"مستقبل العقل": هل يمكن تطوير الذكاء؟

هل العبقرية تولد أم تصنع؟ ظل هذا السؤال منذ فترة بعيدة حاضراً على ساحة الاستفهام في الوعي الإنساني.

كتاب "مستقبل العقل" لميشيو كاكو
ميشيو كاكو هو عالم فيزيائي مشهور، نال جائزة نوبل في الفيزياء، لمشاركته في نظرية الأوتار الفائقة، والتي تُعد من أحدث النظريات الموحدة للطاقة في الكون.

وقد نشر كاكو عدداً من الكتب العلمية المهمة، كان آخرها هو كتاب "مستقبل العقل" الذي يتناول فيه المؤلف عدداً من المواضيع المرتبطة بكل من العقل والكون، حيث يعتقد كاكو أن الإثنين يرتبطان ببعضهما البعض بشكل وثيق، فكلاهما يفرضان تحدياً علمياً صعباً أمام الإنسان. فأما الكون فيشمل مجالاً بحثياً يتضمن النجوم والكواكب والمجرات والثقوب السوداء، وأما العقل فيطرح أسئلة عدة تتعلق بالآمال والرغبات والأحلام الدفينة والخاصة بكل إنسان.

من هنا فإن الإثنين قد ارتبطا ببعضهما البعض في رحلة التطور، فكان أي تقدم في أحدهما، يعني بالتبعية تحقيق تقدم في الآخر.

فعلى سبيل المثال، كان اختراع التليسكوب المقرّب منذ 400 عام تقريباً نقلة ثورية في تاريخ تطور العلم الكوني، وقد تزامن مع اختراع عدد من الأجهزة الطبية الخاصة بالكشف على الأعصاب والمخ.

كان العلم إذاً يفتح ميادين بحثية جديدة في آنٍ واحد، فبينما يُسهم في تعريف الإنسان بداخله العقلي، كان في الوقت ذاته يتيح له الفرصة لاستكشاف محيطه الكوني الخارجي.

وبناء على تلك الجدلية (الكونية-العقلية)، عمل كاكو في كتابه، على دراسة مجموعة من القضايا العلمية ذات البعد المستقبلي، والتي تفتح أفاقاً واسعة أمام العقل البشري.

 

الكشف عن أسرار الدماغ البشري

في عام 1848، وقعت حادثة مشهورة يستند إليها كاكو في هذا المبحث من كتابه، تلك الحادثة كانت تخص مراقب للسكة الحديدية في أميركا يُدعى فينياس غيج، فقد تعرض غيج للإصابة بمسمار اخترق دماغه وخرج من خلال الجزء الأعلى من جمجمته، ورغم بشاعة تلك الحادثة إلا أن غيج بقي حياً وإن فقد الوعي لأسابيع عدة.

بعد إفاقته من غيبوبته، لاحظ الدكتور جون هارلو وهو الطبيب الذي كان يعالجه، أن غيج قد أصبح مزاجياً ومتردداً، وأنه بدا كالطفل في قدراته العقلية وتصرفاته.

يرى كاكو أن تلك الحادثة لم تغيّر في حياة غيج فقط، بل إنها قد غيّرت في مسار العلم أيضاً، فقد أثبتت عبثية القول السائد بوجود فصل ما بين العقل والروح، لأنه قد أصبح من الواضح أن العطب في الفص الأمامي من الدماغ قد نتجت عنه تغيّرات مفاجئة في شخصية غيج.

يؤكد كاكو أنه ومع التقدم العلمي الكبير في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، قد أصبح من الممكن رسم خارطة أولية للدماغ، وهو الأمر الذي ساعد في كشف أسباب العطب الدماغي.

يرى كاكو –الذي يتضح في هذا الجزء تحديداً تأثره القوي بنظرية التطور لتشارلز داروين-أنه من الممكن أن نقسّم الدماغ إلى ثلاثة مناطق، المنطقة الأولى، وتعرف بدماغ الزواحف، وهي البُنى الأقدم في الدماغ، وتتحكم في الوظائف الحيوانية الأساسية كالتوازن والتنفس والهضم وضربات القلب وضغط الدم، وهي تتحكم أيضاً في السلوكيات مثل القتال والصيد والتناسل.

