هل يهدد صعود الصين الهيمنة الأميركية؟
يعالج الكاتب الدكتور منتصر عمران ناجي في كتابه "تأثير الصعود الصيني في مستقبل الهيمنة الأميركية" المتغيرات الحاصلة في خارطة العلاقات السياسية الدولية وفق المنهج التحليلي، مشيراً إلى أن دولاً كثيرة، ومن جملتها الصين، استقطبت اهتماماً دولياً بنموها وازدهار صناعتها وحضورها السياسي حتى باتت لاعباً مهماً على الساحة العالمية.
تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن تأثير الصعود الصيني في مستقبل الهيمنة الأميركية قد انتهج استراتيجية مباشرة، وبالتالي اعتمد الأسلوب التدريجي للارتقاء بهذه المكانة، في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة الأميركية سلسلة تحديات وعقبات بعد سلسلة من الحروب والتدخلات العسكرية في مناطق حيوية من العالم.
مراحل الهيمنة الأميركية
في الفصل التمهيدي قدم الباحث مراحل الهيمنة الأميركية ووسائلها:
في عام 1917 لعبت أميركا دور شرطي العالم إبان دخولها الحرب وبدأت مهمتها في هذه المرحلة بتشكيل سياستها الخارجية. وما بين عامي 1929 و1933 تراجعت الهيمنة الاقتصادية الأميركية تدريجياً مع أزمة الكساد الكبير التي عصفت بالرأسمالية وأدت الى انهيار وول ستريت، وبالتالي لم تتمكن من استعادة نفوذها إلا بفضل الحرب العالمية الثانية، عندما ألغى الكونغرس الأميركي الحظر المفروض على شحن الأسلحة وبدأت الدول المتحاربة شراء العتاد فخرجت أميركا في ضوء ذلك مع مستوى اقتصادي وإنتاج صناعي بلغ ما يقرب 39%.
بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء عصر الثنائية القطبية (المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي)، وتغيّر البنى الهيكلية للنظام الدولي، برزت الصين كقوة اقتصادية تمتلك أكبر احتياطي نقدي في العالم، اذ وصل الى ما يزيد عن أربعة تريليونات دولار، فضلاً عن نموها المتزايد في مجالات الحروب الإلكترونية والفضاء وامتلاكها مقومات جغرافية تاريخية وإنتاجها لكل شيء وبأرخص الأسعار.
استقطبت الصين الاستثمارات الخارجية المباشرة فأصبحت أكبر قوة تجارية في العالم، متجاوزة بذلك الولايات المتحدة الأميركية.
اختص المبحث الأول من الفصل بدراسة مراحل الهيمنة الأميركية إبان الحربين العالميتين والوسائل التي مكنت الولايات المتحدة الأميركية من السيطرة على النظام الدولي.
مع سقوط الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة أصبحت الأجواء ملائمة للولايات المتحدة لكي تبسط هيمنتها على الشؤون العالمية في ظل غياب منافس. لكن أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، ومن ثم الحرب على أفغانستان والعدوان على العراق، قد زادت من سخونة الجدل المحتدم حول مستقبل الإمبراطورية الأميركية.
راهن المنظرون الأميركيون بأن تلك الهيمنة لن تعمر كثيراً وستسلك طريقها تدريجياً نحو الأفول. الكاتب قدم براهين وحججاً في دراسته تؤشر الى هذا المصير المرتقب فضلاً عن ظهور قوى دولية صاعدة تسعى الى منافسة الولايات المتحدة.
