هل حانت نهاية القرن الأميركي؟

الفكرة الرئيسة التي يتضمنها هذا الكتاب، هي تناول مسألة تراجع القوة الأمريكية وانحسار دورها الريادي المهيمن على العالم، وذلك من خلال تحليل عدد من الجوانب الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية التي تبرهن على هذا الانحسار والتراجع.

كتاب "العالم في أزمة: نهاية القرن الأميركي" للكاتبغابرييل كولكو
 

 مراجعة: -محمد يسري أبو هدور

 

 

غابرييل كولكو هو مؤرخ مشهور وكاتب وأكاديمي معروف وبارز، وله الكثير من الإسهامات المتميزة، ومن أهم كتبه كتاب (جذور السياسة الخارجية الأمريكية: تحليل للسلطة والمقاصد)، وقد عُرف كولكو بدراساته المهمة للحرب الأمريكية في فيتنام على وجه الخصوص.

يؤكد كولكو في مقدمة كتابه، أن النظام العالمي الذي اعتمد في الفترة الماضية على مبدأ القوة العظمى المسيطرة، بصدد التحلل والزوال بسرعة جنونية، فبعد أن تفكك الاتحاد السوفياتي الذي كان يمثل القطب المعادل للقوة الأميركية، وجد الأميركيون أنفسهم كقوة عظمى منفردة في مواجهة مع المجهول الذي لا يمكن تعريفه أو تحديده بدقة، فقد صار أعداء أميركا اليوم هم الإرهابيون، الذين يتناثرون في أنحاء شتى من أسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.

يرى كولكو أن الإيديولوجيا التي كانت أهم محددات صناعة القوى العظمى في القرن العشرين، قد فقدت مكانها لصالح العوائد الاقتصادية، فإذا كانت كل من أميركا والاتحاد السوفياتي قد اعتمدتا في صعودهما على أيديولوجيات (ليبرالية وشيوعية) على الترتيب، فإن تلك الأيديولوجيات قد فقدت مكانها عملياً منذ ثمانينيات القرن العشرين.

ويعتقد المؤلف أن الدين يحاول أن يملأ الفراغ الذي يتوقع أن تخلفه الرأسمالية من خلفها، بعد أن تواصل سعيها الدؤوب في الإجهاز التام والقضاء على نفسها.

ويرى المؤلف أن القرن العشرين كان هو قرن السيادة الأميركية المطلقة، وأن تلك السيادة سوف تضمحل وتنزوي في السنين القلائل المقبلة، ويستشهد على ذلك بمجموعة من الأدلة والشواهد القوية، التي يقوم بمناقشتها عبر صفحات كتابه.

 

الأزمة المالية: أفول الرأسمالية

يرى المؤلف أن السياسة الأميركية الخارجية ظلت منذ عام 1914 وحتى الآن، مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحالة الاقتصادية العالمية.

فحرب فيتنام مثلاً، كانت وثيقة الصلة بالتضخم المالي في أميركا، كما أن حروب العراق وأفغانستان ساهمت كثيرا في رفع السعر العالمي للنفط.

ويرى كولكو أن تلك الحروب قد أثّرت سلبياً على الاقتصاد الأميركي، ففي عام 2008 واجهت الموازنة الأميركية عجزا قيمته 400 مليار دولار، كما أن السياسات المالية الهشة التي أتبعتها أميركا في السنين الأولى من القرن الحادي والعشرين، قد أدت لحدوث أزمة اقتصادية هائلة.

ففي الفترة الممتدة ما بين عامي 2001 و2006، تعمدت البنوك والمؤسسات المالية الأميركية أن تقلل نسب الفائدة على القروض لجذب المتعاملين، ولفتح أبواب الاستثمار أمام رجال الأعمال، وأدى هذا إلى إقبال الكثير من الأفراد من (عديمي الخبرة) على الاستدانة، وتمخض ذلك عن خسارة البنوك لمبالغ طائلة من جهة، وعن إنشاء شبكات مالية جديدة لا تشبه المؤسسات المالية الرسمية المعترف بها من جهة أخرى.

