الحروب المالية الأميركية وتأثيرها على لبنان - 2 من 2
تتخذ الولايات المتحدة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الفساد ذريعة لفرض عقوبات جائرة ضدّ الدول والشعوب التي لا تسير في فلكها
في الحلقة الثانية من مراجعة كتاب "الحروب المالية الأميركية" للباحث الدكتور أحمد سويدان، ستتمّ الإضاءة على بعض من أبرز النقاط المهمة التي تعالجها الدراسة في قسمها الثاني. فيما سيتم التركيز على بعض أبرز الهيئات والمجموعات المالية وعملها لتُعين في فهم كيف يُصبح لبنان نموذجاً من استهدافات الحروب المالية الأميركية، وتُضيء على كيفية امتثال النظام المالي اللبناني للإجراءات المالية الدولية والوطنية باعتباره النموذج للأسواق-الدول الصغرى.
أولاً: إذ كان لا بُدّ من وصفٍ للنظام النقدي والمالي الدولي المعاصر يوازي "القاعدة الذهبية" و"القاعدة الدولارية" فسيوصف بنظام "القاعدة المعلوماتية"، وفق الباحث سويدان، حيث ستتحدّد فاعلية المنظمات والهيئات النقدية والمالية الدولية الجديدة انطلاقاً من قدرتها على توفير المعلومات واستثمارها بسرعة ودقّة. وسيُصار نحو "نظام متعدّد المستويات يشرف على شبكة معقّدة من الأسواق المالية المتداخلة عالمياً"، تتشارك المسؤولية فيه الهيئات السيادية مع مؤسسات القطاع الخاص.
القسم الثاني من الكتاب يأتي تحت عنوان "الهيئات المالية الدولية ودورها في تحقيق الاستقرار والنزاهة في النظام المالي الدولي"، وينقسم الى فصلين.
يتناول الفصل الاول، مجموعة العشرين (G20) باعتبارها الإطار القيادي للنظام النقدي والمالي الدولي المعاصر بالتوازي مع استمرار مجموعة السبعة (G7)، إضافة الى تداعيات موقع ودور هاتين المجموعتين على المساواة السيادية بين الدول. ويتطرّق البحث الى لجنة بازل للرقابة المصرفية (BCBS)، باعتبارها الهيئة الأم للهيئات المالية الدولية المعاصرة، أو الهيئات الواضعة للمعايير التنظيمية والرقابية (SSBs). يليه عرض وتعريف مفصّل لأبرز هذه الهيئات بعد لجنة بازل، وهي المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية (IOSCO)، والاتحاد الدولي لمراقبي التأمين (IAIS)، والتي تدخل جميعها ضمن فئة الهيئات القطاعية الواضعة للمعايير، ومن ثم لمجلس الاستقرار المالي (FSB) الذي أنشأته مجموعة العشرين في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، كذراعٍ تقنية لها على رأس النظام المالي الدولي، وبعدها للإجراءات التي تُقرّها هذه الهيئات وآليات التحقّق من الامتثال لها.
أمّا الفصل الثاني، فيعرض تطور مفهوم الاستخدام غير المشروع للنظام المالي الدولي، ولا سيما في تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والفساد ومكافحة هذا الاستخدام من خلال لجنة بازل ومجموعة العمل المالي، ومن ثم البُنية التنظيمية للأخيرة وآليات عملها كأبرز الهيئات التقنية التخصصية الواضعة للمعايير ذات الصلة بالحفاظ على نزاهة هذا النظام ومنع إساءة استخدامه. بعدها، يتم عرض مجموعة (Egmont)، لوحدات المعلومات المالية الوطنية التي لا تُعتبر من الهيئات المالية الدولية الواضعة للمعايير، لكنها الجهاز الدولي الذي يجري من خلاله تبادل المعلومات المالية ذات الصلة بالحفاظ على نزاهة النظام المالي الدولي ومنع إساءة استخدامه، واتخاذ الإجراءات اللازمة على هذا الصعيد، ولا سيما منها تجميد الأصول المالية.
