هل انتصرت سوريا في الحرب العالمية العظمى عليها؟
يسعى مؤلّف هذا الكتاب، ميخائيل عوض، إلى الإجابة على أخطر الأسئلة التي تطرحها الأزمة السورية بكلّ تحوّلاتها، الداخلية والإقليمية والدولية. كما يستعرض المصطلحات والمفاهيم العسكرية والحربية ويجدّد فيها تبعاً لما تحقّق مع ثورة الثقافة والاتصالات وفروع الحروب الجديدة.
-
الكاتب: حسن صعب
- 27 تموز 2017 20:50
كتاب "سورية صناعة النصر: جيوش وحروب القرن الواحد والعشرين" للكاتب ميخائيل عوض
قراءة: حسن صعب
يدرس الكتاب في الجغرافية، والأنتروبولوجيا، والجيوبوليتك، ويقف على
خلاصاتها التي أكّدت تربّع سوريا على المثلّث الذهبي لصناعة مستقبل الإنسانية
بزواياه الثلاث: بغداد - بيروت - القدس.
كما يناقش الكتاب نشوء "الأمّة الإسلامية المقاتلة" وتشكّلها قوّة
محوريّة في "الحرب العالمية" الجارية على سوريا. ويخلص إلى جديد الحروب،
وتشكيلات الجيوش، واستراتيجيات وتكتيكات وأسلحة حروب القرن الواحد والعشرين.
وفي جوهره، هذا الكتاب هو تتبّع مسارات استعادة سوريا وعربيتها القديمة
لوظيفتها في توليد الجديد وتغيير قوانين وقواعد انتظام العلاقات بين الأمم والدول
والشعوب.
فهل تمكّن الكاتب والمحلّل المخضرم، ميخائيل عوض، من تحقيق هدفه، بكتابة هذا
الجزء من تاريخ سوريا الحديث، والذي قد يغيّر الكثير من المفاهيم والنظريات
السياسية والعسكرية، أو قل في الرؤى الاستراتيجية، سواء لدى الدول الكبرى أو
العظمى، أو لدى الدول الصاعدة و«المقاتلة» من أجل حفظ سيادتها واستقلالها وتطورها
الحضاري؟
1 - في الفصل الأول من الكتاب (مصطلحات ومفاهيم)، يبدأ المؤلّف بمدخل لتبيان مقاصد الفصل في تعريف الحروب
وأنواعها، باعتبار أن الحرب بدأت كظاهرة منذ وجدت الحياة البشرية، وأنها حفّزت على
الإبداع والاكتشافات والاختراقات العلمية، برغم أنها بحدّ ذاتها تدمير وإفناء
للبشر وعمرانهم.
والحرب هي استخدام كلّ أساليب ووسائط القوّة، والقهرية أساساً، وأدوات
التدمير على أنواعها، بطريقة منهجية وفي مدىً زمني تفرضه معادلات القوّة بين
المتحاربين، بقصد إبادة الخصم كلّياً، أو جزئياً لتحقّق أغراض وأهداف حدّدت مسبقاً
أو أنتجتها العمليات الحربية.
ومن ثمّ ينتقل المؤلّف لعرض شروط الحرب وبيئاتها، ليتوقف عند حروب العصابات،
بما هي وسائط مجموعة منسجمة متحدة، قليلة العدد ومعدومة الإمكانات العسكرية
التقليدية؛ وهي تستخدم العنف لتحقيق غاياتها، كما هي حال حروب العصابات العدوانية
والتوحشية الجارية في سوريا والعراق، أو تكون شعبية ثورية ووطنية. أما المقاومة،
بما هي فعل اعتراضي على احتلال جيوش دولة لدولة وشعب آخر، فهي الضمير الإنساني
الحي وكفاحه الروحي ضدّ إغواء الشر.
والمقاومة في الواقع التاريخي هي مقاومة الشعوب والأمم التي تتعرض لعدوان أو احتلال
أجنبي، ومن أمثلتها المقاومة الفلسطينية في فلسطين المحتلة، والمقاومة الإسلامية
في لبنان. وهناك في المقابل المقاومة السلبية، التي تعني مقاومة القديم للجديد، أو
الثابت للمتغير، أو مقاومة الشرّ للخير.
كذلك، نشأ في نهاية ثمانينات القرن العشرين مصطلح الجيل الرابع من الحروب (4GW)، أو الحرب
اللامتماثلة، وهو أطلِق (كاسم) على الحرب على المنظمات والجماعات المسلحة غير
المتشكلة من جيوش نظامية، والإرهابية حسب المفهوم الأميركي، والتي يكون طرفا الحرب
فيها جيش نظامي لدولةٍ ما مقابل لا دولة أو عدو أو خلايا خفية منتشرة في أنحاء العالم.