وأدت تلك الأزمات بالتبعية إلى أن رأسمالية اليوم أصبحت تعاني من الاضطراب وعدم الاستقرار.

ويحدد كولكو عام 1987، كبداية للانهيار الرأسمالي الأميركي، والسبب في ذلك، أن ذلك العام قد شهد تدخل الدولة في الاقتصاد للمرة الأولى، وتم إقرار عدد من الخطوات الإصلاحية بهدف المنفعة العامة، ويرى المؤلف أن تلك الخطوات لم تكن في حقيقتها أكثر من (أسطورة) يختفي ورائها (إجراءات تهدف إلى حماية شركات بعينها من الإفلاس).

المشكلة الحقيقية - بحسب كولكو - تكمن في إن النظام الاقتصادي القائم معقد بشكل لا يمكن تخيّله، وبحيث يتعذر القيام بأي إجراءات أو تدخلات تنظيمية اصلاحية له.

ويتناول المؤلف بعد ذلك دور البنك الدولي في تلك الأزمة المالية، فيؤكد أنه كان أحد المؤسسات التابعة للسيادة الأميركية في العقود السابقة، ولكن حدثت هناك عدد من التطورات التي أثّرت على قوة وفاعلية التواجد الأميركي به، من تلك التطورات تصاعد دور الصين والهند فيه، ومنها أيضاً تعرّضه للتهميش بعد أن ارتفعت أسعار الكثير من المواد الخام في عام 2003، وهو ما أدى إلى إتاحة الفرصة للدول النامية التي تصدّر تلك المواد لسداد ديونها، مما نتج عنه تقليص مداخيل صندوق النقد الدولي.

كل ذلك يرى فيه كولكو احتمالاً متزايداً لخسارة الريادة الأميركية الاقتصادية، وأن يفقد الدولار موقعه لحساب اليورو أو الإيوان الصيني.

 

السياسة الخارجية الأميركية: حروب بلا طائل

يرى المؤلف أن الحروب تعتبر واحدة من أهم المحددات التي تساهم في رسم ملامح الدول الكبرى منذ عام 191 وحتى الآن.

ففي بعض الأحيان تخلق الحرب، أحزاباً فاشية ونازية، كما حدث من قبل في ألمانيا وإيطاليا قبيل الحرب العالمية الثانية، كما أنه من الممكن أن تؤدي الحرب إلى اندلاع الثورة، كما حدث في روسيا أثناء الحرب العالمية الأولى.

ويرى كولكو أن أميركا في الفترة التي أعقبت عام 1964 قد أنهكت قواها في الدخول في عدد من الحروب، فحرب فيتنام - على سبيل المثال -، تسببت في ارتفاع التضخم والانكماش الاقتصادي والعجز التجاري.

وفي عام 2008 تكرر الشعور بالانتكاسة مرة أخرى، عندما صدر تقرير عن حرب العراق، وورد فيه وصف تلك الحرب بأنها (ورطة كبرى)، ومما يزيد من أهمية ذلك التقرير أنه قد صدر عن (الجامعة الوطنية للدفاع)، وأن عدداً من العسكريين الذين كانوا من أكبر المنافحين عن الحرب، هم الذين قاموا بإعداده.

ويلفت المؤلف نظر القراء إلى أن الحروب التي خاضتها أميركا في عهد الرئيس الأسبق جورج بوش الأبن، قد خلفت وراءها تركة ثقيلة من الخوف والكراهية لأميركا وسط شعوب الشرق الأوسط ومعظم أمم العالم، كما أن تلك الحروب بدلاً من أن تثبت هيمنة الولايات المتحدة وقدراتها العسكرية الهائلة، فإنها أوضحت عدم جدوى محاولة أميركا إخضاع الشعوب لإرادتها.

ويشير المؤلف إلى إحدى الكوارث التي نتجت عن تلك الحروب، وهي أن إيران، والتي هي أحد أهم الدول المجاهرة بالعداء لأميركا، قد انفردت بزعامة الشرق الأوسط.