المنظمات المالية الدولية
ثانياً: بحسب صندوق النقد الدولي، واستناداً الى تعدّد الأشكال التي تتخذّها الجرائم المالية إضافة الى إساءة استخدام النظام المالي الدولي، تنقسم المنظمات وهيئات التعاون الدولية الى ثلاث مجموعات:
الأولى: المنظمات والهيئات التي تُعنى فقط بالقضايا المالية/ الرقابية، وهي الى صندوق النقد والبنك الدولي، تضمّ كلاً من لجنة بازل للرقابة المصرفية، المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية، الاتحاد الدولي لمراقبي التأمين.
الثانية: الهيئات والمنظمات التي تُعنى بالاضافة الى القضايا المالية/ الرقابية بالقضايا القانونية والإنفاذ الجنائي وهي مجموعة العمل المالي (FATF) والأجهزة الإقليمية على نسقها (FATFBs)، منظمة الامم المتحدة، مجلس أوروبا/ منظمة الدول الأميركية، سكرتاريا دول الكومنولث، الاتحاد الأوروبي.
مجموعة إغمونت
الثالثة: الأطر التعاونية التي تُعنى فقط بالقضايا القانونية والإنفاذ الجنائي وتضم مجموعة (Egmont) ومنظمة الانتربول.
ستتكامل المنظمات والهيئات المذكورة في ما بينها، وفق ما تُبيّنه الدراسة، وستستهدف أدواتها القانونية في جزء منها الأعمال الإجرامية التي تنتج الأموال غير المشروعة بغرض القضاء عليها، وسيُعنى الجزء الآخر من الأدوات بحركة الأموال، وتلك ذات المصدر المشروع، ولكن التي تستخدم لغايات غير مشروعة، لمنعها من الدخول الى النظام المالي الدولي من خلال أي من الأنظمة المالية الوطنية المكوّنة له، وتدارك التداعيات السلبية لذلك على استقرار القطاع المالي وتطوره. وفي حين سيغلب على الفئة الأولى من هذه الأدوات طابع الاتفاقيات الدولية، ستتخذ الفئة الثانية منها شكل "القانون الناعم"، انطلاقاً من طبيعتها المالية.
في الإطار، يشدّد الباحث على أنّ الإجراءات المالية وغيرها لا يمكنها أن تقضي تماماً على الجريمة، أو تمنع بالكامل إساءة استخدام النظام المالي الدولي والأنظمة المالية الوطنية المكوّنة له. وتوضح الدراسة أنّ الإجراءات لم تنشأ أيضا ًدفعة واحدة، تماماً كما الإجراءات التي أقرّتها الهيئات المعنية بالحفاظ على الاستقرار في النظام المالي الدولي.
وتشير الدراسة إلى أنّ أول الإجراءات على مستوى النظام المالي الدولي لمكافحة "تبييض الأموال" ومنع الاستخدام الجرمي لهذا النظام اتخذته لجنة بازل للرقابة المصرفية. ومن ثمّ مجموعة العمل المالي، وهي "جهاز حكومي" دولي تتحدّد مهمته "بوضع المعايير التنظيمية وتعزيز التنفيذ الفعّال للإجراءات القانونية والتنظيمية والعملانية ذات الصلة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل"، وغير ذلك من التهديدات التي تستهدف نزاهة النظام المالي الدولي. المجموعة تعمل أيضاً مع غيرها من الهيئات والمنظمات الدولية المعنية على تحييد "نقاط الضعف في الأنظمة الوطنية" باعتبارها المدخل الى النظام المالي الدولي بغاية تأمين "الحماية" ضدّ إساءة استخدام هذا النظام.
أمّا لبنان فينتمي إلى مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA-FATF)، والتي تلعب دوراً كبيراً في تأمين امتثال دول المنطقة العربية لمعايير مجموعة العمل المالي.
في سياق متصل، تسلّط الدراسة الضوء على مجموعة (Egmont) لوحدات المعلومات المالية. المجموعة، هي "جهاز دولي" تتألف عضويته حصراً من وحدات المعلومات المالية في الدول الأعضاء، ويهدف الى تأمين التبادل الآمن والفعّال للمعلومات المالية ذات الصلة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب" وغيرها من الاستخدامات غير المشروعة للنظام المالي الدولي، حيث توصف بأنّها "الذراع العملانية للبُنية المؤسساتية الدولي" في الشأن.