أما المنطقة الثانية، فهي أكثر تعقيداً، وتُعرف باسم الدماغ الثدي، وتحتوي على بُنى تتعلق بالعواطف، أما المنطقة الثالثة، فهي الطبقة الخارجية من الدماغ، وتُعرف باسم القشرة الجديدة، وهي تشكّل نحو 80% من كتلة دماغنا، وتتحكم في السلوك الإدراكي الأعلى.

 

ولكن كيف نفحص الدماغ البشري؟

يشير كاكو إلى أن الطفرة العلمية التي شهدها العالم في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، قد فتحت أفاقاً واسعة نحو دراسة العقل البشري بمزيد من التفصيل والدقة.

ويستعرض المؤلف عدداً من التقنيات الحديثة المستخدمة في فحص الدماغ، مثل تقنية الرنين المغناطيسي MRI، والتي تسمح للموجات الكهرومغناطيسية بالتغلغل بحرية داخل الدماغ، بحيث تعطي صورة مقرّبة للعمليات التي تحدث داخل الدماغ مثل اختبار الأحاسيس والعواطف.

ومن هذه التقنيات تقنية المسح الكهربائي للدماغ EEG، وكذلك آلة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني PET، والتي تحسب تدفق الطاقة في الدماغ بتحديد وجود الغلوكوز.

ويبيّن كاكو أهمية تلك التقنيات، بقوله إنه وقبل إدخالها لم تكن سوى 30 منطقة فقط من الدماغ معروفة، أما الآن فإن آلة الرنين المغناطيسي وحدها قادرة على تمييز 200 أو 300 منطقة من الدماغ.

وقد يفتح ذلك باباً للتساؤل حول المستقبل، وما قد يشهده من ظهور تقنيات جديدة، حيث يؤكد كاكو أن السنين المقبلة، سوف تشهد ظهور نماذج معدلة ومطورة عن القديمة، وليست تقنيات جديدة جذرياً، والسبب في ذلك أن هناك أربع قوى رئيسة فقط تحكم الكون، وهي الجاذبية والكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة والقوة النووية القوية، برغم محاولات العلماء اكتشاف قوة خامسة، لكن حتى الآن باءت كل المحاولات بالفشل.

 

 

الوعي من منظور فيزيائي

هل يمكن تطوير عمل العقل؟

 شغلت فكرة الوعي الفلاسفة والمفكرين قروناً طويلة عبر التاريخ الإنساني، وحتى الآن لا يوجد تعريف بسيط أو واضح لها، وقد أدى ذلك إلى أن الكثير من علماء النفس، قد حاولوا توصيف الوعي بطرق مختلفة، ومن ذلك قول الطبيب النفساني جوليو تونوني (يعلم الجميع ما الوعي: إنه ذلك الذي يتخلى عنك كل ليلة عندما ترقد للنوم بلا أحلام، ثم يعود في الصباح التالي عندما تستيقظ).

بالنسبة لكاكو فهو يُعرّف الوعي، على أنه عملية خلق نموذج للعالم باستخدام دارات تغذية راجعة عديدة بمتغيرات مختلفة (على سبيل المثال، درجة الحرارة والمكان والزمان والعلاقة مع المتغيرات الأخرى) من أجل تحقيق هدف ما (على سبيل المثال إيجاد الشريك أو الطعام أو المأوى).

يضرب كاكو مثالاً على الوعي الذي يقصده، فيقول إن أبسط مستوى للوعي هو منظّم الحرارة، فهو يفتح مكيّف الهواء ويغلقه آلياً لتعديل الحرارة في غرفة ما، من دون أي مساعدة.

بهذه الطريقة يمكننا أن نصنّف الوعي بشكل رقمي، وذلك على أساس عدد دارات التغذية الراجعة المستخدمة، ومن هنا لن يبقى الوعي محافظاً على تلك الهالة الغامضة التي تحيط به.


ولكن هل يختلف الوعي الإنساني عن الوعي الحيواني؟

يرى المؤلف أنه برغم وجود عوامل تشابه كثيرة ما بين الوعي الإنساني والوعي الحيواني، إلا أن الأول يبقى متميزاً بنقطة مهمة، ألا وهي فهمه وإدراكه لفكرة المستقبل.