ويستعيد كولكو، جملة أحد مستشاري الأمن القومي الأميركي، عندما قال (إن لدينا مصلحة في استقرار الاتحاد السوفياتي)، تلك المصلحة - يراها كولكو- متمثلة في الإبقاء على وجود عدو قائم معروف ومحدد، بحيث تظل هناك إمكانية للتجييش وتأجيج المشاعر ضده، بدلاً من الحالة الواقعة، الذي أصبح عدو أميركا فيها مائعاً وغير واضح المعالم، ومن ثم صار من الصعب اقناع المواطنين الأميركيين بضخ كل تلك الأموال في التسلح وتعبئة الترسانة العسكرية.

ويلفت المؤلف نظر القارئ إلى أنه برغم كونه من النادر أن تخسر أميركا حرباً ضد أي من أعدائها منذ عام 1950، إلا أنه أيضاً لا يمكن الجزم بأنها قد حققت نصراً كاملاً في أي من تلك الحروب.

فأميركا قد اعتادت ان تقوم بعمليات محدودة وسريعة ضد الأنظمة السياسية المعادية لها.

كانت سياسة التدخل إذن، هي السمة الغالبة على السياسة الخارجية الأميركية، سواء كان ذلك التدخل بشكل مباشر عنيف، مثل الحرب على العراق وأفغانستان، أو بشكل مستتر وغير مباشر كما حدث ضد حكومة مصدق في إيران في عام 1953.

ويرى المؤلف أن السبب في التدخل بتلك الطرق، يكمن في الانتقاد السائد لدى دوائر صنع القرار الأميركي، بأن (امتلاك الأسلحة المتطورة والمعقدة تكنولوجيا هي وحدها التي تضمن لأميركا القوة والسيطرة، وهذا التفوق يحكمه ما تملكه اليد من أسلحة، لا ما يمكن أن يحدث في البلاد على المستويين السياسي والاجتماعي).

 ومن هنا تم اعطاء مبرر قوي لمواصلة العمل على صناعة وتطوير الأسلحة، وعملت جماعات الضغط ورجال الأعمال والمستثمرين على الاستفادة من وجود أي عدو محتمل لأميركا في سبيل المحافظة على انتاجية مصانعهم من الأسلحة الفتاكة، حتى لو تطلب ذلك التأثير على الرأي العام، وتوجيهه لتبني مطلب اللجوء للحرب والضغط على السلطة السياسية الحاكمة لتمرير ذلك القرار.

 

التحالفات وحلف شمال الأطلسي: إرهاصات الانقسام تبدو واضحة

يرى المؤلف أن روسيا كانت مرشحة دائماً لتكون عدواً منطقياً لأميركا حتى قبل أن تتحول سياسياً للشيوعية، وكل ما فعله لينين أنه قدم للغرب مبرراً مجانياً لاستدعاء وشيطنة روسيا تحت يافطة الشيوعية.

وضمن هذا السياق، تم تأسيس حلف الناتو في عام 194، حيث استخدمته أميركا في سبيل فرض سيطرتها على أوروبا الغربية أولاً، ومن ثم أوروبا الشرقية فيما بعد.

وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تراجع دور حلف الناتو كثيراً، حتى أن بعض أعضاء إدارة كلينتون صرحوا بأن (حلف الناتو يمكن أن يتحول إلى قطعة أثرية من الماضي)، كما أن الكثير من الدول الأوروبية قد بدأت في التفكير في إنشاء منظمة أو تحالف عسكري بديل يضم الدول الأوروبية فقط ويخرج من قبضة الهيمنة الأمييكية.

وقد ظهر ذلك التعارض بشكل واضح في (حرب كوسوفو) في عام 1999، عندما عارضت الكثير من الدول الأوروبية المنضوية تحت راية التحالف الأطلسي التدخل، في الوقت نفسه الذي شاركت فيه الولايات المتحدة بقوة في تلك الحرب.

