"الإسلاميون في السلطة": عن تجربة "الإخوان المسلمين" في مصر

نحن أمام كتاب استمد أهميته من موضوعه، وخاصة مع الصعود السريع للجماعات الإسلامية عقب ما سمّي بـ"الربيع العربي"، مع التمدد الحادث لكيانات العنف المختلفة سواء في الداخل المصري أو في مُحيطها الإقليمي وتزايد مؤشرات وصور التطرف، تزامنًا مع أُفول التجربة السياسية للتيارات الدينية واختفاء الزخم الذي سبق ورافق تجربتهم.

كتاب "الإسلاميون في السلطة: تجربة الإخوان المسلمين في مصر"

الكتاب صدر حديثًا عن مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان "الإسلاميون في السلطة: تجربة الإخوان المسلمين في مصر" للباحث المصري أحمد زغلول شلاطة. 

ينطلق الكتاب من إشكالية رئيسة تتعلق بعدم امتلاك جماعات الإسلام السياسي- لتصور/آلية مُحكمة لانتقالها من مرحلة إدارة التنظيم إلى مرحلة إدارة الدولة، لغياب تصور مُحدد عن طبيعة الدولة، فضلًا عن غياب نموذج تطبيقي لتحقيق "الدولة الإسلامية" برغم أنهم -كجماعات لها مشروع سياسي معلن- يستهدفون منذ عقود إقامتها حيث أسهبوا في الحديث عن العائد المحقق منها من دون الحديث عن آليات تسيير شئونها". 

  فمع التمدد الحادث لكيانات العنف المختلفة سواء في الداخل المصري أو في مُحيطها الإقليمي وتزايد مؤشرات وصور التطرف تزامنًا مع أُفول التجربة السياسية للتيارات الدينية واختفاء الزخم الذي سبق ورافق تجربتهم، تزداد الأسئلة حول أي ارتباطية بين مُتغيري التطرف وأُفول تجربة الحكم في ظل دفع المناهضين للتجربة بذلك.

وعليه، يسعى الكتاب إلى تفكيك تلك التجربة بالتركيز على أداء جماعة الإخوان المسلمين في السلطة وبيان تفاعلها مع ملفاتها المختلفة، وما أثارته من إشكاليات كانت لها تداعيات مركزية على البنية الفكرية والتنظيمية لها، إضافة إلى انعكاس ذلك على المسارات المستقبلية المحتملة لفكرة الإسلام السياسي.

   الكتاب يناقش طبيعة "الدولة الإسلامية" المنتظر تحقيقها -عمليًا- وفق فهم المكونات الإسلامية لمسألة الشريعة وآلية تطبيقها. ويتطرق إلى "الإخوان وأزمات السلطة"، إلى أزمات الفكر التي غذّتها ممارسات الجماعة في السلطة، وانعكاسات ذلك على الممارسة السياسية لها في الحكم.

ثم يناقش في فصل "الخروج من التنظيم: مذكرات الثورة"، انعكاسات الانفتاح السياسي على التنظيم وذلك بقراءة الانشقاقات الحادثة في الجماعة وتحليل أبرز المذكرات التي صدرت في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير كانون الثاني 2011. ثم يتحدث الباحث عن "تفاعلات التجربة"، فيتطرق إلى تحليل تفاعلات تجربة الإخوان المسلمين في الحكم مع كل من: التيار السلفي، والمؤسسة الدينية الرسمية، وكذلك العلاقة بالأقباط. كما يتناول "تداعيات التجربة"، فيبحث في تأثيرات تجربة الحكم "تنظيميًا" على كل من: "تنظيم الإخوان المسلمين"، و"الكتلة الإسلامية"، و"العمل الإسلامي الاجتماعي". ويتطرق بعد ذلك إلى أبرز التحديات أمام التنظيم والتي ترسم ملامح مستقبله وأبرزها مسارات العنف المحتملة، وإشكاليات بناء خطاب سياسي، ومسارات الحسم، والوزن السياسي للتنظيم.

