل تام لباقي شركائها وحلفائها سواء في النهر أو في اتفاقية عنتيبي. وهذا ما قد يوضِّح لدول منابع النيل الأبيض كيف أن إثيوبيا جمعتها للاستقواء بها فقط ضد مصر وليس للعمل لصالحها أو لصالح المياه القليلة التي تخرج من أراضيها.

كان ينبغي لمصر أن تقطع الطريق على هذا المخطط الإثيوبي بالتفاهم والتقارب مع دول منابع النيل الأبيض، بل وإعلانها إلغاء اتفاقية 1929 معها وحقها في إقامة السدود بتفاهمات مع مصر ودعمها وليس بموافقة إثيوبيا واشتراطاتها. وهنا تجدر الإشارة فيما يخص التفاوت في التقديرات أن نسبة المنابع الحبشية التي تضم إثيوبيا وإريتريا 85% من إجمالي مياه نهر النيل البالغة 84 مليار متر مكعب أي نحو 72 مليار متر مكعب، بينما يأتي من منابع النيل الأبيض نحو 15% من مياه النهر أي ما بين 12–13 مليار متر مكعب. علمًا بأن النسب قد تتفاوت تفاوتًا طفيفًا في المراجع التي درست الموضوع، وذلك لأن إثيوبيا وبعض المراجع تعتقد أن ما يأتي من إثيوبيا نحو 86% وليس 85%، كما أن الرقم الثابت لنهر النيل، وهو 84 مليار متر مكعب (72 متر مكعب من إثيوبيا + 12 متر مكعب من منابع النيل الأبيض) هو رقم متوسط وليس ثابتًا. ولذلك نتعامل معه على أنه ما بين 84 مليار إلى 85 مليار متر مكعب وأن ما يأتي من إثيوبيا يتراوح بين 85 إلى 86%. أما اختلاف ما ينبع ويأتي من النيل الأبيض فهو بسبب ما يُفقَد في مستنقعات جنوب السودان، وبالتالي يصل منها ما بين 12 إلى 13 مليار متر مكعب ويُفقَد في المستنقعات 30 مليار متر مكعب أخرى.

  هنا يبقى السؤال: أين كانت مصر من هذا المخطط؟ ولماذا صمتت على استقطاب إثيوبيا لدول منابع النيل الأبيض حتى توقيعها على اتفاقية عنتيبي؟ مخاطر الوضع الجديد تثير قلقاً بالغاً في الشارع المصري فور انتهاء اجتماع الدورة السابعة عشر لوزراء مياه الدول المعنية بسد النهضة، مصر والسودان وإثيوبيا، لبحث تقليل تداعيات السد على مصر، وضمان عدم حدوث ضرر بالغ أو ذي شأن على مصر فيما تعوَّدت على استلامه من مياه النهر عبر مئات السنين، وأصبح الشعب المصري يراه حقًّا مكتسبًا لا ينبغي المساس به أو أصبح عرفًا له قوة القانون، خاصة في ظل الزيادة السكانية وتغيّرات المناخ والعجز المائي.