الباب الأول تناول المكانة الدولية للصين من خلال فصلين ركزا على الإطار التاريخي للصين ومراحل وأسباب صعودها في سلّم الهرم الدولي. المنافس الأول الذي ظهر كقوة دولية لا يستهان بها هي الصين، إذ أن مقومات قوتها القومية الشاملة واقتصادها المتطور يرجح أن تحتل قمة النظام الاقتصادي الدولي، في غضون عقدين من الزمن. فهي تتمتع بكل المزايا التي تؤهلها لاعتلاء مركز القوة العظمى، والتمدد في ساحات تبدأ من شبه الجزيرة الكورية، مروراً بفيتنام والهند، باكستان وإيران والعراق وسوريا حتى تلامس مياه الخليج والبحر المتوسط، إضافة الى تطلعاتها الدائمة إلى موارد أفريقيا واستثماراتها الكبيرة فيها.
الكاتب كوّن رؤية مستقبلية للهيمنة الأميركية بناء على معدلات النمو الصينية العالية، فضلاً عن نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري المتعاظم حول العالم.
في المطلب الثاني تطرق الكاتب الى مرحلة ما بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر، معتبراً أنها مثّلت مفصلاً زمنياً مهماً في تاريخ العلاقات الدولية، إذ أفرزت تراجعاً عن الأفكار المتعلقة بالنظام العالمي الجديد لتحل مكانها الأفكار المتعلقة بالحرب ضد الإرهاب تحت شعار من "لم يكن معنا فهو ضدنا" ومظلة الحرب على الإرهاب، ما دفع بكل من روسيا والصين الى تغيير سياستيهما الخارجيتين إزاء أميركا من سياسة تحفظ الى قبول لها كمنظم للقضايا الدولية.
*ماريا الفحل كاتبة لبنانية.
وسائل الهيمنة الأميركية
عرض الكاتب الوسائل التي لجأت اليها الولايات المتحدة الأميركية لفرض هيمنتها على الصعد كافة، كتطويع المنظمات الدولية للعمل على تحقيق أهدافها بعد تغليفها برداء الشرعية الدولية، واستعمالها وسائل منفذة لتطلعاتها في السيطرة على مجمل التفاعلات الدولية (إنشاء منظمة الأمم المتحدة)، غزوات خارج نطاق الشرعية الدولية (غزو العراق)، تعزيز العلاقات مع القوى الدولية، ولا سيما الاتحاد الاوروبي واليإبان والهند وغيرها، استمالة الدول الصغيرة عبر محاولة إظهار الاهتمام بالمصالح العليا الدولية، توظيف ودعم واستغلال منظمات المجتمع المدني للترويج للأنموج الفردي الحر، فضلاً عن الوسائل الثقافية، التكنولوجية، الاقتصادية والعسكرية التي سخرتها لتحقيق الهيمنة المطلقة في النظام الدولي الجديد.
مكانة الصين الدولية
في فصل آخر تناول الباحث الإطار التاريخي للصين بدءاً بحكم السلالات المتعاقبة (نظام إمبراطوري) مروراً بالعهد الجمهوري والنظام الديكتاتوري العسكري المتمثل في الحزب الوطني (الكومينتانج)، وصولاً الى عهد جمهورية القادة العسكريين وولادة الحزب الشيوعي الصيني وحزب الشعب الوطني.
الكاتب فصّل مفهوم الحزبين وإطار عملهما والصراع الدائم بينهما لتبوء السلطة. كان الحزب الشيوعي يحرك العمال الصناعيين والفلاحين والفقراء، بينما كان حزب الشعب الوطني يعتمد على أصحاب النفوذ وكبار التجار الحضريين وضباط الجيش.
بعد الحرب اليإبانية - الأميركية عام 1941، استطاع حزب الكومينتانج من السيطرة على وسط وجنوب غرب الصين (الصين الحرة خلال الحرب)، فضلاً عن شرق الصين وجنوب نهر يانج تي المحتل من اليإبانيين حتى نهاية الحرب,
أما شمال وشمال شرق الصين، فسيطر فيها على المدن وخطوط السلك الحديد فقط، في حين كانت المناطق الريفية المحيطة بها في يد الشيوعيين الذين حاصروا المدن وأجبروها على الاستسلام.
