كتاب "عودة الدولة: تطور النظام السياسي في مصر بعد 30 يونيو"
الكتاب: "عودة الدولة: تطور النظام السياسي
في مصر بعد 30 يونيو" -
المؤلفون: د. على
الدين هلال، د. مي مجيب ، د. مازن حسن -
الناشر: الدار
المصرية اللبنانية، 2015 -
مراجعة: راندا
موسى* - ما حدث من تطورات على الساحة المصرية من
خلال ثورتين جعل الأحداث المصرية هي الأكثر حركية، وهو ما استدعى تفسير الأحداث
المتلاحقة نحو الانتقال إلى الديمقراطية في مناخ من الحراك السياسي والاجتماعي
السريع، وهو ما أثّر على علاقة الدولة بالمجتمع، وما تشهده هذه العلاقة من موجات
مد وجزر بين العناصر المكوّنة لطرفيها.
في هذا السياق، تأتي أهمية كتاب "
تطور النظام
السياسي في مصر بعد 30 يونيو" بفصوله التسعة الذى ينطلق من عودة
الدولة نتيجة لتكرار تعبير "هيبة الدولة المصرية" بشكل غير مسبوق في
الخطاب السياسي المصري المعاصر. وكان ذلك من أبرز مظاهر وملامح انحسار دور الدولة خلال الفترة
السابقة على 30 يونيو، متمثلة في تراجع هيبة الدولة، وتدهور
شرعية الأداء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وتوتر العلاقة بين مؤسسات الحكم،
وتراجع القدرة على حفظ القانون والنظام.
أشار الكتاب إلى حالة الاستقطاب
السياسي التي شهدتها الدولة المصرية قبل 30 يونيو بين التيار الإسلامي المؤيد للرئيس محمد مرسي،
والذي أكد التمسك بشرعية صندوق
الانتخابات، وتيار المعارضة المدنية الذي أخذ في المطالبة بانتهاء العقد الذي
أبرمه مع الرئيس المنتخب وأخذ يطالب بإسقاطه.
فضلاً عن أن الكتاب لم يغفل الجدل الذي
ثار بشأن أحداث 30
حزيران يونيو 2013، وما إذا كانت انقلاباً عسكرياً أو ثورة شعبية،
إذ استعرض الكتاب الاختلاف بين وجهتي نظر التفكير المصري، وهو ما اتضح في مدرستي
الديمقراطية، أولها، المدرسة
الإجرائية الرسمية وهي مدرسة الديمقراطية غير الليبرالية التي يري مؤيدوها أن الديمقراطية باعتبارها مجموعة من
الترتيبات المؤسسية تعمل على اتخاذ القرارات والسياسات من خلال أشخاص يمارسون
السلطة بحكم اختيارهم من الشعب وذلك في انتخابات تنافسية دورية حرة.
ثانيها، المدرسة التي ترتكز علي مضمون الديمقراطية
وجوهرها، وهي التي لا تكتفي بالتركيز على الجانب
الإجرائي من الديمقراطية بل تعمل على إضافة الجانب الاجتماعي، مؤكدة على أنه من الضروري
الانتقال من الإجراء إلى المضمون، ومن المؤسسات والأشكال إلى الأداء والممارسات.
المؤسسات السياسية والخبرة التاريخية
المصرية
يذكر الكتاب أن مؤسسات الحكم الحديثة
في مصر تعود إلى القرن التاسع عشر فعلي مستوى السلطة التنفيذية، نشأت الدواوين في
عام 1837. واستعرض الكتاب تطور جميع المؤسسات السياسية في مصر منذ العام 1952،
بداية من مرحلة نظام ثورة يوليو عام 1952 والتي استمرت حتى عام 2010، ثم مرحلة
البحث عن نظام سياسي جديد من عام 2011 وحتى عام 2013 والتي شهدت وحدها ثلاث مراحل
فرعية أولها: المرحلة الإنتقالية الأولى في ظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة،
ومرحلة حكم الرئيس محمد مرسي، والمرحلة الانتقالية الثانية في أعقاب 3 تموز -يوليو
2013، معتبراً فترة حكم مرسي امتداداً للمرحلة الانتقالية الأولى.
