سامي بن عامر: استطيقا الفن وتفكيك المفاهيم
يعتبر "معجم مصطلحات الفنون البصرية"، أول عمل موسوعي عربي يدخل حقل الفنون التشكيلية في هذا القرن الجديد. ماذا قدم لنا سامي بن عامر؟
هل يمكن أن تقرأ معجماً يفسّر مفاهيم الفنون البصرية بمتعة شبيهة بتصفّح رواية خالدة، أو سماع أوبرا شهيرة، أو بنفس الاندهاش الذي يعتريك أمام تحفة معمارية لا تعبأ بالزمن؟
هل تصادفك الثقة ذاتها وأنت تفكّك ما استعصى عليك من كلمات لتجدها ضمن مؤلّف فكري وذوقي يجمع بين الوثوقية المعرفية وبراغماتية انتقاء المعلومة المفيدة من متون الكتب الأجنبية والدوريات والبحوث المهتمة بالفنون التشكيلية، وتمثّلاتها في الأنشطة الإنسانية كالمسرح والأدب والفلسفة والمستقاة من غاليريهات ومتاحف ومعارض من شتّى أنحاء العالم؟
من هذه الزاوية يمكننا أن ندرج معجم سامي بن عامر الذي صدر مؤخّراً عن "دار المقدّمة" في تونس في 758 صفحة، وضمّ مئات المصطلحات، وهو عمل توّج تجربة 30 عاماً من البحث الأكاديمي والنشاط الميداني وممارسة الرسم على محامل متنوّعة.
وقد ذكّر الحبيب سيدهم، رئيس جامعة تونس، بأنّ هذا المعجم "مكّننا من معرفة تخصّ مجال الفنون مباشرة. فهو أيضاً يضيء لنا عديد المسائل المتعلّقة باختصاصات مغايرة للعلوم الإنسانية وللعلوم الطبيعية وغيرها. فلا شك أنّ الفنون تمثّل مجالاً متفاعلاً مع كل المجالات المعرفية الإنسانية المختلفة. أمّا الإبداع فهو الخيط الذي يربط بينها، وهو ما يجعلنا نؤكّد أنّ هذا المعجم لا يتوجّه فقط إلى المختصّين في الفنون البصرية. بل أيضاً إلى الباحثين في عديد المجالات المعرفية".
ويفسّر الحبيب بيدة مكانة هذا العمل الذي يضاف إلى المكتبة العربية بقوله: "أعتقد أنّ كل الباحثين الذين حاولوا إنجاز مثل هذا البناء، كان تحديده يتجاوزهم بحكم طبيعة شكله ومرونة مادّته واختلاف طرق هيكلته في مجال زمني/مكاني صعب هو الآخر ويستعصي التحديد".
لماذا وكيف بنى بن عامر معجمه؟
يرى المؤلّف أن ّغياب المعاجم والقواميس المحكمة التي تساهم في شرح وتوضيح المفاهيم الاستطيقية الحافلة بالفنون التشكيلية أو التي تعالجها لفظياً، كان سبباً مهماً لإنجاز هذا العمل، إضافة إلى انشغاله القديم بقضية المصطلح منذ تسعينات القرن الماضي وخاصة منذ أن بدأ الخطوة العملية بتدريسه في "المعهد العالي للفنون الجميلة في تونس".
ويمكننا أن نستنتج أنه مواصلة أو امتداد لكتاب آخر كان قد صدر عام 2001 بعنوان"الفنون الجميلة، الاصطلاح وموقعه من الفكر الحديث".
ولم يكن جهد المؤلّف يقتصر على الناحية النظرية، لكنه تجاوزها إلى النشاط الميداني. فقد قام بسلسلة محاضرات موجّهة إلى أساتذة التعليم الثانوي لشرح المصطلحات الفنية، واهتمّ إعلامياً بهذا المبحث عبر إنجاز برامج إذاعية تناقش مفردات الفنون التشكيلية وتأصيلها تاريخياً وثقافياً، وكيفيّة تطوّرها عربياً وعالمياً والتعريف بأعلامها.
