الحلم الإمبراطوري الأميركي .. جذوره وسياساته
برز الدور الأميركي منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الذي نظر إليه الأميركيون باعتباره "قرناً أميركياً".
يبدأ كتاب "الإمبراطورية الأميركية – الجذور والسياسات" الصادر عن المعهد المصري للداسات السياسية والاستراتيجية بأسطورة "الإستثنائية الأميركية" التي تقوم عليها الولايات المتحدة كدولة فريدة، تحميها الميحطات ومعزولة عن أوروبا واَسيا ومتربعة على عرش النصف الغربي للكرة الأرضية.
يشكل هذا الكتاب مقدمة تمهيدية لفهم التركيبة السياسية للولايات المتحدة من بداية التأسيس وكيف تمددت لتصبح دولة كبيرة مكوّنة من 50 ولاية.
وقد برز الدور الأميركي منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الذي نظر إليه الأميركيون باعتباره "قرناً أميركياً".
يتحدث المؤلف في فصل "الرئيس إمبراطور ولكن" عن صلاحيات رئيس الجمهورية الواسعة والأجهزة التنفيذية التابعة لمؤسسة الرئاسة والتي تتألف من الوزارات المختلفة. وينص الدستور على أن الرئيس هو القائد الأعلى للجيش ولأسطول الولايات المتحدة.
ويتوقف المؤلف عند أهم وزارتين هما الخارجية والدفاع ودورهما في صنع وصياغة السياسية الخارجية للولايات المتحدة.
تقوم وزارة الخارجية بصياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ويعتبر وزير الخارجية مستشار الرئيس لشؤون السياسة الخارجية والرئيس المسؤول عن تمثيل الولايات المتحدة في الخارج.
وتقيم الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع 180 دولة بالإضافة إلى العديد من المؤسسات الدولية ولها أكثر من 250 بعثة حول العالم.
وبعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر2001 أصبحت قضية الإرهاب هي القضية الأولى للإدارة الأميركية، مما جعل وزارة الدفاع (البنتاغون) ذات أهمية محورية في صناعة القرار بشكل كبير وبالأخص في السياسة الخارجية. وأصبحت القرارات وصناعتها مرتبطة بموافقة خبراء وزارة الدفاع.
يتكون هيكل وزارة الدفاع المنوط بها تشكيل القوات المسلحة (البحرية والجوية والبرية) من: مكتب وزير الدفاع، رئيس الأركان المشتركة و3 أقسام عسكرية، 9 قيادات ومحقق عام، و15 وكالة دفاع، و7 أقسام لمجالات النشاط.
ويوجد ديوان تنفيذي للرئيس الأميركي مكوّن من: ديوان البيت الأبيض، ديوان الإدارة والميزانية، مجلس المستشارين الإقتصاديين، مجلس الأمن القومي، وديوان التمثيل التجاري.
وهناك هيئة مستشاري الرئيس وتنتظم في شكل مجالس ومكاتب برئاسة الجمهورية، مثل مجلس المستشارين الاقتصاديين، ومجلس بحوث الطاقة ومستشار الرئيس في شؤون الأمن القومي الذي يعتبر أهم هيئة استشارية في شؤون السياسة الخارجية. وتتولى مكتب الرئاسة إدارة شؤون الرئاسة.
مراكز الدراسات الإستراتيجية
تلعب مراكز الدراسات دوراً مهماً في صنع القرار في النظام الأميركي. وقد كانت بداية نشأتها مع "مجلس العلاقات الخارجية" في نيويورك الذي تاسس عام 1919. وقد حدد إطار عمله بأنه "متابعة الأوضاع الدولية وإثارة اهتمام الراي العام الأميركي بها، وتأسيس موقع نفوذ يدعو إلى دور أميركي فاعل في تشكيل القرار الدولي".
وقد اعتمد "مجلس العلاقات الخارجية" عند نشأته على عناصر من وزارة الخارجية والاستخبارات الأميركية ورجال الأعمال. فقد كان عمله في البدء أشبه بما تقوم به الجمعيات السرية، حيث لم يكن مؤسسوه واثقين من تقبل الحكومة الأميركية لدوره. وقد استطاع إثبات وجوده.
ويبيّن كتاب "الإمبراطورية الأميركية – الجذور والسياسات" أن "مجلس العلاقات الخارجية" كان في البداية "مجرد مركز تفكير"، ثم تحول إلى "إمكانية التأثير"، إلى حد أن المجلس أصبح مجمعاً لنشاط أبرز العناصر الضاغطة على حتمية دخول أميركا ومشاركتها في الحرب العالمية الثانية، لكي تضمن لنفسها كلمة مسموعة عند توزيع مناطق النفوذ، وتؤكد حقها في رسم الخطوط المستجدة على خريطة عالم سوف يعاد تشكيله بعد الحرب.
ثم نشأت عشرات ومئات المؤسسات والتي تحمل أسماء أصحاب أكبر المصالح، وتمكنت حتى أضحت كل واحدة منها "شبه حكومة" تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي وتمارس نشاطات غير محدودة في مجال التفكير الاستراتيجي ورسم السياسات.