وأوضح الكتاب بعض السمات التي تميّزت
بها فترة حكم مرسي، وهي: الاستقطاب الحاد بين القوى السياسية في البلاد وتحديداً
بين جماعة الإخوان المسلمين التي تولت السلطة ومختلف أحزاب وقوى المعارضة المدنية،
وسياسة المغالبة وفرض الرأي من جانب الرئيس مرسي والجماعة، والسعي للانفراد
بالسلطة، وازدواجية السلطة بين الدولة والجماعة، واللجوء إلى العنف اللفظي
والمادي.
انتقل الكتاب إلى العديد من التطورات
التي عملت على انتقال الساحة السياسية المصرية إلى مرحلة انتقالية ثانية، وأشار
إلى بعض الاستنتاجات التي نتجت عن التطور السياسي والمؤسسي في مصر في الفترات
المختلفة والمتعاقبة، وهي: الدور المركزي لرئيس الجمهورية حيث أنه منذ نشأة مؤسسات
الدولة الحديثة في مصر، اعتبرت الوثائق الدستورية رئيس الدولة مركز النظام السياسي
ومحوره والعنصر الفاعل فيه. إضافة إلى عدم الاستقرار الوزاري والذي تمثل في قصر
متوسط عمر الوزارة، وعدم الاستقرار على تنظيم الوزارات ومسمياتها، الطابع النخبوي
للأحزاب وضعف الحياة الحزبية، ضعف التمثيل السياسي للمرأة، والمسيحيين، فضلاً عن
إشكالية العلاقات العسكرية المدنية ووضع الجيش في النظام السياسي وحدود دوره،
وبذلك مثّلت هذه السمات جميعها الخلفية التاريخية لعملية تصميم بناء مؤسسي جديد.
الفترة الانتقالية: حراك .. دستور .. تحالفات
ينتقل الكتاب إلى توضيح بيئة النظام
السياسي قبل اندلاع تظاهرات 30 يونيو حزيران، مركزاً على أهم الفاعلين السياسيين
في هذه المرحلة وما قبلها، وتناول خصائص الأوضاع الداخلية التي سادت في مصر وأدت
إلى هذا الحراك من تراجع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانغلاق القنوات
السياسية، وفي تعرض لأهم الفواعل على الساحة السياسية المصرية. فقد اتسمت بحالة من
الاستقطاب السياسي الواضح بين العديد من القوى السياسية الفاعلة، وأهم السمات التي
ميّزت كلاً منها ونقاط القوة والضعف وطبيعة التحالفات التى تمت بين هذه الأطراف.
وحدد الكتاب تلك الفواعل في قوى تيار الإسلام السياسي بتفريعاته المختلفة، والتيار
المدني وظهور حركة تمرد، ثم مؤسسة الجيش والتي أكدت على وجودها كفاعل رئيسي في
الحياة السياسية خاصة بعد بيان الجيش.
وبعد مرور 10 أشهر على حكم الرئيس محمد
مرسي، تشكلت حركة تمرد في 26 نيسان أبريل 2013، بهدف جمع توقيعات المصريين لسحب
الثقة من الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكن الرئيس تجاهل تلك التحركات
ورفض إجراء انتخابات مبكرة ووصف المطالب بالعبثية، وفي المقابل رفضت المعارضة دعوة
الرئيس للحوار وتشكيل لجنة لتعديل الدستور والمصالحة الوطنية.
وما حدث في الثلاثين من حزيران يونيو 2013 حيث وصفها مريدو تدخل المؤسسة العسكرية والمشاركين في الاحتجاجات بالثورة
الكاملة وإن كان البعض منحها أوصافاً متعددة "انتفاضة شعبية"، أو
"حركة جماهيرية"، أو "موجة ثورية جديدة" مع الاتفاق على أن
الجيش كان لتلبية نداء المتظاهرين والوقوف إلى جانبهم. أما على الجانب الآخر فقد اعتبر
مؤيدو الرئيس مرسي أن ما حدث "انقلاب" لأن الجيش انحاز إلى فصيل من
الشعب بغض النظر عن قوته وعدده على حساب الفصيل الآخر.
أما المواقف الإقليمية والدولية، فما
شهدته من تباين واختلاف تجاه أحداث 30 يونيو، ثم بيان 3 يوليو، وطريقة فض اعتصامي
رابعة العدوية والنهضة في 14 آب أغسطس كل حسب رؤيته للأحداث في مصر، ومصالحه
المرتبطة باستقرارها، وبطبيعة نظامها ونمط السلطة فيها، وليس وفق ما جاء في بيانات
معظم الدول الغربية حول حقوق الإنسان وتهديد التحول الديمقراطي. لذلك فالمواقف
الدولية سواء المؤيدة أو الرافضة لبيان 3 يوليو، أو لفض اعتصامي رابعة والنهضة،
كانت في معظمها، شكلية ولم تؤثر على أرض الواقع، وخاصة أن الحكومة الانتقالية أخدت
تحاول في أن تتجاوز العقبات والصدمات التي تعرضت لها.