جمع المؤلّف في معجمه أغلب الفنون البصرية سواء القديمة منها أو الحديثة، كالفنون الحرّة في عصر النهضة الإيطالية أو ما اصطُلح عليه لاحقاً بـــ "الفنون الجميلة"، وكذلك بحث الإمكانات التشكيلية التي مثّلت انعتاقاً من قيود القواعد الكلاسيكية، وأضافت أصنافاً فنية لم تكن موجودة داخلها من قبل كالكولاج.
كما يضمّ المبحث الفنون التي أفرزتها التطوّرات العلمية والتي أنتجها مجال التواصل كالفنون الرقمية والفوتوغرافيا والفيديو وغيرها.
زيادة على البحث في راهنيّتها باعتبارها منتجات تفرض نفسها على المنشغل والمستهلك على السواء، عمد المؤلّف إلى إعطاء حيِّز هام إلى صبغتها النفعية وشرح تمظهراتها خارج نطاق المتعة البصرية ذاهباً إلى حقل الملموس.
وتمّ ترتيب معجم المصطلحات البصرية وفق ترتيب ألف بائي وعرض ببيلييوغرافيا الفنانين ونشأة المصطلح وشرحه من وجهة نظر العلوم الإنسانية كالأدب والتاريخ، إضافة إلى تأصيله في شهادات الفنّانين أنفسهم حول أعمالهم وتجاربهم، أو الاستدلال بما وجد في بعض القواميس بلغات غير عربية والتي ترجم منها شذرات.
وشرح عمله المتمثّل في إنجاز فصول مبوّبة للمصطلحات التي عالجها بقوله إنه: "تمّ إرفاق بعض المقالات بعناوين ثانوية إبّان التحرير لمزيد من الوضوح المنهجي، وتنقسم هذه المقالات إلى مواضيع مفهوميّة بالأساس وإشكاليات ترتبط بالمصطلح الفني والحقل اللغوي التقني ومواضيع تخصّ أحداثاً وأماكن ذات دلالة خاصة في تاريخ الفن العربي والعالمي".
ولم يغفل المؤلّف التغيّرات التي حدثت على مستوى المصطلحات والتي خضعت للمؤسّسات والحقول المعرفية التي ترفدها وتساهم في بلورتها، أو تطوير فضاءات البحث فيها ومجاوزة الإنجاز نحو مجالات أخرى، كما حدث مع "البوب آرت" أو الصورة الفوتوغرافية أو "البوديآرت".
لم ينس المعجم المنطقة العربية وتونس وعرّف بمدرسة تونس وأعلامها وظروف نشأتها وميزاتها ومسيرة الفنون التشكيلية التونسية، وخصوصيّات كل جيل من أجيالها الأربعة. كما نجد تعريفاً لمصطلح متحف وآخر بالمتاحف العربية من الجزائر والقاهرة وصولاً إلى أبو ظبي والأردن.
ولأن "المعهد العالي للفنون الجميلة" في تونس هو نتاج طبيعي لجيل من الفنّانين، الذين لعبوا دوراً هاماً في تشكيل الذائقة البصرية للمهتمّين بهذا الفن، فإن المؤلّف رصد له تعريفاً وتوسّع للبحث في مصطلح مدرسة معتمداً على أمثلة لبعض الأعمال الشهيرة في هذا البلد.
تجاوز إشكالية ترجمة المصطلحات الفنية
حاول بن عامر أن يكون معجمه منسجماً مع روح العصر، ومتناغماً مع طبيعة المصطلحات الحديثة والأجنبية عموماً بالحفاظ على روحها. ذلك أنّ كل لغة تحمل تجربة الفئة أو المجموعة التي نشأت فيها، وتتضمّن حمولتها التاريخية، وبالتالي فإنّ نقلها إلى تربة غير تربتها عبر تعريبها أحياناً أو تغييرها، يفقدها شحنتها الثقافية والجمالية، ويجتثّها من سياقها باعتبارها نتاج مذهب فلسفي أو أدبي ممتد في الفن، أو وليدة أيديولوجيا.
