"ثورة" ماكرون: أصغر رئيس في تاريخ فرنسا

يتساءل إيمانويل ماكرون: هل تظنون كل ما في الكتاب هو مجرد أحلام؟ فيجيب: "أنها الثورة الديمقراطية التي يجب أن ننجحها. هذا هو خيارنا الذي لا أعرف خياراً أفضل منه.

كتاب "ثورة" الرئيس الفرنسي ماكرون

يبدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون  مقدمة كتابه "ثورة" الصادر عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت، بقوله: "إن مواجهة العالم تجعلنا نستعيد الأمل".

ويستأنف في المقدمة: يعتقد بعض الناس أن بلادنا تمر في مرحلة انحطاط، إن حضارتنا تُمحى. ويتخيل البعض أن بوسع فرنسا الاستمرار في التقهقر الهادئ. وأن لعبة التناوب على السلطة بين اليمين واليسار تكفي لكي يلتقط الفرنسيون أنفسهم. وتتكرر الوجوه والأشخاص أنفسهم، منذ سنوات طويلة.

لقد دخلنا عصراً جديداً في العولمة الرقمية، اللامساواة المتزايدة، الخطر المناخي، النزعات العرقية الجغرافية. وهذا تحول كبير لا يمكن مواجهته بالاشخاص والأفكار ذاتها، أو بتصور العودة للوراء، او من خلال التفكير البسيط في إصلاح أو ضبط مؤسساتنا.

علينا أن نواجه الحقيقة معاً، وأن نناقش التحولات الكبرى الجارية. الفرنسيون أكثر إدراكاً من قادتهم لمتطلبات العصر الجديد. فهم أقل امتثالاً وتعلقاً بهذه الأفكار الجاهزة التي تكفل الترف الفكري للحياة السياسية. علينا التخلي عن عاداتنا: دولة ومسؤولين.

إن أردنا التقدم نحو القرن الحادي والعشرين، علينا أن نسير ببلادنا إلى النجاح بما يتماشى مع خطنا التاريخي الصحيح.

يشدد الرئيس ماكرون على أن "الحل موجود فينا، وهو لا يتعلق بلائحة من المقترحات التي لن تتحقق، كما أنه لن يخرج من رحم تسويات عرجاء، بل سينجز بفضل حلول مختلفة تفترض ثورة ديمقراطية عميقة، ويعتمد الحل على وحدتنا، وشجاعتنا، وإرادتنا المشتركة.

يؤكد الرئيس ماكرون أن كتابه هذا "ثورة ديمقراطية"، شرع في تصويرها في ما يلي من صفحات. ليس هنا برنامجاً، أو أياً من تلك المقترحات التي تجعل حياتنا السياسية أشبه بكتالوغ من الآمال الخائبة. بل ستجدون بالأحرى رؤيةً وسرداً وإرادةً، لأن للفرنسيين أنفسهم، إرادة غالباً ما أهملتها حكوماتهم.

ولأن الرئيس الفرنسي ألف كتابه قبل الترشح لمنصب رئاسة فرنسا، فهو يصارح شعبه بان الطريق الوحيد لتطبيق "ثورة ديمقراطية"، هو "أن أرشح نفسي إلى انتخابات رئاسة الجمهورية الفرنسية. لأنه خيار ينسجم مع ما تريدون فعله. إنه خيار فرنسا المقدامة والطموحة، التي يجب إعادة بنائها.

 يروي ماكرون بطريقة سردية مشاور تعلمه وخبرته، فقد تربى في بيت ينظر إلى "التعليم باعتباره تدريباً على الحرية". ويضيف: علمتني جدتي أن اجتهد منذ سن الخامسة، أقضي بقربها ساعات طويلة في تعلم القواعد والتاريخ والجغرافيا، وفي المطالعة قضيت نهارات بأكملها بعد المدرسة أقرأ بصوت مرتفع: شعر موليير، ومسرحيات جان راسين، وكتابات وشعر جورج دوهاميل، وروايات فرنسوا مورياك وهو الكاتب المنسي، وروايات وقصص جان جيونو.

تلك كانت رفاهيتي وهي لا تقدر بثمن. كان لدي أسرة لا تقلق علي، ولا يهمها شيء، أكثر من ذلك الامتحان، وصفاحت الكتابة تلك. وهكذا قضيت حداثتي في بيت الكتب، حياة سعيدة وسط القراءة والكتابة، كنت أعيش إلى حد بعيد على النصوص والكلمات.

لم يكن لدي سوى أفقين اَخرين: البيانو والمسرح الذي اكتشفته  في سن المراهقة. وكان أن التقيت مع بريجيت (زوجته السيدة الأولى) في المدرسة الثانوية، من خلال المسرح. وجرت الأمور خفية ووقعت في الحب. ويعترف الرئيس "ماكرون" أنه كل يوم جمعة يتوجه ليكتب معها على مدى ساعات طوال مسرحية.استمر الأمر شهوراً. وصارت الكتابة ذريعة، وأخذت أكتشف أنني لطالما عرفتها وعرفتني.

وعن فترة انتقاله إلى باريس، يقول الرئيس "ماكرون": خضت أجمل المغامرات، جئت للإقامة في أماكن لا وجود لها إلا في الروايات، وسلكت طريق شخصيات روايات غوستاف فلوبير وفكتور هيغو. كان يحركني التطلع الملتهب لشبان روايات أونوريه دي بلزاك الطموحين.

