كيف نُنشئ جيلاً يقرأ: أساليب يمكن للأهل والمدّرسين اتباعها
القراءة مهارة ككلّ المهارات الأخرى، وعلى الأولاد تعلّمها. وفي الوقت ذاته، هناك دور مكمّل في رفد الأطفال في هذه المهارة بشكل فاعل.
قراءة: حسن صعب
قد يبدو الكلام في مجال التشجيع على القراءة، في هذا العصر الرقمي والتكنولوجي «المجنون»، نوعاً من الترف الفكري أو التوهم الحالم، خاصة في عالمنا العربي الذي يعيش في أسوأ ظروفه على كافة المستويات، وبما يُبعد الأجيال الطالعة تحديداً عن تقبّل أفكار هذا الكتاب، رغم جدّيتها وموضوعيتها وارتكازها على أسس نظرية وتجريبية واختبارية متينة.
لكنّنا وجدنا في هذا الكتاب ما شدّنا لقراءته بتمعّن واهتمام، وهو ما نأمل أن يحصل مع قرّاء الكتاب الناطقين بالعربية، على أمل أن تستفيد الفئات المستهدفة فيه منه بالقدر الكافي، الذي يؤهّلها لاستعادة هذه «النعمة» المغيّبة عن واقعها الثقافي والاجتماعي، وبما قد يسهم في إخراج مجتمعاتنا العربية من مستنقع الأميّة والتخلّف الغارقة فيه منذ زمن بعيد.
المقدّمة: استمتع بوقتك، وإبدأ الآن
يحدّد المؤلّف بأن الغرض من هذا الكتاب بسيط. فالأهل يريدون للأبناء أن يقرؤوا، في حين أن معظم الأبناء لا يرغبون بذلك، حيث سعى المؤلّف لإيضاح دور الأهل في هذا المجال من خلال تجربة فكرية سريعة.
وهو يورد هنا ثلاثة مبادئ (نصائح): استمتع بوقتك (فالقراءة تدعو للبهجة).
المبدأ الثاني: إبدأ الآن (فدور الأهل مهم بالتكامل مع دور المدرسة).
المبدأ الثالث: تحفيز الطفل للقراءة.
أما مواطئ القدم الثلاثة لإرساء دعائم القراءة فهي: تمكين الطفل من فكّ الرموز بسهولة - أن يعي ما يقرأ - أن يتلقّى تحفيزاً للقراءة.
ويختم المؤلّف مقدّمته بتأكيد أن تفادي مشكلة عدم القراءة يظلّ أسهل من حلّها.
في الفصل الأول، تساؤلات عدّة للإحاطة بشيء من علم القراءة، وكيف يتعلّم الأطفال فكّ الرموز؟ وما هي الآليّة التي يتمكنون من خلالها من فهم ما يقرؤونه أو عدم فهمه، أو لما تجد لدى بعض الأطفال حافزاً على القراءة ولا تجده لدى البعض الآخر؟
إقرأ أيضاً: فوائد القراءة: كيف تساعدنا في تطوير عقولنا وتحسين مهاراتنا؟
ويقسم المؤلّف الفئات المقصودة إلى ثلاثة أقسام، وفقاً للمرحلة العمرية: من الولادة وحتى مرحلة ما قبل المدرسة، من مرحلة الروضة وحتى الصف الثاني، ومن الصف الثالث وما بعده. وفي كلّ قسم فصول مختلفة حول كيفية تعزيز فكّ الرموز لدى الطفل، واستيعابه لما يقرأ، وتحفيزه على القراءة في ذلك العمر (مع ما يمكن للأهل فعله في المنزل وما يمكن توقّع حدوثه في صف الولد في المدرسة).
1 - علم القراءة: يبدأ هذا الفصل بثلاثة مبادئ تأسيسية:
1 - الأصوات التي تصدرها الحروف (ولمس شكل الحروف) تشكّل التحدّي الحقيقي الذي يواجه الأطفال عند تعلّمهم قراءة النصوص المطبوعة.
2 - إن استيعابنا لما نقرأ يعتمد بشكل رئيس على معرفتنا العامة حول الموضوع.
3 - إن مناخ التحفيز يكمن في حمل الأطفال على القراءة حتى عندما لا يتم تحفيزهم على ذلك.