وبحسب التعريف الأميركي، هناك حرب الجيل الأول، وهي الحرب التقليدية بين
دولتين لجيشين نظاميين؛ وحرب الجيل الثاني، والتي يعرّفها البعض بحرب العصابات (Guerilla War)؛ وحرب الجيل الثالث، أي الحرب
الوقائية أو الاستباقية؛ وصولاً إلى حرب الجيل الرابع، أي الحرب اللامتماثلة (Asymetic War force)، حيث وجد الجيش الأميركي نفسه
يحارب لا دولة بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001.
كما يتحدّث المؤلّف عن «الحرب الثقافية» التي أتقنتها الولايات المتحدة الأميركية
بعد الحرب العالمية الثانية، واعتمدتها كواحدة من حروبها للسيطرة على العالم.
أما الحرب الناعمة والذكيّة، فهي استخدام الوسائط وفروع الجيوش والحروب غير
العسكرية للتأثير في مجتمع الخصم، وكسب عقوله وناسه، بالترويج لنماذج أخرى.
حول إدارة الحرب والسيطرة، يقول الباحث إنها أساس النجاحات والانتصارات، وسبب
محوري في الهزائم والانكسارات، في السيادة أو الفناء.
أما هيكليات الجيوش وتنظيمها، فقد تطورت على نحوٍ عاصف، وشكّلت علامات نوعية
في وسم التطورات البشرية، وفي تحقيق النصر أو الابتلاء بالهزائم..
وبالمجمل، هناك هيكليات وتشكيلات، لا تزال معتمدة في كلّ النماذج لجيوش
الدول: سلاح الجو والدفاع الجوّي - سلاح البحر -
سلاح البر - سلاح الصواريخ - سلاح الفضاء - سلاح التكنولوجيا والحروب
السيبيرية، والافتراضية - سلاح التجسس والحرب الإعلامية والنفسية.
ومسرح الحرب يكون بحسب طبيعتها. فالحرب السيبيرية مسرحها افتراضي، وأدواتها
حواسب وهواتف والشبكات، وتصير واقعية مادية بنتائجها العملية.
كما يشرح المؤلّف معنى (الجبهة الداخلية)، التي تعني الدولة والمجتمع والحياة
العامة والاقتصادية في عمق الدول والجماعات المتحاربة.
2 - في الاستراتيجية العسكرية، يعرّف الباحث بداية مصطلح الاستراتيجية،
المأخوذ من الكلمة الإغريقية Strato، وتعني الجيش أو الحشود العسكرية، ومن اليونانية القديمة مصطلح Strategos، وتعني فن إدارة
وقيادة الحروب. فالاستراتيجية هي علم وفن التخطيط والتكتيك والعمليات والمعرفة
العسكرية.
أما الاستراتيجية في مفهومها العصري، فهي منظور ومخطّط رؤيوي، إرادوي، شامل،
لتحقيق الغايات والأهداف العليا، للدولة أو الأمّة، باستخدام منتجات العصر من
المناهج والعلوم والفنون، والتقانة، والمعرفة، والشبكات والوسائط، وعلوم الإدارة
والتنظيم، والقوّة الاقتصادية، لتعظيم عناصر القوّة الشاملة واستخداماتها، ومعالجة
عناصر ومواطن الضعف أو إخفائها، بقصد فرض الإرادة على الخصم، وتحطيم قدراته، وسحقه
باستخدام العنف، أو بالتلويح به، والإدارة المتقنة للحرب، وأدواتها العسكرية وغير
العسكرية..
وفي حديثه عن القوى المقاتلة غير النظامية، يورد المؤلّف أمثلة عدة عنها، مثل
قوات «الباسيج» الإيرانية، والميليشيات الشعبية في الدول الاشتراكية، وقوات
الاحتياط في الكيان الصهيوني، والجيش الشعبي في سوريا.
أما الميليشيات، فهي تشكيلات شبه نظامية، تنشأ في ظروف الحروب والفوضى،
وتتشكل غالباً على أسس جهوية أو طائفية أو مذهبية أو قومية، أو كجماعات مرتزقة.
وحول تعريف (الإرهاب)، فهو في القرآن الكريم مرادفٌ للتخويف والتأثير النفسي،
فيما يعرّفه القانون الجنائي بأنه تلك الأفعال العنيفة التي تهدف إلى خلق أجواء من
الخوف، وفيه استهداف متعمّد أو تجاهل لسلامة المدنيين.
أما الإرهاب الدولي، فهو الذي تقوم به دولة أو أكثر، وقد يكون إرهاباً
جماعياً ترتكبه مجموعة من الدول.
وبينما يزعم رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بنيامين نتنياهو، أنه كان وراء
تعميم تعبير الإرهاب لوصف المقاومة الفلسطينية والعرب والمسلمين في كتابه (مكان
تحت الشمس)، تصرّ المقاومة على التمييز بين الإرهاب والمقاومة، بحسب التوصيفات
اللغوية والحقوقية الدولية؛ فمقاومة الشعوب حقٌ مصانٌ في الأديان السماوية
والفلسفات الإنسانية وفي شرعة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية.