الخريطة الحزبية والحركات الاحتجاجية
بين الكثرة والفعالية
أوضحت الفصول المتوالية العديد من
الملامح التي تميّزت بها المرحلة الانتقالية التي مرت بها مصر في ظل تلك التحركات
الاحتجاجية ما بين الحراك السياسي المتسارع، ووضع دستور جديد، وتغيّر الخريطة
الحزبية والتحالفات الانتخابية حيث أن الأحزاب السياسية تقوم بأدوار لا غنى عنها في
أي نظام ديمقراطي، فهي تنظم الصراع الاجتماعي، وتطور بدائل السياسات العامة، لذلك
كانت هناك صعوبة في توصيف النظام الحزبي في مصر في تلك الفترة وذلك لأنها لم تشهد
انتخابات تشريعية.
أما الحركات الاحتجاجية، فقد شهدت
التفاعلات الاجتماعية العديد من التطور والتحول قبل بيان 3 يوليو - تموز وبعده،
تحولت فيها علاقاتها مع السلطة الجديدة من التفارب والتفاهم إلى الصراع، جاء ذلك
نتيجة الإدراك بأن هناك تناقضاً بين أهداف واستراتيجيات وبرامج القوى الثورية
والشبابية من جهة وبين النخبة الحاكمة من جهة أخرى، لذلك ظهرت الكيانات الشبابية
الثورية في الوقت الذي تراجعت فيه كيانات أخرى.
وأوضح الكتاب مستقبل تلك الحركات في ظل
معطبات الساحة المصرية، بالإضافة إلى تناول الحراك الطلابي والعمالي، ودور
المؤسسات الدينية في دعم خارطة المستقبل، مروراً بالإطار التشريعي الحاكم لعمل
منظمات المجتمع المدني، وانتهاء بصعود دور النقابات المهنية في مرحلة ما بعد 3
يوليو.
التشريع في ظل غياب البرلمان
وفقاً للمادة 24 من الإعلان الدستوري
الصادر في 8 تموز - يوليو 2013، " يتولى رئيس الجمهورية إدارة شؤون البلاد،
وله في سبيل مباشرة سلطات واختصاصات التشريع بعد أخذ رأي مجلس الوزارة، وتنتقل
سلطة التشريع لمجلس النواب فور انتخابه"، وبذلك في ظل هذا الإطار الدستوري تم
وضع سلطة التشريع في يد رئيس الجمهورية، وبالتالي، وفي ظل غياب السلطة التشريعية،
انفرد الرئيس بإصدار القوانين الاقتصادية والسياسية والأمنية وغيرها، وهي ما فسّرها
الكتاب في فترتي الرئيس عدلي منصور، والرئيس عبد الفتاح السيسي.
وبذلك، يمكن القول إن الفترة
الانتقالية امتدت في الدولة المصرية التي أظهرت تفاعلاتها أنها لم تستقر بعد، وتشهد
تحولات في الأدوار التقليدية للمؤسسات، فما بين التحول في دور السلطة القضائية ومواجهة المشكلات الهيكلية عبر سياسات
عامة جديدة، وبين ازدواجية السلطة التنفيذية بين رئيس الدولة ومجلس الوزراء مع
ترجيح كامل لسلطة رئيس الدولة تجاه الحكومة، في الوقت الذي تعتبر فيه أحد تجليات
التطور الديمقراطي كان انتزاع اختصاصات للحكومة مستقلة عن رئيس الدولة، وهو ما تم
توضيحه في فترة الرئيس عدلي منصور وحكومته، وبعد الانتخابات الرئاسية ووصول الرئيس
عبد الفتاح السيسي وكذلك حكومته وأداؤهم بشكل عام.