في ذلك يقول الدكتور دانييل غيلبرت، عالم النفس من جامعة هارفارد: "الإنجاز الأكبر للعقل البشري هو قدرته على تخيّل أشياء وحوادث لا توجد في الواقع، وهذه هي القدرة التي تسمح لنا بالتفكير في المستقبل، وكما لاحظ أحد الفلاسفة، فالعقل البشري آلة توقع، وصنع المستقبل هو أهم ما يفعله".

فعلى الرغم من أن الحيوانات قد تمتلك فهماً محدداً لموقعها في المكان، فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت تخطط بمنهجية للمستقبل، أو أنه لديها فهم للغد، فحتى الحيوانات ذات الأجهزة الحوفية شديدة التطور، تتفاعل مع الظروف التي تتعرض لها بالاعتماد على الغريزة بدلاً من التخطيط بشكل منهجي للمستقبل كما يفعل الإنسان في الظروف المتشابهة.

يعتمد دماغ الإنسان في توقعاته المستقبلية على صنع صلات عرضية بين الحوادث وبعضها البعض، أي لو حدث أ فسيحدث ب، ولو حدث ج فسينتج عنه د، وهي المنهجية التي ستنتج في نهاية الأمر شجرة من الحوادث المستقبلية المتسلسلة.

ويبيّن كاكو أن تطلع الإنسان إلى المستقبل نشأ عنه الكثير من الآثار والأنشطة الاجتماعية، التي تنحصر ممارستها على الإنسان فحسب. من ذلك حب إلقاء النكات والضحك عليها، ذلك أن المؤلف يؤكد أن جاذبية النكتة الرئيسة تكمن في قفلتها النهائية، فعند سماع النكتة لا يمكننا مقاومة تمثيل المستقبل وإتمام القصة بأنفسنا، والواقع إن امتلاكنا حساً قوياً بالدعابة هو في واقع الأمر أحد المؤشرات على قدرتنا الفائقة على تمثيل المستقبل.

وفي السياق نفسه، تتأتى الأنشطة التي قد تبدو تافهة، كالمشاركة في الاغتياب أو التسلي مع الأصدقاء.

لعب الأطفال أيضاً يعتبر إحدى خواص الوعي الإنساني الأساسية، فلو سألت الأطفال لماذا يحبون اللعب فسيقولون لأنه مسلٍ، وفي الحقيقة أن لعب الأطفال ما هو إلا إعادة تفعيل تواصلات بشرية معقدة بطرق مبسطة، لأن المجتمع البشري معقد جداً، وهو أكبر من قدرة عقول الأطفال الصغار على الاستيعاب، لذلك يقومون بتمثيلات مبسّطة لعالم الكبار، بلعب أدوار كالدكتور والشرطي واللصوص والمدرسة، وهو ما يفسّره كاكو بأنه بناء لنماذج إنسانية مستقبلية.

 

التخاطر: حقيقة أم خيال؟

يؤكد المؤلف أن التخاطر هو أحد الموضوعات المهمة التي تجرى عليها العديد من الأبحاث المعمقة حول العالم.

علماء شركة "أي بي آم" IBM ، على سبيل المثال، أدعوا أننا سنتمكن من التواصل بالعقل مع الحاسبات في الفترة المقبلة، وستحل إشارات الدماغ محل الفأرة ولوحة المفاتيح وغيرها من الوسائط الطرفية الملحقة بأجهزة الحاسب الآلي.

الفكرة الرئيسة هي أنه عندما يتحرك الإليكترون فإنه يصدر إشعاعاً كهرومغناطيسياً، وإذا طبقنا تلك النظرية على الموجات الراديوية التي تخرج من أدمغتنا، سوف يكون في وسعنا عندئذ أن نميّز عدداً كبيراً من الإشارات الناتجة عن أوامر مختلفة.

استطاع العلماء فعلاً الوصول إلى نموذج قريب من ذلك، فعن طريق تثبيت ماسحات ECG   مثبتة على الدماغ، استطاعوا تسجيل بعض الإشارات التي تعبّر كل منها عن صورة معيّنة في عقل صاحبها.

