"ماذا حدث للمصريين؟"

يستعرض الكاتب جلال أمين في كتابه "ماذا حدث للمصريين؟" التطورات التي طرأت على الشخصية المصرية، مقدمًا عبر صفحاته تشريح مدهش وتحليل دقيق للمجتمع، في الفترة بين عامي 1945 و1995، حيث قسم المجتمع لثلاث طبقات.

رحيل جلال أمين صاحب "ماذا حدث للمصريين؟"

توفي صباح الثلاثاء الماضي المفكر والكاتب المصري الدكتور جلال أمين عن عمر يناهز الـ 83 عاماً. وقد ترك خلفه إرثًا فكريًا، حيث ساهم الرجل في إثراء المكتبة العربية والعالمية بما يزيد عن 30 كتابًاً، ما بين الاقتصاد والتاريخ والسياسة والأدب.

ولد أمين في القاهرة عام 1935، وتخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1955، وحصل على الماجستير والدكتوراة من جامعة لندن، كما شغل عدة مناصب منها أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق بجامعة عين شمس، من 1965 إلى 1974، وعمل مستشارًا اقتصاديًا للصندوق الكويتي للتنمية من 1974 إلى 1978، وأستاذًا زائرًا للاقتصاد في جامعة كاليفورنيا من 1978 إلى 1979، وأستاذًا للاقتصاد بالجامعة الأميركية بالقاهرة من 1979حتى رحيله.

ينتمي المفكر الراحل جلال أمين إلى عائلة علمية معروفة، فوالده هو القاضي والأديب أحمد أمين صاحب الكتاب المشهور "حياتي"، وعضو مجمع اللغة العربية وعميد كلية الأداب جامعة القاهرة ومدير الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية سابقًا، وشقيق الدبلوماسي المعروف السفير حسين أحمد أمين.

كان آخر ما تركه أمين كتابه "محنة الدنيا والدين فى مصر" الصادر عن دار الشروق عام 2013، وفيه يتناول طبيعة العلاقة بين الدين والدنيا، وعلاقة الدين بالديمقراطية، وأثر "الفكر الاستهلاكي" على الدين، ثم أثر كل ذلك بالتطور الكبير الذى طرأ على نظرة المصريين للعلاقة بين الدين والدنيا.

ويعد كتاب "ماذا حدث للمصريين؟" الصادر عام 1998 وأعيد طبعه عدة مرات، أبرز المؤلفات أمين التي تركت أثرًا في الوسط الثقافي المصري. ففي نفس العام زرت المفكر المصري أنور عبد الملك، وهو العربي الأول المتخصص بشؤون الشرق الأقصى، وعندما بدأت أسئلتي حول أمريكا والصين، أجابني مباشرة: أترك لي هذه الأسئلة،الاَن صدر كتاب "ماذا حدث للمصريين؟" في مصر، يعتبر من أهم ما صدر هذا العام ،إذهب وإشتريه ،فسعره رخيص. وأضاف أن هذا الكتاب هو أغنية مصر حيث أحدث حالة نقاش بين المثقفين حول الشخصية المصرية.

يقول جلال أمين عن فكرة كتابه: "كانت تدور في رأسه قبل صدوره بعشر سنوات، في محاولة لرصد الحراك الإجتماعي، خاصة أنه شكّل وقتذاك الرابط القوي بين معظم الظواهر الجديدة على المسرح المصري". ويؤكد أمين أن نجاح الكتاب يعود إلى إسمه "ماذا حدث للمصريين؟".

يستعرض أمين في كتابه "ماذا حدث للمصريين؟"، التطورات التي طرأت على الشخصية المصرية، مقدمًا عبر صفحاته تشريح مدهش وتحليل دقيق للمجتمع، في الفترة بين عامي 1945 و1995، حيث قسم المجتمع لثلاث طبقات: مرتفعة ومتوسطة ومنخفضة الدخل. وقارن بينهم وتناول التغييرات التي حدثت لكل طبقة فيها.

يحاول أمين البحث عن سبب الأزمة الأساسية التي يعانيها المجتمع المصري، ويشبه الحراك الإجتماعي المصري بعمارة كبرى، فيقول: "الصورة المرسومة في ذهني هي عمارة كبيرة قرر سكان أدوارها العليا النزوح إلى الأدوار السفلى، بينما قرر سكان الأدوار السفلى النزوح إلى الأدوار العليا، وبينما الكل ينتقل بأولاده وأطقم ملابسه ومحتويات منزله، تقابلوا على السلالم، فما الذي سوف يحدث؟ هذا هو ما يجري الآن على المستوى الاجتماعي".

