ظبية خميس التي كشفت فساد "جامعة الدول العربية"
إثر إعلان الإمارات عن اتفاقية "السلام" مع "إسرائيل"، في آب/ أغسطس الماضي، أعلنت ظبية خميس أنه "بعد قرار دولة الإمارات تطبيع علاقتها رسمياً مع العدو الصهيوني، سأنتهز الفرصة للتأكيد على رفضي ترشيح روايتي الجديدة التي ستصدر قريباً، للبوكر أو لأي جائزة".
أعلنت الكاتبة والشاعرة والسفيرة السابقة في جامعة الدول العربية، ظبية خميس، الأحد 27 أيلول/ سبتمبر 2020، عن منعها من السفر بقرار من حكومة أبو ظبي، على خلفية مواقفها الرافضة للتطبيع مع "إسرائيل"، وخصوصاً موقفها الواضح والرافض لاتفاق التطبيع الذي وُقع مؤخراً بين أبوظبي وتل أبيب.
فلم يكن مفاجئاً إعلان انتقاد ظبية خميس الصريح للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي منذ لحظة الإعلان عنه. فالمشهور عنها بأنها كاتبة شجاعة وتجهر بمواقفها قد سبق لها أن خاضت معارك ثقافية عديدة ودفعت في بعضها أثماناً غالية.
بعد تخرج ظبية في عام 1975 من "جامعة إنديانا" الأميركية بتفوق، حيث عاشت في الولايات المتحدة خمسة أعوام، عملت في وزارة التخطيط الإمارتية، إلى جانب عملها المفضل ككاتبة في مجلة "الأزمنة العربية" التي يديرها المفكر الإماراتي الراحل غانم الغباش ومشاركتها في تأسيس جمعيات أخرى على رأسها "إتحاد كتاب وأدباء الإمارات". وقد أغلقت المجلة بعد وقت قصير.
ومن المعروف أن سلطات الإمارات لا ترتاح لطريقة عملها حيث تقول بعد فصلها من جامعة الدول العربية: "سبق إخطار سفارة دولة الامارات، وكذلك وزارة خارجية الدولة، بتطورات الأمور، ومناشدتها التدخل من دون أي رد فعل واضح من قبل تلك الجهات". ولهذا فإن الإجراء الذي مارسته سلطات دولتها في منعها من السفر قبل أيام، أعاد إلى ذاكرتها حادثة اعتقالها سابقاً في العام 1987.
تبدأ ظبية خميس برواية سنوات المنفى في كتابها "منفى جامعة الدول العربية" (دار نجيب رياض الريس للنشر في بيروت)، التي سردت فيه تجربتها الدبلوماسية الأليمة التي عاشتها في أروقة الجامعة العربية لمدة 18 عاماً، عبر 18 فصلاً .
انطلقت بسردها انطلاقاً من بلدها دولة الإمارات فقد غضبت عليها السلطات هناك نتيجة مقال "مقبرة النخيل" نشرته في مجلة "المجلة". وتم اعتقالها في العام 1987، بعد مداهمة منزلها من قبل مجموعة مسلحة يرتدون الدشاديش ومعهم إمرأة شرطية، واقتلدوها إلى مقر المخابرات والأمن الوطني في أبو ظبي، من دون أي تهمة أو تحقيق. لم تكن هناك محاكمة ولا تهمة بل كان إختطافاً واعتقالاً في غرفة مظلمة يحرسها حارس أفغاني. فكانوا يهددونها بأنهم سيغتصبها في حال رفضت التعاون. وبعد 5 أشهر من الحجز في غرفة مظلمة تم إطلاق سراحها هي معصوبة العينين.
وبعد نحو عام عملت في تلفزبون أبو ظبي في برامج ثقافية لم ترضَ عنها الرقابة فتم فصلها وصودرت كتبها. بعدها عادت ظبية إلى "منفاها الأول" بريطانيا لمتابعة دراساتها العليا في "جامعة إكستر" ثم في "جامعة لندن"، حيث أصدرت هناك كتباً عدة من تأليفها منها: "إنتحار هادئ جداً".
عام 1992 بدأت "منفاها الثاني" في القاهرة للعمل في جامعة الدول العربية كدبلوماسية وسفيرة فيها لمدة 18 عاماً (1992 - 2010) بعد إلحاح شديد من وزارة الخارجية الإماراتية، منعاً لعودتها للحياة في الإمارات.