 كل ما سبق يدفع أكثر إلى القراءة المتأنية لمختلف جوانب هذه التجربة، بهدف التعرّف على مسببات حالة التطرف الديني والسياسي التي تعاني منها مصر وكيفية تفكيك ذلك؟ وخاصة أنها كنموذج قد يكون مرشحًا للتكرار في فترات زمنية مختلفة ومساحات جغرافية أخرى وإن كانت بدرجات متفاوتة.
  اتسمت السنوات الستة السابقة بأنها كانت فرصة فارقة لعموم التيارات السياسية الدينية للتقدم نحو صدارة المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، في ظل زخم "الربيع العربي"، وخاصة أن هذه التيارات امتلكت أدوات هذا الحضور "كميًا" لطبيعة تنظيماتها وقوتها وحضورها بالتفاعل مع طبقات المجتمع بصور مختلفة، على عكس غالب التيارت المدنية التي تفتقر أدوات التواجد في المجتمع. أما الأدوات "الكيفية" لهذه التيارات فهي تراث تنظيري تكوّن عبر عقود وبشّروا به كثيرًا باعتباره الحل السحري لجميع مشاكل مجتمعاتنا.
 ورغم أن السياقات السياسية التي أتيحت لبعضهم -بدرجات متفاوتة- لم تساهم في بلورة رؤية سياسية واضحة تنعكس في ممارسات هذه التيارات في الحكم فيما بعد. فرغم مشاركات بعض هذه التيارات سياسيًا، إلا أنها ظلت مقتصرة على العمل النقابي والبرلماني، فلم يقترب الإسلاميون من دوائر السلطة العليا سواء في مناصب تنفيذية كالوزارت أو المحافظات، المجالس المحلية.. إلخ، أو في مناصب إدارية في مراكز الإدارة العليا في هيكل الدولة الإداري نتيجة السياسات الأمنية التي كانت تحظر تصعيدهم.
  فنحن أمام قوىّ تبنّت ثلاثة مناهج في التغيير، الأول: ممثل في التيار السلفي الذي يرى إصلاح المجتمعفي بنشر العلم الشرعي وأصول الدين الصحيح بين الناس لتغيير القاعدة، ومن ثم يكون التمدد في الدولة وإقامة الدولة الإسلامية أمراً طبيعيًا.
أما المنهج الثاني فتبنته جماعة الإخوان المسلمين حيث يرون تغيير القاعدة عبر تربية أسرية قوية مع النظر إلى التغيير من أعلى بالمشاركة قدر المستطاع في الحياة السياسية، سواء في النقابات أو البرلمانات المختلفة قدر المساحة السياسية التي تتوافر لهم.
وثالث هذه المناهج تبنّته جماعتا "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" قبل المراجعات، وهو التغيير بالسلاح إذ تبنتا فكرة الانقلابات من أعلى السلطة كأسهل طريقة لإقامة الدولة الإسلامية.
ويُلاحظ الباحث أنه برغم تشارك الجميع في الرغبة في إقامة الدولة الإسلامية، إلا أنهم افتقروا إلى وضع تصور عملي لإدارة الدولة في حال إتاحة الفرصة لذلك. فمن انغمس في التنظير اكتفى بذلك من دون طرح تصور عملي، كذلك غاب برنامج توقيتي محدد لقيام هذه الدولة، وهذا نتاج أمرين:
الأول: غياب فكرة الثورة الشعبية كوسيلة للتغيير عن أجندة الإسلاميين، لذا لم يتوقع أي منهم حدوث ذلك بحيث يترتب على الثورة تغيير نظام الحكم ويُصبحون قاب قوسين من إدارة البلاد، لذا تأخروا في دعمها مكتفين بالقيام بدور المعارضة بدرجات، من دون التفكير عمليًا في الخطوة التالية.
الثاني: أدى غياب الإسلاميين عن مراكز الدولة العليا إلى افتقارهم للفرصة لوضع تصور واضح عن إدارة الدولة والتي لا يعرفون هندستها عمليًا، مما انعكس على أدائهم عندما تقدموا سياسيًا واستلموا مقاليد الحكم فيما بعد.