وعن دور الأصوات في القراءة، يقول المؤلّف إن العمود الفقري للتواصل في اللغات المكتوبة التي تستخدم نظام كتابة يعتمد على الأصوات، هو نظام يعتمد على الأصوات، من خلال:
- تعلّم سماع الأصوات الكلامية.
- دور المعرفة تعلّم القراءة.
- دور المعرفة في الاستيعاب.
- بناء المعنى بتراكم الجمل.
- أهمية المعرفة بالنسبة للقراءة. وهناك مصادر كثيرة للمعرفة: المحادثة، والتلفاز، والأفلام، وشبكة الإنترنت؛ لكن الأبحاث أفادت بأن القراءة تبقى أهم مصدر للمعرفة.
- وسائل أو أساليب للتحفيز على القراءة/ دور أو تأثير العاطفة، عبر تحديد منشأ المواقف العاطفية والمفهوم الذاتي عن القراءة.
وهنا يوضح المؤلّف رأيه برسوم وأشكال مناسبة.
القسم الأول: من الولادة وحتى مرحلة ما قبل المدرسة.
2 - تهيئة الطفل ليتعلّم فكّ الرموز، وذلك من خلال مساعدته على سماع الأصوات الكلامية، على نحوٍ منفرد وقبل أن يقرأ، عبر المناغاة. فقراءة الأم لأولادها الصغار تساعدهم على تمييز الأصوات ثم الكلمات، وبالتالي تساعدهم على التكلّم.
التلاعب بالكلمات: كما في بعض أغاني الأطفال وأغاني الحضانة التقليدية مع الإشارة إلى التلعثم ككنزٍ كوميديٍ للأطفال، وكذلك الأسماء المركّبة.
تعلّم الأحرف: تعلّم أسماء الأحرف، واستخدام الطباعة كمرجعية، فضلاً عن أهمية قراءة الأحرف من حولنا (العلامات التجارية).
اللعب مع الطفل ألعاباً تساعده على سماع الأصوات الكلامية.
التوطين في نفس الطفل أن الأشكال المطبوعة التي يراها تحمل معنىً، وأن الحروف تماشي أصواتاً.
القراءة التقليدية بصوت مرتفع لا تكسب الأطفال سوى معرفة قليلة جداً عن الحروف.
3 - خلق حالة من التعطش للمعرفة: تلعب الخلفية المعرفية دوراً مركزياً على نحوٍ مباغتٍ نوعاً ما؛ عندما تنتقل القراءة من التمحور حول فكّ الرموز بشكل رئيس (من الروضة للثاني) إلى التمحور حول الفهم غالباً (من الصف الثالث وما بعده).
فأجزاء المعرفة متلاحمة مع بعضها. ومن هنا أهمية البدء منذ الولادة، عبر:
تراكم المفردات (تسجيل نـشاط الدماغ لدى طفل في الشهر التاسع من عمره يُظهر استجابة محدّدة في الدماغ للكلمة ذات المعنى).
إن الطفل الرضيع يتعلّم المفردات فعلاً؛ حتى إن كانت تنقصه القدرة على إظهار ذلك.
بناء المعرفة: فما بين سنّي الثانية والخامسة، يشكّل الطفل حليفاً رائعاً في مسيرة السعي وراء المعرفة، لأنه العمر الذي يملك فيه بحراً من الأسئلة التي لا تنتهي؛ والإجابة ضرورية عليها.
القراءة بصوت مرتفع: فهي تساعد الطفل على كسب طيف واسع من المفردات وفهم أشمل لتراكيب الجمل، وهي تمثّل النشاط الأهم على الإطلاق لحمل المزيد من الأطفال على ممارسة القراءة لاحقاً (حسب تقرير عن القراءة للأكاديمية الوطنية للتعليم في عام 1985).
أهمية توفير كتب إلكترونية للقراءة بصوت عالٍ (تأثير الأشكال).
وفي الخلاصة يوصي المؤلّف الوالد بالقول: لا تبالغ في تبسيط مفرداتك/ أجب عن أسئلة أطفالك/ إطرح عليهم الأسئلة/ واقرأ لأطفالك بصوت مرتفع.