بعد ذلك، يستعرض المؤلّف معاني: العمليات الانتحارية - العمليات الاستشهادية/
الوحوش - الذئاب المنفردة/ الانغماسيون. ويتوقف في نهاية الفصل الأول عند دلالات
ومعاني مصطلحات تسود خلال الحروب، مثل: المفاوضات - الهدنة - الصفقات - التسويات؛
وصولاً إلى معاني: الاحتجاجات - الاضطرابات - الهبّة - الانتفاضة - الانتفاضة
المسلّحة - الثورة - الانقلاب..
سوريا والعربية القديمة
الجامع الأموي في دمشق
في الفصل الثاني (سوريا والعربية القديمة)، كلام كثير عن أصل تسمية «العربية القديمة»، وعن مكانة المنطقة الممتدّة بين ساحل سيناء إلى جبال زغاروس شمالاً وطوروس، فالهضبة الإيرانية شرقاً وبحر العرب جنوباً، فالبحر الأحمر غرباً؛ وقد شكّلت تلك الجغرافية عبر امتداد الزمن إلى يومنا المسرح والبيئة والمناخ لتطوّر الإنسان والوحدات الإنسانية.
ويعتبر المؤلّف أن «العربية القديمة» كانت تقرّر الأحداث والمعارك الفاصلة في التاريخ. وسوريا هي مدخل وبوّابة لهذا التاريخ؛ فقد سكنها: السومريون، الأكاديون، الكلدان، الكنعانيون، الفرس، الرومان، البيزنطيون، العرب، والعثمانيون.
أيضاً، كانت سوريا مركزاً للإمبراطورية الرومية الشرقية. كما تعاقب على حكمها منذ الفتح العربي الإسلامي الأمويون والعباسيون والمملوكيون الذين خلفوا الأيوبيين وصولاً إلى العثمانيين.
وفي العصر الحديث، افتُتح القرن التاسع عشر بمحاولة نابليون بونابرت احتلال سوريا عام 1799. وفي العام 1920، بدأ الانتداب الفرنسي على سوريا، والذي انتهى في 17 نيسان أبريل عام 1946. وقد أعلِن استقلال سوريا في ذلك اليوم.
ومنذ أن أنجزت سوريا استقلالها بالدم، وبالانتفاضات والثورات، لم تهدأ حراكاً؛ فاضطربت وانقلبت نحبها. وهي علّمت الأمم والشعوب «مبدأ» الانقلابات العسكرية «منذ الاستقلال حتى 1970»؛ ولم تستقرّ سوريا حتى حَكَمها حافظ الأسد، فوالته، واستقرت له، وهو عرفها، وعالجها، وفهمها، ولبّى حاجاتها، وأكرم شعبها.
وبعد وفاة الأسد، رقص عقل سوريا وقهقه قلبها، لوريثه الشاب، الدكتور بشار الأسد. ولم تخجل سوريا من فعل التوريث ما دام الوريث أميناً عليها.
وفي عهده قادت سوريا الحروب، وحدّثتها، وجعلت من المقاومة جيلاً جديداً لما يسمّى بالحرب الرابعة، وحرب القرن. فهي انتصرت في بغداد، وفي بيروت، وفي غزّة، برغم أن النظم والأسر العربية الحاكمة تكلست وتحوّلت إلى الشراكة الكاملة في الحروب على سوريا والمقاومة.. ولأنها قلب العالم، وأكثره حراكاً، ولأنها حفظت دورها كقلب العربية النابض، وصارت مع جيشها والمقاومة قبضتها المرفوعة، استجابت على سرعة البرق لشرارة تونس ومصر، واحتجّت مدنها المنسيّة، وحواضن الفقراء في مدن العشوائيات، وشكّل ريفها بيئة حاضنة للتمرد ضدّ النظام. وهكذا بدأت الأزمة السورية في آذار مارس 2011، ولمّا تنتهِ بعد!
وهذه الأزمة الكبرى، بأبعادها الدولية والإقليمية والمحلية الخطيرة، ستكون محور الفصول التالية من الكتاب.
العالم في حقبة حرجة
اردوغان تدخل في سوريا لإحياء المطامع العثمانية فيها
(العالم في حقبة حرجة سمتها الإرتباك والتوتر) هو عنوان الفصل الثالث، وفيه يتعرّض المؤلّف للعديد من المحطات والتحوّلات التي شهدها العالم والشرق الأوسط، خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، والتي كانت الولايات المتحدة محورها بالطبع، كونها باتت القوّة الأعظم بعد سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991؛ ومن أبرز هذه التحولات:
1 - تعاظم قوّة الاقتصاد الأميركي الذي دخل طور اقتصاد المعرفة.
2 - انتقال أميركا من شريك متنافس ومحترب في إدارة العالم وضبط توازناته إلى لاعب متفرد بإدارة هذا العالم. (الكاوبوي شرطيّ العالم).