وقد ظهر الشقاق الحاصل ما بين جانبي الأطلسي بصورة واضحة في أثناء حرب أميركا ضد أفغانستان، فقد أعلن الجانب العسكري الأميركي، عن اتاحة الفرصة لمشاركة باقي دول التحالف بالعناصر البشرية، مع استبقاء التنظيمات والمواعيد والخطط من حق الجانب الأميركي وحده، وهو الأمر الذي علق عليه كولكو، بأن أميركا اعتبرت أن باقي دول التحالف الأطلسي لا تمثل أكثر من (مجرد خزان يقوم بتزويد أميركا بالقوة البشرية من دون أن تقدم هذه أي التزام بشروط مقيدة).

وبالإضافة إلى ذلك كله، فإن الدول الأوروبية تحتاج بشدة إلى الغاز الروسي والنفط الإيراني، مما حسّن علاقتها مع تلكما الدولتين، اللتين هما بطبيعة الحال معاديتان للولايات المتحدة الأميركية.

ولهذا كله، فإن كولكو يؤكد على أن المرحلة الراهنة، هي مرحلة (تشكيل أوروبا لهويتها الخاصة بها)، وهي هوية قائمة في الأساس على مصالحها الذاتية، التي تتصادم بشكل واضح وصريح مع الرؤى الجيوسياسية الأكاديمية العدوانية التي تؤمن باستعمال القوة الأميركية الكاسحة والحاسمة، والتي ينتهجها الكثير من موظفي الإدارة الأميركية ومستشاريها في العقود السابقة.

كل تلك الأسباب مجتمعة، نجحت في أن تثير تساءل حلفاء واشنطن عن جدوى التوقيع على بياض لحساب السياسات الأميركية، وإذا كان ذلك يخدم فعلا مصالحهم الوطنية.

ويستشهد كولكو ببعض الاستبيانات والتقارير والأبحاث التي أجريت في أوروبا، والتي ظهر من نتائجها تصاعد الاتجاه الرافض لاستمرار التحالف مع أميركا.

 من تلك التقارير، ذلك الذي أصدره مركز    Pew للدراسات الذي يقع في واشنطن، في عام 2004، حيث يبين ذلك التقرير أن أغلبية السكان في دول فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يرغبون في تبني أوروبا لسياسات خارجية منفصلة عن سياسات الولايات المتحدة، ففي فرنسا، أيد 75% من العينة العشوائية الخاضعة للاستبيان، انفصال فرنسا في قرارها السياسي عن أميركا، كما شنوا هجوما حاداً على الحرب على العراق.

كما أن شعبية حكومة (توني بلير) البريطانية قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها بعد الاشتراك في الحرب ضد العراق، وفي إسبانيا، مُني (الحزب الشعبي) المؤيد للسياسات الأميركية بهزيمة قاسية في الانتخابات البرلمانية، وشهدت دول إيطاليا وهولندا وبولونيا أحداثاً مماثلة.

ويرى المؤلف أن هيمنة أميركا على التحالف الأطلسي، قد أدت إلى أن كلاً من فرنسا وألمانيا، قد أصبحتا أكثر استقلالية في سياستهما الخارجية بشكل أكثر من المتوقع.

السياسة العسكرية الأميركية تجاه روسيا، تمر أيضاً بمرحلة حرجة، فقد عملت واشنطن في السنوات الأخيرة على انشاء عدد من القواعد العسكرية في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى، وهو الأمر الذي لم تقف أمامه روسيا مكتوفة الأيدي، فقد صرّح وزير الخارجية الروسي سيرغي ايفانوف في مؤتمر للأمن في مدينة ميونخ الألمانية، قائلا (أود تذكير ممثلي الناتو أنه بتوسيع الحلف، فقد أصبح يشتغل في منطقة ذات مصالح حيوية لبلادنا؟).

كما أن هناك مخاوف أميركية متزايدة ضد القوة العسكرية الصينية، التي تشهد موازنتها نمواً سريعاً، بلغ معدله ما يقرب من 12% عام 2004.