4 - كيف يرى الطفل نفسه قارئاً قبل أن يصبح قادراً على القراءة:
- إن تنشئة طفل قارئ تكمن بداية ونهاية في التحفيز:
ففي هذا الفصل يختبر المؤلّف استراتيجيتين اثنتين: طرائق لتحسين الموقف الإيجابي من القراءة، والمفهوم الذاتي للطفل على أنه قارئ من دون أن يقرأ، مع طرائق تجعله يختار القراءة كنشاط يمضي به وقته. ولا يتجاهل التأثيرات غير المباشرة على المواقف (المواقف العاطفية هي صنيعة التجارب)، لأنه لا يمكن للمؤثّرات المباشرة أن تشكّل وحدها مصادر المواقف العاطفية. وتتعزّز المواقف من القراءة بدورها، جزئياً، بهذه الأشكال من الارتباطات.
إن إحدى أفضل الطرائق لترسيخ المواقف الإيجابية تجاه القراءة واكتساب المعارف حول العالم تتجسد من خلال التقاليد الأسرية؛ وهي الأشياء التي تركّز العائلة على فعلها مرّة تلو مرّة.
وهناك أربعة عوامل لتحديد ما إذا كان الطفل سيختار أن يقرأ كتاباً أم لا، وهي:
1 - المتعة التي يعتقد أن الكتاب سيحملها إليه.
2 - حُكمه الشخصي تجاه احتمال حصوله على تلك المتعة فعلاً.
3 - المقابل الذي يتوقع أن تقدّمه له قراءة الكتاب.
4 - وما قد يختار فعله عوضاً عن القراءة.
أساليب محفّرة للطفل:
- جعل القراءة الخيار الأكثر جاذبية، عبر جعل الكتب في متناول أيدي الأطفال (وضع خزانة في الحمّام أو المطبخ).
-جعل الوقت أمام الشاشات تحت السيطرة.
-لا تضع تلفازاً أو حاسوباً في غرفة أولادك.
- تعليم الاستقلالية/ أن يكون المرء واسع الحيلة في تسلية نفسه.
- القراءة مهارة ككلّ المهارات الأخرى، وعلى الأولاد تعلّمها. وفي الوقت ذاته، هناك دور مكمّل في رفد الأطفال في هذه المهارة بشكل فاعل.
وفي الخلاصة يوصي المؤلّف الوالد بقوله:
-كن مثالاِ يُحتذى لأولادك في حبّ القراءة وحبّ المعرفة.
-عبّر من خلال الكلمات والأفعال عن أن القراءة واكتساب المعرفة عن العالم من قيمكم الأسرية.
-غيّر البيئة المحيطة لجعل القراءة النشاط المتوفر والأكثر جاذبية.
القسم الثاني: مرحلة الروضة وحتى الصف الثاني.
5 - وهذه هي فترة التغيّر المتسارع لدى الطفل في ما يخصّ القراءة. ففيها يتمّ تعليم الطفل فكّ الرموز في المدرسة. ودور الأهل هنا رئيسي لدعم مسيرة تعلّم الطفل في المنزل. وهنا يلفت المؤلّف إلى أن التعليم باستخدام نهج الصوتيات بات أمراً لا نقاش فيه. ولكن، على الرغم من الخلل الموجود في نهج الكلمة - الكاملة في تعليم فكّ الرموز، إلّا أن التأكيد على أدب الأطفال بدا على الدوام فكرة حسنة للمربّين.
نظرية محو الأميّة المتوازنة: في هذا الأسلوب إقرار بأن مناصري نهج الصوتيات كانوا على حق. فالتعليم باستخدام إرشادات الصوتيات أمرٌ جوهري. لكن مناصري نهج الكلمة - الكاملة كانوا على حقٍ كذلك؛ فعمر الأطفال، بفعاليات أصيلة خاصة بمحو الأميّة، أيضاً أمرٌ جوهري.
- القراءة الموجّهة: المعلّمة مع مجموعة صغيرة من الأطفال.
- القراءة المشتركة: القراءة بصوت مرتفع وبمعدّل مدروس.
- القراءة المستقلة: اختيار الطلّاب للكتب.
- الكتابة المقولبة: التفكير بصوت مرتفع أثناء كتابة النص.
- الكتابة التشاركية: مع مجموعة صغيرة من الطلّاب/ المعلّمة تسجّل معهم.
- الكتابة التفاعلية: الطلّاب يعملون على التأليف مع المعلّمة «متشاركين القلم للتدوين» في نقاط استراتيجية من النص.