3 - سنة 2000 كانت سنة مفصلية، مع وصول فلاديمير بوتين إلى رئاسة روسيا، مقابل وصول جورج بوش الإبن إلى رئاسة الولايات المتحدة، بشبه انقلاب نفّذه الصقور فيها.
وفي هذه السنة، في 25 أيار مايو، كان انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان، الذي غيّر في توازن قوى الصراع العربي - الصهيوني الاستراتيجي، وأفقد «إسرائيل» دورها الوظيفي، مُطلقاً حقبة التحالف السوري - الإيراني ومقاومته.
هذا بالإضافة إلى انهيار التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي، الذي حصل في العام 2000، وتمكّن حركة (طالبان) من السيطرة على أفغانستان، إلى وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في 10/6/2000؛ وهو الذي كان حكيم العرب وعقلهم العاقل الاستراتيجي.
والصفعة - الفرصة كانت في أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 في أميركا، والتي استثمرتها لتشنّ حربين مدمرّتين ضدّ أفغانستان والعراق، وللسيطرة على قلب العالم، مع محاولة تجاوز أزمات البلاد الاقتصادية. فالحروب الأميركية، في القرن الحادي والعشرين، صارت سبباً إضافياً في تعميق الأزمات الاقتصادية، إن لجهة تمويلها من الخزانة الأميركية نفسها، وعلى حساب المواطن الأميركي؛ أو لناحية كلفتها الثقيلة، كما أجمع الخبراء الاقتصاديون.
وفي مرحلة لاحقة ومفصلية من هذه التحوّلات، بدأ «الكاوبوي الأميركي» يترجل بسرعة، من كابول وبغداد إلى بيروت وغزّة، لتسقط أميركا في النهاية في امتحان الفشل الذريع لاستراتيجياتها على يد المقاومات في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان.
لكن حلف المقاومة – في رأي الكاتب عوض - بجناحيه (الروسي والسوري/ الإيراني) ابتلع طعم المراوغة الأميركية التي أتقنها باراك أوباما، ليؤمّن لهذا الحلف انسحاباً آمناً للجيوش الأميركية المهزومة من بغداد وكابول، ولتُعاد صياغة الهيمنة الأميركية من خلال العملية السياسية المخادعة التي تمّت، بموازاة تعزيز الوجود العسكري الأميركي في العراق خصوصاً، والتحكم بالسلطة ومشتريات السلاح والنفط..!
وفيما صعّدت أميركا من حربها السياسية والأمنية والاقتصادية ضدّ إيران، على مستوى المنطقة، فإنها سعت للتعاقد مع حركة الإخوان المسلمين، وصولاً إلى قيام تحالف بين الطرفين في حينه، على أساس تمكين الإدارة الأميركية للإخوان المسلمين في تركيا ومصر بصفتهم «الإسلام المعتدل»، والتزام هؤلاء باللعبة الديمقراطية وبالليبرالية الاقتصادية وقوانين السوق الحرّة؛ فضلاً عن السعي لإشعال الفتنة السنيّة - الشيعيّة بهدف تطويع إيران واستنزافها وتدمير قوّتها «الشيعية».
وكانت «شرارة تونس»، في أواخر العام 2010، والتي أشعلت حقل العرب المتشبّع يباساً، فرصة التقطتها أميركا بسرعة، مطلِقة عفاريتها وأجهزتها، في سياق الحروب بالواسطة، أي بالأدوات المحلية وبالتحالفات الإقليمية، من أجل تفتيت دول المنطقة، وإضعاف محور المقاومة فيها.
لكن الأمور لم تجرِ بحسب الرغبات الأميركية، حيث انكشف النموذج الأميركي «الهش»، اقتصادياً وأخلاقياً، مع هزيمتها أمام المقاومات في حروبها العسكرية المتتالية.
في تلك المرحلة، بدأ زمن (الفوضى العالمية)، بعدما انكسرت هيبة الدول وقوّة أجهزتها الأمنية، ورحل رئيسان لأهم دولتين عربيتين (تونس ومصر) وأكثرهما قمعاً وولاءً للغرب، تحت وقع هتافات الحشود (الشعب يريد إسقاط النظام).
سوريا وصناعة النصر
من نتائج الحرب السورية
في الفصل الرابع وهو الفصل الأساسي في الكتاب (سوريا وصناعة النصر)، يؤكد الباحث عوض أن الحروب السورية كانت دوماً حاسمة في تقرير مستقبل الدول والإمبراطوريات. وفي سوريا تجري اليوم حرب القرن الحادي والعشرين، حيث تتصارع الإرادات ليتقرّر مستقبل مشاريع الأمم وتصعيد أو انهيار الإمبراطوريات.
في هذه الحرب زجّت الولايات المتحدة بكلّ ما لديها من قوّة، وبدّلت وغيّرت استراتيجياتها وتكتيكاتها في محاولات مستميتة لانتزاع نصرها التاريخي، فتبقى وهيمن أو تفشل فترحل إلى مواقع من سبقها من إمبراطوريات سقطت في الشام وعلى تخومها. فحربها العالمية على سوريا هي حرب وجود وليست حرب تحسين شروط أو تأمين مصالح.
