معالم مدرسة الشهيد سليماني.. من العراق إلى غزة
يؤكد هيرالدو ريفييرا أحد اهم المحللين الأميركين أن الفريق الشهيد قاسم سليماني نجح في إرساء منظومة مقاومة عابرة للطوائف تمتد من أفغانستان إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى غزة.
يبدأ ممثل المرشد السيد علي الخامنئي في "قوة القدس" التابعة لحرس الثورة الإسلامية الإيرانية، الشيخ علي شيرازي كتابه: "معالم مدرسة الشهيد سليماني" الصادر عن مركز المعارف للترجمة في بيروت، بما أعلنه المرشد خامنئي في 7 كانون الثاني/ يناير 2020 بعد استشهاد الفريق الشهيج قاسم سليماني:
"علينا ألا ننظر إلى شهيدنا العزير الحاج قاسم سليماني على أنه فرد، بل علينا أن ننظر إليه كمدرسة، بل علينا أن ننظر إلى شهيدنا القائد العزيز على أنه مذهب، على أنه نهج وعلى أنه مدرسة للتعلّم، فلننظر إليه بهذه النظرة".
يشكّل قاسم سليماني رمزاً لتنامي قوة ونفوذ إيران في السنوات الأخيرة خلال قيادته لـ"قوة القدس" والدور العسكري والأمني الذي لعبه طيلة العقدين الماضيين على الخريطة الممتدة من أفغانستان شرقاً وحتى اليمن وغزة غرباً.
يؤكد هيرالدو ريفييرا أحد اهم المحللين الأميركين أن سليماني نجح في إرساء منظومة مقاومة عابرة للطوائف تمتد من أفغانستان إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى غزة.
فخصوصية سليماني وخطورة اغتياله تتجاوزان صفته الرسميه، فمواقف الرجل وفاعليته طيلة 40 عاماً داخل إيران وخارجها، جعلت منه مركز قوة في تركيبة السلطة الإيرانية، ويتميز بها عن سواه في شعبيته في الأوساط المدنية والعسكرية المستمدة من رمزية استمرارية الثورة، وليس السعي لمناصب سياسية، وهذا ما جعل البعض يعتبره بمثابة "الرجل الثاني" بعد المرشد السيد خامنئي.
صحيح أن سليماني اكتسب شهرة فائقة بعد تعيينه قائداً لـ"قوة القدس" في العام 1998 لمهمة منع تمدد نفوذ حركة “طالبان” الصاعدة في أفغانستان نحو الحدود الشرقية لإيران، وكذلك القضاء على تجارة المخدرات والتهريب، إلا أن أجهزة الاستخبارات الاميركية والغربية بدأت برصد تحركاته فور سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003.
وقد وصفته هذه الأجهزة بأنه أحد القادة الايرانيين المقربين من المرشد السيد علي خامنئي، وأحد مهندسي خريطة الشرق الأوسط منذ عام 2003 وحتى تاريخ استشهاده.
وقد أدرجت السلطات الأميركية إسمه في قائمة "المستهدف"، بحسب وثيقة قانون قدمت إلى الكونغرس في أواخر عام 2007، لكونه مسؤولاً عن مقتل ما لا يقل عن 20% من قتلى الجيش الأميركي في العراق.
بدأت البروباغندا الأميركية بالترويج لشخصية سليماني وإعطائه صفات بما يناسب هدفها: "قائد الظل"، "فارس الظلام"، "العدو اللدود". وقد وصفته مجلة "فوربس" الأميركية بأنه ثاني أقوى وأخطر رجل فى العالم لعام 2011. وفي ذات العام 2011 اعتبرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن الفريق قاسم سليماني يدير السياسة الإيرانية في الشرق الأوسط.
وقد نقل مراسلها مارتن تشولوف، عن مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، ديفيد بترايوس، الذي كان جنرالاً في العراق عام 2008، قوله إن سليماني بعث له برسالة هاتفية أوصلها أحد المسؤولين العراقيين، ليصبح بعدها "عدوّه اللدود" وقال في هذه الرسالة: "جنرال بترايوس، عليك أن تعلم أنني أنا قاسم سليماني أدير السياسة الإيرانية في العراق، لبنان، غزة، وأفغانستان، وطبعاً السفير في بغداد هو عضو في فيلق القدس، والشخص الذي سيخلفه سيكون عضواً في فيلق القدس أيضاً".
وقد روجت لذلك مجلة "نيويوركر" الأميركية في المقال المطول الذي كتبه ديكتسر فيلكينز على طريقتها، في تقريرها الشهير والطويل في 30 أيلول/ سبتميبر عام 2013.
ويستند فيلكينز على خطاب الشهيد سليماني أمام مجلس الخبراء الذي تحدث فيه عن سوريا في لغة شديدة العزم وقال: "نحن لا نولي اهتماماً لإشاعات العدو، لأن سوريا هي الخط الأمامي للمقاومة و هذا واقع لا يمكن إنكاره، إننا سوف ندعم سوريا حتى النهاية".
في عام 2014 تصدرت صورة الشهيد سليماني غلاف مجلة "نيوزويك"، وقد رافقت الصورة عبارة "حارب أميركا أولاً والآن يسحق داعش". وكتبت عليه مانشيت من كلمة واحدة "نيمسيس" وتعنى "إله الانتقام" عند الإغريق، حسب تعبيرها.