وفي الخلاصة، يورد المؤلّف النصائح التالية:
-في المدرسة: وضع إرشادات تعلّم الصوتيات بشكل ممنهج.
-توفير كتب أدب الأطفال.
-إتاحة الفرصة أمام الكتابة، والتحدّث، والاستماع فضلاً عن القراءة.
في المنزل:
-إجعل طفلك يقرأ لك، في الحالة المثالية يومياً، في جلسات وجيزة لا تتعدّى خمس دقائق إلى عشر.
-قاوم رغبتك في الانغماس في توجيهاتك حيال قراءته؛
-كن يقظاً، واحرص على إحراز ولدك تقدّماً معقولاً في قراءته بمرور الوقت.
النشاطات الصيفيّة مهمّة في تحفيز الولد على القراءة:
1 - لا تنسوا الصوتيات/ لتعليم الأبجدية.
2 - تركيز الطلّاب على شيء واحد جديد فقط في كلّ مرّة.
3 - يتعلّم المرء من الفعل أكثر من المشاهدة.
4 - التصحيح مهم: باللجوء إلى الرقميات (التكنولوجيا التعليمية).
ما نستطيع فعله في المنزل:
1 - القراءة مع الطفل/ المساعدة في إخراج أصوات الكلمات/ إظهار الدعم العاطفي.
2 - اختيار الكتاب المناسب.
3 - التصحيح هو جزء جوهري من أيّ عملية تعلّم.
4 - التعامل مع لحظات الإحباط التي يمرّ بها الطفل أثناء القراءة.
5 - الحرص على إحراز الطفل تقدّماً معقولاً في قراءته بمرور الوقت.
6 - تخزين المعارف للمستقبل، بواسطة:
- فهم النصوص الطويلة؛ فالمسألة أبعد من ربط الجمل ببعضها.
- استيعاب الأفكار الكبيرة، عبر استخلاصها وربطها (ذات المحور الواحد).
- العودة إلى الخلفية المعرفية، والتي تؤثّر في القدرة على تكوين نموذج للطفل.
- أهمية حيازة خلفية معرفية بجميع المواد المستهدفة بالقراءة.
- اكتساب الاستقلالية، من خلال الاستفادة من وقت الإجازات (شراء مجسّم كرة أرضية للطفل).
وفي الخلاصة، يورد المؤلّف التوصيات الآتية:
في المدرسة: إن تعلّم مختلف المواد، من علوم، وجغرافيا، وتاريخ، ومسرح، وعلوم اجتماعية، وموسيقى، وفنون، على نحوٍ ثابت، يجب أن يصبح جزءاً من المدرسة.
في المنزل: أيها الوالد واظب على ما كنت تفعله، ومع مراعاة التغيرات التي تطرأ على تطوّر نضج الطفل واستقلاليته.
- إروِ القصص لابنك واستخلص منه القصص أيضاً.
- أعطِ فرصة أكبر للكتب غير الخيالية (من الآن فصاعداً).
7 - الحيلولة دون انتكاس الدافعية؛ فبحسب رؤية المؤلّف:
- يميل الأطفال اليافعون (4 - 5 سنوات) إلى رؤية أنفسهم بارعين في كلّ شيء؛ فهم أذكياء، وأقوياء، وقادرون على الإنجاز.
وأثناء تقدّم الأولاد في العمر (7 - 8 سنوات) تغدو مفاهيمهم عن ذواتهم مرتبطة بأمور أكثر تجرداً (تطوّر مفهوم الذكاء لديهم وسلوكياتهم كذلك).
- تطوّر المفهوم الذاتي عن القراءة، من خلال المقارنة مع أقران الطفل في الصف.
- المنهج الدراسي كوسيلة مضخّمة للمفهوم عن الذات/ إفساح المجال أمام مواد أخرى في الروضة يؤتي أكله في مسألة الدافعية والتحفيز.
- هناك أهمية لموقف المعلّم من القراءة، وكذلك للسمات المميّزة للصفوف الرائعة والأساليب والإجراءات المتّبعة فيها.
ما ينبغي فعله في المنزل: يعدّد المؤلّف التوصيات التالية للوالد:
- واظب على ما تفعله (القراءة وإظهار الاهتمام بطفلك).