وفي هذا السياق، يعرّج المؤلّف على تأثيرات تقرير بيكر - هاملتون «الشهير» (الذي صدر في نهاية العام 2006) في تعديل سياسات أميركا تجاه المنطقة، بعد إزاحة «المحافظين الجدد» ووصول باراك أوباما إلى سدّة الرئاسة، ليباشر ما سمّي إعادة تمحور استراتيجي نحو منطقة آسيا - الباسيفيك.
لكن، بالتدقيق في السياسات الأميركية واستراتيجياتها العسكرية، يمكن القول إنها تحمل بصمات عقل متخلّف، وتبقى صورة الراعي والكاوبوي والاستيطان من على صهوة حصان، والاحتكام إلى قوّة السواعد والنار، نموذجاً نمطياً راسخاً في ذهن القادة العسكريين، لا سيّما في وزارة الدفاع.
وبعدما يقرأ الباحث مظاهر الفشل الأميركي، سواء في استراتيجية محاصرة الصين، أو القيادة من الخلف، والاستثمار في الفوضى «الخلاقة» في المنطقة، يستنتج بأن هذه الاستراتيجية باتت دليلاً على انحسار قدرات أميركا التحكّمية أي الهيمنة، إيذاناً بالانحسار ثم الانهزام.
ومن ثم ينتقل بالتحليل إلى الطرف المقابل أو المواجه للطرف الأميركي في الحرب السورية، والذي سمّاه (التحالف الصيني - الروسي)، معدّداً ومحلّلاً لظروف طرفي هذا التحالف، والعوامل التي سمحت له بتحقيق اختراقات استراتيجية غيّرت من توازنات القوى الدولية والإقليمية، خاصة لناحية تنامي دور روسيا في الشرق الأوسط، على الصعيدين الاستراتيجي والدبلوماسي.
فعلى صعيد الحرب السورية تحديداً، نجحت العسكرية والدبلوماسية الروسية بتضليل حلف الأطلسي والقيادة العسكرية الأميركية، وما كانت تزعمه من تطوّر معلوماتي استخباراتي، ومرّرت حشود أسلحتها الاستراتيجية، وطائراتها من الأجيال الجديدة، وصواريخها البالستية، والدفاعات الجويّة، س 300 وس 400، وأمّنت لها قاعدة بحرية على درجة عالية من التجهيز في طرطوس، وقاعدة جويّة على ذات الصفة في «حميميم». وعندما أكملت عدّتها، أعلن بوتين (في سبتمبر أيلول 2015) وفاجأ الجميع، بأن روسيا تدخل الحرب «بطلبٍ من الحكومة السورية الشرعية»؛ وهو قصد بذلك إعادة تفعيل السيادات الوطنية، على حساب اختراقها وكسرها من الأطلسي وأميركا.
ويتوقّف «عوض» بعد ذلك عند ما سمّاه (الإسلام المسلّح)، الذي يشمل الإخوان المسلمين والسلفيين الجهاديين، والجماعات الوهّابية، وصولاً إلى «قاعدة الجهاد العالمي»: جبهة النصرة وأخواتها؛ فتنظيم «داعش» الإرهابي الذي «احتلّ» المشهد العسكري والإعلامي خلال السنوات الأخيرة، بخاصة في سوريا والعراق.
وقد اختصر الباحث بشكل لافت نشأة وتطور هذه الجماعات المتطرفة وأساليبها العسكرية والإجرامية، والأفكار التي تحرّكها.
حول أسباب صعود «داعش» في سوريا، يعدّ عوض الأسباب التالية:
1 - حقبة الفوضى والتوحش التي سادت في المراحل الأولى للحرب، أسهمت في نموّ «داعش» على حساب المجاميع المسلّحة الأخرى.
2 - الدعم التركي التكاملي مع داعش، حتى مرحلة اعتذار أردوغان من بوتين.
3 - الإسناد والتمويل والتسليح القطري السعودي الأميركي لداعش (وغيرها)، بهدف استنزاف الإيرانيين وحزب الله، والسوري والروسي كذلك.
4 - من عناصر قوّة «داعش» أنها حتى اللحظة ليست على جدول أولويات الهدف العسكري (الروسي/ السوري)، لاعتبارات موضوعية، جوهرها إفشال الخطط الأميركية ورهاناتها، عبر التصدّي أولاً لأدوات أميركا في سوريا، والأشدّ خطراً على الدولة (جبهة النصرة/ جيش الفتح..).
5 - ضعف الدولة السورية ومجانبة أجهزتها الحكومية لمهام كسب الشارع واستعادة ولاء الجمهور، بتأمينه وتلبية احتياجاته، ما يُضعف اللحمة الوطنية، ويُقعد الشارع عن القتال ضدّ «داعش»؛ بل ويوفّر بيئات حاضنة لداعش وأخواتها.