وتقول عن الجامعة في كتابها: "جامعة الدول العربية منفى لقضايا العرب والقضية الفلسطينية بالتحديد..منفى لقضايا الشعوب العربية.. ومجمع غير كهنوتي للتواطؤ على اللا عمل.. ومبنى تسترخي فيه الأوراق والمذكرات والبيانات إلى ما شاء الله عز وجل".
وتكمل ظبية سردها الروائي: أتاحت لي تجربة العمل في الجامعة العربية العمل مع موظفين من مختلف أرجاء الوطن العربي, وعرفتني إلى البيروقراطية المصرية إدارياً وكشفت لي عن التركيبة الطبقية وسلوك أبناء الطبقة الحاكمة في مصر الذين كان عدد كبير منهم يعمل في الجامعة".
أول ما صدم ظبية هو كبار الموظفين وصغارهم في الجامعة العربية، وهم بأغلبيتهم من المصريين. و"كانت أغلبية الدفعة من المصريين من أبناء الوزراء في عهد الرئيس حسني مبارك. وكانو من أبناء المسؤولين المصريين منهم: إيهاب إبن وزير الإعلام المصري السابق صفوت شريف، وسلمى إبنة السفير السابق مصطفى الفقي، ورانيا إبنة وزير الداحلية السابق حبيب العادلي، وطارق منير ثابت إبن شقيق سوزان مبارك، وعصام شقيق الرئيس حسني مبارك، وأشرف إبن وزير خارجية مصر الأسبق محمود رياض..وغيرهم.
وتعطي ظبية الروائية قبل الدبلوماسية صورة فنية عن حالتها كموظفة: "صرت وديعة إمارتية مجمدة داخل مبنى جامعة الدول العربية، تخلي دولتي ذمتها عن إيجاد عمل لي في بلدي وتضمن وجودي في مكان تشل فيه حركتي وتعبيري واَرائي ومشاركتي في الحراك الثقافي والسياسي في دولتي".
وتصف تجربتها بقولها: "كانت سنوات ثقيلة تلك التي مرت على روحي وعقلي وجسدي داخل الجامعة العربية، وقد عزز كل ذلك رؤيتي القديمة إلى استحالة علاقة العمل بين السلطة السياسية والمثقف والكاتب العربي. هذه العلاقة الشائكة حيث تكرر تورطي في صراعات لم أخترها بيني وبين السياسي وصاحب السلطة لمجرد رأي أو مقال أو دعوة إلى الإصلاح".
ويضم كتاب "منفى جامعة الدول العربية" أسماء ووثائق وأحداث مفصلة بأسماء المشاركين فيها وتاريخها، وتطرقت لقضايا شديدة الحساسية منها تمصير الجامعة إدارياً وسياسياً، وتقييد الموظفين النشطين، والفساد والكفاءات.
ومن المفارقات أن معركتها الشهيرة مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى في العام 2010 كان بسبب مقالٍ أيضاً، حيث قرر عمرو موسى فصلها من وظيفتها (موظفة دبلوماسية)، على خلفية قيامها في أواخر عام 2009 بكتابة مقال على صفحتها في "الفيس بوك" استعرضت فيه كتاب "جامعة الدول العربية.. ماذا بقي منها؟" لمؤلفته كوكب نجيب الريس، التي عملت في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لمدة 30 عاماً.
وليس من المبالغة القول بأن مقالها المذكور لا يقل قيمة عن كتابها "منفى جامعة الدول العربية"، وكتاب "جامعة الدول العربية.. ماذا بقي منها؟"، لا بل يشكل مدخلاً لفهم ما يدور في أروقة الجامعة العربية.
وبعد فصلها من وظيفتها (مديرة البعثات والمراكز)، وجهت الشاعرة ظبية خميس رسائل لا تقل قيمة عن مقالها الذي سبب فصلها إلى كل من: رئيس اتحاد الكتاب والأدباء العرب ورئيس اتحاد كتاب مصر محمد السلماوي، ورئيس اتحاد كتاب وأدباء الإمارات حبيب الصايغ طالبت فيها "باتخاذ موقف تجاه ما تعرضت له من تعامل جائر داخل أروقة جامعة الدول العربية".