- كيفية تمكّن الأهل من تكوين المفهوم الذاتي الخاص بالقراءة. فالطفل يطوّر صورته عن ذاته من خلال تفسيره للخبرات التي يمرّ بها.
- مواقفك من قراءة إبنك لها أثر/ القراءة تسلية أولاً لكنها تحقّق لاحقاً إنجازات التدريب من خلال التعلّم العملي للقراءة والكتابة:
1 - ترك ملاحظات للطفل في علبة غذائه أو على سريره.
2 - المساعدة في فرز البريد؛ قراءة لتعليمات الطهو على علبة «الباستا».
ويقدّم المؤلّف هنا الإرشادات التالية للمعلّم والوالد على السواء:
- من المهم إنشاء رابطة عاطفية طيّبة بين المعلّمين والتلاميذ.
- المعلّمة بحماستها للقراءة تمثّل نموذجاً لتلاميذها.
- يجدر إيجاد طرائق لينظر التلاميذ إلى أنفسهم كقرّاء ناجحين.
- تحتلّ القراءة مكانة مهمة في الصف.
وفي البيت: كن داعماً متفائلاً لقدرة إبنك المتنامية على القراءة:
- يجب إيجاد المناسبات التي تخدم فيها القراءة والكتابة الأولاد على نحوٍ مفيد.
- حافظوا على موقفكم من القراءة على أنها بوّابة للمتعة وليست مهارة.
8 - القراءة بطلاقة:
القسم الثالث: في هذا الفصل يعرض المؤلّف للطرائق التي تدعم طلاقة اللسان للطفل في الصف الثالث أو أكبر من ذلك. والنمط الثاني من فكّ الرموز في هذه المرحلة هو القراءة عن طريق التهجئة، والتي تسمح للطفل بالتفريق بين الكلمات ذات الأصول المتشابهة لفظاً (مثل طبع وتبع). ولكن هناك ميزة أهم بكثير: أنها أسهل وأسرع للاستعمال من قواعد الترجمة، التي تتطلب كما كبيراً من الانتباه. كما أن الطلاقة تدعم الفهم. فمع احتياج ترجمة الأصوات لانتباه أقل، يغدو الالتفات بشكل أكبر إلى المعنى أمراً ممكناً، والطلاقة في الواقع تساعد على الفهم والاستيعاب من خلال الصوت. ويضيف المؤلّف: إن القراءة الصامتة تجعلك تردّد الصوت في ذهنك كما لو أنك تسمعه، فيما القراءة بالتهجّي تظل أساسية للوصول إلى قراءة حسنة.
وفي البيت تحديداً، يمكن أخذ فكرة عن مدى طلاقة الطفل أو الولد في القراءة، من خلال الطلب إليه القراءة بصوتٍ عالٍ، حيث ستكون القراءة معبّرة. أما حين تخرج الكلمات من فمه بطريقة آلية كالروبوت، فستكون القراءة غير معبّرة.
ويقدّم المؤلّف طريقة غير مباشرة لحمل الولد على ممارسة القراءة، مثل تحديد وقت قراءة للأسرة مرّة في الأسبوع، أو أن يستمع أفراد الأسرة جميعاً إلى كتاب صوتي يشدّ اهتماماتهم، ثم بعد ذلك يستمعون إلى أحد أفراد الأسرة وهو يقرأ بصوتٍ عالٍ على مسامع الآخرين.
وفي خلاصة هذا الفصل، يدعو المؤلّف إلى ممارسة القراءة لتطوير الطلاقة. أما في البيت، فيجدر تشجيع الولد المتلكّئ على التدرّب على القراءة. وإذا بدت الممارسة المباشرة غير قابلة للتطبيق، فيجب البحث عن سُبل يمكن أن يُدخل الأهل من خلالها القراءة إلى الطفل بشكل منطقي.
9 - التعامل مع نصوص أكثر تعقيداً
في هذه المرحلة يحدّد المؤلّف ثلاثة عوامل يُعتمد عليها فهم النصوص المعقّدة، وهي:
1 - معرفة القارئ معاني أغلب الكلمات المستخدمة في النصّ وتعاريفها.
2 - قدرة القارئ على تحديد الوظائف النحوية للجمل.
3 - امتلاك القارئ للخلفية المعرفية المناسبة لسدّ الفجوات التي تنشأ عن حذف المؤلّفين لبعض المعلومات الضرورية لربط الجمل مع بعضها.