ويرى كولكو إن محاولة أميركا للتدخل في عمق النفوذ الاستراتيجي لروسيا أو الصين، هي مغامرة محفوفة بالمخاطر، لأن محاولة إنقاذ دول فاشلة تابعة للهيمنة الروسية في القوقاز وآسيا الوسطى، سوف يؤدي إلى استنفاذ الموارد العسكرية الأميركية واهدار الكثير من طاقتها في حروب خاسرة.

 

إسرائيل: مأزق تاريخي

يرى كولكو أن وجود إسرائيل في المنطقة، وانحياز أميركا لها على طول الخط، قد تسبب في خلق أزمة كبرى لواشنطن في علاقتها مع جميع دول منطقة الشرق الأوسط.

ويعدد المؤلف أشكال وصور المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لإسرائيل منذ نشأة الأخيرة في عام 1948، فيقول إن أميركا قد أهدتها 51.3 مليار دولار من المنح العسكرية بالإضافة إلى 11.2 مليار دولار في شكل قروض لاقتناء معدات عسكرية، و31 مليار دولار في شكل منح اقتصادية، ناهيك عن ضمانات قروض أو مشاريع عسكرية مشتركة، كما أن إسرائيل قد حصلت من أميركا على أحدث التقنيات النووية والجوية والمتعلقة بأنظمة الدفاع الصاروخي.

ولكن على الجانب الأخر فإن كلاً من حزب الله اللبناني وسوريا، يتم تزويدهما بكميات ضخمة من الصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ القصيرة المدى التي من الممكن أن تلحق خسائر ضخمة بالجانب الإسرائيلي، في حالة اندلاع حرب ما بين الكيان الصهيوني ودول الجوار وهو الأمر الذي يهدد قوة إسرائيل ومكانتها في المنطقة، وبالتالي يضعف الولايات المتحدة.

 

الولايات المتحدة والحرب على إيران

برزت إيران كقوة مهيمنة استراتيجياً في المنطقة، وتستخدم عائدتها النفطية لبسط نفوذها في جميع الاتجاهات.

وتستطيع إيران - بحسب كولكو- أن تستخدم الشيعة الموجودين في جميع أنحاء الشرق الأوسط لمساعدتها في حالة حدوث حرب أو اعتداء عليها.

يروج الإسرائيليون أن الإيرانيين قد تمكنوا بالفعل من امتلاك جميع أساسيات التكنولوجيا الخاصة بالصواريخ، صحيح أن جودة ودقة هذه الصواريخ قد لا ترقى إلى المستوى المطلوب، لكن ذلك لن يمنع من أن تلحق أضراراً بالغة بأعدائها.

كما أن الكثير من الخبراء الأميركيين والإسرائيليين يرون أن إيران قد باتت على أعتاب أن تصبح قوة نووية، وإنه ليس أمامها إلا أقل القليل لتصل لذلك الهدف.

ويرى كولكو أن احتمالية اندلاع حرب مباشرة ما بين أميركا وإيران، ضعيفة جداً، وذلك نظراً للمشكلات الاقتصادية التي تعاني منها أميركا، وانخفاض قيمة الدولار من جهة، ولأن اندلاع مثل تلك الحرب سيعني ارتفاع تكلفة النفط من جهة أخرى.

الأمر الأخر الذي يعيق حدوث مثل هذه الحرب هو أن المشكلات التي ستلحق بإنتاج النفط في منطقة الخليج سوف تؤدي إلى زيادة انتاجيته في مناطق أخرى من العالم مثل روسيا وفنزويلا، وهي دول لها سياسات معارضة للتوجهات الأميركية.

ويرى المؤلف أن وضع الجيش الأميركي في الفترة الحالية، غير مناسب لخوض حرب مفتوحة ضد إيران، ويبالغ كولكو بشكل واضح، عندما يقول إنه في حالة اصدار أوامر عسكرية عليا بالحرب ضد إيران، فمن الممكن أن نشهد تمرداً بين صفوف قوات الجيش الأميركي.

ويؤكد كولكو أن إيران تمتلك الكثير من الأسلحة والقدرات، تلك التي قادرة بكل تأكيد على تكبيد الجانب الأميركي الكثير من الخسائر، فعلى سبيل المثال، تبلغ قدرات سلاح البحرية الإيراني 140 بارجة وست غواصات، وهي قادرة على الحاق الأذى بقطع الأسطول الأميركي المتراكية في جزر وشطئان الخليج.