إن ما تم عرضه من البروغاندا الغربية لشخصية الفريق سليماني وما ذكر من تأثيره ومحاربة للمشروع الأميركي هو مجرد تمهيد لساعة اغتياله. وهذا ما تتبعه عادة الولايات قبل ضرب أي هدف، حيث تبدأ الاَلة الإعلامية بالترويج لخطورة "العدو". وبعد أن تعبّد الطريق لسنين عدة حول خطورة "الهدف" الذي ترمي عليه، تأتي ساعة الصفر لتكون بمثابة إنتقام أو عقاب للهدف الذي عملت البروغاندا على فبركته.
يقول المرشد السيد خامنئي عن عملية اغتيال سليماني في 5 كانون الثاني/ شباط 2020: "لقد عقدوا اجتماعاً بداية هذا العام في غرف التفكير الأميركية وبحثوا مطولاً حول قاسم سليماني ونشروا بعد مدة تقرير هذه الجلسة بنحو محدود، ووصل إلى أيدينا. لقد ذكروا مواصفات وميزات حول شخصية سليماني وقالوا: هذا الرجل مانع كبير في مقابل أهداف أميركا".
ويعقب شيرازي مؤلف الكتاب بالقول: "لهذا السبب اغتاله الأميركيون وبأمر مباشر من ترامب". ويؤكد شيرازي أن الشهيد سليماني استطاع بمدرسته أن يسقط راية تنظيم "داعش" الصهيو أميركي في منطقة غرب اَسيا.
ويذكر شيرازي أن مما كتبه المرشد السيد خامنئي لسليماني عام 2017 بعد سقوط داعش: كانت ضربة استهدفت الإدارة الأميركية السابقة والراهنة، والأنظمة المرتهنة لها الذين أوجدوا هذه الجماعة. ويضيف المرشد: "إنكم بتشتيتكم لهذه الكتلة السرطانية المهلكة لم تقدموا خدمة كبيرة لبلدان المنطقة والعالم الإسلامي فحسب بل لسائر الشعوب والبشرية جمعاء".
ويقول المستشار في وزارة الخارجية الإيرانية الراحل حسين شيخ الإسلام : عمل الحاج قاسم المهم، كان أن قضى على داعش بجيش مؤلف من شعوب العالم الإسلامي.
يقول مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان السابق: "لما صارت داعش على الأبواب ووصلت إلى مشارف أربيل وكان الخوف أن تحتل المدينة قريباً اتصلت بـ23 دولة أستجير بها ولم تستجب لي أية دولة. وعندما اتصلت بسليماني وصلني المدد خلال ساعات وتم درء الخطر عن أربيل".
يعتقد هيرالدو ريفييرا أن "مشروع سليماني دافع عن الأقليات المسيحية في سوريا والعراق بعد أن سلّم الغرب مصيرها لداعش وأخواتها. ولقد أجمع محبو سليماني وكارهوه على أنه كان رأس حربة في القضاء على داعش في سوريا والعراق ولبنان. وهذا فحوى ما صرح به رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية ديفيد باتريوس عندما أقر بأن سليماني كان من الباقين للتصدي لداعش".
يبين شيرازي أن سليماني خطط تحت قيادة المرشد السيد خامنئي بحيث جعل قدرة أميركا والنظام الصهيوني الغاصب في المنطقة والعالم في طريق الهزيمة. وأخذ قوات تعبئة الإسلام العالمية إلى مقربة من قلب العدو.
وينقل شيرازي قول المرشد السيد خامنئي: "إن الجمهورية الإسلامية تفخر بان لها قوات بالقرب من الحدود مع الكيان الصهيوني الغاصب، فسواء قواتنا أو قوات حزب الله أو قوات المقاومة أو قوات أمل".
يقول عضو المجلس السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين خالد البطش: "لقد أضاف سليماني ابعاداً مختلفة للمقاومة الفلسطنية...وسع عمل المقاومة فكان يؤمن لها كل ما تحتاجه حتي تشتد قوة. لقد كان الحاج قاسم روح المقاومة في فلسطين. كان بدعمه نبض المقاومة فيما يتعلق بسرايا القدس وكتائب القسام وحركات المقاومة الأخرى سواء الحركات الإسلامية والوطنية، ولم يكن سليماني يفرق بين حركات المقاومة هذه في غزة".
يقول مسؤول مكتب حركة "حماس" في طهران خالد القدومي: لبّى الحاج قاسم نداء الجهاد وجاء إلى دمشق وشاهد عن كثب في غرفة العمليات المشتركة بين كتائب القسام وحماس النهج الإستراتيجي، وكان له تأثير لا ينكر في تقدم "حرب الفرقان" التي أطلق عليها الاحتلال عملية "الرصاص المصبوب" عام 2008.
وعما قدمه سليماني لفلسطين، ينقل شيرازي قول المرشد السيد الخامنئي عن الشهيد سليماني في 8 كانون الثاني/ يناير 2020 قوله: "هذا الرجل دعم الفلسطنيين وفعل فعلاً جعل منطقة صغيرة مثل قطاع غزة تقف في وجه النظام الصهيوني مع كل جبروته وإدعاءاته... لقد اُحبطت خطة أميركا في العراق، في سوريا، في لبنان، بدعم هذا الشهيد العزيز وجهوده".