وهنا يعدّد المؤلّف استراتيجيات فهم القراءة التي شاع تعليمها:
1 - مراقبة الفهم (للجمل).
2 - الإنصات بفاعلية (من قِبل الأولاد) لممارسة التفكير النقدي.
3 - المعرفة المسبقة، ليطبّق الطلّاب ما يعرفونه من حياتهم الذاتية على النصّ.
4 - العلاقة بين الفهم والمفردات، عبر تشجيع الطلّاب على استخدام خلفياتهم المعرفية لتخمين معاني الكلمات غير المألوفة.
5 - منظّم الرسوم البيانية، لتعليم الطلاّب إعداد رسوم بيانية للنصوص.
6 - الإجابة عن الأسئلة، التي يُلقيها المعلّم بهدف تثبيت المعلومات المكتسبة من النص.
7 - صياغة السؤال، بهدف تلخيص المواضيع المهمة في النصّ.
8 - التلخيص، لاختيار الجملة الرئيسة للفكرة الأساسية.
9 - التصوّر الذهني، بالاعتماد على النصّ.
10 - التعلّم التعاوني، حيث يطبّق الطلاّب استراتيجيات الفهم - مثل التوقع والتلخيص - في فئات صغيرة بدلاً من تطبيقها مع المعلّم.
11 - بُنية القصّة، حيث يُدرّس الطلاّب البنية النمطية للقصّة، ويتعلّمون كيف يضعون خريطة للقصّة.
وتحت عنوان فرعي (ما ينبغي فعله في المنزل)، يشير المؤلّف إلى تأثير العصر الرقمي في تطوير المعرفة لدى الأولاد والطلاّب، الذين باتوا يقرؤون (في المرحلة المتوسطة) أكثر بكثير مما كانوا يفعلونه سابقاً؛ على الرغم من الاعتقاد السائد بأن القراءة في حالة تدهور (فكميّة الكلمات المتلقاة عن طريق «الحاسوب» هائلة جداً).
وتؤكد بيانات مسح قديم (في العام 1999) أن المراهقين يستعملون الحواسيب لعدد محدود نسبياً من الأنشطة، وأهمها:
- الشبكات الاجتماعية.
- اللعب بالألعاب.
- مشاهدة الفيديوهات.
- المراسلات الفورية.
وهناك أسباب ثلاثة، برأي المؤلّف، تجعل من استخراج المعلومة عن طريق محرّكات البحث (غوغل أو ياهو أو بينغ) لا يشكّل بديلاً عن المعرفة في العقل حين القراءة (حذف الكاتب لمعلومة مهمة/ عدم إدراك القارئ لوجود حلقة مفقودة أثناء تعقّب المعلومة/ التشوّش الحاصل بسبب التوقف عن القراءة بهدف إيجاد تعريف لكلمة أو معلومة ما).
وفي الخلاصة، يدعو المؤلّف إلى منح وقت محدود لتعليم استراتيجية فهم القراءة في المدرسة، ومساعدة الولد في البيت على إيجاد طرائق للاستمتاع بالقراءة.
10 - التعامل مع القارئ المتمنّع الأكبر سناً
(إقرأ واربح كتاباً)؛ هي وسيلة من الوسائل التي اقترحها المؤلّف تحت عنوان (الجوائز أو المكافآت)، بهدف تشجيع الولد (في الصف الرابع) على القراءة. والمكافأة تستطيع تحقيق الهدف، لكن ضمن معايير معيّنة ومدروسة.
فمثلاً، المكافأة المدرسية للطفل أو الطالب تصبح هدفاً له (مثل وضع اسمه على لوحة الإعلانات)، ولا تؤدّي إلى رفع مستوى ونوعية قراءته الممنهجية للكتب.
أيضاً، القراءة الأكاديمية يجب أن توضع مقابل القراءة بهدف المتعة كي يتعلّم الولد من قراءة النص بشكل صحيح، ويتمكن من إعادة المعلومات الواردة فيه، ومن جمع هذه المعلومات وتحليل آلية عمل النصّ المقروء.