بعد الحرب الأهلية الصينية وصراع ثلاثة وعشرين عاماً، هُزم القوميون وأُعلنت جمهورية الصين الشعبية من العاصمة بكين، أما القوميون الذين انسحبوا الى جزيرة تايوان فقد أطلقوا على الجزيرة تسمية "الصين الوطنية".
كما سلط الكاتب الضوء على مكانة الصين الدولية، عارضاً الميزات والمقومات التي تتمتع بها الصين، ومراحل صعودها، بدءاً بالإصلاح في عهد ماو تسي تونغ، الذي لجأ الى سياسة الإصلاح الزراعي والاجتماعي، ووضع الصين على الطريق الصحيح للنهضة والتقدم في بيئتها الداخلية ومحيطها الإقليمي والدولي متبعا استراتيجية "عصفور القفص" وفحواها أن أي سياسة تتبعها وأي اتجاه تتحرك فيه لا بد أن لا تخرج عن نطاقه الاشتراكي.
في الباب الثاني من هذا الفصل، تناول الباحث سياسة الرئيس دينغ شياو بينغ الذي لم يسلك خطة سلفه وتمكن بإصلاحه وانفتاحه من تحويل الصين من بلد زراعي فقير الى دولة صناعية غنية، انتقل فيها من الاقتصاد المخطط الشمولي الى اقتصاد السوق الاشتراكي ذي الخصائص الصينية كخطوة أولى، مركزاً على التنمية وزيادة ثروات المواطنين.
في سياق آخر، استنتج الكاتب من خلال دراسات قدمها بعض المؤرخين أن تراجع المتغير الأيديولوجي الذي تمسكت به الصين سنين طويلة في مسيرة التنمية الوطنية الشاملة لم يكن محض صدفة، مشيراً إلى أن الصين لم تتجه لتبنّي النهج البراغماتي والإصلاح والانفتاح، لأنها ترفض الاشتراكية بصفة عامة بل اتجهت إلى الإصلاح لإعادة تصحيح المنهج الخاص بالتطبيق الاشتراكي بهدف تحقيق التحديث.
مقومات القوة الصينية الشاملة
برزت الصين في العقود الثلاثة الأخيرة كقوة اقتصادية سجّل ناتجها القومي الإجمالي نمواً سنوياً بلغ 8.38% فيما يعد العامل البشري أحد أهم العوامل التقليدية المؤثرة في قوة الدولة.
في المقلب الآخر، تتميز التجربة الصينية في عملية صنع القرار السياسي فهي تنتهج دبلوماسية مسالمة تهدف الى تحقيق جملة من الأهداف الأساسية: صيانة السلم العالمي، ضمان أمن الدولة، تعزيز التنمية الاقتصادية المشتركة، وتحمل المسؤولية الدولية الحقيقية، فضلاً عن اتباعها استراتيجية تهدف من خلالها الى بناء نظام دولي متعدد الأقطاب (انضمامها إلى العديد من المنظمات الدولية والإقليمية (منظمة الأمم المتحدة، منظمة التجارة العالمية، مجموعة العشرين، مجموعة بريكس، منظمة شنغهاي...).
إن تغير البنية الهيكلية للنظام الدولي قد حرر الحركة السياسية الخارجية للصين من جملة قيود وفتح أمامها فرصاً كي تتعامل مع جملة قضايا كانت تعد سابقاً حكراً على القوتين العظميين.
في الفصل الثاني، ذهب الباحث الى توضيح تطور العلاقات الصينية الإقليمية والدولية. فالصين أقامت علاقات صداقة وحسن جوار مع الدول المحيطة بها إذ تبنّت مبدأ الاعتماد على النفس بدلاً من مبدأ السعي وراء العدو واللحاق به.