 وبالنظر إلى التجربة المصرية -موضوع هذه الدراسة- فقد نجم عن هذا الإرتباك الفكري والسياسي لجماعات الإسلام السياسي، سواء جماعة الإخوان المسلمين والتي وصلت إلى سدة الحكم ولم تستطع أن تقترب من أركان الدولة الموروثة من عهد الرئيس حسني مبارك، وذلك لغياب الكوادر الإدارية التي يمكن إحلالها بديلًا عنهم، مما أنتج سيطرة فعلية للدولة العميقة وتوجيه القرار السياسي، فضلًا عن غياب برنامج عملي للحكم أدى إلى تفاقم المشكلات الموروثة، وتزايدها مع غياب حلول ابتكارية. لذا سعت أبرز هذه الجماعات -وهي الإخوان المسلمون- إلى ترويض مراكز القوى بالسعي للاستفادة من مُعطيات الواقع في اتساق مع فكرة الإصلاح التدريجي الذي يحكم التنظيم، ومن أبرز نتائجه غياب ثورية القرارات. كذلك هناك تلك التي لعبت دور المعارضة الإسلامية للجماعة، كجماعة الدعوة السلفية الاسكندرية، والتي أخفقت في بناء بديل إسلامي يمكن إحلاله بديلًا عن "الإخوان" سواء في فترة حكمها أو في مرحلة ما بعد إخراجها من الحكم.
   ورغم أن هذه الجماعات لم تتجاوز عامًا في الحكم بشكل رسمي -وارهاصات قبلها لمدة عام- إلا أن التجربة غير المكتملة تجاوز زخمها لقصر المدة الزمنية، وخلَّفت تداعيات كثيرة بحيث تظل برغم ذلك مادة دسمة للبحث والتحليل.
لقد ظلت النظرة التقيمية -المبدئية تجاه تجربة الإسلاميين في الحكم أسيرة أطروحات عدة متداولة في محيطا، منها أن الأداء الذي ظهرت عليه القوى الإسلامية نتاج ضغوطات الدولة العميقة والفلول، وأن الهدف من عدم ثورية القرارات السياسية للإسلاميين كان سعيهم إلى محاولة كسب هذه القوى أو تحييدها. ومنها أطروحات قالت إن تشرذم الإسلاميين هو السبب مع وجود مؤامرة غربية تجاه الإسلام ومن يمثله، رغبة في إفشال هذا الدين الذي يملك جميع الحلول، وكذلك بوجود رغبة إقليمية في التضييق على النموذج الإسلامي الصاعد لحماية دولهم من إمتداد الثورات إليها. ويرى الباحث أنه وإن كنا نتفق جزئيًا مع بعض جوانب هذه الأطروحات إلا أن نتائج التجربة أعمق من هذه الأطروحات.
  ومن هنا تنطق الدراسة من إشكالية رئيسة تتلخص في أنه من واقع المشاركة العملية بدرجات في الحكم نجد عدم امتلاك جماعات الإسلام السياسي- لتصور/آلية مُحكمة لانتقالها من مرحلة إدارة التنظيم إلى مرحلة إدارة الدولة، لغياب تصور مُحدد عن طبيعة الدولة، فضلاً عن غياب نموذج تطبيقي لتحقيق "الدولة الإسلامية" رغم أنهم -كجماعات لها مشروع سياسي معلن- يستهدفون منذ عقود إقامتها حيث أسهبوا في الحديث عن العائد المحقق منها من دون الحديث عن آليات تسيير شؤونها". وهذا يعود إلى تراكم العديد من الإشكاليات أمام هذه الجماعات سواء "فكريًا" فيما يتعلق بمسائل الدولة والحكم، أيضًا لتراكمات تنظيمية حالت مسارات مكوناتها عبر عقود مضت من دون تجاوزها حيث استمرت آلياتها التقليدية في التجاوب مع أزماتها التي أظهرتها تجربة الحكم من دون استحداث آليات جديدة للتفاعل معها بحكم ما تفرضه التجربة العملية التي أصبحوا في قمتها.
بالتطبيق على جماعة الاخوان المسلمين -كنموذج وصل إلى قمة هرم السلطة- تتفرع من هذه الإشكالية أسئلة عدة منها:
-ما طبيعة المتغيرات الفكرية والتنظيمية في الجماعة في السنوات الخمس الأخيرة ومدى انعكاسها على أدائها السياسي لها في الحكم؟، والتي تُثبت أو لا تُثبت فرضية قدرتها على تحول ممارساتها من فكرة الجماعة إلى فكرة الدولة؟.