كما يدعو المؤلّف إلى تشجيع القراءة للمتعة في قاعة الصف، مشيراً إلى برامج القراءة الصامتة والناجحة، التي تتشارك ببعض العناصر المهمة، ومنها: وجوب تحديد 20 دقيقة لدخول الطلاّب في جوّ ما يقرؤونه في كتبهم، وتمكينهم من اختيار ما يقرؤونه بحرّية، مع حرّية وصولهم إلى عدد جيّد من الكتب؛ إضافة إلى تنمية شعور الطلاّب بانتمائهم الوثيق إلى مجتمعهم من خلال قراءة الكتب، وقيام المدرّسين بدور التعليم الفعّال خلال هذا الوقت.
أما في المنزل، فيلفت المؤلّف إلى التأثير السلبي والعميق للأجهزة الإلكترونية فيه على استعداد الولد للقراءة الهادفة والمنتجة في البيت. لكنه يشكّك في تأثير القراءة على النت على قدرة الولد على التركيز؛ ففي رأيه، إن هندسة العقل الأساسية لا يمكن تشكيلها بشكل كامل، لأن أنظمة الإدراك (البصر، الانتباه، الذاكرة، حلّ المشكلات) مترابطة جداً معاً. وعلى الأغلب، فإن الدماغ محافظ جداً في تكيّفه لدرء أيّ تغيّر؛ وإن عواقب التعامل المستمرّ مع التقنيات الرقمية على المدى البعيد ليست انعدام القدرة على التركيز، بل انعدام الصبر، والملل.
ويؤكّد المؤلّف أن هذه التقنيات لم تتمكن من تنحية القراءة، بالرغم من أن معظم الأبحاث في الولايات المتحدة الأميركية قد ركّزت على الكبار وليس على الأولاد.
وبعدما يقترح (خطوات إيجابية) عدة لإغراء حتى أبناء سنّ المراهقة العبوسين بالقراءة، مثل تحطيم المفاهيم الخاطئة الخاصة بالقراءة، ومساعدة الولد في اختيار الكتب المناسبة للقراءة، واستخدام العلاقات الاجتماعية لتوعية الطفل أو المراهق حول ما يقرؤنه أو يشاهدونه من أفلام؛ وصولاً إلى جعل الوصول إلى الكتب سهلاً، ولو عبر القارئ الإلكتروني، ومساعدة الأولاد على جدولة قراءتهم للكتب، بتحديد وقت معيّن وملزم خلال أيام الأسبوع.
وفي الخلاصة، يدعو المؤلّف إلى التمييز بين القراءة الأكاديمية والقراءة للمتعة، في إطار المدرسة تحديداً. أما في المنزل، فهو يدعو الوالد إلى عدم إصدار حكم مسبق على ما يقرأه أولاده، وأن يسعى لإدخال إبنه في شبكة من القرّاء تجمع أقرانه، مع تسهيله لوصول إبنه إلى الكتب، ومساعدته على إيجاد الوقت والمكان المناسب للقراءة.
أخيراً، وتحت عنوان (النتيجة)، يحثّ المؤلّف الأهل على تشجيع أولادهم على القراءة، وعدم التسليم بوجود طفل أو مراهق رافض بالمطلق للقراءة، داعياً إلى ما سمّاه التطبيع مع هكذا حالات، على قاعدة أن القراءة تحمل متعة الفهم، وعلى الأولاد أن يختبروا الشعور بالاستمتاع بالقراءة.
وهناك نوع آخر من المتعة – في رأي المؤلّف - حين تحمل القراءة الولد إلى أزمنة ومسافات بعيدة، مقدّماً مثالاً على شخصه حين كان طالباً في كليّة الدراسات العليا، وقرأ ملحمة الحرب العالمية الثانية، التي كتبها هيرمان وون في مجلدين، بعنوان رياح الحرب - Winds of War وحرب وذكرى War and Rememberenes ؛ فهو استعمل قراءتها كوسيلة للتهدئة لإدارة الخوف الناجم عن مطالب برنامجه الأكاديمي.
وقد ختم دانيال ويلينغهام كتابه الشيّق (كيف تُنشئ جيلاً يقرأ؟) بالدعوة إلى الاستفادة من المسرّات الكبرى التي تقدّمها القراءة، ولا يستطيع المرء الشعور بها من خلال التلفاز أو وسائط الإعلام الأخرى.
الكتاب: كيف نُنشئ جيلاً يقرأ
تأليف: دانيال ويلينغهام
ترجمة: مهى عز الدين
الناشر: الدار العربية للعلوم – ناشرون – بيروت – 2016