6 - استمرار حالة التنافر وعدم التنسيق المحكم بين مختلف الفصائل، والحلفاء، ومع الجيش الروسي وقيادة الجيش السوري (غالبية الاختراقات التي حصلت في حلب وحماه وتدمر كانت لهذا السبب).
7 - عندما وضعت القيادة السورية - الروسية أولويتها في معركة تحرير تدمر من «داعش»، تمّ لها ذلك بيسر وسرعة (آذار مارس 2016)؛ وفيها دليل على ما يجب أن يكون.
على الجهة المقابلة، يتحدث المؤلّف عن إيران وحزب الله والفصائل الشيعية في الحرب السورية، والذين شكّلوا (مع سوريا) حلفاً استراتيجياً مثّل خيار المقاومة المنتصر في الحروب الكبرى التي جرت في المنطقة؛ وهو الخيار الذي صار أحد أسباب الحرب العالمية العظمى - حرب القرن - على هذه المنطقة.
وقد عالج الكاتب دور إيران وحزب الله والمنظمات الشيعية المسلّحة كوحدة، وذلك بحكم تجانسها الفكري والعقدي وتميّزه، ووحدة المرجعية في الفكر السياسي وممارساته، عبر تبنّي نظرية ولاية الفقيه داخل الشيعية الإمامية كمدرسةٍ اشتقّت لنفسها اجتهاداً صار خياراً وممارسة.
ويلفت عوض إلى أن الحضور العسكري الإيراني وما يرتبط به لا يستغرق كلّ مؤسسات الدولة، كما يُتصوّر لدولة عادية منخرطة في حرب؛ بل هو يمرّ من مؤسسة المرجعية وقيادة الثورة إلى وزارة الدفاع ومؤسسة الحرس الثوري والأجهزة التابعة له، من دون أن يكون للمؤسسة المدنية دخل في هذا الشأن.
وبعدما يعدّد مجالات الدعم الإيراني المؤثّر لصالح حماية الدولة السورية وتحقيق إنجازات عسكرية كبيرة وصدّ هجمات الجماعات الإرهابية، تحديداً عبر "فيلق القدس" بقيادة اللواء قاسم سليماني، والمتطوعين الإيرانيين، يشير الكاتب إلى نقاط بالغة الأهمية بخصوص دور حزب الله في الحرب السورية:
1 - في البداية كان تدخل حزب الله دفاعياً ومتناسباً مع تشكيلاته.
2 - بدأت التحوّلات في مهام وأداء حزب الله تتراكم بفعل نقل تجربته في الحروب الدفاعية التي أتقنها (في لبنان).
3 - الشراكة الميدانية للحزب مع وحدات الجيش السوري مثّلت أوّل فرصة تجربة لتشكيلين عسكريين: أحدهما نظامي والآخر غير نظامي من داخل حلف المقاومة.
4 - حضور الحرس الثوري الإيراني وتنسيقه الكامل مع وحدات حزب الله والجيش السوري، مثّل نقلة نوعية في إدارة الحرب السورية والبناء عليها لما هو آتٍ في المنطقة حتماً.
5 - تحوّل جسم حزب الله المقاتل إلى الأداء الهجومي والحرب المضادّة لحرب العصابات التي كانت فصائل المعارضة العسكرية السورية تتقنها جيداً.
تركيا ووهم العثمانية الجديدة
حزب الله بادر لمحاربة التكفيريين ومساعدة الدولة السورية منذ 2012
أما عن (تركيا ووهم العثمانية الجديدة)، فقد حلّل الباحث استراتيجية رجب طيّب أردوغان، التي سعت إلى الهيمنة على العرب والمسلمين عبر الاقتصاد والدين والجاليات التركمانية وإرث العثمانية، وبقيادة التحالف الأميركي مع الإخوان المسلمين، ومع «الإسلام المسلّح» بما في ذلك القاعدة، وداعش؛ وأعدّت (الأردوغانية) جيشها الخاص، فكان الإخوان المسلمون عصبه ومحوره في سوريا. وفي النهاية، فشلت هذه الاستراتيجية التركية، لتصبح (تركيا في مهب الريح العاصفة)، بفعل مغامرات أردوغان وحماقاته مع الاتحاد الأوروبي وإجراءاته التعسفية بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة ضدّه، وانكشاف «الفقاعة الاقتصادية» التي بدأت تنفجر مع التضخم وانهيار قيمة العملة الوطنية؛ وصولاً إلى انتصار الرئيس الأسد في حلب، والتقاء المصالح الاستراتيجية الصينية والروسية والإيرانية والسورية عند هدف تفكيك تركيا وإنهائها كدولة محورية في الإقليم.
وبذلك، اعتبر المؤلّف تركيا أول الخاسرين في الحرب السورية، وأن مصيرها ومستقبلها قاب قوسين أو أدنى!