وحدة المعلومات المالية
أمّا "وحدة المعلومات المالية"، وفق ما توضحه الدراسة، فهي جهاز حكومي مركزي من ضمن الهئيات الوطنية المعنية بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، تتحدّد مهمته بشكل أساسي في طلب وتلقّي المعلومات المالية والتقارير من المؤسسات المالية العاملة في نطاقها السيادي حول العمليات المالية المشبوهة ذات الصلة وتحليلها، وإحالتها الى أجهزة إنفاذ القانون والى وحدات المعلومات المالية في الدول الأخرى واتخاذ ما يلزم بشأنها بحسب قانونها الوطني.
عند هذا الحدّ، تُلفت الدراسة، إلى وثيقة "آلية المساندة والامتثال" التي أقرّتها المجموعة العام 2015. ففي حين أنّ الوثيقة لا تتمتّع بقوة "الإلزام" للـ"إمتثال" لمعايير مجموعة العمل المالي، كان خيار فرض "العقوبات".
الطبيعة التقنية المعلوماتية للمجموعة تتمثّل في نظام تواصل الكتروني مشفّر يتيح مشاركة المعلومات الاستخبارية والمراسلات بين الوحدات المالية وغيرها من المعلومات ذات الصلة بالمجموعة وأعضائها. ويُعتبر الوسيلة الأكثر محورية في ضمان فاعلية عمل المجموعة التي أنشأته بدعم من هيئة مكافحة الجرائم المالية الأميركية- أي وحدة المعلومات المالية الأميركية. فيما أقرّت المجموعة وثيقة مبادئ تبادل المعلومات بين وحدات المعلومات المالية، والتي تعتبر الأساس الذي تعتمده الدول عند صياغة "مذكرات التفاهم" المشتركة في ما بينها وتتمتع بقوّة الإلزام.
التفاوت الهائل في الإمكانات التقنية التي تمتلكها وحدة الاستخبارات المالية الأميركية وتلك التي تمتلكها هيئة التحقيق الخاصة في لبنان أو غيرها من الوحدات في دول العالم الثالث، يكرّس عملياً، وفق الباحث سويدان، هيمنة الأسواق الكبرى وقدرتها على الحصول على المعلومات في قضايا الإرهاب التي تبقى مشرّعة على اعتبارات سياسية وأمنية لا يمكن حصرها.
مكافحة تبييض الأموال
أمّا في ما يخصّ لبنان وأبرز التزاماته القانونية في الشأن، فقد أقرّ القانون 318 في 20/4/2001(مكافحة تبييض الأموال) إنشاء وحدة معلومات مالية، وهي "هيئة التحقيق الخاصة" التي انضمت الى مجموعة (Egmont) في العام 2003 مباشرة بعد شطب اسم لبنان عن لائحة مجموعة العمل المالي (FATF) للدول غير المتعاونة، وشاركت في العام 2011 في فريق مراجعة ميثاق المجموعة، وفق ما توضحه الدراسة. فيما تتمثّل مهمة الهيئة بـ"تلقّي الإبلاغات وطلبات المساعدة وإجراء التحقيقات في العمليات التي يُشتبه بأنها تشكل جرائم تبييض أموال أو جرائم تمويل إرهاب، وتقرير مدى جدية الأدلة والقرائن على ارتكاب هذه الجرائم أو إحداها واتخاذ القرار المناسب بشأنها... ويحصر بالهيئة.. حق تقرير التجميد النهائي للحسابات و/أو العمليات المعنية و/أو رفع السرية المصرفية لمصلحة المراجع القضائية المختصة ولمصلحة الهيئة المصرفية العليا عن الحسابات أو العمليات التي يشتبه بأنها تتعلق بتبييض أموال وبتمويل إرهاب".
كما أقرّ القانون 32 في 16/10/2008 "توسيع صلاحية هيئة التحقيق الخاصة لتشمل الفساد"، تطبيقاً لاتفاقية الأمم المتحدة ذات الصلة. وفي سياق مكافحة الفساد، يأتي إقرار مجلس النواب اللبناني لـ"قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع" ( القانون 189 في 16/10/2020) و"قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" (القانون 175 في 8/5/2020).