وفي إطار هذه المراكز ظهر أبرز مفكري الاستراتيجيا وصانعي القرار في الولايات المتحدة مثل هنري كيسنجر وزبيغنيو بريجينسكي.
ويتحدث كتاب "الأمبراطورية الأميركية – الجذور والسياسات" عن نائب الرئيس الذي يختاره الرئيس ويساعده فيما يوكله إليه من مهام. ويرشح نائب الرئيس وينتخب بنفس الطريقة التي يرشح وينتخب بها الرئيس. وواجبه الدستوري الوحيد أثناء حياة الرئيس ينحصر في رئاسة مجلس الشيوخ والاقتراع في حالة تعادل في الأصوات.
هناك وكالات تنفيذية ومستقلة تضم أكثر من 75 وكالة ومؤسسة ومكتب تابع للحكومة الفيدرالية وأبرزها وكالة الاستخبارات المركزية المكونة من 13 وكالة وهيئة تعمل في أنشطة الاستخبارات.
صعود الإمبراطورية الأميركية
مع بداية القرن العشرين، بدأ نفوذ القوى التقليدية يتلاشى وبرزت نظرية جديدية تقوم على أن القرن العشرين ستهيمن عليه أربع إمبراطوريات عظمى: بريطانيا، فرنسا، أميركا، والمانيا.
وقد كانت هناك توقعات بأن الولايات المتحدة قد تصبح يوماً مركزاً للشؤون العالمية وكان العامل الأول وراء هذه التوقعات هي الإمكانيات المادية التي تتمتع بها.
يقول المؤلف: في خضم هذه التطلعات ولد مفهوم "القرن الأميركي" الذي أصبح من أشهر المفاهيم في التاريخ الدولي الحديث. والذي صاغه الكاتب الأميركي "هنري لويس" عام 1941 عندما عنون به مقالاً في مجلته "لايف" قبل أشهر من هجوم هتلر على الاتحاد السوفياتي وقصف اليابان لبيرل هاربر حيث قال: "الخبرة الأميركية هي مفتاح المستقبل ويجب أن تكون في الأخوية البشرية مثل الأخ الاكبر للأمم". وكتب المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي أن أميركا ألقت بأوروبا في "الظل الأميركي". وفي الخمسينات أصدر تونبي كتابه "دراسة في التاريخ" اعتبر فيه أن القرن العشرين هو "القرن الأميركي".
لقد كان "الحلم الإمبراطوري" هو الدافع لسياسات أميركا التي مارستها الإدارات الأميركية المتعاقبة. ويجب أن ندرك أن سياستها الدولية تنطلق بأن أميركا إمبراطورية. فقد بدأت منذ عام 1950 تتبع استراتيجية كونية تقوم على أساس "أن النظام الإجتماعي والسياسي والأيديولوجي الأميركي يجب أن يكون كونياً، بحسب حسب وثيقة مجلس الأمن القومي رقم 68 لعام 1950.
إن فكر الهيمنة الأميركية ولد مع البدايات الأولى لظهور أصول الأمة الأميركية الأولى حيث بقيت هذه الهيمنة تمثل جوهرها الأساسي.
وفي عام 1896 قال الكاتب الصحافي الأميركي هنري واترسون: "نحن جمهورية إمبريالية كبيرة مقدر لها أن تمارس تاثيراً على البشرية وأن تصنع مستقبل العالم مما لم تقدر عليه أي أمة أخرى وحتى الإمبراطورية الرومانية".
وقد ارتبطت لدى الأميركيين بعد الحرب العالمية الثانية فكرة "القرن الأميركي" بفكرة "تعاقب القوة-الحضارة عبر التاريخ"، وكتب المؤرخ الأميركي كارل بيكر عام 1947 عن تعاقب الإمبراطوريات من بابل إلى روما إلى أسبانيا إلى بريطانيا .. إلى أميركا. وألقى رالف فلاندرز سلسلة محاضرات في جامعة هارفارد عام 1950، عن تعاقب القوى ـ الحضارات.
وقد تحدث أهم المفكرين والكتاب الأميركيين عن الهيمنة الأميركية، فكتب وليام كريستول وروبرت كاجان في "ويكلي استاندرد": "نعم أميركا إمبراطورية ويجب أن تتصرف على هذا الأساس .. مستفيدة من تفوقها العسكري الكاسح. ووصف "برجينسكي" في كتابه "رقعة الشطرنج الكبرى" حلفاء الولايات المتحدة بأنهم "توابع وخدم". وقال ديفيد روثكوف: "على الأميركيين ألا ينفوا الحقيقة.. فإن من بين كل أمم العالم.. تعتبر أمتهم الأكثر عدلاً والأفضل كنموذج للمستقبل".
وتحدث الرئيس الأميركي السابق جورج بوش (الإبن) قائلاً: "إن الهدف الأساسي للولايات المتحدة هو الحيلولة دون صعود أي منافس محتمل لها في المستقبل سواء كان الصين أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي أو أي دولة أخرى أو مجموعة من الدول المتحالفة".
وهذه ما أكدته مجلة "فورين بوليسي" عبر أحد مقالاتها بأن للولايات المتحدة ثلاثة أهداف هي: النفط ودول الخليج، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ومنع ظهور أي قوة عظمى تهدد أميركا كقوة عظمى.