تعاظم الدور الصيني في شمال وشمال شرق آسيا
العلاقات الصينية - الروسية: عام 1992 شهدت العلاقات الصينية - الروسية تحسناً واضحاً، بحيث وقع الطرفان اتفاقية خاصة للتعاون العسكري لمدة خمس سنوات ثم جاءت قمة بكين عام 1996 فجرى توقيع 14 اتفاقية مفادها إقامة شراكة استراتيجية في مجال الاقتصاد، المجال العسكري، ومجال الطاقة، وتشكيل جبهة موحدة ضد سياسات الهيمنة التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا وآسيا وأمكنة لأخرى في العالم.
العلاقات الصينية - اليإبانية: على الرغم من أن العلاقات الصينية اليإبانية لا تزال متوترة في الجانب السياسي، إلا أن ذلك لم يمنع الصين من الحؤول دون تصاعد وتيرة التعاون في مجالات مختلفة كالمجال الاقتصادي والتكنولوجي والثقافي لفرض تحقيق أهدافها الاستراتيجية والارتقاء بمكانتها الدولية.
العلاقات الصينية - الكورية: تعتير الصين حالياً المصدر الأساس والرئيس لتزويد كوريا الشمالية بما تحتاجه من الغذاء والطاقة وتعتبر الحليف الاستراتيجي الأهم لهذه الدولة.
أما بخصوص العلاقات الصينية – الكورية الجنوبية، فرغم ضعفها لأسباب أيديولوجية وسياسية باعتبار كوريا الجنوبية دولة ذات نظام رأسمالي، وتمثّل أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة الأميركية. إلا أن الصين تسعى إلى توطيد علاقتها بها تحقيقاً لأهداف عدة، منها أن يكون لها دور عند مناقشة القضية بين الكوريتين، وأن تتجنب المخاطر التي قد تنجم عن وجود علاقة التحالف بين أميركا وكوريا الجنوبية،
وكذلك الحيلولة دون استئثار اليإبان بالنفوذ الأقوى هناك. غير أن هذه الأهداف كلها لم تدفع بالصين الى إشاعة التوتر بينهما، لا بل اعتمدت أسلوب التهدئة وتعميق العلاقات طريقاً لطمأنة الدولة المجاورة وإقناعها بالفائدة المتبادلة.
العلاقات الصينية - التايوانية: منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، بذلت حكومتها جهوداً دؤوبة لاستعادة تايوان سلمياً على أساس دولة واحدة ذات نظامين. لكن أميركا، حليف تايوان الرئيس، تسعى دائماً الى استعمال أي مسوّغ للتدخل في شؤون المنطقة وعرقلة عملية الاندماج بين جمهورية الصين الشعبية وتايوان. وانطلاقاً من قاعدة المنفعة المتبادلة، بدأت الصين تتعامل مع تايوان بمرونة عالية ما أتاح للدولتين فتح أبواب التجارة والاستثمار.
التقارب الصيني مع دول جنوب وجنوب شرق آسيا
العلاقات الصينية - الهندية
لم تتسم العلاقات الصينية - الهندية بقدر كافٍ من الود بسبب الصراع على بعض المناطق الحدودية. غير أن زيارة رئيس الوزراء الهندي الأسبق راجيف غاندي عام 1998 أسفرت عن حدوث تحسن كبير لكليهما إذ اتفقا على فصل مسألة الحدود عن الجوانب الأخرى من علاقتهما.
ومع قيام رئيس مجلس الدولة الصيني لي بينغ بزيارة نيودلهي في عام 1991 وقيام الرئيس الهندي راماسوامي فينكاتارامان بزيارة بكين في عام 1992 وإعادة فتح القنصليتين الصينيتين في مومباي وشنغهاي، تقاربت المصالح وتطورت العلاقات التجارية والعلمية والثقافية.
العلاقات الصينية - الباكستانية
حافظ الصين وباكستان على مزيج من المصالح والأهداف المشتركة من بداية الخمسينيات من القرن العشرين وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي. فالصين تحتاج إلى باكستان لاعتبارات تتعلق بالحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي وكبح جماح الطموح الهندي، إضافة الى الدوافع الاقتصادية التي ترتبط بتأمين المواد والموارد الضرورية لأهداف التنمية الصينية، وكذلك الحاجة إلى الوصول الى الأسواق الباكستانية، والذي يحافظ وجوده على استدامة النمو في اقتصادات المقاطعة الصينية الفقيرة المجاورة لباكستان.