يعترف الرئيس "ماكرون" بأنه على رغم اكتشافه في باريس، مواهب فريدة حوله، عباقرة حقيقيين في الرياضيات، إلا أنه فضل خلال السنوات الأولى الباريسية، أن يعيش ويحب على الانخراط في منافسة بين الطلاب. يقول: "تملكني هاجس أن أعيش الحياة مع المرأة التي أحببتها".

يشعر الرئيس "ماكرون"  أن تلك السنوات ملؤها السعادة، "من حسن حظي أن التقي حينذاك الفيلسوف الفرنسي المشهور "بول ريكور" في لقاء جرى عندما كان يبحث عمن يؤرشف له وثائقه. تعرفت إلى جانبه على أحداث القرن السابق، وتعلمت التفكير في التاريخ. علمني كيفية التفكير من خلال النصوص في مواجهة الحياة، في عملية تنقل مستمرة بين النظرية والواقع. علمني الرزانة التي يجب من خلالها فهم بعض الموضوعات وبعض اللحظات العصيبة.

كان ريكور يعيش بين النصوص. ويضفي المعنى على اليومي، وعدم التقيد بنظرية لا تحاكي أمور الحياة. المرء هو ما يتعلم أن يكونه من معلميه. ذلك ما كان عليه ريكور: تطلب ناقد، وهوس بالواقع، وثقة بالاَخر. وأنا حظيت بتلك الفرصة.

ويتابع الرئيس "ماكرون": في تلك السنوات، ما حركني ليس مجرد الدراسة والقراءة، بل التصرف ومحاولة التغيير بشكل ملموس. وتوجهت نحو الحقوق والاقتصاد. واخترت العمل العام. وقمت بالتحضير لامتحان الدخول إلى المعهد الوطني للإدارة.

كانت بدايتي كموظف حكومي في سفارة فرنسا في نيجيريا. وفي ذلك الوقت التقيت مع هنري هرمان أحد رجال الأعمال الذي عرفني بميشال روكار رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق.

دراسة  الرئيس "ماكرون" في المعهد الوطني، فسح له المجال للاختيار. فعمل في التفتيش المالي الذي كان أشبه باكتشاف قارة جديدة. قارة إدارية، فرأى فيها مفاتن التجديد. وقد تعلم الرئيس على مدى أربع سنوات ونصف العام دقة المراجعة وغنى التنقل في الميدان، وخصوصية العمل السياسي. "مما جعلني أجوب مدن فرنسا وأقضي فيها أسابيع كاملة. وهي لحظات تعلمت فيها التحليل والإمعان في الاليات التي تحكم الدولة وموظفيها".

بعد تلك السنوات ترك الرئيس "ماكرون" "وظيفة الدولة" ليعمل في مصرف روتشيلد للإستثمار 4 أعوام ، وبتوجيه من مصرفيين محنكين، تعلم تلك المهنة الغريبة المكونة من القدرة على فهم القطاع اقتصادي تحدياته.

عام 2012 اختار الرئيس "ماكرون" ترك العمل المصرفي، وعمل بطلب من الرئيس السابق هولاند في قصر الأليزية كأمين عام مساعد، يهتم بقطاع الاقتصاد واليورو.

عام 2014 طلب الرئيس "ماكرون"  تحريره من منصبه الرسمي، فما كان من الرئيس هولاند  أن استدعاه لتولي وزارة الاقتصاد والصناعة.

ويؤكد الرئيس "ماكرون"  مراراً في صفحات كتابه مشاركة بريجيت له طوال كل هذه السنين، حيث تزوجا عام 2007. ويستطرد قائلاً: "لم أفهم إلا في وقت لاحق جداً أن إرادتها في جمع حياتنا كانت شرط سعادتنا".

في نهاية الكتاب يرد الرئيس "ماكرون" على من يواجهه بأنه إبن النظام، وما الدرس الذي ستمليه علينا؟ بقوله: يقتنع عدد من السياسيين بأننا بحاجة إلى قواعد جديدة، قوانين جديدة، فيما يطرح البعض دستور جديد.

 وينبه الرئيس "ماكرون" إلى معدن الرجال. عندما شارك السياسيون والمسؤولون الرفيعو المستوى في المقاومة خلال الحرب العالمية الثانية، أو قضوا عدة أشهر على رأس الوحدات المدرعة، لم يتصرفوا بطريقة نفسها. لكن الواضح أن الأخلاق العامة والحس بالتاريخ ونوعية إنسانية القادة لم تعد كما كانت عليه. مواطنون لا يلمسون ذلك. حيث يغذي غضب مواطنينا أو رفضهم، هو اقتناعهم بأن السلطة في أيدي قادة لا يهتمون بهم.

لقد قال الجنرال ديغول عام 1964 عبارة لا يزال صداها يتردد إلى اليوم: "إن الدستور هو روح، وعلى من يتولى السلطة أن يحوله مؤسسات وتطبيقاً". فروح مؤسسات الجمهورية الخامسة، كما يضيف تنبع من الحاجة إلى ضمان "كفاية السلطات العامة واستقرارها ومسائلتها".

يختم الرئيس "ماكرون" كتابه، بقوله: هل تظنون كل ما سبق هو مجرد أحلام؟ فيجيب: "إنها الثورة الديمقراطية التي يجب أن ننجحها. هذا هو خيارنا الذي لا أعرف خياراً أفضل منه.