بعنوان (الأكراد بين القضية القومية العادلة والدور الوظيفي)، يركّز عوض على اعتبار هذه القضية مُحقّة في تركيا أساساً، حيث يُجاوز أكرادها العشرين مليوناً.
أما في سوريا، فالمسألة الكردية لم تتجسد يوماً كحقٍ قوميٍ واجب الإنجاز، على خلاف الحالة التركية وإلى حدٍ ما في العراق.
ويدعو الباحث في هذا السياق لاستثمار الإنجازات الكردية في مناطق تواجد الأكراد خصوصاً، عبر التنسيق مع الدولة السورية، والتخلّي عن الحماية الأميركية التي تريد جعل الأكراد أداة وظيفية أميركية بامتياز.
حول (المشروع السعودي)، يستنتج الباحث بأن الوهّابية أخفقت في أن تكون عنصراً محورياً في الأزمة السورية، كما في تشكيل قوّة وازنة عسكرية وسياسية، لتتبخر أموالها وجهودها في تصنيع معارضات فنادق السبع نجوم.
أما (الكيان الصهيوني)، فبرغم تدخله العسكري والأمني لصالح بعض الجماعات الإرهابية السورية، إلاّ أنه لم يتمكن من أداء دور مؤثّر في الحرب، وظلّ التدخل الإسرائيلي غير فاعل؛ وجلّ ما ترجوه «إسرائيل» اليوم هو استمرار الحرب لتدمير سوريا، وإنهاك الجيش السوري وقدراته.
سوريا بيت القصيد
بوتين تدخل لحفظ الدولة السورية من السقوط بأيدي التكفيريين
(سوريا بيت القصيد وبيئة التجديد)؛ هكذا يبدأ الباحث عرضه الشيّق والدقيق للظروف والعوامل التي أدّت إلى وصول لهيب (الحريق العربي) إلى سوريا، والذي لم يكن متوقعاً حتى من قِبل رأس القيادة السورية، أو من حلفائها الذين اختلفوا في تقييم أو توصيف ما حصل في تونس ومصر وليبيا.
وبعدما يلفت إلى نجاح محاولات من خصوم سوريا لاختراق بُنيتها الاجتماعية المؤسساتية (دولة واقتصاداً) قبيل اندلاع الاحتجاجات الشعبية من منطقة درعا تحديداً، يؤكد أن المعارضة السلمية تحوّلت بسرعة إلى حركة تمرّد مسلّح ومنظّم ومدعوم من الخارج، رغم تعاطي الدولة السورية مع هذا الحراك الخطير والموجّه بكلّ صبر بهدف تفادي الأسوأ؛ وهو ما حصل.
وهنا يتحدّث المؤلّف بإسهاب عن حقب وتطورات الحرب الشاملة التي أُجبر الجيش السوري على خوضها ضدّ مجاميع مسلّحة لا حصر لها؛ وقد وصّفها بالحرب العالمية التي فيها احتشدت جيوش العالم وقواه المباشرة وغير المباشرة، والتي أظهر فيها جيش سوريا أداء مميّزاً، في مقابل سياسات متخلفة لبعض أجهزة ومؤسسات الدولة، في سياق تكييف المجتمع مع هكذا حرب مدمّرة كادت أن تقضي على الكيان السوري ككل.
ولا يُنكر عوض الأداء القوي والحازم الذي أبدته القيادة السورية والجمهور الواسع المؤيّد لها، فضلاً عن تميّز أظهرته مجموعات القراصنة الالكترونيين «الهاكرز» السورية، والجيش الإلكتروني السوري في الحرب النفسية والسيبيرية، التي حمت الدولة وحقّقت اختراقات في جبهة الأعداء.
الصمود والثباتتحت عنوان (الصمود والثبات والمناوشة)، يشرح الباحث أساليب أو استراتيجية إدارة المعارك التي اتّبعها الجيش السوري في صدّ قوات المعارضة (بمختلف تلاوينها)، والتي تمكّنت في مراحل اندفاعها الأولى من احتلال أرياف ومدن سورية مهمة؛ فضلاً عن تهديدها المباشر للعاصمة دمشق.
ومع أن مرحلة (الدفاع الاستراتيجي) التي طبّقها الجيش قد استغرقت زمناً طويلاً، فإن الجيش نجح في استنزاف المعارضة وكسر قوّتها وموجاتها البشرية؛ كما أحبطت الدولة والجيش محاولات الفرز الطائفي والمذهبي التي مارستها المعارضة بصورة مكثّفة وبطريقة منهجية.
- في المرحلة الثانية: مرحلة الدفاع المتحرّك والهجمات التكتيكية، حقّق الجيش السوري خطوة نوعية في نمط عملياته، بعد تحريره منطقة بابا عمرو - في قلب مدينة حمص، في 5 شباط فبراير 2012؛ فيما كرّست معركة القصير وتحرير المدينة (19 - 5 - 2013) بالشراكة مع المقاومة الإسلامية اللبنانية(حزب الله)، امتلاك الجيش السوري وحلفائه للقوّة والمبادرة والقدرة على العمل: دفاعياً وهجومياً.