-ماهي انعكاسات التجربة على التنظيم من جانب وعلى باقي الفاعلين الإسلاميين من جانب آخر؟.
-ماهي التداعيات السوسيولوجية للتجربة على التنظيم خاصة، ومكوّنات الحالة الإسلامية عامة؟.
وعلى الرغم من قصر عمر التجربة فقد توافرت أسباب عدة دفعت إلى البحث في ملامح هذه التجربة.
-منها ما يتعلق بالموضوع نفسه: بالاقتراب من تجربة أبرز مكونات الحركة الإسلامية في الحياة السياسية المصرية في لحظات تاريخية لا تتكرر كثيرًا.
-ومنها ما هو موضوعي: بالبحث عن أثر زيادة نطاق أو فعالية المشاركة السياسية في زيادة/انخفاض- درجة مركزية التنظيم وانعكاس ذلك على عملية صنع القرار أثناء وجودها في الرئاسة، وتأثيرات الممارسة السياسية على التنظيم.
  الكتاب استهدفت تناول تفاعلات النموذج في الفترة الزمنية من عام 2011 إلى عام 2016 وخاصة أنها تمثل مرحلة هامة من دورة حياة التنظيم لم تحدث مسبقًا ويصعب تكرارها على المدى المنظور. فما بين مراحل أربع مرّ بها التنظيم، تدور فكرة الكتاب حيث يناقش في طوريه الأولين "الظهور والالتحام" تاريخ بداية الصعود السياسي للإسلاميين عامةً، وعلى رأسهم جماعة الاخوان المسلمين، عقب تنحي مبارك عن الحكم وتقديم الجماعة بمرشحها للرئاسة، مرورًا بمرحلة "البيروقراطية" والمتمثلة في فترة الحكم وتفاعلات التجربة، انتهاءً بالطور الأخير "التراجع"، ممثلًا في مرحلة ما بعد عزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز يوليو 2013، واستمرار التصعيد ضد خلفه الرئيس عبد الفتاح السيسي من وقتها حتى لحظة كتابة هذا الكتاب.
  الكاتب يرجع تركيزه على جماعة "الإخوان المسلمين" كدراسة حالة بسبب الرمزية الكبيرة التي تمثلها الجماعة في الخيال السياسي للإسلاميين، باعتبارها الجماعة الإٍسلامية الأم سواء بين التيارات الإسلامية في مصر أو خارجها. كما تمثل تحولات التجربة نموذجًا فارقًا في تاريخ وممارسات جماعات الإسلام السياسي خاصة في ظل وجود نموذج تونسي موازٍ ومعاصر هو "حركة النهضة" اختلف مساره السياسي عن مسار إخوان مصر.
  اقتصر الكاتب في تناوله لتفاعلات الجماعة مع مسألة الحكم، على المستوى الداخلي المصري مع بعض الإشارات إلى دوافع بعض التحركات الخارجية، إتساقًا مع رغبته في التعرّف على مدى قدرة جماعات الإسلام السياسي على التفاعل مع مسألة الحكم، خاصة وأن التجربة كانت لها تمايزات لأسباب جغرافية وسياسية عن باقي تجارب دول الثورات العربية التي صَعَّدت بالإسلاميين إلى سدة الحكم.
  قد يكون الكاتب أهمل ما اتجهت إليه جميع أنظار الجهات الفاعلة والمراقبين الدوليين نحو التيار الإسلامي في مصر، وذلك بعد الإطاحة بنظام حسني مبارك في 11 شباط فبراير 2010، وترقب الجميع كيفية دمجه في المعادلة السياسية، ليحل محل القوى الحاكمة الأوتوقراطية التاريخية.