وتضيف: غير أن الأمر تعدى حدود المعقول إلى تهجم على مكتبي وتبديد لوثائقي ومتعلقاتي على يد مدير إدارة أمن الجامعة، وتهجم من مدير إدارة شؤون الأفراد، وغيرهما، في تحرشات متلاحقة، لأفاجأ بصدور قرار فصلي من العمل في 21 حزيران / يونيو 2010، ملحوقاً بوصول نبأ عدد من التهديدات التي تتعلق بشخصي وأملاكي وسلامة وجودي على الأراضي المصرية، حاولت إثرها التوجه إلى أمن الدولة وقسم الشرطة فى قصر النيل، بصحبة محام لعمل محضر، وتم رفض وامتناع الجهات الأمنية المذكورة عن أخذ تلك البلاغات وعمل المحاضر الرسمية اللازمة".
وتساءلت خميس: "كيف لعمرو موسى أن يحول الجامعة العربية، بإساءة استخدامه لسلطاته، من مؤسسة تدعي البحث عن مخارج للتخلف الذي نحن فيه إلى كرباج يجلد فيه من تسول له نفسه التعبير والكتابة والتفكير؟".
وبالفعل استجاب اتحاد كتاب وأدباء الإمارات لرسالتها عبر إصدار بيان أبدى فيه استغرابه الشديد من هذه الإجراءات وطالب باتخاذ خطوات مقابلة أقلها التراجع الفوري والاعتذار، مشيراً إلى أن الإجراءات "الإدارية" المتخذة بحق عضو اتحاد كتاب أدباء الإمارات وصلت إلى درجة الاعتداء على مكتبها بالاقتحام والتفتيش، وإلى مطاردتها أمنياً من دون وجه حق.
وأعلنت ظبية قبل أيام عبر صفحتها الإلكترونية خشيتها من تكرار ما حصل معها في تلك الحقبة، مع منع نشر مقالاتها وكتبها الخاصة. وعلقت بالقول: "يبدو أننا سنعود الى العام 1987" ووصفت ما يحصل معها بتكرار سياسة "التربص" بحقها.
وأعلنت ظبية أيضاً أن "فيسبوك يحاول إيقاف تعليقاتي"، وقد كان ما نشرته على صفحتها بمثابة إبلاع: "أخشى على حريتي وحياتي من التهديد والإعتقال. بلاغ لمنظمات حقوق الإنسان. برجاء إيصال الرسالة إلى المنظمات عبر الجميع وفي أي مكان وأحمّل حكومة الإمارات كامل المسؤولية عن أي قمع أو اعتقال أو إغتيال أو تصفية أتعرض إليها".
وكانت خميس قد كتبت عقب إعلان الإمارات عن اتفاقية السلام مع "إسرائيل"، في آب/ أغسطس الماضي، على صفحتها على "فيسبوك" قائلة: "بعد قرار دولة الإمارات تطبيع علاقتها رسمياً مع العدو الصهيوني، سأنتهز الفرصة للتأكيد على رفضي ترشيح روايتي الجديدة التي ستصدر قريباً، للبوكر أو لأي جائزة خليجية أخرى، مع الإشارة إلى أنني لم أشارك في السابق، بأي جائزة غير البوكر.. وإني ككاتبة ومواطنة إماراتية عربية أكره إسرائيل والصهيونية كما كره اليهود هتلر والنازية والإيطاليون موسوليني والفاشية والإسبان فرانكو والديكتاتورية، ولا أرى فرقاً في العنصرية بين الصهيونية والنازية وكلهم ضد الإنسانية". وأضافت خميس: "فلسطين قضية وانتماء. هي تاريخ وذاكرة ولغة وثقافة، فإذا غيب ذلك غاب الانتماء، ويمكن للإنسان أن يتماثل تماماً مع عدوه من دون حروب لأنه سيحارب للعدو حربه ضد نفسه".
الإجراء الذي مارسته سلطات الإمارات مع ظبية خميس، يطرح مأساة "الأديب والمثقف العربي" من جديد. ويؤكد قوة الأدب ومدى تأثيره على السلطة مهما كانت تملك من عدة وعديد ومال، فرغم التدخل الإماراتي في اليمن وليبيا، إلا أن الطريقة التي اتبعتها سلطات الإمارات مع ظبية خميس تؤكد بأن "الثقافة قرين السلطة".