يشير كاكو إلى جهود بعض العلماء في هذا المجال، ومن ذاك الأبحاث المعمقة التي تدور في مختبر الدكتور غالانت في جامعة كاليفورنيا-بيركلي، حيث استطاعت مجموعته البحثية من تصوير مقاطع فيديو للأفكار التي تدور في عقول بعض الناس.

تحدث تلك التجربة عن طريق تمدد الشخص الخاضع للتجربة على نقالة، حيث تدخل به ببطء في آلة رنيم مغنطيسي MRI ضخمة، ثم يجلس الشخص فيها لساعات عادة من دون حراك، ويراقب عدداً من مقاطع الفيديو والصور على الشاشات الموجودة أمامه.

وبينما يشاهد الشخص الأفلام يتم التقاط إشارات دماغه، حيث يتم صنع صورة ثلاثية الأبعاد مكونة من ثلاثين ألف نقطة، وتمثل كل نقطة جزء من الطاقة العصبية له.

هذا البرنامج المعقد تم تطويره، ليس فحسب لمعرفة الصورة التي يشاهدها الشخص، بل أيضا لتوقع الأفكار والصور التي تدور في مخيلته.


ولكن من يدفع تكلفة تلك الأبحاث العملاقة؟

يرى كاكو أن أحد أهم الأسئلة التي يجب أن تُثار فيما يتعلق بتلك الأبحاث، هو ذلك السؤال الخاص بتحديد الجهة التي تموّل تلك الأبحاث والمشاريع، حيث يؤكد على الدور القوي الذي تلعبه وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية - لبنتاغون (داربا)، والتي كانت رائدة في تطوير بعض أهم التقنيات في القرن العشرين.

أُسست داربا في البداية من قبل الرئيس دوايت إيزنهاور، بهدف الوصول إلى حالة من التقدم العلمي الذي يتيح للولايات المتحدة التفوق على الغريم السوفياتي، وبعد تأسيس تلك المنظمة بأعوام عدة، ظهر العديد من مشاريع "داربا"  الناجحة، والتي كانت وكالة ناسا أحدها.

مثلاً عندما احتاجت القوات الجوية الأميركية طريقة لتوجيه صواريخها الباليستية في الفضاء، فإن "داربا" ساعدت في ذلك من خلال المشروع 57، وفيما بعد تم استخدام تلك التقنية لوضع أساس النظام العالمي لتحديد المواقع جي بي اس GPS.

وكذلك لعبت "داربا" دوراً رائداً في مجموعة من الاختراعات المهمة، مثل الهاتف المحمول، والاتصالات والأقمار الصناعية وغيرها.

أما مشروع التخاطر الدماغي الذي تعمل عليه "داربا" حالياً، فقد خُصصت له ميزانية تقدر بثلاثة مليارات دولار، وهو لا يزال حتى الآن في المرحلة المبكرة، ويتوقع الكثير من الخبراء أن يتطور بشكل سريع في الفترة المقبلة.

  

هل يمكن أن نتعلم كيف نصبح عباقرة؟

جرت دراسة دماغ أينشتاين
هل العبقرية تولد أم تصنع؟ ظل هذا السؤال منذ فترة بعيدة حاضراً على ساحة الاستفهام في الوعي الإنساني.

بما أنه من الصعب جداً تنمية خلايا الدماغ، فقد حدث اعتقاد بأن الذكاء يتحدد في الوقت الذي نصبح فيه بالغين، مثله في ذلك مثل الكثير من الوظائف العضوية في جسم الإنسان.

ولكن الكثير من الدراسات الحديثة، بيّنت أن الدماغ يستطيع أن يتغير مع التعلّم والتدريب. فعلى سبيل المثال، حلّل العلماء في عام 2011 أدمغة سائقي التاكسي المشهورين في لندن الذين كان عليهم تذكر خمسة وعشرين ألف شارع في شبكة المدينة المعقدة. فقد درس العلماء القائمون على البحث أدمغة هؤلاء السائقين قبل الاختبار، ثم اختبروهم مرة أخرى بعد ثلاث أو أربع سنوات، نتيجة البحث أثبتت أن حجم المادة الرمادية وبالأخص منطقة الحصين التي تعالج فيها الذكريات، قد أصبحت أكبر من ذي قبل، وهو ما يعني أن ذكاء السائقين قد زاد وتطور.