ويرى أمين أن أهم عوامل هذا الحراك تتلخص في: هجرة كثير من مصريي القرى والأرياف إلى دول الخليج، وتتدفق أموال النفط إلى أهليهم ثم يعودون ليكونوا في طبقة اجتماعية أرقي من التي هاجروا بها، لكنهم مازالوا محتفظين بأساليب حياتهم السابقة، رغم محاولاتهم الظاهرة في تقليد الطبقة الأعلى، فكان لذلك أثر على الحياة الاجتماعية المصرية بشكل عام، كذلك التبعية الاجتماعية للحياة الغربية ـ بخلاف التبعية السياسية ـ فهناك حالة من الانبهار بالحياة الاجتماعية الغربية ومحاولات تمثل أساليبها التي تتصور شرائح اجتماعية معينة في مصر أن مجرد تقليدها للغرب هو تعبير عن التقدم والحداثة. ويرى أمين خطورة هذه التبعية وتهديدها للقيم وهوية الشعب المصري، ويرى في مثل هؤلاء التابعين أشبه بأعوان الاستعمار، فهو لا يفرق ما بين الاستعمار وهذه التبعية، وإن اختلفت الوسائل.

ويضرب أمين أمثلة عن التباين الاجتماعي الذي يسميه مرة "الصعود الطبقي" ومرة أخرى "التنافس الإجتماعي"، بين شبابه وبين اليوم.

فعندما كان بالجامعة كان عدد الطلاب الذين يحضرون بسيارات خاصة بهم اثنين فحسب، أما باقي الجامعة فكانوا يرتادون المواصلات العامة.

وفي مسألة أعراس الزواج، ففي منتصف القرن الماضي كانت الأسر المصرية العريقة تحرص على إقامة حفلات زفاف الأنجال في المنازل، وأنه من العيب استضافة ضيوف الحفل خارج المنزل يكفي أن يمتلك الشخص حديقة بسيطة حتى يقيم فيها الفرح أو فوق سطح المنزل أو في الشارع. لكن منذ منتصف السبعينيات ومع تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي برزت على السطح شريحة كونت الكثير من الثروات، ووجدت أن الوسيلة الوحيدة لإظهار ثرائها وانتقالها من طبقة اجتماعية متواضعة إلى طبقة أعلى، هي إقامة حفلات زفاف أولادهم في الفنادق، وتغيّر مكان الفرح إلى الفنادق، إلى درجة إحضار أغلى الأشياء في الفرح، ليس لأن العرس يحتاج إليها، ولكن لمجرد أن الجميع يعرف أن هذا هو أغلى ما في السوق، وحتى يُدرك الجميع أنه فرح ينتمي إلى الدرجات العليا.

وينقل جلال أمين عن أحد الكتاب قوله في تشخيصه لإحدى سمات المجتمع التكنولوجي الحديث: إن "الأفعال" تتحول أكثر فاكثر إلى "أسماء"، فالمشي على الاقدام يتحول إلى سيارة، وغسيل الملابس يتحول إلى غسالة كهربائية، وتبادل الحديث بين أفراد الأسرة يتحول إلى تلفزيون". وهكذا نرى في حفلات الزفاف، فأنت لا تحتفل بزواج بل تشتريه .

ذيوع التغريب في المجتمع المصري وتقليد نمط الحياة من قبل طبقات حديثة العهد بمستوى الدخل العالي والتعليم الأجنبي مع هجمة الإعلام الغربي. فاختلف نمط التغريب الجديد عن ذلك الذي مارسته الارستقراطية الزراعية والرأسمالية الكبيرة فقد صار أكثر سطحية وأشد تعجلا متصلا بالمظاهر الخارجية أكثر من القيم والعقائد، ويتعلق بسلع الإستهلاك أكثر من أنماط التفكير ..فيزداد تفضيل كل ما هو أجنبي، أمريكي على كل ما هو وطني مصري إقبالا على تقليد الزي الأميركي وأنماط قص الشعر والرقص على الطريقة الأميركية وتفضيل المأكولات السريعة وغيرها.

مع تغير المناخ الثقافى، اعترى اللغة الدارجة تغير لافت للنظر، ودخلت تعبيرات حرفية جديدة مثل لفظ "الريس والباش مهندس للكهربائى والدكتور للميكانيكي" تعبر عن هذا التغيير فى التركيب الطبقى. وشاعت كلمات "طنش وفوت وماشي" وزاد إقحام كلمات انجليزية بلا مبرر مع الإفراط فى استخدامها فى تسمية المتاجر والمأكولات. وحتى الموسيقى دخلتها معانٍ وألحان سوقية لم يكن يقبلها الذوق العام، وقدمت السينما أنماطًا تستجيب لرغبات الطبقات الجديدة، وصارت أكثر الأفلام نجاحًا هى تلك التي تسخر من القيم الراسخة.

حاز جلال أمين على العديد من الجوائز والأوسمة التقديرية، منها جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية 2013، وجائزة مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية التي تمنح للأعمال المتميزة وللمساهمات الغنية في الأدب العربي عام 2010، كما حصل على جوائز أخرى عديدة مثل جائزة الاقتصاد من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ووسام الاستحقاق للعلوم والفنون من رئيس جمهورية مصر العربية، وجائزة الدولة للاقتصاد.