الإبداع عند الطلب: كيف نعزز شعلة العبقرية؟

من المفيد ألا يكون المرء قاسياً على نفسه بل حتى عليه أن يكون رحيماً بها، وأن يشجعها في خالة الإخفاق، لأن التعاطف مع الذات يسهل الأصالة الإبداعية. قراءة : عبير بسام

كتاب "الإبداع عند الطلب" للكاتب مايكل غِلب

الإبداع عند الطلب، كتاب صادر عن دار الخيال في العام 2016. الكتاب من تأليف مايكل غِلب. وقد ترجمه للعربية كل من د. محمد ياسر حسكي ومنال الخطيب. يتحدث الكتاب في 240 صفحة عن إدارة مختلفة لحياتنا والتي تعتمد على تنظيم الطاقة الكامنة منا أو تلك التي نستمدها من الكون بحيث نستخرخ قدرات مكمونة في ذاتنا يمكنها أن تجعلنا خلاقين أكثر ومبدعين أكثر في أي مجال من مجالات الحياة وإن لم نكن نملك الموهبة. وفي هذا تكمن أهمية الكتاب.

يقول د. مناهل ثابت، الذي قدم الطبعة العربية وهو نائب عميد كلية الموهوبين في بريطانيا، عن مؤلف الكتاب أنه "ظاهرة" في مجال الفكر والأدب المعاصر، وأن الكتاب يتميز بنكهة دافنشية من شأنها أن تجعل حياة الفرد أفضل. فالكتاب يشرح أهمية الخيال في إنتاج الإبداع عند الأفراد، والإبداع هو التوظيف لهذا الخيال من أجل تطوير مقدراتنا للوصول إلى حياة أفضل، الأمر الذي يمكن ترجمته على أنه "قوة الحياة" أو "الطاقة الحيوية". وسنكتشف من خلال الكتاب أن "شعلة العبقرية" هي أكثر من مجرد استعا مجازية فهي شكل من أشكال الفطرة لدى الإنسان، وهي التي تمده بأسباب البقاء حتى نهاية العمر.

يشرح الكاتب مدى تأثره بكتاب "من غيّر مكان جُبنتي؟" لسبنسر جونسون. وهو كتاب مدهش من أجل التعامل مع التغيير في عملك وحياتك. ومن ثم تبعه كتاب "أنا غيرت مكان جبنتك: إلى أولئك الذين يرفضون العيش كفئران في متاهة الأخرين"، لـلكاتبة ديباك مالهوترا، البروفيسور في إدارة الأعمال في جامعة هارفرد. كان لهذين الكتابين عظيم الأثر في الكتاب الموضوع بين يدينا اليوم. ومن الجدير قوله إن الكتاب يقدم الحل الذي يكون ممكناً بإدارة الطاقة لا في إدارة الكون.

يرجع غلب في كتابه إلى الكتابات التي كانت قبله حول الطاقة والقوة السرية في الكون، ومنهم لين ماك غارت اذ يرى في تعبيره في كتابه " البحث عن القوة السرية في الكون"، "أننا في جوهرنا لسنا تفاعلات كيميائية، بل شحنة في الطاقة. وإن البشر وجميع الكائنات الحية هم عبارة عن اندماج الطاقة في حقل طاقة متصل بكل كائن حي في العالم. إن حقل الطاقة النابضة هذا، هو المحرك المركزي لكينوتنا ووعينا". أساس يشرح من خلاله دور طاقة "تشي" في الوصول إلى الإبداع.

يبدأ الفصل الأول بنقاش حول طاقة "تشي" والتي تؤثر بنا كتأثير رائحة التفاحة الطازجة والتي تستطيع أن تستقطبنا، في حين أن رائحة التفاحة الفاسدة تبعدنا عنها. ولكن للوصول إلى مرحلة الإستقطاب لا بد من القيام بمجموعة من التمارين والتي لها علاقة بالتنفس والجسد والتي يمكن من خلالها استقطاب طاقة "تشي"، والتي تعني "نار الحياة التي لا شكل لها". كما يجب الإحتفاظ بهذه الطاقة نقية ومباشرة، وأن نبقي القنوات مفتوحة معها، والجسد هو الهوائي الذي يقوم بالتقاطها، ومن ثم يقوم بتحويلها إلى نماذج اهتزازية تتماشى مع الهدف الإبداعي الأكبر الذي يريد الفرد أن يحققه.