الحروب المالية الأميركية على لبنان وإيران
ثالثاً: الحروب المالية التي تشنّـها الولايات المتحدة منذ عقدين من الزمن، شملت دولاً وأفراداً ومؤسسات تجارية ومالية وكيانات غير دولتية، من لبنان وحزب الله والأفراد والمؤسسات المالية والتجارية المرتبطين به، الى إيران والحرس الثوري فيها وبنكها المركزي ومؤسساتها الاقتصادية المختلفة، وروسيا وكوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها.
المفارقة المُلفتة في الإطار، التي تذكرها الدراسة، أنّ الحروب المالية لم تضطلع بها الدولة الفدرالية الأميركية فقط، وإنما تعدّتها الى الولايات والمدن وفي مقدمها ولاية نيويورك، وأيضاً الى قطاعات واسعة من المواطنين الأميركيين والمنظمات غير الحكومية بما يشبه حالة التعبئة العامة أو الاستنفار العام.
والمُفلت أيضاً أنّ أسلحة الحروب المالية لم تقتصر على الإجراءات التي تصدر عن الهيئات التنظيمية والرقابية أو القوانين التي يقرّها الكونغرس ومجالس نواب الولايات المتحدة والأوامر التنفيذية التي يصدرها الرئيس وتصدر لوائحها التنفيذية لاحقاً وزارة الخزانة، بل تعدّتها الى الملاحقات القضائية أو التهديد بها، ولغايات سياسية مختلفة.
ويلفت الباحث الى أنّ الملاحقات "شملت قضايا تحفظها الذاكرة الأميركية بلا كلل، من تفجير مقر المارينز في بيروت واتهام ايران وحزب الله بالتفجير، وصولاً الى الثابتة الرئيسية في السياسة الخارجية وهي حماية العدو الإسرائيلي من خلال رفع دعاوى ضد حركات المقاومة الأخرى في فلسطين وعلى رأسها منظمة التحرير وحماس والجهاد الاسلامي..".
الإجراءات المالية الأحادية
رابعاً: تعمل الإجراءات المالية الأحادية على أساس استهداف المؤسسات المالية للدولة- السوق المُعاقَبَة ومواطنيها ومسؤوليها الرسميين في مختلف تعاملاتهم المالية، سواء كانت التعاملات مع المؤسسات المالية للدولة أم الدول المُعاقِبة التي لا يقع عليها فقط وقف تعاملاتها مع المؤسسات والأفراد، بل وأيضاً تسخير إمكاناتها المختلفة مثل المعلومات التي تكون في حوزتها وتلك التي يمكن أن تحصل عليها في خدمة الهيئات الرقابية في أسواقها تحت طائلة عقوبات مختلفة. أو كانت مع المؤسسات المالية للدول-الأسواق الثالثة من خلال تهديد الأخيرة بذات الإجراءات ضدّ مؤسساتها المالية، وهو ما يُعرف بـ"العقوبات الثانوية"، إذا لم تُبدِ التعاون المطلوب في وقف التعامل مع هذه السوق- الدولة المُعاقَبة، أو إذا ما تقاعست عن تزويد الأسواق/السوق المُعاقِبة بالمعلومات المالية التي تطلبها أو أي طلبات أخرى.
العقوبات على بنك جمال
وتلفت الدراسة إلى أنّ التهديدات تقترن غالباً - باختلاف الظروف وحجم الدول/ الأسواق الثالثة، بتقديم المساعدات المالية والتقنية لها والحوافز الاستثمارية لمؤسساتها. وإذ تجد الأسواق الثالثة نفسها في موقع الخيار بين التعامل مع الأسواق الكبرى وبالرضوخ لإملاءاتها والاستفادة من حوافزها، فإنّ مؤسساتها المالية ستدفع بشكل مباشر نحو الخيار الأول انطلاقاً من مصلحتها السوقية، وبالتالي باتجاه امتثال الهيئات التنظيمية فيها لمقتضيات إجراءات السوق/الأسواق الكبرى. وإذا لم تفعل، ستجد نفسها عاجلاً ام آجلاً، أمام غرامات مالية باهظة، وملاحقات قضائية، واحتمال منعها من التعامل مع السوق الأميركية ومن خلالها مع أنظمة الدفع بالدولار. وسيعني "المنع" فصلاً كاملاً للبنك عن النظام المالي الدولي، وفي حال حصوله يكون الأمر بمنزلة حكم الإعدام على المؤسسات المالية، كما حصل، على سبيل المثال لا الحصر، في لبنان مع "بنك جمّال" عام 2019 بعد إدراجه من قبل وزارة الخزانة الأميركية- مكتب الأصول الاجنبية على قائمة المؤسسات المالية التي يُحظر التعامل معها، وقبله عام 2011 مع البنك اللبناني الكندي.