وجاء ما لم يتوقعه التيار الإسلامي، في صيف عام 2013، عندما تدخلت المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية بإسقاطها "محمد مرسي"، ليتم تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا "عدلي منصور" رئيساً مؤقتاً للبلاد، بينما تحكمت المؤسسة العسكرية على مجرى الأحداث في الواقع. وما تم من الإسلاميين من حشد مؤيديهم للاعتصام في ميداني "النهضة" و"رابعة العدوية"، وبالرغم من تنوع أدواتهم الجماهيرية والمحلية والإقليمية والدولية، إلا أن ذلك لم يمنع النظام المصري من فض اعتصام "رابعة" في 14 آب أغسطس، مخلفاً العديد من القتلى والجرحى، لكي تبرهن المؤسسة العسكرية بشكل نهائي على إحكام سيطرتها على كل من الدولة والمجتمع.
  لقد حدث إقصاء سياسي واجتماعي لجميع مكونات التيار الإسلامي، بمن فيهم «الإخوان المسلمين» (حزب الحرية والعدالة)، و«الجماعة الإسلامية» (حزب البناء والتنمية)، والمنشقين عن «الإخوان المسلمين» (حزب الوسط)، والجماعات السلفية الصغيرة (حزب الفضيلة، حزب الإصلاح، حزب العمل الإسلامي، حزب الوطن، والجبهة السلفية). بالإضافة إلى ذلك، تم تضييق الخناق على تيار الإسلاميين الإصلاحيين مثل "عبد المنعم أبو الفتوح"، و"حزب مصر القوية". وكانت هناك أيضاً، محاولات تمت لحظر "حزب النور" -الذراع السياسي لـ"الدعوة السلفية" في الإسكندرية - نظراً لتعارض وجوده مع دستور عام 2014 الذي يحظر قيام الأحزاب على أساس ديني.
  لا يزال النظام المصري يشكل عقبة أمام إعادة إدماج الإسلاميين في الحياة السياسية. فمنذ القيام بفض اعتصامي "رابعة" و"النهضة" في صيف عام 2013، استمر النظام في موقفه الرافض لجميع الإسلاميين سواء من أيده أو عارضه. ويرى النظام أن جميع الإسلاميين يشكلون خطراً وشيكاً على الدولة وتهديداً لاستقرارها، في معادلة محصلتها صفرية وتأتي بتكلفة عالية في فترة زمنية حرجة من تاريخ مصر. فالبلاد تفتقر إلى نظام سياسي واضح وأجندة إقليمية مركزة، وهي منهكة اقتصادياً، ومتشرذمة اجتماعياً، وتعاني من مشاكل طائفية وعرقية، ومن الإرهاب في مناطق جغرافية متعددة. إن تراكم هذه العوامل تجعل من وصف النظام المصري للإسلاميين كعدو مطلق إجراءً خطيراً. وحتى الآن، لا يوجد أي دليل على احتمال تراجع النظام عن سياسته الحالية، ولا مستقبلًا.
  ما حدث عقب فض اعتصام "رابعة العدوية"، أن الأزمة السياسية المصرية اتخذت منعطفاً خطيراً. ونظراً لأن النظام المصري استمد شرعيته أساساً من خلال معركته الصفرية مع «الإخوان المسلمين» كونهم يشكلون تهديداً للأمن القومي، فإن نجاح أي تسوية بين «الإخوان» والنظام يتوقف عليها إلى حد كبير، ضمان الاستقرار السياسي في مصر.
  يبقى أن الكاتب أغفل دور التيارات الدينية والمدنية الأخرى،  فالتيار السلفي مسؤول بذات الدرجة مع عموم المصريين عن انتكاسة ثورة يناير، فهناك ممارسات عديدة منهم أثارت مخاوف الرأى العام، بينما مهمة السياسي أن يبحث مع الآخر عن أوجه الاتفاق بينهما، وأوجه الخلاف المحدودة، ليدرك الإثنان القدر المشترك بينهما في المواقف وإمكانية العمل معًا. على العكس من ذلك، لم يتفق التيار السلفي مع ذاته أولًا ثم مع شريكه الإسلامي الآخر (الجماعة الإسلامية- الاخوان المسلمين)، وانتهت القصة بفشل سياسي ونجاح ثورة مضادة، باركتها التيارات السلفية، ممثلة في حزب النور، والتيارات المدنية والليبرالية، ودفعت مصر ثمنها غاليًا، وستدفع في أيام قادمة ثمن تجربة إفشال ثورة شعبية، وتأييد ثورة مضادة وانقلابات على المدنية، وتنازل عنها صريح.