الدور الصيني المتعاظم في جنوب شرق آسيا
بدأت علاقات الصين مع دول منطقة جنوب شرق آسيا فعلياً في مطلع السبعينيات من القرن الماضي عندما ظهرت الصين كمصدر للأيديولوجيا في تلك المنطقة بعد نشرها الأفكار الشيوعية بين الشعوب الفقيرة ودعم الحركات التحررية عن طريق تقديم المساعدات من مال وسلاح وتوجيه أفكار لتلك الثورات. شهد العقدان الأخيران تطوراً ملحوظاً إذ أصبحت الصين شريكاً كاملاً للآسيان اعتباراً من الاجتماع الوزاري في 29 تموز يوليو من عام 1996، والذي عقد في العاصمة التايلندية (بانكوك). ثم تصاعدت هذه العلاقات إلى مستوى أرفع بتوقيع الإعلان المشترك لرؤساء الدول في هذه المنظمة.
العلاقات الصينية العربية
مرّت العلاقات العربية - الصينية بمراحل متعرجة سلبية أكثر منها إيجابية في القرن العشرين، إلا أنه مع بداية القرن الواحد والعشرين تطورت العلاقات وبخاصة في النواحي الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وتبادلت بعض الدول العربية العلاقات الدبلوماسية مع جمهورية الصين. وأثناء مناقشات الأمم المتحدة للقضية الفلسطينية عامي 1947-1948 اتخذت الصين موقفاً محايداً حين امتنعت عن التصويت على مشروع قرار تقسيم فلسطين وطالبت بتسوية تفاوضية بين العرب واليهود.
ويرى الكاتب أن الصين بتوثيقها للعلاقات مع العرب كان من شأن ذلك أن يدعم حركات التحرر في العالم الثالث ويضعف قوى الاستعمار الغربي. لذا فإن بعض الدول العربية رأت في الصين شريكاً استراتيجياً مهماً، نذكر لجوء مصر للصين لكسر احتكار السلاح بعد رفض أميركا بيع السلاح لها، ما أعقب ذلك اعتراف مصر بالصين الشعبية عام 1956 وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها. تبعتها في ذلك كل من سوريا واليمن والعراق والمغرب والعراق والجزائر والسودان. في المقابل لم تعترف بعض الدول العربية بالصين الشعبية، إلا في مراحل متأخرة وكانت آخرها المملكة العربية السعودية عام 1990.
أما بالنسبة لثورات "الربيع العربي"، فلم يبدِ صانعو السياسة الصينية حماساً كبيراً تجاهها واتضح ذلك من خلال النشاط الكبير لوسائل الإعلام الصينية في تصوير الأحداث التي وقعت في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا بصورة سلبية للغاية منذ بداية الثورات، الأمر الذي وضعه الكاتب ضمن إطار المخاوف الصينية من وقوع ثورات مماثة على أراضيها من ناحية أو فتح الباب أمام التدخل الخارجي في شؤون الصين مستقبلاً.
العلاقات الصينية – الإيرانية
تتعدى العلاقات الصينية الإيرانية المجال التكتيكي الى الاستراتيجي، فكلا البلدين يحتاج إلى الآخر وثمة الكثير من القواسم السياسية والأهداف المشتركة بين البلدين خصوصاً انهما يتقاسمان آراء موحدة عن النظام الدولي ويسعيان الى خلق نظام متعدد الأقطاب بالتعاون مع روسيا. ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية رسمياً بين الدولتين في عام 1971، تأثرت منطقة الشرق الأوسط بهذا المشهد وبدت هذه العلاقات تشكل مصدر ازعاج للعديد من الدول الإقليمية بشكل خاص، وغير الإقليمية بشكل عام. فالولايات المتحدة ترى في هذا النوع من العلاقات تهديداً لأمن واستقرار المنطقة وإخلالاً بالتوازنات القائمة بها.