فبنك جمّال، اضطُر الى التقدّم من مصرف لبنان بطلب الموافقة على "التصفية الذاتية"، بمجرد أن أدرجته الخزانة الأميركية على قائمة البنوك التي يُحظر التعامل معها من قبل مؤسساتها المالية لاتهامه بتمويل الإرهاب وتقديم خدمات مالية لمصلحة حزب الله ومؤسساته والعاملين فيها.
ويشير الباحث إلى أن البنك كان ولايزال يحتفظ بملاءته الكاملة وزبائنه وأعماله وفروعه ووحداته الخارجية وفق القوانين والإجراءات التنظيمية التي يعتمدها لبنان في قطاعه المصرفي على أساس المعايير الدولية ذات الصلة. والمُفارقة هنا، أن لا شائبة مطلقاً تشوب أعمال البنك أيضاً حتى بالاستناد الى تعميم مصرف لبنان الشهير رقم 137 تاريخ 3/5/2016 المتعلق بـ"أصول التعامل مع القانون الأميركي الصادر بتاريخ 18/12/2015 وأنظمته التطبيقية والذي صدر تحت عنوان "منع ولوج حزب الله" الى النظام المالي الدولي.
لكن، وعلى اعتبار أنّ المؤسسات المالية الوطنية الأخرى ستُحجم عن التعامل مع البنك حتى لا تُتهّم من قبل الخزانة الأميركية باتهامات مماثلة، فتنتهي بدورها الى مصير مماثل، وجد مصرف لبنان نفسه مضطراً الى خيار تصفية البنك حرصاً على سلامة القطاع بأكمله، والتي يُشكّل التعامل مع المؤسسات المالية الأجنبية حجر الزاوية فيها، باعتباره بوّابة العبور الى أسواق دولها وعلى رأسها السوق الأميركية، وفق ما توضحه الدراسة.
التحريض الإسرائيلي على المصارف اللبنانية
يلفت الباحث إلى أن الخطورة الأكبر تكمن في أنّ التحريض على المصارف اللبنانية قد تم من جهاز الموساد الإسرائيلي، وبغفلة وعدم اكتراث شبه كاملين من المؤسسات الرسمية اللبنانية.
وقد عمدت وحدة المعلومات المالية الأميركية الى إصدار الإجراءات اللازمة التي تمنع بموجبها المؤسسات المالية الأميركية من فتح أو الاحتفاظ بحساب "مُراسل" أو حسابات الدفع المباشرة للمصارف المُراسِلة للبنك اللبناني الكندي. ويتبيّن أنّ "قانون معاقبة حزب الله"، لم يذهب الى منع الحزب من الدخول الى النظام المالي الأميركي والتعامل مع المؤسسات المالية الأميركية، وإنّما الى منعه من الدخول الى النظام المالي الدولي نفسه، وهو الأمر الذي يعكس حقيقة أنّ الولايات المتحدة تتصرّف كحارسة لهذا النظام وبوابة العبور إليه، فهي الدولة الكبرى الذي يستمد هذا النظام وجوده من قيادتها، يقول الباحث.
ولا يغيب عن البال، أنّ تعميم مصرف لبنان رقم 137 في 3/5/2016 يوجب على المصارف "تنفيذ عملياتها بما يتناسب مع مضمون القانون الأميركي" وأنظمته التطبيقية، وإبلاغ "هيئة التحقيق الخاصة" بالإجراءات التي تتخذها في الإطار. وهذا ما مؤدّاه أنّ مصرف لبنان ينطلق في تعميمه من أنّ هذا "القانون الأجنبي هو واجب التطبيق في النطاق السيادي اللبناني" .
*ياسمين قعيعق كاتبة لبنانية.
لقراءة الحلقة الأولى إضغط هنا.