عن الأهمية الجيوستراتيجية لبحر الصين الجنوبي
ما يزيد من الأهمية الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن موقعه الجغرافي وموارد الطاقة المكتشفة فيه، كونه أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي.
لبحر الصّين الجنوبي أهمية استراتيجية واقتصادية فائقة بسبب وقوعه جغرافياً في نقطة إلتقاء طرق المواصلات البحرية الأكثر كثافة في العالم، حيث تمر عبره نصف التجارة الدولية التي يؤمل بأن تزداد مستقبلاً بشكل مكثّف، في ظل الإمكانات السكانية والاقتصادية لدول آسيا-المحيط الهادئ. فالبحر يقع بين المحيط الهادئ في الشّرق والمحيط الهندي في الغرب. وهو يغطّي مساحة تصل إلى 447،3 مليون كيلومتر مربع. ويحاط بتسع دول رئيسية هي: الصين وفيتنام وكمبوديا وتايلاند وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وبروناي والفلبين.
ويسعى مؤلّف كتاب "بحر الصّين الجنوبي: تحليل جيوبوليتيكي"، دياري صالح مجيد في دراسته الصادرة (2018) عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، للإجابة عن المشكلة الرئيسة الآتية: كيف ساهمت موارد الطّاقة والجيوبوليتيك في تحديد طبيعة التّفاعلات السّياسية ضمن هذا النّطاق الجغرافي المهم في الخريطة العالمية.
فالدول في هذه الإقليم تتنافس للسيطرة على البحر، بسبب وجود إمكانات نفطية وغازية في أعماقه، تؤهّله ليكون موازياً للخليج. وتشير إدارة معلومات الطاقة إلى أن الاهتمام الموجّه نحو هذا البحر يتعلق بالموارد الهيدروكربونيّة، خصوصاً النفط منها، في ظل التباين في التّوقعات الصينية والأميركية في هذا المجال ما بين 213 مليار برميل(حسب الأرقام الصّينية) و28 مليار برميل(حسب دائرة المسح الجيولوجي الأميركية).
وتنظر دول كثيرة مطلّة على بحر الصين الجنوبي، وبخاصة الصين، إلى الجزر الموجودة فيه بعين الاهتمام، لكونها تشكّل محطّات مهمة لنشر قواعد عسكرية وتسهيلات مختلفة للمراقبة وجمع المعلومات، فضلاً عن الاهتمام بالإكتشافات الخاصة بمصادر الطّاقة هناك لكون بكين تعتمد اعتماد كبير على إستيرادها النفطي من الخليج وأفريقيا، إذ تجد أن اقتصادها عرضة للتّهديد بفعل هذا الاعتماد الكبير على الخارج، وأن موارد الطّاقة في بحر الصين الجنوبي يمكّنها أن تساهم في تقليل حدة هذا الإنكشاف لحمايتها من أي ارتفاع مفاجئ لأسعار النفط بفعل أي اضطراب محتمل في مناطق الإنتاج.
ومعلوم أن ثمة خلافاً حاداً يدور اليوم بين الدول المتشاطئة على بحر الصين الجنوبي حول حقوق السيادة وما يترتّب عليها من تبعات قانونية تتعلق بممارسة ضروب النشاط البحري المختلفة، العسكرية والاقتصادية والتجارية والسياحية، حيث تستخدم الصين، باعتبارها الدولة التّي تدعي سيادتها على 80 في المئة من مساحة هذا البحر، كثيراً من القرائن الجغرافية والتّاريخية التي تبرّر بها سيادتها فيه وخصوصاً السيطرة على جزر سبراتلي وباراسيل، والتّي تحوي احتياطات واعدة في مجال الطاقة.
في مقابل ذلك، ترفض الدول الأخرى، وبخاصة الفيليبين وفيتنام، المزاعم الصينية، وتستخدم لهذا الغرض رؤاها الجغرافية الخاصة لإثبات عدم شرعية هذه الإدعاءات في مجال السيادة على هذا البحر. وتدعو هذه الدول إلى العمل لحل أزمة السيادة هناك، وما يترتب عليها من تعطيل مشاريع الاستثمارات عبر التعاون مع الشركات الأجنبية، وإلى العمل على تدوير القضية عبر طرحها في المحكام الدولية والاحتكام إلى قانون الأمم المتحدة للبحار في عام 1982، وهو أمر ترفضه بكين بشدة لكونها تؤمن بأن هذا البحر يخضع للقانون الصيني الخاص باعتباره بحراً داخليّاً.
وفضلاً عن صراع القوى الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، فإن للولايات المتحدة الأميركية مصالح جيوبوليتيكية في هذا البحر، باعتمادها الأساسي في حرية الملاحة فيه للسفن الأميركية التّي تجوب نطاقه لأغراض تجارية وعسكرية، إضافة إلى تأمين السبل التي تحول دون تحويل هذا البحر إلى مجال حيوي للمصالح الصينية فحسب، هذا فضلاً عن الرغبة في توظيف نقاط الضّعف الجغرافية فيه، عبر التّحكم في المضائق التّي تحيط به، سواء من طريق نشر القواعد العسكريّة، أو من طريق التّحالف مع القوى الصّديقة لأميركا المطلّة عليه.
وما يزيد من الأهمية الاستراتيجية لبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن موقعه الجغرافي والجزر الموجودة فيه، وموارد الطاقة المكتشفة فيه، حقيقة كونه أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي، ناهيك عن كونه يمتاز بوجود أكثر خطوط الملاحة إزدحاماً بحركة السفن في العالم، إذ أن نصف ناقلات النفط العالمية تمر عبر هذا البحر، وخصوصاً النّفط الآتي من الخليج إلى دول جنوب آسيا.
من هنا، يأتي بحر الصّين الجنوبي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد مضيق هرمز، في ظل ما يشغله من دور في خريطة التّجارة البحرية عبر العالم.