ولكن كيف نقيس الذكاء؟

يبيّن كاكو أنه، وعلى مدار قرون طويلة، لم تكن هناك وسيلة حقيقية لقياس الذكاء البشري، لكن دراسات الرنين المغناطيسي أظهرت اليوم أن النشاط الرئيس للدماغ وهو يؤدي هذه المعضلات الرياضية، يتعلق بالممرات التي تصل القشرة أمام الجبهية، والتي تتعلق بالتفكير العقلاني، بالفصوص الجانبية التي تعالج الأرقام.

وفي الحقيقة، تتوافق نتائج تلك الدراسات، مع نتيجة فحص عدد من أذكياء وعباقرة العالم. فمثلاً، عند فحص دماغ عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين، وجد أن فصوص دماغه الجانبية الأدنى كانت أكبر من الطبيعي، ولكن يبقي السؤال المهم، هل ازداد حجم الدماغ في هذه المنطقة من دماغ أينشاتين بسبب العمل الجاد والدراسة، أم أنه قد وُلد بهذه الكيفية؟

 ويؤكد كاكو أن العالم في حاجة إلى اختبارات جديدة ومبتكرة لقياس نسب الزكاء، فاختبارات IQ  المعروفة لا تفي بالحاجة، لأنها تقيس شكلاً محدوداً من الذكاء فقط.

فعلى سبيل المثال خلال الحرب العالمية الثانية، طلبت القوات الجوية الأميركية من العلماء تصميم اختبار نفسي يقيس ذكاء الطيار وقدرته على معالجة ظروف صعبة غير متوقعة، وكان أحد الأسئلة التي تضمنها الاختبار هو (لو أسقطت طائرتك داخل بلد عدو وعليك أن تنجو بطريقة ما إلى خطوط الأصدقاء، ماذا تفعل؟).

توقع معظم علماء النفس أن الدراسة ستظهر أن الطيارين الحائزين على درجات عالية في اختبارات الذكاء  IQ، سوف سيسجّلون نقاطاً عالية في هذا الاختبار أيضاً، ولكن في الحقيقة كان العكس هو الصحيح، فقد كان الطيارون الذين سجّلوا أعلى نقاط هم الذين تفوقوا في نمط التفكير المتباعد، وهم الذين استطاعوا القراءة خلال مسارات مختلفة من التفكير.

 

 

ما هو أصل الذكاء البشري؟

الإنسان الآلي الروبوت إنسان المستقبل؟
يذكر ميشيو كاكو أن هناك العديد من النظريات التي حاولت أن تفسّر تطوير الذكاء البشري.

ووفق إحدى النظريات التي يعتقد بها كاكو، فإن تطور الدماغ البشري قد تم على مراحل عدة، حيث بدأت المرحلة الأولى بالتغيّر المناخي في أفريقيا، فمع ميل الطقس للبرودة القاسية، بدأت الغابات في الانحسار، مما أجبر البشر على العيش في سهول مفتوحة، وفيها تعرضوا لخطر الحيوانات المفترسة وللعوامل المناخية الصعبة.

تلك الظروف أجبرت الإنسان على الصيد والمشي بقامة منتصبة، بحيث تم تحرير أيدي الإنسان، مما سمح له باستخدام الأدوات، وهذا بدوره سمح للإنسان بتنسيق صنع الأدوات. ويُجمل كاكو ما تذهب إليه تلك النظرية، بأن الذكاء الإنساني لم يصنع الأدوات ولكن في الحقيقة إن الأدوات هي التي صنعت الذكاء الإنساني. فقد استطاع البشر الذين التقطوا أدوات أن يبقوا على قيد الحياة في المناطق العشبية، بينما إنقرض هؤلاء الذين لم يستطيعوا ذلك تدريجياً، ومن هنا فمع بقاء الإنسان تطور الذكاء الإنساني.