ففي باب أو فصل "الراء" نجد مصطلح "رادي ماد أو الجاهز" من دون تعريب. كما نجد تعريفاً له حسب مارسيل دوشامب "رادي ماد هو عمل فني من دون فنّان ينجزه"، ونجد مصطلح "بيتوراسك"من دون تعريب أيضاً مع تعريف له بأن "البيتوراسك، مصطلح فرنسي يقصد به حرفياً (مثل صورة) أو الذي يمكن أن يتحوّل إلى صورة".
ونجد أيضاً على مصطلح "فلوكسوس"، وهي حركة فنية تأسّست في الستينات وجمعت الفنون البصرية والموسيقى والأدب. ولم يغفل المعجم إمكانية إيجاد مرادف عربي لمصطلحات كثيرة مثل مصطلح فن كسوري ومتعدّد واللاشكلية.
إغراء المصطلح يلاحق الباحث والفنان
يعتبر معجم مصطلحات الفنون البصرية أول عمل موسوعي عربي يدخل حقل الفنون التشكيلية في هذا القرن الجديد، وسامي بن عامر من خرّيجي جامعة السوربون في باريس وهو أستاذ في "المعهد العالي للفنون الجميلة" ومديره سابقاً.
وشغل أيضاً خطّة مستشار في وزارة الشؤون الثقافية مكلّف بإعداد "المتحف الوطني الحديث والمعاصر" في تونس وله معارض وبحوث عديدة.
والمعروف أن معاجم الفنون التشكيلية شغلت الكثير من المهتمّين بهذا الحقل الجمالي سواء في تونس أو خارجها. لكن هذا المعجم المتخصّص يبقى أرضاً بِكْراً لم يتمّ الولوج إليها من قبل، وهو يفتح أمام القارئ العربي الأسئلة التالية: كيف نهتمّ بالفنون البصرية؟ هل نعود إلى مفهوم الجمال وصيرورة تطوّره فلسفياً؟ أم نتوسّل إلى التضادّ الذي يفصل بين الجمال وضدّه وهو ليس القبيح وليس النفعي، ونطرد بذلك التفسيرات والمذاهب المثالية ونتبع التيّارات الحداثية التي تعرّف الجميل بأنه نابع من الواقع وأصيل؟
من هنا تأتي الفنون البصرية حاملة قيمة جديدة، وهي التعبير عن الهامشي والاعتيادي ومن خلالها نفهم الممارسات الفنية المعاصرة، وما تتمخّض عنه من مصطلحات جديدة تتلاءم مع متطلّبات التطوّر التقني ولا ننسى ما حاولت التجارب السابقة أن تحرسه في معاجم قديمة مثل قاموس أو معجم الفنون الجميلة للفنان الأكاديمي أوجين دولاكروا الذي يعود إلى العام 1850 وبقي أشبه بملاحظات وتدوينات متفرّقة تعكس يوميّات الفنان ومشاغله وبقي ينتظر القرن العشرين حيث أكملته ماري لاري عام 1996، ومعجم الفنون الجميلة الذي يعود تاريخه إلى 1806وقد أنجزه ميلين ألبين لويس والذي اهتمّ بتأريخ الفنون وربطها بأحداث سياسية وربطها بالتغيّرات الاجتماعية التي حدثت في عصره ونجد في طيّاته عدداً من اللوحات والأعمال بمثابة نواة توجيهية للمهتمّين .
ومن المعاجم العربية الحديثة نذكر كمثال معجم مصطلحات الفنون الجميلة الذي أنجزه مجمع اللغة العربية في القاهرة وضمّ 657 مصطلحاً، ومعجم مصطلحات الفنون الذي أنجزه د .صلاح الدين أبو عياش وعدد صفحاته 1400 وهو مقسّم الى جزءين يتناولان: الفنون المرئية وغير المرئية.