"على حافة الرصيف" هموم إجتماعية في قالب قصصي
الكاتب الجزائري محمد وليد قرين يصدر مجموعته القصصية الأولى، ويحاول من خلال عمله الأدبي إبراز المشاكل التي يعاني منها مجتمعه.
لا شك أن أول ما يأتي على مخيّلة أيّ قارئ لهذا العنوان هو الغموض والرغبة في الإطّلاع على المجموعة القصصية "على حافة الرصيف" (دار نشر ANEP)، وهو أول إصدار للكاتب الجزائري محمّد وليد قرين.
فبحديثنا عن فحوى الكتاب، نجده مقسّماً إلى مجموعة قصصية مُتكوّنة من ثماني قصص، كل واحدة مختلفة عن الأخرى في الموضوع، لكن النقطة المشتركة بينها أنها تحكي واقعنا بحكم أنها قصص واقعية.
فمثلاً القصة الأولى كانت معنونة بـ "الاستفاقة"، والتي نجد فيها قصة لمجموعة من أولياء تلاميذ مدرسة ما، في ولاية داخلية وفي بلدة ريفية تحديداً، نجد فيها معنى واضحاً وهو سخط الأولياء من ظروف تمدرس أولادهم، ومعنى آخر يمكن أن يكون سياسياً أو شيئاً من هذا القبيل، المهم أن الكاتب أراد أن يوصل إلينا فكرة أنه ليس كل الناس يعيشون حياة واحدة وأن الناس طبقات وهو ما ترجمه في هذه القصة في مكتب المدير المجهّز بالتدفئة عكس أقسام التلاميذ وأبنائه الذين يرتادون مدرسة خاصة في عاصمة الولاية، وعدم تهيئة هذه المدرسة في القرية الريفية عكس مدارس المدن الكبرى، هنا يكمن التفريق واللامساواة التي أراد الكاتب الوصول إليها حسب رأيي.
"الولاء" هو عنوان قصة تحكي واقع مجموعة من الأصدقاء ذهبوا ليشاهدوا مباراة في ملعب في الجزائر، فنجد أن الكاتب أوضح بأن هؤلاء الشباب ذهبوا لمشاهدة داربي من داربيات العاصمة، بين ملاحة حسين داي ومولودية الجزائر، كما أن شغف وحب هؤلاء الشباب لهذه اللعبة وحماسهم واندفاعهم لتشجيع فريقهم المفضّل هو الشيء المُلاحظ، فكل ترك التزامه وأعماله للتوجّه لمناصره فريقه الغالي، ومازاد اللحظة حماساً هو فوز فريقهم والفرحة التي غمرتهم داخل الملعب وخارجه، ثم توثيق اللحظة المهمة بالمرور من شارع طرابلس واسترجاع ذكريات مصنع الصونبيك مفخرة الصناعة المحلية في حسين داي، بل مفخرة الجزائر ككل، والحديث عن قرار غلقه من السلطة في سنوات مضت، ثم المصانع الأخرى والتي لاقت نفس مصير الصونبيك، ثم استعمال الكاتب لمُصطلح التصحّر الصناعي والتصحّر البيئي للتعبير عن الحسرة لغلق هذه المصانع وما نتج منه من آثار وخيمة انعكست على اقتصاد بلدنا ككل.
"افتح تفرح"، عنوان قصة طرح الكاتب فيها مشكلة سائدة في المجتمع الجزائري بصفة خاصة، وهي استهلاك المُنتَج الأجنبي على حساب المنتَج المحلي بطريقة أقل ما يقال عنها أنها مذهلة، بدليل تناول هاته المشكلة في وسط قصة واقعية لمجموعةٍ من الأصدقاء على شاطئ البحر، فقد ذهب ليتوسّع في طرحه للمشكلة، والتي تحوَّلت إلى إشكالية، بدليل أنه لم يكتف بمُقارنة مشروب كوكا كولا بالمُنتج المحلي الجزائري حمود بوعلام، بل راح ليربط المًنتج الأجنبي ببلده واتجاهه الرأسمالي وما نتج من هاته السياسة في الجانب العسكري من تقتيل واحتلال، لينهي قصته بإبراز أضرار المشروبات الغازية وما تسبّبه من أمراض كالسكّري والسمنة.
"صمود"، من بين أفضل القصص التي قرأتها، ففي قصة واقعية لفتاة في سن المراهقة، تائهة وسط رفضها للتمدرس في ثانوية خاصة بالبنات وبين لباسها وشكلها الغريب، من لون شعر لملابس سوداء..إلخ، ورفض والدتها تغيير مكان تمدرسها، أدخلها في صراع وفي رحلة إثبات ذات في سن مُبكرة، تلته مشكلة وظاهرة سائدة تفنّن الكاتب في طرحها في هاته القصة بطريقة رائعة، وهي اتهامات الناس الباطلة وإطلاق الأحكام المسبقة، فالاتهامات الباطلة بأن هاته المراهقة سحاقية جعلها تعيش أزمة إثبات ذات وسط عائلتها أولاً ثم وسط أندادها قبل أن يأتيها النصر في آخر الحكاية.
فهذه كانت من أبرز القصص التي جاءت في هاته المجموعة القصصية والتي فيها أبرز المشاكل التي نعاني منها يومياً من تهميش، نظرة الناس وإطلاق أحكام مسبقة، الحديث عن السياسة وغيرها، وهو الذي لم أجده في القصص الأخرى، فأن تجد مثل هاته المجموعة القصصية واسعة الخيال، تكون ملمَّة بكل المشاكل وتقترح في بعض الأحيان حلولاً، لها العديد من المعاني، تختلف بين معانٍ واضحة و معانٍ يستنتجها القارئ بين السطور كلها في قصص واقعية حقيقة لأمر رائع ونُحيي الكاتب الأستاذ وليد محمّد قرين على هذا الإصدار والذي يحسّ فيه القارئ وكأن القصة تحكي واقعه بلغة بسيطة سلسة تصل لكل قارئ.
وهو الشيء الذي ميّزه عن العديد من الكتابات الأخرى الموجودة حالياً في المكتبات أو في دور النشر، فبدوري أرى أن هذا الإصدار كان له الأثر الكبير في ترجمة واقع مرير نعيشه كل يوم، باختلاف طبقاتنا، لكن الشيء الذي ميّز الكاتب هو أنه استطاع التوفيق في اختيار الكلمات والعبارات، بل اللغة المناسبة التي عبّر بها عن مختلف المشاكل التي تواجهنا كل يوم.