 

ما هي حدود تطور العقل الصناعي؟

في فبراير شباط من عام 2011، استطاع حاسوب من شركة "أي بي أم"  IBM الأميركية يسمي بـ"واطسون"، أن يهزم جمعاً من المنافسين البشريين له في برنامج تلفزيوني أميركي شهير يدعى الخطر.

واطسون هو مجرد الجيل الأخير من برنامج الأنظمة الخبيرة، التي تستخدم المنطق الرسمي للوصول إلى كميات هائلة من المعلومات المتخصصة.

نجاح تجربة واطسون فتحت الباب أمام العديد من النماذج المشابهة، فعلى سبيل المثال، يعمل المهندسون على صناعة طبيب آلي، يظهر على ساعة معصمك، أو على شاشة جدارية، ليعطيك نصيحة طبية أساسية بدقة تبلغ دقتها نسبة 99% .

كما أن هناك أبحاثاً شبيهة، تُجرى على نماذج لمحامين ومهندسين ومعلّمين وغير ذلك من الوظائف التي يحتاجها المجتمع.

ويرى كاكو أنه لو تماشينا مع النظرية التي ترى بأن القدرة الحاسوبية تتضاعف كل سنتين، فإن الوصول إلى صناعة تلك النماذج سوف تصبح مسألة وقت ليس أكثر.

وقد بدأت النية تجاه استخدام الحاسوب في الواقع المجتمعي، من خلال الأفكار العسكرية، ففي فترة الثمانينيات من القرن العشرين تحديداً تم إنفاق مئات الملايين من الدولارات على مشاريع "سمارت ترك" التي افترض أن تنتج عنها شاحنة ذكية وآلية، تستطيع أن تدخل خطوط العدو، وتقوم بعمليات استطلاع بشكل ذاتي، ولكن في الحقيقة ضاعت كل الجهود الخاصة بذلك المشروع، وذهبت سُدى.

في عام 1997، أحرز الإنسان الآلي تقدماً ملحوظاً عندما هزم حاسوب "أي بي أم" IBM  المسمى بـ"ديب بلو"، بطل العالم في الشطرنج غاري كاسباروف.

ويرى كاكو أن هناك مشكلتين على الأقل تواجهان مشاريع الذكاء الصناعي في المستقبل القريب، وهما التعرّف على النموذج، والحس السليم.

يستطيع أفضل إنسان آلي أن يتعرف على أجسام بسيطة مثل كأس أو كرة، لكنه يُصاب بالارتباك عندما يرى شكلاً أكثر تعقيداً.

فالإنسان الآلي يرى الكرسي مثلاً على كونه مجموعة من الخطوط والنقاط، لكنه لا يستطيع بسهولة تمييز فحوى الكرسي، فحتى لو استطاع أن يطابق جسماً مع صورة مخزنة في قاعدة بياناته، فإن تدويراً بسيطاً في الشكل سيجعله عاجزاً عن التعرّف إليه.

الأكثر من ذلك، أن الباحثين قد توصلوا إلى أن العواطف قد تكون المفتاح إلى الوعي، فإذا صادف إنسان آلي ناراً متأججة، فربما سينقذ سجلات الحاسوب أولاً، وليس الناس، ربما لأن برمجته تقول له إن السجلات ثمينة بحيث لا يمكن استبدالها، بينما يمكن استبدال العاملين دوماً.

ويؤكد المؤلف أن المشكلة الرئيسة بالنسبة للعواطف أنها غير عقلانية في الكثير من الأحيان، ولا يمكن تحديدها بشكل رياضي بحت، ولذلك يختلف الوعي السيليكوني عن الوعي الإنساني بطرق رئيسة.

ومن هنا فإن من الصعوبة بمكان أن ينجح الباحثون في برمجة العواطف الإنسانية على الحاسوب. ولكن برغم ذلك، فإن كاكو يظهر أن هناك محاولات للتوصل إلى ذلك عبر مراحل ثلاث. في الأولى يقوم الحاسوب بتمييز العاطفة في وجه الشخص، وفي الثانية تحدث الاستجابة من قبل الإنسان الآلي. أما في المرحلة الثالثة والأخيرة، وهي الأصعب، فإنه يتم تقرير العاطفة، والتفاعل معها.