ولتحقيق ذلك يجب معرفة النقاط المهمة في الجسد التي يمكنها أن تمتص طاقة "تشي" أو يمكنها أن تمر عبره لتصل من الأرض إلى السماء. وهذا ما يشرحه الكتاب من خلال تمارين خاصة يفصل كيفية أدائها. هذا الإنسجام مع طاقة "تشي" هو الذي يمكننا من حل المشاكل التي كان يبدو لنا أنها عصية على الحل، وبطرق غير متوقعة. كما أن طاقة "تشي" هذه يمكنها أن تكون الحل لكثير من الأمراض التي نصاب بها، وقد أوصى بممارسة تمارينها عدد من الأطباء المشاهير مثل الدكتور محمد أوز.

والحقيقة أن الكاتب يستعمل أسماء العديد من المشاهير الذين يستخدمون هذه التقنية من أجل حل مشاكلهم أو التطوير في عملهم أو الحفاظ على صحتهم، مثل أوبرا وينفري ووودي آلن وغيرهما.

يقدم القسم الثاني من الكتاب الطرق والخطوات المناسبة التي يجب اتباعها من أجل "إتقان طريقة التفكير الإبداعية" بعد أن قدم في القسم الأول "الإبداع عند الطلب". ويشرح كيف يتم اعتناق طريقة الإبداع.

صحيح أن الإبداع هو أمر يتعلق بالموهبة ولكن ما يريد الكاتب قوله هو إنه يمكننا أن نكون مبدعين إذا أردنا، ولكن من خلال اعتماد طريقة التفكير الإبداعية، فجميعنا يمكننا أن نكون ليوناردوا دافنشي اذا أردنا ذلك.

فطرية تفكيرنا الإعتيادية تشير إلى حالة عاطفية أو حالة ذهنية وضعنا بها من خلال مواقف خاصة في حياتنا. وهي تعبّر عن حالة "جسدية- طاقية". ولذلك فإن من يتمّيزون بالتفكير الإبداعي هم أشخاص ليس لديهم طريقة تفكير ثابتة، بل يتمتعون بطرق تفكير متطورة وأهم أكثر مرونة والتزام بالتعلّم مدى الحياة.

ويرى الكاتب غلب أن من المفيد ألا يكون المرء قاسياً على نفسه بل حتى عليه أن يكون رحيماً بها، وأن يشجعها في خالة الإخفاق. لأن التعاطف مع الذات يسهل الأصالة الإبداعية، وهذا ينبع من مبدأ تغيير الحوار الداخلي من التركيز على نقد الذات إلى التعاطف مع الذات والذي ينتج نقاطاً أعلى في اختبارات الإبداع.

في هذه المرحلة كما في المراحل السابقة يجب اتباع طريقة "تشي" في توجيه الطاقة من خلال الحركات والوضعيات التي يضعها الكتاب، والتي يجب الإطلاع عليها بشكل مباشر وتعلّمها وممارستها. مع الإنتباه إلى وجوب تحديد ما يريد المرء فعله بشكل مباشر وتحديد الهدف المرجو الوصول إليه.

يرتبط الإبداع باستعادة الطفولة والروح المرحة. فالمرح هو من أهم سمات المبدعين، وبالتالي تبنّي المزاج الجيد وروع الدعابة والضحك. فالضحك يقوي الجهاز المناعي ويحسّن المزاج وينشط طاقة "تشي" لدى الإنسان. ومن ثم عليك أن تضع الهدف أمامك لتصل إليه.