كما أن إيران في وضع اقتصادي مريح، بفضل انتاجيتها العالية للبترول، فهي تبيع ما يقرب من 2.5 مليون برميل من النفط يوميا إلى اليابان والصين وعدد من الدول الأوروبية، كما أن علاقتها الدبلوماسية بروسيا ممتازة، ويتم تبادل الخبرات في مجالات الطاقة والتسليح ما بين الجانبين.

ويؤكد كولكو عدم جدوى استخدام السلاح النووي الأميركي أو الإسرائيلي ضد إيران، وذلك لأن الإشعاعات الناتجة عنه، سوف تؤدي إلى قتل العديد من الأفراد في الدول المجاورة من دون تمييز.

 

التكنولوجيا ومستقبل الحروب

يرى المؤلف أن أميركا قد بدأت في خسارة ريادتها العلمية، منذ سبعينيات القرن العشرين.

فقد كانت الريادة العلمية الأميركية، مبنية في الأساس على (هجرة الأدمغة) إليها من الدول التي توجد فيها مشكلات اقتصادية وسياسية، ولكن مع تحسن تلك الظروف في اليابان وروسيا وأوروبا الغربية، فقد بدأت تلك الدول تحافظ على مواهب وكفاءات أبنائها، وهو ما أسفر عن تقدم تلك الدول تكنولوجيا.

أحد أهم تجلّيات النهضة العلمية في الدول الأخرى، كان هو قيام بعض منها بصناعة القنابل الذرية، حيث انتشرت الأسلحة النووية في روسيا والصين والهند وباكستان وإسرائيل وانجلترا وفرنسا، بعد أن كانت الولايات المتحدة صاحبة القدرة المنفردة على استخدامها.

ويؤكد المؤلف أنه مع انتشار الأسلحة المتطورة في العديد من الدول، فإنها قد فقدت أولويتها وأهميتها في حسم المعارك والحروب، ويستشهد على ذلك بالخسائر التي تعرضت لها أميركا في حروب كوريا وفيتنام.

ويعلل تلك الخسائر، بالتضاريس الصعبة لتلك المناطق من جهة وبعجز القوات الأميركية عن التصدي لتكتيكات حرب العصابات التي تنتهجها القوات المحلية المعادية لها من جهة أخرى.

ويلفت كولكو نظر القراء إلى أن تلك الهزائم من الممكن أن تتحقق في أي مغامرة عسكرية أميركية قادمة في الشرق الأوسط، ففي محاكاة افتراضية للحرب على إيران تمت في عام 2002 بمعرفة وزارة الدفاع الأميركية، وبميزانية اجمالية تقدر بـ250 مليون دولار، كانت النتيجة النهائية هي هزيمة أميركا.

وكان السبب الذي أدى إلى حدوث تلك الهزيمة الافتراضية، هو أن أسلحة إيران المتمثلة في صواريخ كروز، والزوارق السريعة المدججة بالمتفجرات والصواريخ، كانت قد استطاعت أن تغرق أغلب قطع الأسطول الأميركي في مياه الخليج.

وبعيداً عن المحاكاة الافتراضية، فإن حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، أظهرت كيف يمكن أن يتفوق بضعةآألاف من المقاتلين على جيش نظامي عصري متطور وضخم.

كل ما يؤكده كولكو هنا أن التكنولوجيا لن تمثل نقطة الترجيح في حروب أميركا المستقبلية ضد أعدائها في الشرق الأوسط والشرق الأقصى، وأن العقيدة القوية والتدريب الجيد والتكتيكات العسكرية الخاطفة سوف يكون لها الفضل في حسم مثل تلك الحروب.  



الكتاب: العالم في أزمة: نهاية القرن الأميركي
الكاتب: غابرييل كولكو

ترجمة:  د. عمرو سلام - د. أحمد حالي- د. الطيب غوردو
الناشر: إي كتب -لندن - 2015