في هذا السياق، توقّف عوض عند ملف السلاح الكيمائي الذي أثير في توقيت مشبوه، وبما أدّى إلى تأجيل بدء الهجوم الشامل لتحرير محيط مدينة دمشق من الجماعات الإهابية، بحيث انتقل تركيز الجيش السوري وحلفه نحو مدينة حلب لفكّ الحصار عنها؛ وقد برزت في معارك حلب الهجومية قوات النمر (العقيد سهيل الحسن)، لتصبح بمثابة قوات قلب الهجوم للجيش وحلفائه، وليرعب اسمها مسلّحي المعارضة في كلّ منطقة تتواجد فيها.
وبعدما يستعرض بعض هزائم جماعات المعارضة وتشتّتها أمام ضربات الجيش السوري وحلفائه، والذي تمكن من استعادة بعض المدن والقرى والأرياف المهمة، يتوقف الباحث أمام مفاجأة ظهور تنظيم (داعش)، الذي كان قد أمسك بمحافظات الأنبار والموصل، ووصل إلى ديالا وإلى الحدود الإيرانية، واقتحم أسوار بغداد، ليتمدّد نفوذه بسرعة داخل سوريا، وعلى حساب الجماعات المسلّحة تحديداً.
التدخل الروسي
الأطفال ضحايا الحرب السورية
في المرحلة الثالثة: روسيا في مرحلة ما قبل الحرب، تغيّر في إيقاعاتها ومحاورها، والتي يوصّفها عوض بالمرحلة الجديدة، حيث يكشف أن روسيا دخلت الحرب في وقتٍ كان الجيش السوري وحلفاؤه الإقليميون في مرحلة المناوشات الهجومية، على عكس ما قيل بأن الدخول الروسي جاء اضطرارياً لحماية النظام المتداعي. وقد حقّق الروس نجاحات كبيرة منذ دخولهم الحرب، أحرجت الولايات المتحدة وتركيا وعزّزت معنويات وقدرات الجيش السوري وحلفائه.
وحول معركة تحرير حلب تحديداً، ينقل الباحث عن الرئيس السوري بشار الأسد قوله إنه «مع تحرير حلب، سنقول الوضع ليس فقط السوري أو الإقليمي تغيّر، بل أيضاً الوضع الدولي». ويعرض بالخصوص في هذه المعركة، التي اعتبرها كتابة للتاريخ، قواعد وقوانين حروب الجيل الرابع، التي أتقنت تطبيقها القيادة الروسية.
على عتبة نهاية العام 2016، يعتبر المؤلّف أن سوريا باتت على عتبة الإحاطة بأزمتها، وانتزاعها نصراً تاريخياً، بعدما تهاوت المعارضات السياسية وتشتّتت المعارضات المسلّحة إرباً، وانتقلت سوريا في العلاقة مع التورّط الأميركي من اللا مبالاة إلى اعتباره عدواناً لا شرعياً في إجراءات تمهيدية لإعلان أميركا عدواً.
في الفصل الخامس والأخير (منتصرون ومهزومون: أسئلة المستقبل)، يعود عوض ليؤكد على المميّزات التي أكسبت الحرب في سوريا صفة الحرب العالمية (أو الحرب العالمية العظمى - حرب القرن)؛ وخاصة على المستوى الاستراتيجي والتكتيكات القتالية لكلٍ من روسيا والجيش السوري وقوات حزب الله والقوى الأخرى المتحالفة معها، وكان من أهمّها أن الجيوش باتت مُلزمة بأن تعيد صياغة تشكيلاتها وفصائلها، وأن تنشئ وتمتلك تشكيلات حروب العصابات والميليشيات الأهلية، لتحقيق النصر.
ويتوقّف الباحث عند التداعيات السياسية والدبلوماسية لانتصارات سوريا وحلفائها على جبهة الأعداء أو الداعمين للجماعات المسلّحة في سوريا، وفي مقدّمتها داعش وجبهة النصرة وباقي حركات (الإسلام المسلّح)، في مقابل استعادة روسيا لمكانتها الدولية، مع تحوّل الحرب التي بدأت تحت شعار إسقاط سوريا وترحيل الرئيس الأسد لتصبح تحالفاً دولياً لمحاربة الإرهاب، تشكّل سوريا قوّته الصلبة، في مربّع تحالفٍ عالميٍ تقوده روسيا، ويجمع إليه إيران والصين ومن يرغب أو يحتاج.
لكن هذا الواقع «التفاؤلي» لم يمنع المؤلّف في نهاية الفصل الخامس من طرح أسئلة للمستقبل، حول النظام العالمي والنظام الإقليمي ومستقبل العرب وسوريا الاستراتيجي، في ظلّ المقاومات الصاعدة والمنتصرة، والتحوّلات المعاكسة.