يضع غلب مجموعة من التعليمات من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة، وهي من الأمور التي تعلمناها جميعاً والتي تتعلق بالقيام بالعمل بالشكل الصحيح، ومنها أن يكون الشخص شجاعاً ومثابراً. وفي هذا الإطار على من يريد أن يصل إلى الإبداع أن يرعى طاقة "تشي" من خلال التمارين الخاصة التي يعرضها الكتاب. كما أن على من يبغي الإبداع أن يكون مقدراً للجمال والمسارات الحسية وعجائب الطبيعة، ومجموعة العناصر هذه هي التي تلهم الإبداع والقوى التي ترعاه، والتي هي ذات أصول قديمة ويجب تقدير هذه القوى والتواصل معها وتقديسها.

وأخيراً، يجب اتقان العملية الإبداعية. فتبنّي طريقة العمل الإبداعي لا يعني بالضرورة أن يكون الشخص عبقرياً؛ ولكن ذلك لا يمنع من تعلّم طريقة التفكير كعبقري. وحتى المشاكل الأكثر تعقيدأ لا بدّ أن لها أكثر من طريقة حل واحدة. ولكن عليك في البداية أن تجمع المعلومات، وخلال مرحلة الجمع لا بدّ أن تمر على ما هو جديد وبعيد عن المألوف. ولذلك استمتع وأنت تجمع المعلومات.

ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة تولّد الأفكار، وهنا أطلق العنان لنفسك. بعد ذلك يمر الشخص بفترة تسمى الحضانة وهي الفترة التي لا يقوم بها بفعل أي شيء. وفيها يعطي المرء نفسه فترة للتأمل لأن الأفكار المبدعة لا بدّ أن تأتي في اللحظة المناسبة، ولا تنسى أن الحضانة تجعل العملية الإبداعية أكثر فعالية ومتعة. ثم بعد ذلك تأتي مرحلة تقييم القرارات وتقييم المعلومات وسوف ينقلك ذلك إلى عالم غير محدود الإمكانيات. لتأتي بعد ذلك مرحلة العمل.

وعلى المبدع أن يعرف أن هناك فرقاً ما بين الذكاء وما بين الإنجاز الأكاديمي. واعلم أن هناك أنواعاً من الذكاء ومنها التركيبي، وهو الذكاء الأساسي اللازم في مرحلتي التوليد والحضانة. والنوع الثاني من الذكاء هو التحليلي والذي هو أساس الفكر النقدي.

وأخيراً الذكاء العملي وهو لا يرتبط بالإبداع وإنما يرتبط بكيفية تطبيق الفكرة المبدعة؛ وهذا الذكاء هو مفتاح مرحلة التنفيذ بالنسبة لطلاب الماجستير وللفانين المبدعين أيضاً. كما أن الكاتب يوصي بقبعات ذات ألوان مختلفة في كل مرحلة من مراحل إطلاق الفكرة المبدعة.

لربما تبدو التعليمات السابقة هي من الأمور التي نطبقها من أجل التوصل إلى إنجاز أي عمل جديد بأفضل طريقة ممكنة. ولا يغفل أحدنا عن دور جمع المعلومات وفرزها وحضانتها ووزن الخيارات حتى نصل إلى أفضلها. ولكن من الجيد أن نقرأ عن أهمية هذه الخطوات في حياتنا لنصل إلى ما نبتغيه.

هناك العديد من الكتب التي أطلقت في هذا المجال وحتى أن الكاتب مايكل غلب بذاته لديه كتاب آخر حول الموضوع نفسه، وهو "كيف تفكر على طريقة ليوناردو دافنشي"، وهو من الكتب الأكثر مبيعاً.

ولربما كان من المفيد التعمق في حياة المبدعين وفي طرق تنفيذ إبداعهم حتى يتسنى لنا إكتشاف مكنونات ذاتنا. وبالتالي فإن إكتشاف الطاقة التي قد تمكننا من الوصول إلى هدفنا ليس أمراً بالبسيط حتماً، اذا ما كان كل ما سلف دقيقاً.