العلاقات الصينية – الأوروبية
لم تكن العلاقات الصينية - الأوروبية بعد الحرب الباردة ذات أولوية قصوى بالنسبة لإلى الصين مقارنة مع علاقتها بالولايات المتحدة واليإبان والقوى الآسيوية الأخرى. إلا أن الاهتمام بتوثيق العلاقة بين الجانبين بدأ عندما زاد الاهتمام في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب إذ كانت فرنسا تقود رغبة الاتحاد الأوروبي في توثيق العلاقات مع الصين جنباً الى جنب مع روسيا، بهدف إقامة عالم متعدد الأاقطاب يعمل على تدعيم الاستقرار العالمي أكثر من الآحادية القطبية من جهة وإقامة شراكة استراتيجية مع الصين من ناحية أخرى.
بداية انحسار الهيمنة الأميركية
في الباب الثاني من الفصل الثاني يحاول الباحث استشراف مستقبل الهيمنة الأميركية، فيتناول مجمل الأسانيد الفكرية والموضوعية لمشهد انحسارها. فبالمقدار الذي شكلت فيه أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 نقطة تحول في السياسة الخارجية الأميركية باتجاه فرض هيمنتها على العالم، فإنها كشفت في الوقت عينه مقدار الضعف الأمني والاختراق الاستخباراتي اللذين نخرا الإمبراطورية الأميركية. فالمنظمات والجماعات المسلحة الإرهابية استطاعت أن تنفذ أعمالها في عقر دار أميركا، ودمرت التفجيرات برجي مركز التجارة العالمي، وتمكن منفذو العمليات الإرهابية من إصابة مبنى وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون".
أما أمنياً، فقد تهاوت نظريات الأمن وأنظمة الاستخبارات الأميركية المحكمة التي تحيط أميركا بسياج فولاذي من الحيطة والحذر، فضلاً عن الخسائر البشرية والمادية الفادحة.
سياسياً، أفضت تلك الأحداث الى تشويه صورة أميركا عالمياً بعد أن شرعت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في تبنّي حزمة من الإجراءات القمعية التي تتنافى مع الأعراف والتقاليد الديموقراطية المعلنة والتي لطالما ادعت تمسكها بها واتخذت منها ذريعة للتدخل في شؤون دول العالم وشن الحروب ضدها.
لكن التدخل العسكري في أفغانستان ومن ثم العراق، قد مثّل تجربة مريرة للقوات الأميركية لما انطوى عليه من إخفاقات ذريعة في تحقيق الأهداف العسكرية لهذا التدخل وتفاقم الانفاق العسكري، ما أثقل كاهل الاقتصاد الأميركي وأصبحت الولايات المتحدة حالياً الدولة الاكثر مديونية في العالم، ما يعني أن أغلب العمليات العسكرية يتم تمويلها بأموال مقترضة ومعظمها - وللمفارقة - مقترض من الصين التي تضعها أميركا في مرتبة المنافس والخصم المحتملين.
كذلك فإن نزوع أميركا المستمر نحو الهيمنة وسعيها لبسط سلطانها وإصرارها في التدخل في شؤون الدول الخارجية قد شكّل ضغوطاً هائلة على شعبها واستياء داخلياً من هذه العملية المتكررة.
في الختام، وتبعاً لمضامين الدراسة في فصولها الأساسية، قدم الكاتب الاستنتاجات والإصلاحات والمقترحات التي توصلت اليها دراسته، خلص إلى أن الصين الشعبية ستمثل مستقبلاً الطرف الثاني في الثنائية القطبية مع الولايات المتحدة الأميركية في العقود الثلاثة المقبلة في ظل نظام قوي جديد معولم.