ويثير الكتاب بين تحليلاته الدور الذي
تقوم به المؤسسة العسكرية في النظام السياسي، مما يؤكد أن تغيير القيادة العسكرية
في أعقاب الانتخابات الرئاسية في عام 2013، لم يؤدً
إلى تغيير في موقعها في بنية القرار، حيث ظلت هي الجزء الأبرز في معادلة الحكم. ولكنه أكد على أن الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية
يبقي مرهوناً بقوة الحركة المدنية بل وبقدرتها على طرح نموذجها السياسي الديمقراطي
المستقر، وهو الأمر الذي لا تزال تفتقده بشكل كبير بل وسيستمر لفترات طويلة، وعلى
الرغم من أن الجيش استجاب لمطالب الشعب فإنه لا ينكر وجود مصلحة في عزل مبارك ومرسي،
خاصة في ظل خطورة استمرار غياب البرلمان المنتخب عن السلطة التشريعية، بما يعنيه من غياب الرقابة التشريعية على أعمال السلطة التنفيذية، والتشريعات الرئاسية.
عودة الدولة
أوضح الكتاب
استخدام مفهوم "عودة الدولة" مؤكداً على أن الدولة المصرية لم يختفِ
دورها في أي مرحلة من المراحل التي تلت ثورة يناير(كانون الثاني) 2011، وإنما
تراوح هذا الدور ما بين تراجع وانحسار من ناحية، وصعود من ناحية أخرى، ولذلك فإنه
أشار إلى تعبير "عودة الدولة" إلى تصدر المشهد السياسي وزيادة الاصطفاف
في التيار الرئيسي للشعب حولها، وبالتالي هو ما يجعلها أفضل قدرة في تنظيم وإدارة
علاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأشار الكتاب
إلى حالة السيولة السياسية التي عانت منها الدولة المصرية نتيجة للحراك الاجتماعي
السريع، والإنفلات الأمني وتراجع دور مؤسسات الدولة، تسبب ذلك في حدوث العديد من
الاختلالات في منظومة القيم والعلاقات الاجتماعية، وذلك نتيجة للمكانه المهمة التي
تحتلها الدولة المصرية في حياة المواطنين، حيث أنها هي الأكثر تأثيراً.
وفسّر الكتاب
أن تردي دور الدولة تمثل في تدهور أغلب مؤشرات التنمية البشرية، وانتشار البطالة
والفقر، وبالتالي هو ما أدى إلى أزمة المشاركة وانتشار مظاهر اللامبالاة السياسية،
والتدخل في الانتخابات العامة الذي عمل بشكل أو بآخر على تنامي الحركات الاحتجاجية
وتنظيمات تيار الإسلام السياسي، وهو ما تسبب في تصاعد نبرة الطائفية والتمييز
الديني، وهو ما عمل على تهديد استقرار البناء الاجتماعي للدولة المصرية.
وإجمالاً، أشار الكتاب
إلى أن هناك العديد من المراحل التي مرت بها الساحة المصرية، بدءاً من الصراع من
أجل بناء نظام سياسي والتي اتسمت بالشرعية المنقوصة للقوى الرئيسية الثلاث في
البلاد: وهي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وجماعة الإخوان المسلمين، والقوى
الليبرالية والإئتلافات الشبابية، والصراع الثلاثي على السلطة، وكان ذلك نتيجة
لأزمة الشرعية المنقوصة، وبروز الاستقطاب السياسي بين القوى المدنية وقوى تيار
الإسلام السياسي.
وتمثلت
المرحلة الثانية في القيادة الجديدة والأولويات الطموحة، والتي بدأت بعد سقوط
الرئيس محمد مرسي، حيث واجهت القيادة الجديدة العديد من الأزمات، في غالبيتها
موروثة من عهود سابقة، كتراجع معدلات النمو الاقتصادي، واستمرار عجز الموازنة،
وانتشار الفقر والبطالة. وبعضها الأخر جديد إلى حد ما، متمثلاً في موجة العنف
السياسي وممارسات التخريب والإرهاب، وبروز المواقف الدولية المعارضة لما يجري على
الساحة المصرية.
وأبرز الكتاب
أن مصر لا تزال تواجه العديد من تلك التحديات والعقبات التي تشير إلى أوضاع صعبة
خلال السنوات المقبلة بما يفرض عليها حسم العديد من الأمور التي ستسمح بإعادة قيمة
الوطن والمواطنة، وتوافق التيار الرئيسي فى المجتمع على الطابع المدني لهوية
الدولة، وكذلك التوافق على سياسة خارجية تقوم على استقلالية القرار وتبادل المصالح
على المستوى الإقليمي والدولي من دون تبعية.
*باحثة مصرية.